- الاتحاد التعاهدي أو الاستقلالي شكل من أشكال الدول، من حيث تكوينها ومدى تأثير تركيب السلطة على وحدتها السياسية ، وينشأ مثل هذا الاتحاد بموجب معاهدة أو اتفاقية تبرم بين دولتين أو أكثر، بهدف تنظيم بعض المصالح المشتركة، مثل الحدود، الأمن، الشؤون الاقتصادية والجمركية والثقافية والتعليمية، وتكوين هيئة مشتركة لتتولى تنظيم وتنسيق هذه المصالح بين دول الاتحاد التي تحتفظ كل واحدة منها بشخصيتها القانونية الدولية وسيادتها الخارجية والداخلية ، ويبقى لكل منها رئيسها الخاص. - وتنص الاتفاقية أو المعاهدة على طريقة تكوين الهيئة المشتركة وعلى طريقة تسيير أعمالها وتحديد وبيان اختصاصاتها على المصالح المشتركة التي حددتها المعاهدة أو الاتفاقية. - إن حقائق الواقع تؤكد قيام دولة الجنوب المستقلة ذات السيادة الكاملة،(شخص دولي جديد له كل الحقوق وعليه كل الواجبات وفقاً لميثاق الأممالمتحدة ، وهذا فرق جوهري بين نيفاشا واتفاقية التعاون المشترك الأخيرة التي وقعت في أديس أبابا 27/سبتمبر/2012م إذ أن نيفاشا كانت بين طرفين في دولة واحدة) ولا يقدح في ذلك تأجيل ترسيم الحدود إذ لدينا حدود مشتركة مع بعض الدول لم يتم ترسيمها بعد ومن الأهمية بمكان أن نقف كثيراً عند أطول حدود تربطنا بالدولة الوليدة إذ يبلغ طول هذه الحدود ما يتجاوز الألفي كيلو متراً وهي أطول حدود في القارة الأفريقية وليس بها أي عوائق طبيعية ومفتوحة ومنبسطة وتشكل مراعي لإنتاج زراعي وحيواني مقدر وذات كثافة سكانية عالية وتمتاز بالتداخل القبلي والروابط الاجتماعية، كما أن حل المسائل العالقة الاقتصادية والأمنية وغيرها التي وقعت لأجلها اتفاقية التعاون المشترك في 27سبتمبر/2012م وكل ما أفرزته اجتماعات أديس أبابا الأخيرة يمكن أن يحال إلى لجان وزارية مشتركة بين الدولتين. - لابد من إيجاد وسيلة دائمة لحل النزاعات القائمة أو تلك المتوقعة التي قد تنشأ بين الدولتين. وفي تقديرنا إن الاتحاد التعاهدي هو الرابطة القانونية الصحيحة التي تحافظ على السلام واستدامته ويحقق بذلك المقاصد العليا التي هدفت لتحقيقها اتفاقية السلام الشامل ويحول دون قيام أي نزاعات قد تنشأ بين الدولتين.ويساعد على مثل هذا الاتحاد وجود خصائص وقواسم مشتركة تمهد لقيام اتحاد استقلالي أو تعاهدي لا يؤثر في وحدة سيادة كل من الدولتين ولا يشارك في سلطة الحكم فيهما، وإنما ينشئ علاقات نظامية بينهما تقوم على إيجاد بعض الهيئات المشتركة المحددة. - ويترتب على ما تقدم أن تحتفظ كل دولة من الدول التعاهدية بشخصيتها الدولية وبسيادتها الخارجية ، بحيث يكون لها الاستقلال الكامل عن غيرها في تصرفاتها الدولية، فتعقد المعاهدات التي تلتزم بها وحدها، وتنفرد بالدخول في الحرب، وكل ذلك مشروطاً بعدم التعارض مع ما تبرمه من معاهدات في المسائل المشتركة المنصوص عليها في اتفاق التعاهد كما أن الاتفاق يتضمن عادة تحالفاً دفاعياً ويستلزم تبادل المساعدات في حالة الحرب. وتعد الحرب التي تقوم بين دول الإتحاد حرباً دولية في نظر المواثيق الدولية المتعلقة بهذا الشأن. - تستقل كل دولة من الدول التعاهدية بسيادتها الداخلية بحيث يكون لها نظامها السياسي الذي قد يختلف كليةً عن النظام السياسي لغيرها من دول الاتحاد ، ولكل منها جنسيتها المستقلة بحيث يعتبر رعاياها أجانب في نظر بقية الدول أعضاء الاتحاد. -إن الاتحاد التعاهدي لا ينشيء، دولة أو شخصاً دولياً جديداً.