الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسارات رؤى البرجوازيات السودانية وخطاباتها عشية حق تقرير المصير .. بقلم: الفاضل الهاشمى
نشر في سودانيل يوم 07 - 01 - 2011

الفاضل الهاشمى (تورنتو/كندا)
ظاهر خطاب المؤتمر الوطنى الوحدوى وباطنه (2005-2009)
توجد رؤيتان داخل حزب المؤتمرالوطنى متباينتان فى الظاهر وتتنازعان حول الموقف من قضية السلام والوحدة فى جنوب السودان وإنفصاله بسلاسة. ولكن محصلتهما واحدة: وحدة بشروط المؤتمر او إنفصال بشروطه كما سنرى.
ينطرح ظاهر الخطاب الرسمى المتنفّذ داخل المؤتمر الوطنى كخطاب وحدوى كما فى الموقف من تقرير المصير خلال التفاوض حول قانون الإستفتاء حين أصرّ المؤتمر الوطنى فى نهاية 2009 على ان يحسم إنفصال الجنوب بأغلبية كبيرة بدأت فى وقتٍ ما ب 90% ثم طرح لاحقاً 70% حتى رسا حينئذٍ على نسبة 66% ، وقد اقترح غرايشن (الحكومة الامريكية) نسبة تراوحت بين 62% و66%. فيما ترى الحركة الشعبية أن الاستفتاء يحسم بالأغلبية البسيطة (50+1) من جملة المصوتين. ويرى حزب المؤتمر الوطني أن من شروط حسم الاستفتاء مشاركة ثلثي الناخبين في العملية، وتعتبر الحركة الشعبية هذا الشرط تعجيزيا 1.

رؤية نخبة المثقفين الجنوبيين (2005-2009)
الوحدة ليست غاية : التعايش السلمى وتقاسم النفط والماء والكلأ
سبق ان طرحت الانتلجنسيا الجنوبية وبعض النخب داخل الحركة الشعبية الحاكمة رأياً لا ريب فيه بأن "الوحدة ينبغي أن لا تكون غاية في حد ذاتها أو خيار أوحد في السعي نحو تحقيق الكرامة الإنسانية. وعليه، فإن التصويت لاستقلال جنوب السودان يواجه الأمة بتحديات لابد من التصدي لها بإيجابية من أجل مصالح الشمال والجنوب على حد سواء. وهذا يعني جعل عملية الانفصال تتم بأقصى درجات السلاسة والتوافق الممكنة مع وضع الأساس اللازم للتعايش السلمي والتعاون واستمرار التفاعل. و يجب اتخاذ التدابير العملية لضمان استمرار تقاسم الموارد الحيوية كالنفط والماء، وتشجيع تجارة الحدود، وحماية حرية الحركة، والتمتع بحق الإقامة والعمل بين البلدين مع جعل الباب الباب موارباً أمام العودة للوحدة 2 " (خطوط التشديد من عندى)
وقد عبّرت نخب الحركة الشعبية عن توقها الرومانسى لعناق تتشابك فيه المصالح مع حكومة المؤتمر منذ 2009 كمخرج عملى للأزمة فى 2009 . جاء ذلك على لسان الاستاذ ياسر عرمان حين قال "خطاب الحركة الشعبية يجب ان لا يخيف الاسلاميين ويجب ان يرسم طريقاً مشتركاً" وان اتفاقية السلام "هي مرحلة وسطى بين أشواق الاسلاميين وأحلام الحركة الشعبية في سودان جديد، ود. جون قرنق أيضا عبر عنها، وقال يجب ان نستخدم طاقات المشروع الحضاري وطاقات مشروع السودان الجديد للانتقال بالبلاد الى مرحلة جديدة 3 "
على ان فرنسيس دينق راهن على غياب مشترك او وسط حسابى (عرمان راهن على مرحلة وسطى) بين طاقات وخطاب المؤتمر الوطنى وطاقات مشروع السودان الجديد وليس ثمة خطاب انقاذى جديد مشترك ينقذ الانقاذ من شرور وسيئآت اعمالها الا حلفاء راس المال وجبروتهم. أشواق الاسلاميين الانفصاليين أطّرها جيوبوليتيك مثلث حمدى فى بداية الألفية أما أشواق ونزق وشبق الراسماليين السودانيين العربسلاميين راهن على تصميم وحدة فى باطن خطابه تقوم على الشرطيين التاليين:
