شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد.. صور الفنانة ندى القلعة تزين شوارع أم درمان.. شباب سودانيون يعلقون لافتات عليها صور المطربة الشهيرة (يا بت بلدي أصلك سوداني) والأخيرة ترد: (عاجزة عن الشكر والتقدير)    شاهد بالصورة والفيديو.. طفل سوداني غاضب يوجه رسالة للمغترين ويثير ضحكات المتابعين: (تعالوا بلدكم عشان تنجضوا)    شاهد بالصورة والفيديو.. عريس سوداني يحتفل بزواجه وسط أصدقائه داخل صالة الفرح بالإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشورة الشعبيَّة: وصفة لصراع جديد في جبال النُّوبة ... بقلم: د. قندول إبراهيم قندول
نشر في سودانيل يوم 08 - 11 - 2010

إنَّ اتفاقية السلام الشامل، التي أُبرمت بين حكومة السُّودان والحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان في منتجع نيفاشا بكينيا العام 2005م، قد منحت ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بروتوكولاً خاصاً، وآخر لمنطقة أبيي الواقعة ضمن حدود ولاية جنوب كردفان، وذلك من أجل فض النزاع السياسي الذي نشب في هذه المناطق التي عُرفت أثناء المفاوضات الماراثونيَّة ب"المناطق الثلاث". ومن أهم عناصر البروتوكول الذي مُنح للولايتين ما أسماه طرفا الاتفاقية ب"المشورة الشعبيَّة" والتي جاءت في الفقرة 3 وبنودها3.1 – 3.6. هذا البروتوكول يعتبره كثير من النَّاس مقترحاً غامضاً وحمَّالاً لأوجه، وذلك نسبة للتفسيرات والتأويلات الكثيرة، وعلى حسب الميول السياسيَّة للمفسِّر له. فيمكن وصف حالة المشورة الشعبيَّة بمحاولة خلق ولايتين ذات خصوصية وأفضلية مغشوشة ضمن حدود شمال السُّودان إذا ما انفصل الجنوب، أو حالة ثانية ذات خصوصيَّة إذا توحَّد السُّودان لأن سيكون هناك الجنوب وأبيي. ولكن السؤال المهم هو هل يمكن أن تتمتع هاتان الدولتان بهذه الخصوصيَّة إذا قدِّر لهما أن تتكونا أم سيندلع فيهما صراع أكثر عنفاً من ذي قبل؟ إنه من الصعوبة بمكان الإجابة على هذه الأسئلة مهما حاولنا.
ودون الانغماس في التعاريف المعقَّدة لمصطلح المشورة الشعبيَّة وأنواعها المختلفة، فتُعرف في القانون الدستوري بأنَّها "المداولات العامة بواسطة صناع القرارات كهيئة منتخبة وكمشرعين لاتخاذ القرارات على ممارسة شكل من أشكال المشاركة السياسيَّة". ومن أنواع المشورة الشعبيَّة ما يسمى ب"الاستفتاء المُباشر" (Direct Referendum Decision) والذي يتم ب"التصويت المباشر" بواسطة جميع جمهور الناخبين (المستوفين لشروط التصويت) والذي يطلب منهم فيه قبول أو رفض اقتراح معين والذي قد يؤدي أو ينتج عنه إعتماد سياسة حكوميَّة محددة أو اقتراح محدد". عند فحص هذين المصطلحين كنتاج لعملية ديمقراطيَّة يمكن ببساطة الاستنتاج بأن المشورة الشعبيَّة التي حظيت بها ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تفتقر تماماً من عنصر "التصويت المباشر لكامل الناخبين لقبول أو رفض الاقتراح"، وبالتالي تشبه عملية المشورة الشعبيَّة هذه ما يُعرف ب"الديمقراطية الشعبيَّة" (Grassroots Democracy) والتي فيها تكون سلطة صنع القرار في أيدي مجلس الولاية خلافاً لحالتي الاستفتاء المُباشر أو الديمقراطية التوافقيَّة (Consensus Democracy) والتي فيها تُأخذ في الحسبان آراء قطاع عريض من المواطنين تأكيداً لمشاركتهم في العملية الديمقراطيَّة.
