حدثني شقيقي المغترب سابقاً بالمملكة العربية السعودية إن قيادة المملكة على مستوى الأمراء وقيادة الدولة أصدرت قرارات جريئة في زمان سابق لمكافحة تخلف المتخلفين والمقيمين بدون إذن رسمي ولنا فيهم كسودانيين نصيب كبير من الزوجات و(عمرة وزوغة).. (وعمرة وكسرة إلى الحج) وغيرها من المسميات.. أمهلت السلطات في المملكة المتخلفين شهرين اثنين للخروج.. وبعدها الويل والثبور.. ورافق ذلك اعلام مكثف يحاسب المواطن والمقيم والمتستر وكل من يثبت بأن له علاقة بمتخلف يتم ضبطه.. وخرج الناس أفواجا.. وفي الموعد المضروب لتطبيق القانون توقفت الحياة تماما و اصيبت بالشلل .. لما.. لأن الجميع قد طبقوا القانون وهم كانوا يعملون في الليموزين والبقالات ومحطات الوقود والمخابز والمطاعم وأماكن الحلاقة و .. وكل الأماكن الحيوية التي تدير حياة البشر.. كادت البلد أن تدخل في أزمة.. فسارعت السلطات الى التراجع عن قرارها وأعطت كل المتخلفين إقامات رسمية حتى يعودوا الى أماكن عملهم وعادت الحياة. ختم شقيقي قصته بعبارة بليغة بقوله لم تكن السلطات في السعودية تعرف حجم مشكلتها. حسناً.. فإني أرى أن سلطات المرور لا تعرف حجم مشكلتها.. وبعبارة أخرى.. هناك مجموعة مشاكل متباينة تواجه سلطات المرور وهي اقترحت مجموعة من المعالجات.. ولكن الأمر قد اختلط عليها فما درت تطبق من على ماذا!. تواجه إدارة المرور مشكلة في القيادة أثناء الحديث عبر الموبايل، السرعة الزائدة، وتخطي الاشارة الحمراء، وعدم ترخيص المركبات والتخطي الخاطئ، والهمجية واللامبالاة، وفوضى المشاه في عبور الطرق، واستخدام المركبة لأغراض غير غرض الترخيص وغيرها. كلها مصائب كبرى تؤدي أخف واحدة منها الى الموت الفوري مباشرة أو الموت الفوري بصورة غير مباشرة.. وإمام ضغط الحوادث المرورية الكثيفة وجثث الموتى في كل صباح والضغط الاعلامي الذي لا يرحم ولا يقدم حل.. أمام كل هذه الضغوط يكون البطش وتشديد القوانين هو الحل الاسرع وليس الانجع.. وكان خطأ إدارة المرور الرئيسي هو الحديث عن تطبيق اللوائح الجديدة ضد كل هذه المخالفات في لحظة واحدة .. وهي لعمري مثل من يزعجه خطر لص متربص به وذبابة تقلق منامه فيحمل مسدسه ويفرغ رصاصتان في راس اللص والمتبقي يطارد به الذبابة، وفي مخفر الشرطة يسستطيع أن يدافع عن رصاصتين في راس اللص ولكن بكل اسف لن يجد أذنا تسمعه لأن أصوات النقد ضده ستكون عاليه جداً أن كيف تطلق رصاصة على ذبابة أيها الرجل المتهور القاسي وتضيع قضية المرور وسط الزحام. لدى مجموعة مقترحات أتوجه بها لسعادة اللواء عابدين الطاهر لا لسواه.. يعني.. إن لم يقرأ كلماتي هذه سعادة اللواء شخصياً فقد ضاع زمني سداً. ولما هو شخصياً.. لانه يقود الامر بنفسه و البقية تنفذ التعليمات .. و لأن دولة المؤسسات عندنا غير موجودة.. على الاقل حالياً.. فهي دولة القيادات.. وذلك على كل حال حديث آخر له وقته. أولا.. سيدي اللواء.. لديك مشكلة أساسية يجب عليك أن تفصل معالجتها عن البقية.. وهي باختصار الحافلات الصغيرة (الهايس) حيث أن العربة تكون جديدة ومرخصة والسائق يحمل رخصة سارية المفعول ولكن القانون يمنع نقل الركاب عبر تلك المركبات عندما تكون حاملة للوحات البيضاء (ملاكي).. وعملياً وبالقانون أيضاً يمنع ترخيص تلك المركبات تجارياً إلا ما سبق.. فما الذي يحدث .. يتوكل على الله كل سائق في