(1) إنشاء دولة قوية فى الجنوب تأتمر بأمره وتبسط سيطرتها وتشدّد قبضتها على ثروته الزراعية والحيوانية والبترولية لتعيد توزيعها على رؤوس الأموال المحلية والعالمية التى ظلّت تتفاوض وتصارع للإستيلاء عليها قبل بزوغ وضع سياسى مختلف عن الوضع السياسى المحلى والعالمى المؤآتيين. محلياً نقصد سيادة واقع وجودى ماثل (سياسى وإقتصادى وأيدولوجى) فى سلطة المؤتمر التى لاتتورّع فى توزيع كل أراضى السودان للرساميل المحلية والعالمية ، وعالمياً سيادة المدرسة اللبرالية الجديدة (منطق السوق المفروض على الدول الناهضة وبيع سيادة الدولة الوطنية وتوظيفها تحت إمرة راس المال)
(2) الرهان على تقسيم القوى السياسية الجنوبية وإضعافها وتفتيتها ثم خلق حكومة دمية من أبناء الجنوب تعمل على إعادة توزيع الموارد ضمن ايدولوجية تحرير الإقتصاد والإستثمار والتجارة والخصخصة. وقد راكم حزب المؤتمر مؤهلات وخبرات فى العمل وسط نخب جنوب السودان وقواه السياسية بما يؤهله للعب هذا الدور بمكر وخبث.
هل يسود خطاب تحرير الاسواق والتملّك (خطاب راس المال التسليفى) على مشارف الالفيّة الثالثة على سواه؟
عقد بنك فيصل الاسلامى فى 13 اكتوبر 2010 ندوته السنوية بعنوان " مآلات الإستفتاء وتداعياتها على السودان " المزمع عقده فى 9 يناير 2010 وقد درج البنك على اقامة ندوة سنوياً تناقش أهم الموضوعات في الساحة السياسية والإقتصادية والإجتماعية كونها الارضية التى تتحقّق على مسرحها مرابحات البنك ومضارباته.
فى تلك الندوة عبّر ايديولوج البرجوازية السودانية د.عبد الرحيم حمدي (الخبير الإقتصادي ووزير المالية الأسبق) بوضوح وشفافية عن توق البرجوازية السودانية الى توسيع السوق او بالاحرى المحافظة على اسواقها قبل وبعد الاستفتاء (يقرأ الانفصال)
مبادرة البنك بتنظيم الندوة ،فى ذاته، ذات مغزى بائن ليس لأن بنك فيصل احد رواد راس المال المصرفى السودانى الاسلامى فحسب وانما لشبكة الانشطة التجارية التى يقوم بها كون المصرف يرابح ويضارب ويخزن البضائع ويبيعها خارج دورة التسليف التقليدى. ذلك لأن تنظيم البنك للندوة يضمر رسالة ترويجيّة دعويّة ودفع تعبوى وتوجيه معنوى حول توسيع الاسواق وتوحيدها واستقرارها ومن ثم الى السلام ونبذ العنف والشتات والفجور فى الخصومة بين الشعوب السودانية فى المركز والاطراف او مايخص موضوعنا هنا شعوب جنوب السودان من جهة وشماله. مثل هذه الرؤى والفلسفة الاقتصادية ليست شاذة نظرياً على الراسمالية التنافسية فى مراكز الراسمالية الاوروامريكية التى كانت تدعو الى الاخاء والحرية والمساواة. ولو تعمّقنا أكثر يسهل علينا ان نقول ان الراسمالية الارثوذكسية نظريا (خارج سياق التراكم البدائى) لا تطيق انماط العنصرية مثلاً كونها تكدّر سلاسة الاسواق وتنافسيّتها كما هو الحال فى سوق العمل. هذا على مستوى التنظير والتطبيق فى المراكز، اما على مستوى التطبيق والترويج فى سودان اليوم لسيادة الحريات الاربعة و"التلاقح والتمازج الثقافى" منعطف يخالف المنهج الاستئصالى والاحلالى والاستلحاقى الذى مارسته سلطة الاسلام السياسى فى السودان منذ انقلاب حزبها العسكرى على النظام الديمقراطى فى 1989. نقول ذلك لان أنماط الاستغلال والطفيلية والظلم المطلق الذى كرّسته سياسات الاسلام السياسى اقتضت ايدلوجية مطلقة عنيفة وإبادية ميتا-تاريخية تنكّرت لواقع التذاوت الانثربولوجى الذى يعبّر عنه التعدّد الثقافى والاثنى والدينى فى السودان.