على أية حال، فمع اقتراب المحطة الأخيرة لإنفاذ كامل استحقاقات اتفاق السلام الشامل وإجراء المشورة الشعبيَّة تصاعدت حدة التوترات بشكل كبير بين المواطنين والأطراف الموقعة على الاتفاقية على حدٍ سواء مع الشعور العام في أوساط الجمهور في الولايتين بأن اتفاق السلام الشامل قد فشل في معالجة أسباب جذور المشكل التي أدت للصراع في مناطقهم المتنازع عليها. تمثلت خيبة أملهم في أنَّ الاتفاق أخرج مشروع المشورة الشعبيَّة الغامض التعريف. إذ نتج عن التعقيدات التعريفيَّة له نوع من الإرباك والتقسيم لآراء ومفاهيم الناس. فهناك من ينظر إلى المشورة الشعبيَّة بأنَّها تقرير المصير، مما يوحي للمجموعة التي تناهض مبدأ تقرير المصير لجنوب كردفان بأن "النوبة" في الحركة الشعبيَّة يأتمرون بهم، وبالتالي استغلت الحكومة هذه الفرصة لقرع طبول النزاع بين جميع أبناء الولاية. أما المجموعة الثانية فترى أنَّ المشورة الشعبيَّة هي صيغة توفيقيَّة للحكم الذاتي الكامل، والفرقة الثالثة والأخيرة تعارض بشكل قاطع المشورة الشعبيَّة لأنها تعتقد أن اتفاقية السلام الشامل لم تكن سخية في منحهم حق ممارسة حقهم الدستوري في تقرير مصيرهم السياسي أسوة بأخوتهم في الجنوب أو أبيي، على الرغم من نضالهم الشرس ودعوتهم العالية لسُّودان موحد على أسس جديدة، أي ما يعرف في أدب الحركة الشعبيَّة السياسي بالسُّودان الجديد.
مهما يكن من الأمر، فمن أجل تقويض أية كارثة أو ما قد ينجم عن تنفيذ المشورة الشعبيَّة قامت حكومتا الولايتين بمبادرة ضرورية أوفدت بموجبها ممثلين للولايتين لزيارة علمية إلى إندونيسيا للدراسة والاستفادة من تجربة تيمور الشرقيَّة في مسألتي الاستقلال والحكم الذاتي المحلي. نعتقد أن هذه المبادرة كانت صحيحة على الرغم من صعوبة مقارنة حالة الولايتين بتيمور الشرقيَّة وذلك لسببين: الأول هو أنَّه سمح لكل الناخبين التيموريين بالداخل والخارج بالتصويت المباشر (الاستفتاء المقرر). والسبب الثاني هو أنَّ المرتكزات الأساسيَّة التي قامت عليها المشورة الشعبيَّة في تيمور الشرقيَّة تمحورت حول سؤالين هما: (1) هل تقبل الحكم الذاتي الخاص المقترح لتيمور الشرقيَّة ضمن جمهورية إندونيسيا الموحدة أم (2) هل ترفض الحكم الذاتي الخاص المقترح لتيمور الشرقيَّة، مما سيؤدي لانفصال تيمور الشرقيَّة عن إندونيسيا؟ إذاً نلاحظ - خلافاً للوضع في تيمور الشرقيَّة – أنَّ المجلس التشريعي للولايتين (كل على حده) سيحدد "القصور الدستورية، السياسيَّة والترتيبات الادارية والاقتصاديَّة المنصوص عليها في اتفاقية السلام الشامل" وليس في الأمر خيار بين الاستقلال أو بقاء كجزء من الشمال أو الجنوب كما هو الحال في أبيي؛ وستظل المنطقتان ضمن جمهورية السُّودان بغض النظر عما سيتمخض عن المشورة الشعبيَّة أو إذا تمت أم لم تتم حلحلة القضايا التي قادت في الأساس إلى نشوب الحرب في السنوات الماضية.
