المريخ يتدرب بالصالة    لجنة تسييرية وكارثة جداوية؟!!    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حصاد الصراع الطبقي وأزمة الديمقراطية البرجوازية .. بقلم: الفاضل الهاشمي/كندا
نشر في سودانيل يوم 08 - 10 - 2012


(1)
بقرة القطاع العام الامريكية تحلب الصدقات للاثرياء ثم الفقراء
ونحن نخط هذا الكتاب تتزايد هجمات الشركات والحكومات شراسة على ممتلكات الشعوب من موارد وحقوق ومبادئ كانت عزيزة على البرجوازية كمشروع حضاري رائد نسبياً. أقول قولى هذا وفى البال ويلاتها كونها ذات الحضارة التى قتلت 100 مليون هندي من سكان شمال امريكا الاصليين و50 مليون فى جنوبها وأسترقّت حوالي 180 مليون أفريقي 88% منهم (158 مليون) ماتوا أثناء الرحلة عبر المحيط الاطلسي فألقوهم فى أمواهه.
كان تعليق مِت رومني ،مرشح الحزب الجمهوري الامريكي ، غير المسئول ضمن الصراع المحموم نحو السلطة فى الانتخابات الامريكية سخيفاً ازدرى فيه نصف الشعب الامريكي بقوله ان 47 % من الامريكان لا يدفعون ضريبة الدخل وبذلك يرفضون تحمّل مسئوليتهم الشخصية فى الاهتمام بالصرف على معايشهم. وهو يقصد الشريحة الدنيا من الطبقة العاملة الامريكية.
معروف ان الجمهوريين فى السابق كانو وراء تخفيض ضرائب الدخل على تلك الشريحة منذ صيحة جورج دبليو بوش الابن الشهيرة للناخب الامريكي: "إقرأ شفتيّ" كونهما لن يكذبا ولن يعلنا زيادة الضرائب.
تعليقق رومني انعكاس لمضمون سياسته فى الحملة للرئاسة كونه سيزيد الضرائب على هذه الشريحة من الطبقة العاملة. الجمهوريون يودون انتاج خطاب مسبق مفاده ان هذه الشريحة لا تدفع ضرائب وكأن ليس هناك ضرائب اخرى غير ضرائب الدخل تدفعها هذه الشريحة وهذا مجرد هراء كما وضّحت مقالات نشرتها مجلة الاكونومست تحت قسم بتون وود وعنوانها الديمقراطية فى امريكا ومقال رومني والضرائب فى سبتمير 2012 التى نحن بصدد استخدام معلوماتهما الاحصائية بالاضافة الى الاقتباس من كتاب سوزان متلر "الدولة المغمورة" لدعم زعمنا وحجاجنا بان النخب الحاكمة فى امريكيا ضاقت ذرعاً بالديمقراطية ، ثم انها تصبح أكثر وحشية مع مرور الايام وتصر على محاباة الطبقات الحاكمة فى توزيع واعادة توزيع الزلابية (الناتج والدخل القوميين) فى امريكا. فى المقابل تعمل القوى الديمقراطية العالمية على بناء وحدة معولمة لانجاز السلام والاستقرار البيئي وايقاف التسّلح وانهاء الفقر وانجاز العدالة الاجتماعية.
وضمن هذا المشهد يقوم الاعلام المهيمن بترسيخ قناعات زائفة بين الناس مفادها ان هؤلاء الفقراء (تلك الشريحة الدنيا من الطبقة العاملة الامريكية) هم الوحيدين الذين يأخذون صدقات ودعم من القطاع العام. هذه الصنعة ضرورية لصرف الانظار عن الدعم الحكومي الدرامي المخجل (بيل آوت) للراسمالية المالية وبورصاتها منذ 2008 وحتى الآن. دعم الشركات الكبري صدقات تريليونية دفعتها مختلف شرائح الشعب الامريكي بذريعة ان هذه الشركات أكبر من ان تترك نهباً للفشل كما جرت العبارة الايدلوجية المسمومة التى ظلّ الاعلام الامريكي السائد يبيعها للجمهور المغيّب.