وسط هذا الحطام والخطل تحاول الراسمالية المصرفية الاسلامية ذات العود النيئ والتى لم تتجرأ على ان تخطو وحدها عبر واقع الانحطاط الجيوسياسى وانقسام سوقها بعيداً عن السلطة السياسية ، تحاول طرح هدية مجانية لشركائها فى السلطة السياسية الذين رفعوا شأن مضارباتها فوق المؤسسات المنافسة على سبيل الفهلوة ذات منعطف تاريخى مركّب.
إخترتُ الاقتباس التالى لمحوريته فى استيعاب خطاب عبدالرحيم حمدى والشيخ محمد المك لسان حال راس المال التسليفى الاسلامى السودانى منقولاً عن مقال د.الطيب زين العابدين (اكتوبر 2010 4)
أكّد د. حمدى أهمية "تهدئة الأوضاع والمخاوف الأمنية داخل الدولتين، الأمر الذي يقلل من الحاجة إلى حشد القوات وتكديس الأسلحة ومن ثم يعجل بتخفيض قوات البلدين حتى تحول تلك الأموال الهائلة (وقد كان في موقع يعرف حجم تلك الأموال!) التي ترصد لدى كلا الطرفين إلى التنمية وتحسين أحوال الناس" ودعا الى روشتة من عشر وصايا:
1. إنشاء علاقات طبيعية ايجابية بين حكومة الشمال والجنوب بعد الانفصال دون رسوم او جمارك.
2. توسيع السوق وحرية حركة الرساميل والسلع والعمل بجعل الحدود مفتوحة "بين البلدين وأن تجري عملية الترسيم في هدوء دون شحن وتأخذ وقتها دون تعجل، وما جدوى الترسيم في حدود تمتد لألفي كيلو متر لا يستطيع أحد أن يحرسها أو يراقبها؟
وأن نسمح بالحراك السكاني العفوي والطبيعي بالبر والبحر والجو دون إجراءات قانونية تعقد الانتقال، وهو يدعو للحريات الأربع بين الشمال والجنوب (التنقل والإقامة والتملك والعمل) مثل الذي بيننا وبين ليبيا ومصر" كون هذا الحرك الواسع سيؤدى الى:
3. التلاقح والتمازج الثقافي والحضاري وباستمرار دور السودان كجسر للعلاقة بين الدول العربية وإفريقيا جنوب الصحراء"
4. "إنشاء اتحاد اقتصادي يشمل سوقاً واحدة لتبادل السلع والخدمات دون رسوم أو شروط ومنطقة جمركية موحدة وعملة واحدة، وتنشأ الأجهزة المشتركة لتنفيذ وإدارة الاتفاقيات والعلاقات الاقتصادية.
5. ودعا حكومة الجنوب إلى الالتزام باتفاقيات البترول واستقبال البنوك الإسلامية في الجنوب. 6. منح المنظمات الطوعية الإسلامية حق العمل الحر والسماح للقبائل الرعوية بالدخول لمناطق الرعي كما كان الحال في ظل الدولة الواحدة.
7. طلب من حكومة الشمال إبقاء الجنوبيين بها لمدة عشر سنوات وأن تتخلى مقابل ذلك عن حصة من عائدات بترولها مساعدة للشمال في تحمل تكلفة الخدمات والبنيات التحتية لمئات الآلاف من مواطنيها الذين يبقون بالشمال.
8. وطلب من حكومة الشمال أن تعيد نشر قواتها طوعياً بعيداً عن الحدود بين البلدين.