على ما تقدم نخلص أن الرؤية التي تعتمد "تقرير المصير" قد خسرت الرهان، على الأقل الآن، أما الرأي القائل والمتعلق بالحكم الذاتي فهو الأقرب للمقارنة بوضع مقاطعة "آشي" الإندونيسيَّة. ففي تقرير غير رسمي دوَّن احد أعضاء الوفد المشارك في الزيارة العلمية إلى إندونيسيا في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2009م ملاحظاته الإيجابية عن تجربة الحكم الذاتي لمقاطعة آشي ضمن جمهورية إندونيسيا. إذ لاحظ تطبيق تلك الحالة في السُّودان، إلا أن عدم توفر الإرادة السياسيَّة من جانب الحكومة السُّودانيَّة في حل الأسباب التي أدت إلى الصراع المسلَّح وعدم رغبتها في تقديم أنموذج عملي يمثل نذير انهيار مقترح الحكم الذاتي للولايتين.
إذاً، بإعادة النظر في قانون المشورة الشعبيَّة الذي تم التصادق عليه من قبل المجلس الوطني ووقعه الرئيس عمر البشير نجد غموض القانون بوضوح وخلوه تماماً من آليات التنفيذ العملي لإجراء المشورة الشعبيَّة. وسنحاول فيما يلي معالجة بعض من المواد الرئيسة التي وردت في الوثيقة التي جاءت في 9 صفحات مقروءة مع البروتوكول الأصلي لإثبات عيوبهما. فالمادة 2 (2) من القانون، والتي تتعلق بمصدر ونطاق تطبيقه، مليئة بالتكرار ورطانة. إذ تقول هذه المادة: "تطبق أحكام هذا القانون لتنظيم وتفعيل حق شعبي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق عبر مجلسيهما التشريعيين المنتخبين ديمقراطيَّاً تحقيقاً لتطلعات شعبيهما الدستوريَّة، والسياسيَّة والإداريَّة والاقتصاديةَّ المنصوص عليها في اتفاق السلام الشامل لحسم النزاع السياسي في الولايتين". إنَّ المراجعة النقدية للبروتوكول الأصلي بأكمله وربطه بهذا البند وبالوضع الحقيقي على الأرض، نجد أنه لم يتم الوفاء بأيٍ من تطلعات شعب جنوب كردفان. وحين نقول شعب جنوب كردفان لا نعني النُّوبة أو أولئك الذين حاربوا ضد المركز فقط، وإنما نقصد كل مكونات الولاية الإثنية بمن فيهم المؤيدين للحكومة لأنهم جميعاً يطمعون في التنمية الإقتصاديَّة الحقيقيَّة لإقليمهم، التنمية المتمثلة في البنية التحتية من بناء للطرق، توفير الخدمات الصحيَّة، الكهرباء، المياه، التعليم، التطوير والنهوض بالإنتاج الزراعي بشقيه الغابي والحيواني. أما على الصعيد السياسي فلا بد من المشاركة السياسيَّة والدستوريَّة الفعلية على المستويين المحلي والمركزي وأن لا تكون تلك المشاركة صوريَّة وشكليَّة لتلبية الرغبات الشخصيَّة والحزبية الضيقة. وليس مجدياً أن تمنح الحكومة هذا الشخص وتلك الشخصية حقيبة دستوريَّة أو منصب دستوري لأنه ينتمي للحزب العلاني والقبيلة الفلانية وتقول كفى استوفينا الشرط الدستوري من الاتفاق. إذاً إنَّ المنطق البسيط هو أن المشورة الشعبيَّة في حد ذاتها وكآلية لن ولا يمكن ان تلبي تطلعات الشعب ولكن الأعمال الفعلية التي تهدف إلى حل المشاكل التي دفعت بالناس إلى حمل السلاح ضد الحكومة المركزية وتبقى المشورة الشعبيَّة عملية ميكانيكيَّة لاستطلاع آراء أفراد المجتمع للتصادق على الإنجازات الحقيقيَّة على الأرض. وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أنه من المستحيل إكمال تنفيذ كل الاستحقاقات التي نصت عليها الاتفاقية، ولكن ينبغي أن يحصل الشعب على مستوى الحد الادنى من تلك الاستحقاقات والذي سينعكس فعليَّاً على ترقية حياة المواطن البسيط مع إظهار "حسن" النية لتنفيذ ما قد يستغرق بعضاً من الوقت. ولتوضيح ما نرمي إليه نذكر على سبيل المثال أنه قبيل الانتخابات الماضية وتحديداً في 24 آذار (مارس) 2010م قام رئيس الجمهورية – وعلى خلفية مذكرة قوية وشديدة اللهجة قدمتها لجنة من شباب تنمية غرب كردفان بتاريخ 