طبعاً لو قام مولانا آدم سميث من قبره وعلم بهذه المحكية سيرفع عقيرته بسب الراسمالية ويقود مليشيات تحرير الراسمالية التى نظّر لمبادئها تحت شعار "دعه يعمل دعه يمر" كون عقاب المنشأة الفاشلة فى الراسمالية هو الخروج من السوق وبسْ.
هذا بالاضافة للرفاه الانعاشي السنوي (كوربوريت ويلفير) الذى ظلت تحلبه بقرة الدولة الحلوب لكبري الشركات منذ قرن ونيف باسم دلع يُسمى تشجيع البحوث العلمية والتكنولوجية والتنموية (ريسيرش اند دفلبمنت) وهذا موضوع آخر كتب فيه الباحثون الكثير المثير الخطر.
أما حول تعليق مِت رومني الذى كلّفه كثيراً وكان خصماً على اسهمه السياسية وشعبيته فان مايحدث اقتصادياً انك حين تخفّض ضرائب الدخل على الاغنياء والفقراء فى آن ، فان الفقراء وحدهم يختفون فى تسجيلات حساب ضرائب الدخل كما قالت إزرا كلين فى الاكونومست 18 سبتمبر 2012. هذا الحجاج الآن مطروح ايدلوجياً من قيادة الجمهوريين (وهم فى الماضى والمستقبل ممثّل أصيل لنصف الطبقة الراسمالية الامريكية الحاكمة ونصفها الآخر يمثله الديمقراطيون) لتخفيض الضرائب على الاغنياء (دينامو الانتخابات ووقود مجموعات الضغط) خصماً على فاتورة الخدمات الاجتماعية الموجّهة أساساً لتلك الشريحة الدنيا من الطبقة العاملة من رعاية صحية وخدمات اسكانية ودعم سلعي للاساسيات الغذائية ولمن هم دون خط الفقر او قل خارج التاريخ الامريكي وداخل الغيتو الامريكي. ان تخفيض الضرائب على الشرائح العليا يعني عملياً ،عبر آلية تخفيض خدمات الشرائح الدنيا الاجتماعية، زيادة الضرائب على الفقراء. أما مثقفو الراسمالية العضويين (من محاسبين وكتبة ومصرفيين واقتصاديين) مدربون على دبلجة وهندسة نماذج حسابية للميزانيات الفدرالية والولائية بحيث يتم فيها تغييب الدعومات الحقيقية للشرائح العليا كدعم البحوث التنموية والتكنلوجية وفك الرقابة على عملياتهم الانتاجية والتسويقية والقوانين الاستثمارية كما نعلم جميعاً.
نأتي لتبيان التفاصيل التى يسكن فيها إنس راس المال وجِنّه وشياطينه. تقول الحقائق الاحصائية ان أكثر من نصف الفقراء الامريكان (ال 47% من الشعب الامريكي) الذين هزّأ بهم مِت رومني هم الشريحة الدنيا من العمال ويدفعون ضرائب على دخولهم الشهرية ؛ و15% منهم عجزة و7% منهم تحت خط الفقر كون دخولهم السنوية اقل من 20 الف دولار!!!
حماقات رومني (أُطلق عليها رومنيقيت على سبيل الفضيحة التاريخية المشهورة) تقع فى صلب حماقات فكر الراسمالية المتأخّرة ذات التقنية التى يفتتن بها اهلنا فى المشرق العربي وافريقيا فى ذات اللحظة التى يبحث فيها اهلها هنا وعلى عجل سبل الفكاك من أزماتها الغرائبية كمشروع حضاري.