9. وطالب الشمال أن يساعد دولة الجنوب الجديدة بالخبرات والكوادر والنظم و
10. أن لا يسعى لخلق أو دعم اضطرابات أمنية في الجنوب، وأن يستمر بتقديم خدمات البترول بنفس الأسس والأسعار التي يتعامل بها الآن مع الشركات المستخرجة للبترول.
تلك وصايا تصرّفنا فى جمعها من مقال د. الطيب زين العابدين من حديث د. عبدالرحيم حمدى.
وعلى حافر ذلك المنطق جاءت ورقة المتحدّث الثانى الاستاذ الشيخ محمد المك (الخبير الإقتصادي ووكيل وزارة المالية الأسبق) تقول "إن جملة الفاقد على الخزينة العامة بعد الانفصال يبلغ 6.07 مليار جنيه سنوياً أي ما يساوي 33% من إجمالي الإيرادات القومية (يعادل الفقدان من صادرات البترول حوالي سبعة أضعاف كل الصادرات غير البترولية بما فيها الذهب والإيثانول والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية) ويستطرد الشيخ محمد المك "إن الخفض في الإيرادات القومية يعني تخفيض الدعم للولايات الشمالية، وتخفيض الصرف التنموي على المشروعات وزيادات العجز في الموازنة"
واضح ان خطاب راس المال التسليفى أوسع أفقاً من استراتيجيات الحكومة الحالية ولا يتقاطع مع خططها ونقرأ ذلك من عتاب الشيخ محمد المك على الميزانية العامة (الانفاق العام ومصادر دخل الحكومة حين قال "ان وزارة المالية لم تقم بأى إجراء بصدده (يقصد الانفاق لعام) ولكنها بدأت بزيادة الضرائب ورفع الرسوم الجمركية" (خط التشديد من عندى)
أكّد د. زين العابدين ،الذى ينتمى فى سياقٍ ما الى تلك الاطروحة والايدلوجيا، ان تلك "ندوة مناسبة في توقيتها وموضوعها" وتمنّى ان "تكون قدوة للمصارف والشركات الكبرى أن تسهم في التثقيف والتنوير" حول ذلك الموضوع الاساس.
تُرى هل ينجح خطاب راس المال التمويلى على ماعداه من خطابات البرجوازية السودانية التى أستثمرت الفتنة والحريق والدم طيلة قرن من الزمان ورسّخت خطابات اثنوثقافية عنصرية ذات مرجعية ثقافية فكرية عروبوية اسلاموية تنكّرت لواقع التذاوت الانثربولوجى السودانى الغنى بتعدّده الثقافى، أم تراه يمارس الغِش القديم؟ نميل الى واقعية الخطاب لكننا نشك فى مقدرة نُخبه السياسية على قيادة الازمة وترويض بقية وحوش البرجوازية السودانية. ذلك لأن الأخيرة استمرأت المخيال العربسلامى (نقصد بالعربسلامى ايدلوجية الاعتراب/العروبوية والمتأسلمة/الاسلاموية) بعد عقود من حملات دعائة وتعبوية عنيفة ومكثّفة غرست جذورها فى خصوبة الفضاء الطائفى والصوفى ووظّفت الهندسة الاجتماعية لمشروعها الحضارى.
يبدو ان محدّثنا د. عبدالرحيم حمدى قد عبَر مسافة لاحبة من خطاب مثلثه الشهير المُغلق فى وسط السودان الذى طرحه من قبل كاحتمال استراتيجى نحو رحابة الاسواق والحريات الأربع بين الشمال والجنوب (التنقل والإقامة والتملك والعمل) ولم ينس ان يعيد اختراع الجسر الرمزى والمادى "بيننا وبين ليبيا ومصر" وحريات اخرى مشفوعة ب "الحراك الواسع بالتلاقح والتمازج الثقافي" والحضاري وباستمرار مفهوم التجسير القاحل بين العمق التاريخى وغيبوبة الاعراف التى وجدت مكانها فى متحف التهميش الطرفى القائمة على هندسة جِسر سودانوى يضمن "استقبال البنوك الإسلامية في الجنوب ومنح المنظمات الطوعية الإسلامية حق العمل الحر"!!!