4 آذار (مارس) 2007م – قام الرئيس بوضع حجر الأساس لمحطة كهرباء رجل الفولة كثاني أكبر مشروع تنموي في السودان بعد قيام سد مروي بتكلفة بلغت أكثر من 950 مليون دولاراً أمريكيَّاً كما تناقلته وسائل الأعلام. وتقول نفس التقارير إن الطاقة الإنتاجية للمحطة من الكهرباء تبلغ 405 ميقاواط وتعادل هذه الكمية ضعف إنتاج خزان الروصيرص من الكهرباء وتكفي لتلبية احتياجات ولايات دارفور وكردفان وشمال بحر الغزال والوحدة. إذا كان هذا هو الواقع فإن نجاح المشروع هو ما تحتاج إليه الناس ويجب أن تعمل الحكومات لتحقيقه لمواطنيها بدلاً من التسويق للأسلحة التي توجه إلى صدور الشعب وليس على عدوان خارجي؛ إذ أننا لم نسمع قط أن الجيش السُّوداني خاض معركة خارج أو داخل حدوده حماية له من التدخل الخارجي رغم التسليح الكبير لقواته المسلحة. ما يؤرق اهتمامنا هو ضخامة المشروع وكأنه امر خيالي إذ أتى بعد مشقة وبعد ثلاثة سنوات من المذكرة وإرهاصات الاخوة المسيرية فيما يجري في منطقة أبيي. كما تزامن وضع حجر الأساس مع الدعاية الانتخابيَّة السوداء في وجه أجهزة الإعلام ليكون المشروع عبارة عن جزرة رخوة لتمرير ولاعتماد الاتفاقية بأنها لبت طموحات شعب الولاية.
مهما يكن من الأمر، هناك خروق مستمرة لبنود الاتفاقية. على سبيل المثال تلكؤ المؤتمر الوطني وعدم رغبته في الإسراع لتنفيذ استحقاقات الاتفاق مما قاد الحركة الشعبيَّة إلى الاعتراض على نتائج التعداد السكاني الذي أُجريَّ العام 2008م والتي على ضوئها تم توزيع الدوائر الجغرافيَّة. هذا التشاكس نتج عنه قرار الحركة الشعبيَّة الصائب بمقاطعة الانتخابات التي أُجريت في نيسان (أبريل) 2010م وأجبرت بذلك كلاً من المؤتمر الوطني واللجنة القوميَّة للانتخابات لإعادة التعداد السكاني وربما ستؤدي نتائج التعداد السكاني إلى إعادة النظر في توزيع الدوائر الجغرافيَّة من جديد. تأتي أهمية هذه الانتخابات لأنها هي التي ستنتخب المجلس التشريعي الذي سينشئ المفوضية البرلمانية (للتقويم والتقدير) وفقاً للمادة (3.3) من بروتوكول حسم النزاع في الولاية، والمادة (6) من قانون المشورة الشعبيَّة لولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق لعام 2009م. على اية حال، اعتمدت مؤسسة الرئاسة نتيجة التعداد السكاني الثاني في السادس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 2010م بعد عناء شديد وصبر أشد من مواطني الولاية اذ بلغ عدد السكان هذه المرة 2,508,268 نسمة اي بفارق 1,108,268 شخصاً عن التعداد السكاني الاول الذي بلغ 1,400,000 نسمة. من هذه الأرقام يمكن الاستشهاد على أنَّ عملية التعداد السكاني الأولى شابها كثير من التزوير كما أصرت الحركة على اتهام شريكها بممارسته، وإلا من أين "أتى هؤلاء" لتصل الزيادة إلى أكثر من 79% في مدة اقصاها سنتين؟ إذاً تكمن المخاوف في أنه لو تم إجراء الانتخابات تحت الظروف الحالية فمن المؤكد تماماً أنها ستكون غير نزيهة وغير شفافة، مما قد يرمي بظلال كثيفة على تركيبة المجلس التشريعي الذي ستقع عليه مسؤولية إنشاء المفوضية البرلمانيَّة التي ستحدد مستقبل الولاية. وبما أنه لا توجد ضمانات بأن الحركة الشعبية ستفوز بغالبية المقاعد وأنه من المرجح أن يفوز المؤتمر الوطني وحلفاؤه بالاغلبية فإن المفوضية البرلمانيَّة التي ستنبثق من المجلس التشريعي ستصادق على البروتوكول بان الاتفاقية حققت تطلعات شعب الولاية. أياً كان الحال فإنَّ المؤشرات تدل على أن ممارسة حق المشورة الشعبيَّة قد لا تتم وبالتالي يكون قد تم انتهاك حق سكان الولاية الدستوري بحكم المادة 182 (2) المنصوص عليها في الدستور الانتقالي لجمهورية السُّودان.