من التفاصيل التى توردها سوزان متلر عن تغييب المعلومة عن الانسان الامريكي سيد الرايحة التى تُسمى "الحلم الامريكي " ،كما نشاهد فى السينما وسائر وسائل الاعلام الهوليودية المعولمة، انه ورد فى استطلاع تم فى 2008 ان 57% من الامريكان أنكروا سهواً استفادتهم من برامج الدعم الحكومي ولكن بمجرد ان عُرض عليهم فى الاستطلاع اسم 21 برنامج دعم حكومي (مثل قروض دعم الطلبة وتخفيضات اسعار الفائدة على العقارات المنزلية التى اشتروها) اتضح ان 94% ممن انكروا استفادتهم من تلك البرامج أنتبهو موافقين على استخدامهم تلك البرامج. تلك عينة عن تغييب المعلومة وتغبيش الوعي بالحقائق وسط الانشغال بدوامات المعايش.
تقول متلر ان معظم فوائد برامج الدعم الحكومية تذهب لاسر الاغنياء كون 69% من تخفيضات الفائدة على قروض العقارات المنزلية يستفيد منها ميسورو الحال ممن دخولهم السنوية تبلغ 100 الف دولار فما فوق.
تقول الارقام ايضاً ان 55% من فوائد التقاعد المدفوعة من المخدِّمين تذهب الى ذات الشريحة الميسورة، فى حين 16% فقط (مجموعات الخمس الاسفل من الدخول) لديهم تأمين صحّي مدفوع من المخدِّمين مقارنة ب 85% من المستفيدين منها ينتمون لمالكي الخمس الاعلى من الدخول. بمعنى أكثر وضوحاً ان متوسط الدعم الحكومي لمن دخولهم السنوية بين 200 الف الى 500 الف يساوي 3 مرات متوسط الدعم لمن دخولهم السنوية بين 10 الف الى 20 الف!!! هذا يسمّى فساد وخواء اخلاقي يتحكّر فى قلب المشروع الحضاري البرجوازي. لاحظ ان هذا على مستوى اعادة توزيع الكيكة ولا دخل له بالعملية الانتاجية وتلك محكيّة اخرى عن التظالم. نحن نتحدّث هنا عن برامج وارقام مالية درامية تُقتطع من الدخل القومي كون دعم العقارات المنزلية وصل حجمه 104 مليار دولار فى 2010 ودعم التقاعد كانت قيمته 67 مليار. هذا يعنى ان مجرد محاولة طرح معالجة واصلاح سياسي لهذه الميزانية الضخمة تحاصرها صعوبات عملية ماانزل الله بها من سلطان.
من نماذج محاباة الطبقة الوسطي فى هذه البرامج ان فى بريطانيا مثلاً يصعب اصلاح برنامج دعم الاطفال من ذوي الدخول العالية. وهكذا وبحكم البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والايلوجية يزداد العبء باضطراد على الفقراء ويلعب التكنقراط بالارقام ويعيدون انتاج سياقات وقناعات ايدلوجية تمجّد الراسمالية واوهام الحلم الامريكي من شاكلة ان نظام الدعم الحكومي الحالي يظلم العامل المنتِج والمبدع المجتهد الجاد صاحب الدخل العالي ويحابي الكسالي من ذوى الدخول الدنيا لتهيئة الراي العام مجدداً لمزيد من ال تهميش والافقار. هذا بالتحديد ماظهر من زلة لسان ومن لاوعي المرشح الرئاسي الامريكي مِت رومني .
(2)
العودة الى منصّة تأسيس ديمقراطية أثينا: الاستغناء عن السمسار وعلاج الفاقد الديمقراطي
يتطيّر عقلاء المنظرين اللبراليين من تكالب الشِراك علي النظام اللبرالي حسب مذكرات بتُنوود (عمود الاسواق المالية بمجلة الايكونومست ذات الصيت بوحدة مخابراتها الاقتصادية ذات الموارد الماهلة) من بوابة أزمة الفاقد الديمقراطي الذي يدخل عبره تسنامي وأعاصير مزلزلة. ضمن هذه الفخاخ يشيرون الي سيادة ظاهرتين واحدة سياسية والاخري اقتصادي: ظاهرة خيبة أمل الناخب وزهده فى ديناميكيات الديمقراطية البرجوازية وفى السياسيين من جهة وفى أزمة الديون التي اصبحت جزءاً لا يتجزأ من بنية الاقتصاد الانتاجي والاستهلاكي وعلى المستويْين الفردي والقومي.
