[email protected] • الخلاف بين دول حوض النيل غالبه مصطنع؛؛ فهي بخلاف مصر والسودان الشمالي لا تعتمد على مياه الحوض للري أساسيا.. وتوليد الطاقة لا يمنع جريان الماء نحو المصب.. • صافي ما يغذي به النيل الابيض نهر النيل 14% ؛؛ فمياه الأنهار القادمة إلى الجنوب مشكلة بمستنقعاتها وسدودها النباتية الطبيعية. • مصر تبدو واثقة وقادرة على معالجة خلافاتها مع دول الحوض وعلى التعاون مع دولة الجنوب؛؛وليس من الحصافة السياسية أو الجدوى الإقتصادية ربط السودان مواقفه بها.. تظل قضية مياه النيل هاجسا في الأذهان عن أثره على السودان الشمالي حياتيا، بما يمكن أن يعتري كمية المياه الواردة إلى نهر النيل من نقص بأسباب تنموية في الجنوب أو بأسباب سياسية. كما ظلت دوما مادة للتعبير عن ما يعتري العلاقات بين دول حوضه من خلافات. ولكن تبقى هنالك حقائق علمية وواقعية يمكن من خلالها وضع هذه القضية في إطارها ومضمونها العملي الحقيقي .فالحقيقة العلمية الواقعية ان الذي يتحكم في استغلال المياه هي المياه نفسها، حيث أن الإنسان لا يستطيع ان يحتفظ بما هو فوق حاجته وإلا أغرقته. دول حوض النيل غير السودان ومصر بما في ذلك دولة جنوب السودان المتوقعة ليست في حاجة فعلية ملحة لمياه النيل كمصدروحيد للري؛ وذلك بسبب توفر مصادر أخرى في بعضها وصعوبة استغلال النهر للري نتيجة لطبيعة طبوغرافية الارض والبيئة التي تجتازها المياه؛ كمايتمثل ذلك في الطبيعة الجبلية الغالبة لاثيوبيا، مما يجعل شكل النيل الأزرق عبارة عن مصبات وجداول متسربة وسط الجبال ولا يظهر كنهر بمجرى واضح منبسط الا بين يدي حدود السودان. وقيام مشاريع لتوليد الطاقة في أعالي الحوض ليس بالضرورة أن تعطل جريان المياه. وكذلك الحال في منطقة السدود والمستنقعات في جنوب السودان. كما أن كينيا قد إستنجدت خلال العام الماضي لمساعدتها في درء الفيضانات التي إجتاحت شماله. والإتفاقية الوحيدة التي جاءت لمواجهة واقع حياتي فعلي مرتبط مباشرة بما يتدفق من مياه متهيأة للإستخدام ريا هي تلك الموقعة بين مصر والسودان. وتعبير دول منابع حوض النيل بين الحين والآخر عن عدم إعترافها ومن ثم عدم إلتزامها بالإتفاقية الموقعة بين مصر والسودان ومطالبتها بتحديد حصة محددة لكل دولة يبدو أن باعثه في كثير من الاحيان سياسي ومصطنع ونوع من اثبات الوجود وبغريزة الخوف من المستقبل والرغبة في حق التملك في المصدر الحيوي الذي ينبع ويجري في أراضي الدولة المعينة، اكثر منه لحاجة طبيعية مرتبطة بضرورة حياتية. وقد تبينت بعض معالم تلك الدوافع من تراجع حدة التخاطب في شأن إعادة النظر في تقسيم المياه بين دول المنبع والمصب الذي تمت ترجمته في أوائل هذا العام في إتفاقية عنتبي الإطارية لمياه النيل بتوقيع أربع من دول الحوض ( أثيوبيا ويوغندا وتنزانيا ورواندا) . فما هو واقعي من الخلاف بأسباب موضوعية يمكن حله بالإتفاق المبني على الأعراف والقوانين الدولية. أما ذلك المصطنع فعلاجه بتهيئة البيئة السياسية التي ترسخ العلاقات البينية، كما هو إتجاه دول حوض النيل حتى اليوم والذي تمثل في التعاون الفني والمشروعات المشتركة، مثل مشروع الأندوقو ومشروع التكونيل ثم مؤخرا مبادرة حوض النيل. مصر تبدو قادرة على احتواء مطالب دول المنبع، المؤسس منها على الغضب السياسي كما اثيوبيا أوعلى حاجة فعلية نسبية كما في حالة يوغندا وكينيا. فقد إسترضت مصر أثيوبيا مؤقتا عندما إستجابت لتبيه الأخيرة لها بإعتماد الطرق الديبلوماسية في التفاهم مع الآخرين، فخففت من لهجة التحدي والتهديد. كما أن مصركانت قد بدأت في تنمية مناطق بحيرة