أما المادة 5 (ج) المتعلقة ب"تصحيح أي قصور في الترتيبات الدستوريَّة والسياسيَّة والإداريَّة والاقتصاديَّة المحددة في إطار اتفاق السلام الشامل بخصوص أي من الولايتين"، فهي الأخرى مثيرة للاهتمام وتدعو الى الحيرة حسب منطوقها. وذلك لأنه سيكون بمثابة مغالطة، حيث يعتقد أي شخص بأن حزب المؤتمر الوطني سيلتفت أو سيوافق على التفاوض أو تعديل بنود البروتوكول لصالح شعب أي من الولايتين في غضون شهر أو شهرين على النحو المنصوص عليه في المادة 15 (ج) و(د) من قانون المشورة الشعبيَّة موضوع النقاش نظراً لتكتيك المؤتمر الوطني وتردده في الوفاء بأية اتفاقية يوقع عليها.
علاوة على كل ذلك فانَّ المنطقة قد شهدت تجييشاً مكثفاً وتحركات لقوات عسكريَّة كبيرة في انتهاك صارخ للمادة (10.1) من البروتوكول والتي تنص على أنَّه "ستتحدد مستويات القوات المسلحة السُّودانيَّة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق خلال الفترة الانتقالية بواسطة الرئاسة". ولكن يبدو وكأن جانب الحركة الشعبيَّة في مؤسسة الرئاسة ليس على علم بانتشار القوات المسلحة السُّودانيَّة، وبخاصة مع ارتفاع أصوات الاتهامات المتبادلة بين الجانبين بخرق الترتيبات الأمنيَّة. لذلك، فإن نشر أعداد كبيرة من الجيش من جانب واحد من دون موافقة الرئاسة ينذر بتوقعات انعدام الأمن في الولايتين ولا سيما أن التقاعس عن العمل للرقي بالخدمات والتنمية قد أدى بالكثيرين إلى الاعتقاد بأنهم كانوا أفضل حالاً قبل توقيع اتفاق السلام الشامل.
يعود هذا التقاعس من جانب المؤتمر الوطني لأنه ليست لديه مصلحة أو حوافز في الانغماس في إنجاز العملية بغض النظر عن أيَّة نتائج تتمخض عن الاستفتاء. فمن الممكن جداً أن لا يصل هذا البروتوكول الى وجهته النهائيَّة على ضوء الظروف المذكورة آنفاً، وإنه فقط لمسألة وقت وتصبح الاتفاقية لاغية وباطلة عند نهاية الفترة الانتقالية في تموز (يوليو)2011م. تتأتى هذه النظرة المتشائمة لأن إنفاذ حق شعب جنوب السُّودان للتصويت لتقرير مصيرهم السياسي لن يتم دون حواجز ناهيك عن بروتوكول الولايتين.
على ما تقدم نناشد أبناء ولاية جنوب كردفان بمختلف أعراقهم، معتقداتهم وانتماءاتهم السياسيَّة باهمية وحدة الصف والقراءة الصحيحة للواقع في ولايتهم دون إنحياز أو إملاءات من خارج الولاية لتحديد بصدق وأمانة القصور في تنفيذ البروتوكول الخاص لفض النزاع في الولاية، نقول هذا لأن الطرق أمام الولاية لا تزال شائكة ووعرة وإن حلم إقامة ولايتين ب"وضع خاص" في الشمال سيتبدد مع الهدوء الذي يسبق العاصفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.