فالهيئة المشتركة، رغم أهميتها السياسية لا تتمتع بالشخصية الدولية ولا تمثل شخصاً دولياً. والواقع أن هذه الهيئة تعتبر مجرد مؤتمر مشترك يتكون من أعضاء تختارهم حكومات دول الاتحاد ويعتبرون ممثلين لدولهم في مؤتمر يقتصر على تقرير السياسة العامة في المجالات التي حددتها معاهدة الاتحاد دون أن يكون له سلطة مباشرة داخل الدول التعاهدية . حيث إن قرارات الهيئة المشتركة حتى لو صدرت بالإجماع لا تصبح نافذة إلا بواسطة الدول الأعضاء . ولذا تحتاج إلى موافقة هذه الدول التي تملك وحدها حق اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها. - ولما كانت اختصاصات الهيئة المشتركة محددة في المعاهدة فإنه لا يتم تعديلها بالزيادة أو النقصان، إلا بموافقة الدول الأعضاء.أما الدول التي لا توافق على التعديل يكون لها حق الانسحاب من الاتحاد، وهذا الحق من خصائص الاتحاد التعاهدي تمارسه كل دولة كما تشاء، فهو حق أصيل لها أن تمارسه حتى ولو لم ينص صراحةً على منعه. - ومن الأمثلة القائمة للاتحاد التعاهدي جامعة الدول العربية المنشأة بمقتضى ميثاقها الموقع في 22 مارس 1945م. والتي تتكون من الدول العربية المستقلة الموقعة على الميثاق ، وكذلك التي تنضم إلى الجامعة فيما بعد.وتحتفظ كل دولة بسيادتها الخارجية ، وبنظام الحكم الخاص بها. - وقد حدد الميثاق المسائل التي يختص بها مجلس الجامعة الذي يتكون من ممثلي الدول الأعضاء ، ولكل منها صوت واحد مهما تعدد ممثلوها. وتصدر قرارات المجلس بالإجماع في مسائل معينة، وبالأغلبية في غيرها ، على أن القرارات في الحالتين تنفذ في كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية . ولأي دولة أن تنسحب من الجامعة على أن تبلغ المجلس عزمها على الانسحاب قبل تنفيذه بسنةٍ،وللمجلس أن يفصل أي دولة لا تقوم بواجبات الميثاق وذلك بقرار يصدر بإجماع الدول عدا الدولة المشار إليها. - قدَّمنا أن الدول التعاهدية تبقى كل منها مستقلة في شئونها الداخلية والخارجية، مع مراعاة ما نص عليه الاتفاق، ولها حق الانسحاب، وقرارات الهيئة المشتركة لا تلزم الدول الأعضاء ولا تنفذ فيها إلا بموافقتها لأن الهيئة لا تملك أجهزة تنفيذية خاصة بها. لكل ذلك فإن هذا الاتحاد وإن كان يبدو ضعيفاً لا يتمتع بالثبات والاستقرار غالباً ما ينتهي بإحدى طريقتين انسحاب الدول الأعضاء، وانقضاء الرابطة التعاهدية بينها ، ولكن في ذات الوقت، وبمرور الزمن قد يتحول إلى اتحاد أقوى رابطة كالاتحاد الفيدرالي ومثال ذلك ما حدث للاتحاد التعاهدي الأمريكي الذي تحول إلى اتحاد فيدرالي مطبق حتى يومنا هذا . وكذلك الحال في دولة سويسرا الذي تحول اتحادها التعاهدي إلى اتحاد فيدرالي نافذ حتى الآن. المحامي