فكتوريا بزراعة الأرز. والسودان يعتبر دولة منبع ومجرى وليس دولة مصب مطلقا كما مصر، ومن غير الحصافة السياسية والجدوى الإقتصادية أن يربط السودان موقفه بمصر في التجاذبات التي تبرز بين الحين والآخر مع بقية دول الحوض. إذ الواضح أن مبدأ المعركة حتى الآن تبدو سياسية على الأقل بإفتراض تحريش الدول الغربية وإسرائيل، وهو أمر مصر قادرة على إحتوائه، تاركة السودان ليعاني من آثار التراشق السياسي. وإذا ما تطور الأمر لخلاف جاد فإن السودان بفصل موقفه عن مصر سيكون كسبه أكبر بحساب المعايير التي يمكن ان تقرر نصيب دول المنبع. ما يمكن أن يتوقع من خلاف مستقبلا بين السودان ودولة الجنوب المستقلة إنما تقع أغلب دوافعه في دائرة ذلك النوع المصطنع لدوافع سياسية؛ إذ أن حاجة الجنوب للري بمياه النهر تنحصر فقط في إقليم السافنا الغنية في مناطق شمال بحر الغزال وأعالي النيل لزراعة الخمسة مليون فدان الصالحة للزراعة هنالك حتى الأن. قد تكون هنالك حاجة ملحة للجنوب لإستغلال المياه لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ليس ذا أثر على ما يتدفق من المياه شمالا؛ حيث أنها ستكون على حساب الكمية التي تتبخر في منطقة السدود. كما أن إستغلال النهر للنقل في حاجة لمعاجات في منطقة المستنقعات مما سيزيد من كمية المياه المتدفقة شمالا. كما أن تمديد فترة الري في السهول الشرقيةوالغربية في مناطق إقليم أعالي النيل وما يمكن أن يتبعه من مشاريع توليد الطاقة يتطلب تنفيذ مشروعات مثل جونقلي بتعاون وإستفادة من دولة المجرى الثانية السودان الشمالي ومن دولة المصب النهائي مصر. ويمثل صافي ما يغذي به النيل الابيض نهر النيل شمالا 14% من مياه هذا الأخير. إذ أن مياه الأنهار القادمة إلى الجنوب تشكل مشكلة بمستنقعاتها وسدودها النباتية الطبيعية التي تفقد النهر بالتبخرغالب المياه التي ترد إلى مجرى النيل الأبيض من الداخل وعبر الحدود. وجنوب السودان هو المتأثروكذلك المستفيد المباشر في حالة إجراء أي تغيرات في منبع أو مجرى النيل الأبيض. قيام دولة الجنوب المستقلة يترتب عليه إضافة دولة جديدة لحوض النيل بوضعية تتقاسم فيه مع السودان صفة أنها دولة منبع ومصب ومجرى وتتقاسم معه بالمرجعية القانونية التاريخية جزء من الحصة التي ظل السودان يتقاسمها مع مصرمنذ توقيع إتفاقيتي مياه النيل. والدخول في أي تفاوض حول قسمة مياه النيل مع دولة الجنوب إعتمادا على ما بين السودان ومصر من إتفاق، فربما كان مصيره أن تحتفظ مصر بنصيبها وفقا للإتفاقيات السابقة وتترك الشمال ليتفاوض مع الجنوب حول نصيب السودان القديم، والإحتمال الأقرب أن يساند الجنوب موقف مصر. فمصر تبدو واثقة ومطمئنة لقدرتها على التعاون والتفاهم مع دولة جنوب السودان المستقلة اكبر من ذلك الذي بين هذه وبين الشمال، وأيضا ذلك الذي بين هذه الاخيرة نفسها ومصر. إذ ان ثقة الجنوبيين القائمة حيال مصر،بغض النظر عن مدى موضوعية أسبابه، ربما تبدو اكبر من تلك التي لهم مع السودان الشمالي. بالنظر إلى ما سبق رصده من حقائق واقعية، فلا تبدو هنالك ضرورة ملحة لإستعجال إثارة مسألة المياه قبل أو بعد الإستفتاء. إذ أنها ستكون جدلا نظرياً يثير المزيد من التناقض المتوهم بين الطرفين. وربما يسعى أحد الطرفين لإستخدامه كورقة ضغط للحصول على مكاسب حيوية ربما تطلبت منه تنازلا في مجالات أكثر إلحاحا وواقعية من موضوع مياه نهر النيل. كما أن أيما إتفاق بين الطرفين لن يكتب له النفاذ دونما إستصحاب رأي أطراف أخرى، منابع جنوبا ومصبا شمالا، ربما لا تبدي إعتراضها الآن ولكنها لن تواصل السكوت مستقبلا.