أود أن أتعرض فى مقالى هذا إلى مفهوم الإتحاد الإستقلالى أو التعاهدى أو ما يطلق عليه عادة بالكونفيدرالية(Confederation State),ومفهوم الدولة الإتحادية والذى يطلق عليه إسم الفيدرالية(Federation State),حيث أن هذه المفاهيم بدأت تأخذ حيزا واسعا من التداول من قبل أواسط المفكريين ,والسياسيين ,والمحلليين والصحفيين ودول المحيط الإقليمى للسودان مع إقتراب موعد بدء إستفتاء جنوب السودان على مصيره فى مطلع يناير من العام القادم,أى أن هنالك جهودا تبذل من أجل ضمان وحدة السودان,لذلك نجد البعض يقترح الكونفدرالية كحل للمشكلة السودانية من أجل ضمان وحدة السودان جنوبه وشماله فى إطار دولة واحدة بنظامين والبعض الآخر يقترح التعايش السلمى بين الشمال والجنوب فى ظل دولة إتحادية تضمن حقوق كل المواطنين الذين ينتمون إليها,عليه رأيت أنه من الأهمية التعرض لمفهوم الكونفدرالية وسماتها ومميزاتها العامة ودورها وطرق أدائها والتكييف القانونى للكونفدرالية وكيف يمكن للكونفدرالية أن تعتبر مرحلة إنتقالية وتتحول إلى إتحاد مركزى أو ما يطلق عليه عادة بالدولة الفدرالية مما يحتم علينا أيضا أن نتحدث عن مفهوم الفيدرالية وتعريفها والنظر فى كيفية قيام الدولة الإتحادية وخصائصها والتحدث عن مظاهر الوحدة فى الدولة الإتحادية من أجل تبصير الرأى العام بهذه المفاهيم وما تحمله مضامينها من أفكار ورؤى ومزايا وعيوب فى ظل أنظمة الحكم المعاصرة. أولا أبدأ بمفهوم الإتحاد الإستقلالى أو التعاهدى وهو مايطلق عليه عادة إسم الكونفدرالية,ويتكون هذا الإتحاد الكونفيدرالى نتيجة لإتفاق دولتين أو أكثر بغرض التنسيق بينهما فى مجالات محددة تخدم مصالح محددة لهذه الدول مع إحتفاظ كل دولة من دول الإتحاد الإستقلالى بسيادتها وإستقلالها ولذلك تمت تسمية هذ الإتحاد بالإتحاد الإستقلالى نتيجة لأنه يضم دولا مستقلة أو بمعنى آخر أن الدولة الأعضاء فى هذا الإتحاد لا تفقد شخصيتها الدولية بإنضمامها لهذا الإتحاد, ومن سمات الإتحاد الكونفيدرالى تمتع دوله بكامل إستقلالها أى أنه لا يؤثر فى إستقلال الدول المنضوية تحت عضويته حيث تتمتع الدول الداخلة فيه بكامل شخصيتها الدولية من تمثيل دبلوماسى وغيره من مظاهر السيادة الأخرى كما أن الإتحاد الإستقلالى لا يتمتع فى هذه الحالة بشخصية دولية أو يعتبر دولة تعلو شخصيتها على باقى الدول المكونة له أى بمعنى آخر أنه لا يترتب على قيام الإتحاد الإستقلالى قيام شخصية دولية جديدة فى الساحة الدولية كما أنه لا يعتبر دولة مركبة بل يعتبر عبارة عن إتحاد دول فقط لا غير,ويترتب على إستقلال الدول الداخلة فى إتحاد إستقلالى أنه إذا نشبت حرب بين دولتين من الدول الأعضاء فى الإتحاد الإستقلالى فإنها تعتبر حربا دولية ولا تعتبر حربا أهلية لأن هذه الحرب تصنف على أنها حرب نشبت بين دول مستقلة,كما أنه يترتب على على إستقلالية الدول الداخلة فى إتحاد كونفدرالى أن يكون لها الحق فى أن تنسحب من هذا الإتحاد متى ما رأت أن الإنسحاب من هذا الإتحاد يصب فى خانة تعزيز وحماية مصالحها,ويعتبر مواطنى كل دولة من دول الإتحاد الإستقلالى ايضا أجانب بالنسبة للدول الأخرى المكونة للإتحاد الإستقلالى , أى أن دخول مواطنى أى دولة تابعة للإتحاد الإستقلالى لدول الإتحاد الأخرى يخضع للقواعد العامة التى تحكم دخول الأجانب لهذه الدولة, من هنا يتضح لنا أن