صباح كل يوم ويتوجيه مباشرة نحو شرطي المرور ويسدد قيمة مخالفة ثلاثون جنيهاً لأن سيارته (ملاكي).. ويعمل بذلك الايصال باقي يومه ذاك وتكون حصيلته 150 جنيهاً، ثلثها لصاحب المركبة وثلثها لشرطة المرور ومصروفات السيارة والمتبقي لأفواه زغبه الصغار. فإن تضاعفت قيمة المخالفة بالنسبة له تصبح (الحسبه) خاسرة وأحسن منها غسيل السيارات.. لذا فهم يطالبون دوماً بأن تكون قيمة الغرامة معقولة حتى يستطيعون سدادها.. وبالمقابل يخاطبهم سعادة اللواء بذات اللغة قائلاً لهم ولماذا تخالفون القانون.. حسناً سعادة اللواء فقبل يومين امتنع هؤلاء القوم عن ارتكاب المخالفات.. يعني.. توقفوا عن حمل الركاب من مواقف المواصلات.. فماذا كانت النتيجة.. ازمة حادة جداً في المواصلات.. واحتكاكات وخروقات أمنية من المواطنين هنا وهناك.. حتى اضطرت قيادة الدولة ممثلة في السيد الوالي الى التدخل وإلغاء التطبيق.. ما أريد قوله إن حجم مشكلتنا مع هؤلاء غير محدد.. هل نحن نحتاجهم.. إذاً اسمح لهم بالترخيص تجارياً سيدي اللواء، أم أنك لا تحتاجهم ولديك ما يكفي من المركبات لحل أزمة المواصلات.. إذا ففي هذه الحالة إفرض غرامة ألف جنيه يومياً، ولن تجد مركبة واحدة مخالفة لتحاسبها في اليوم التالي.. سيدي اللواء تنكر واذهب الى موقف الحافلات الرئيسي بعد الخامسة.. ستجد هؤلاء المطاردون يعملون في خدمة هذا الشعب. ثانياً.. سيدي اللواء.. هناك مخالفات تحتاج لقليل من الذكاء في التوعية وإشراك المجتمع في ذلك وستجد أن نصف حجم المشكلة قد انتهى ويعالج النصف الآخر تلك الغرامات ومثال لهذا (الحديث عبر الموبايل اثناء القيادة) وتخطي الاشارة الحمراء.. الامر خطير نعم ولكن تعامل معه بهدوء.. اكسب في هذا الشعب أجراً.. تحتاج لمصمم توعية مبدع وقليلاً من المال وستجد نتائج مدهشة ولا يسع المقام للتفصيل في ذلك. ثالثاً.. سخر منك راسمو الكاريكاتير سيدي اللواء عندما تحدثت اللائحة عن اصدار غرامات ومخالفات للمشاة إن هم خالفوا اللوائح.. بصراحة.. هذا القانون لا يصلح أن يتم تطبيقه في السودان.. على الأقل في الوقت الحاضر.. يمكن أن تطبقه في دبي عندما يجد المشاه زراً يدوسون عليه فتتوقف المركبات قسراً ليمر هو.. فإن ترك الزر وتحرك دون توقف السيارات فهو نشاز يجب فصله عن المجتمع وليس تغريمه فقط.. ليس السودان بوضعه الحالي من يمكن أن يطبق فيه هكذا قانون ولا تشمت بك الناس سيدي اللواء.. وأرى أن تبحث عن شراكة مع بعض المنظمات التطوعية ليتم تكثيف العمل في هذا الجانب لكل الشعب وتكون قد كسبت الأجر مرة أخرى وعالجت المشكلة. رابعاً وأخيراً.. قد جئت الى منطقة ذات ضغط عالي سيدي اللواء.. فالمرور من أسخن الادارات التي يمكن أن يمر عليها رئيس.. ورطه أسوأ من الجنايات والمباحث.. والمشاكل فيها معقدة وبعيدة الأمد.. وصدقاً أقول.. لن تستطيع أن تحل ولا ربعها خلال فترة توليك لهذه الادارة.. والحل هو.. أن تتعامل ببرود مع مشاكل الادارة والضغط الاعلامي غير المفيد، ولا تفكر في الحل السريع.. البطش والقهر.. بل تكون قد نجحت والله إن استطعت أن تؤسس لمنهج التعامل مع الاشياء عبر الدراسات المتأنية والحلول الناجعة طويلة الامد.. أعانك الله سدي اللواء عابدين الطاهر.. لكن المشكلة ليست مشكلة مرور.. بل هي مشكلة بلد اسمه السودان.. وشعب اسمه (أنا سوداني أنا).. وحفظ الله بلادي من كل سوء.