وهل ثمة مجال لاكتمال سيادة احتكار الرساميل المادية وتعميق التمايز الطبقى فى السودان
بدون الرساميل الرمزية!! لذلك ألحق عبدالرحيم حمدى الى حزمة توصياته المادية ذات العِماد "حرية عمل المنظمات الطوعية الاسلامية" والتلاقح والتمازج الثقافى ليس ابتغاء لمرضاة تيار دعاة الهوس والتعلّق التوثينى والتصنيمى فحسب وانما لاكتمال الشرعية الثقافية بوظيفتها الادماجية والشرعية الايديولوجية ذات الوظيفة التسويغية. حينئذٍ يتدفّق البترودولار العربسلامى سلساً وسعيداً عبر الجسر السودانى.
تنويه
وردت نصوص متفرقة من هذه الدراسة فى موقع سودان فور اول ، منبر الحوار الديمقراطى اكتوبر 2010
http://sudan-forall.org/forum/viewforum.php?f=1
هامش وافادة محورية فى الخطاب وتعريفه:
لا يطيب المقام (المالي والاجتماعي والسياسي) للبرجوازية عموماً وخاصة برجوازية العالم الثالث خارج جهاز الدولة. لذلك لا توجد فى المشهد الطبقى برجوازية عزيزة ومكرّمة خارج جهاز الدولة ، أقصد برجوازية استغنت عن جهاز الدولة ولم تلتحم به عضوياً. بمعنى ان من يملك القرار السياسي يملك القرار الاقتصادي وفى نهاية المطاف وبدايته الدائرية تكون شركات الاحتكارات الكبرى وحلفاؤها فى المراكز الراسمالية والعربية هى من يملك القرارين معاً.
الخطاب هو "مجموع التعابير الخاصة التي تتحدد بوظائفها الاجتماعية ومشروعها الأيديولوجي5 "
وهذه التعابير ذات احتمالات استراتيجية وعلاقات تنشأ بين الافادات 6 . إن انتاج الخطاب فى كل مجتمع يخضع لرقابه ولاصطفاء ولتنظيم ومن ثمّ لاعادة توزيع وفقا لتدابير تهدف الى تحاشى سلطة واخطار الخطاب واستبعاد اثر الاحداث عليه وتجنب ماديته الثقيلة (ماركس/انجلز الايدولوجيا الالمانيه)
يقول ميشيل فوكو (فى نظام الخطاب) ان الخطاب قد يبدو فى الظاهر "قليل الخطر, و لكن المحظورات التى تحيط به تكشف بسرعة عن علاقات الخطاب نفسه مع الرغبة و السلطة..... انه بحد ذاته موضوع لصراعات الانسان"
[email protected]
مصادر:
1. الشرق الاوسط
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=543185&issueno=11301
2. د. فرانسيس دينق ، محاضرة بعنوان "آفاق للتوفيق بين تقرير المصير والوحدة في السودان" فى ندوة (الوحدة وتقرير المصير) التي نظمتها بعثة الأمم المتحدة في السودان بالتعاون مع مركز إتجاهات المستقبل فى 2 نوفمبر 2009.
3. حوار أجراه الصحافى ضياء الدين بلال مع ياسر عرمان فى 9 نوفمبر 2009. http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=250&msg=12579175702009
4. د. الطيب زين العابدين، جريدة الصحافة العدد 6199 ، 17 اكتوبر 2010
http://www.alsahafa.sd/details.php?articleid=15621&ispermanent=0
5. د. سعد علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، الدار البيضاء، سوشير سن 1985، ص83 ضمن حبيب مال الله ابراهيم حبيب مال الله ابراهيم "مفهوم الخطاب وسماته"
http://www.freemediawatch.org/majalah/document/docmajla4-200605/arabic/P%2048%20-53KHITAB.htm
6.عبدالله على ابراهيم "الثقافة والديمقراطية فى السودان" دار الامين 1996، ص 67-83. وردت ضِمن مصطفى بحيرى "نقد خطاب الجنوبة" مجلة الطريق ، نشرت ايضاً بصحيفة الميدان عدد 2282، 21 اكتوبر 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.