دور الإتحاد الإستقلالى يتحدد فى المسائل والقضايا التى تحددها الدول المتعاهدة فى هذا الإتحاد أى بمعنى آخر فى الشؤون التى ترغب دول الإتحاد فى تنسيق سياستها إتجاهها , وعند تكوين مثل هذا الإتحاد يتفق أعضاء الإتحاد الإستقلالى على تشكيل هيئة تعمل على تسيير شؤون الإتحاد المتفق عليها والتى غالبا ما يطلق عليها إسم مؤتمر الإتحاد أو مجلس الإتحاد,كما تتخذ قرارات الإتحاد الإستقلالى غالبا بالإجماع كما أنها لا تتطبق إلا عبر حكومات دول الإتحاد الكونفدرالى التى تتولى تطبيقها حسب نظم الحكم المتبعة فيها أى أنه لا يمكن لمجلس الإتحاد الإستقلالى تطبيق قراراته مباشرة على الدول المنضوية تحت عضويته,ومن ناحية أخرى يعمل الإتحاد الإستقلالى على تغطية نفقاته المالية من إشتراكات الدول الداخلة تحت عضويته حيث أن الإتفاقية المكونة للإتحاد هى التى تحدد نفقات تسيير أعمال الإتحاد أما من ناحية التكييف القانونى فهناك من يرى من رجال الفقه أن للإتحاد الإستقلالى شخصية دولية وآخرين يرون أنه ليست له أى شخصية دولية ولكن الشائع فى الفقه المعاصر أن الإتحاد الإستقلالى يفتقد لعنصر الشخصية الدولية لذلك إتصفت الكونفدرالية دائما بضعف نموذجها كما إنها دائما توصف بصفة المرحلة الإنتقالية التى إما أن تنتهى بتفكك الإتحاد وإنقضائه كما حدث للإتحاد جمهوريات أمريكا الوسطى الذى قام فى عام 1898 وإنتهى نتيجة لإنفصال هندوراس ونيكراجوا والسلفادور عنه على التوالى فى تواريخ مختلفة,وأيضا كما حدث لميثاق الدول العربية المتحدة الذى قام بين الجمهورية العربية المتحدة واليمن فى مارس من العام 1958 وإنتهى فى العام 1961, بيد أن فى جانب آخر تحولت إتحادات إستقلالية إلى إتحادات فدرالية ومن أشهر هذه الإتحادات الإستقلالية التى تحولت إلى نظم حكم مركزية فدرالية هى إتحاد الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد السويسرى الشىء الذى يقودنا إلى أن نفرد مساحة للتعرف على مفهوم الدولة الإتحادية فى الفقرة التالية أدناه. تعرف الدولة الإتحادية أو الفدرالية على أنها إتحاد يضم عدد من الدول أو الولايات فى شكل إتحاد مركزى يطلق عليه عادة إسم دولة الإتحاد, حيث تختص هذه الدولة الإتحادية بإدارة كل الشؤون الخارجية وبعض الشؤون الداخلية لدول أو ولايات الإتحاد, إذن دولة الإتحاد بهذا المعنى هى دولة فوق كل الدول المكونة لها حيث تتمتع دولة الإتحاد المركزى بشكل مطلق فى إدارة كافة الشؤون الخارجية لدول أو ولايات الإتحاد وبعض الشؤون الداخلية لها وفق شروط وقواعد وإجراءات خاصة يتم تحديدها ومن ثم إتباعها, وعامل تمتع الدولة الفيدرالية بإدارة كافة الشؤون الخارجية وبعض الشؤون الداخلية هو العامل الذى يميز الدول الإتحادية عن غيرها من إتحادات الدول الأخرى, ويرى العديد من الفقهاء أن الإتحاد المركزى الفيدرالى ينتج نتيجة لعاملين هما إما أن تصاب دولة كبيرة بالتفتت إلى دويلات صغيرة حيث ترى كل دولة من هذه الدويلات المتفتتة أن من مصلحتها أن تحتفظ بإستقلالها الداخلى وأن تعهد لدولة أكبر (دولة الإتحاد) بتولى إدارة شؤونها الخارجية, أو يقوم هذا الإتحاد نتيجة لرغبة عدد من الدول أو الولايات المستقلة فى إنشاء إتحاد مركزى كونفيدرالى يحافظ على مظاهر إستقلالها الداخلى ويتولى توحيد سياستها الخارجية, حيث يترتب على ذلك قيام دولة الإتحاد المركزى (الفيدرالى) حيث أنها تعتبر دولة أعلى من كل الدول المكونة للإتحاد حيث تتمتع هذه الدولة وحدها بالشخصية القانونية الدولية وتعتبر دولة الإتحاد دولة بالمعنى الفنى الدقيق على المستوى الدولى والمستوى الداخلى, حيث تندمج كل أقاليم الدول أو الولايات التابعة لدولة الإتحاد لتصبح إقليما واحدا, وتتعامل دولة الإتحاد المركزى مع كافة مكونات المنتظم الدولى على أنها الشخصية القانونية الممثلة لجميع الدول المكونة لها, وتتمتع دولة الإتحاد المركزى أو ما يطلق عليها دائما إسم الدولة الفيدرالية بهيئة تشريعية فيدرالية تتولى التشريع على المستوى الفيدرالى كما تتمتع بهيئات إدارية وتنفيذية إتحادية كما إنها تقيم سلطة قضائية فيدرالية تمارس أعمالها فى مجال النشاطات الفدرالية,كما ينبغى أن نشير هنا أيضا أن لكل ولاية أو دولة من دول الإتحاد المركزى (الفيدرالى) لها شخصيتها المستقلة عن باقى دول أو ولايات الإتحاد ودولة الإتحاد المركزى, أى أن يكون لها دستور وجمعية تشريعية وسلطة تنفيذية وقضائية حيث لا يعنى ذلك أن تكون لها شخصية قانونية دولية لأن الإتحاد المركزى يلغى الشخصية الدولية للدول المنضوية تحت عضويته, ويتضح من ذلك أن دولة الإتحاد المركزى تتمتع بخصائص وحدوية وخصائص أخرى إستقلالية تؤكد على حق الإستقلال الداخلى لكل المكونات الداخلة فى عضويته وفق إجراءات وقواعد تنظم هذه الخصائص, ومن مظاهر الوحدة فى المجال الخارجى للدولة الإتحادية وحدة الشخصية القانونية فى المجال الدولى ووحدة إقليم الدولة الفيدرالية ووحدة الجنسية, اما مظاهر الوحدة على المستوى الداخلى فى الدولة الفيدرالية فتتركز فى وحدة الدستور الإتحادى والجهاز التشريعى والتنفيذى والقضائى الفيدرالى, ويعتبر النظام الفيدرالى أو نظام الإتحاد المركزى من أنسب نظم الحكم للدول الكبيرة المساحة والتى تعيش فيها شعوب وإثنيات وأعراق متعددة ترغب فى الإستفادة من إيجابيات الإتحاد مع إحتفاظها بإستقلالها الداخلى, عليه فى عالمنا المعاصر عالم التكتلات والتجمعات الكبيرة نجد أن الدول الصغيرة والضعيفة تنزع نحو البحث عن وسيلة تضمن لها البقاء وسط هذه التكتلات الكبيرة أى بمعنى آخر إنها تنزع نحو البحث عن إندماج يحقق لها إستقلالها الداخلى ويحقق لها مصالحها اليساسية والإقتصادية والعسكرية, ونظام الإتحاد المركزى (الفيدرالية) هو ذلك النظام الذى يحقق هذه المعادلة التى تبحث عنها الدول التى تحتاج للإندماج من أجل تحقيق مصالحها الإقتصادية والسياسية فى ظل التكتلات الكبيرة الأخرى التى تنزع نحو تحقيق مصالحها على حساب الدول الضعيفة والصغيرة, حيث أن نظام الحكم الفيدرالى يعمل على تحقيق القوة الإقتصادية والسياسية والعسكرية لأعضائه بالرغم من عدم تجانس شعوبه وهذه ميزة من المميزات الجوهرية للنظام الفيدرالى ومن الأمثلة المعاصرة الدالة على تحقيق القوة عبر الإتحاد المركزى الفيدرالى نموزج الولاياتالمتحدةالأمريكية والإتحاد الأوربى والإتحاد الإفريقى الذى بدأ يخطو خطوات جادة نحو تحقيق القوة عبر نموزج الإتحاد المركزى ليشكل قوة عالمية تعمل على تحقيق طموحات الدول الإفريقية المنضوية تحت عضويته.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج باحث وخبير إستراتيجى فى شؤن القارة الإفريقية و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى E-mail: [email protected]