اذن ما العمل؟ اقترح بعضهم ضرورة العودة الى منصّة تأسيس ديمقراطية أثينا بالاستغناء عن السمسار/الوسيط للخروج من التناقض الراسمالي الكامن فى الطفيلية على مستوى التوزيع. ينتمي السمسار/الوسيط الي نظام طبقي مؤسس ومتشابك ومعقّد قوامه المهيمنون على كل شيئ (الكاتلين دجاجة الراسمالية وخامين بيضها) من مالكي شركات كبري ومدراء شركات متعددة الجنسيات تنفيذيين ومصرفيين ومهندسي السياسات المالية والضريبية وسياسيين ومرابين ومضاربين وشركات اسلحة وادوية وغسيل اموال ومخدرات كوكبيين يسمعون حفيف الدولار تحت جبال ثلوج قارة انتاركتكا ولهم مقاعد للسمع بين المجرات البعيدة. هذه الشبكات اشترت موارد الكرة الارضية واستولت على الانسان (هجرة العقول) والموارد (شراء الاراضي الخصبة واحتكار الموارد المائية عذبها ومالحها) حتى اصبحت هجرة الاموال السنوية من العالم الثالث الفقير الى العالم المُتخم تتجاوز التريليونات وكلما خمدت نيران اللبرالية أنشؤا جامعات ومؤسسات بحثية لبرالية جديدة تعيد اصلاح البنك الدولي وصندوقه ومنظمة التجارة العالمية لغاية اختراع مجموعة العشرين دولة (بعد حيرة مجموعة السبعة والثمانية) حتى تفك كُربة عويصة ألمّت بالمؤسسة فى ذاتها ولذاتها من شدة بؤس منطقها وفكرها.
الاستغناء عن الوسيط السمسار يهيئ للجماهير (أقرأ المنتجين/المستهلكين/الناخبين الناشطين الثوار الخ) إعادة انتزاع مكتسبات دفعوا الغالي والنفيس استعادتها منذ الهجمة عليها فى اوائل سبعينات القرن الماضيحتي يتسنّي لهم اتّخاذ قراراتهم الجوهرية بانفسهم . اما السمسرة فقد أرهقت السوق والمؤسسات السياسية حتى تكالبت مجموعات الضغط على سرقة الاستفتاء (والاستبيان والاستطلاع) كمفهوم وآلية لاتخاذ قرارات جوهرية كتقرير المصير. تم ذلك عبر تزويق وتأطير اسئلة الاستفتاء/الاستبيان (فريمنق) وصياغتها لايهام الجمهور والايحاء له وسوقه الى مباركة وصفة نهائية تخدم مصالح المتسيّد المتسلّط المهيمن الجبّار من قوي الامبريالية وشركاتها المتعددة الجنسيات. فى البال تبسيط اسئلة استفتاء وستمنستر وادنيرق فى تجربة استقلال سكوتلاندا واقامة اسواق للتصويت والخبراء المشرفين على الانتخابات وللناخبين كآليات فاشية لعينة متخفية فى ثوب لبرالي ديمقراطي مبهرج سرعان ما يذهب برأي الاقلية. وبقدرة قادر يمكن للاستفتاء كآلية محسوبة على الديمقراطية ان يعيد الاعدام شنقاً ويعيد انتاج الكراهية والعرقنة ويمنع الهجرة مثلاً ويقر الجلد والرجم حسب ارادة أهل السلطة والثروة. وهكذا اصبحت السلطة والثروة عقبة كؤود امام أحلام إلغاء الوسيط/السمسار.
ورطة كبري أخري تتعلق بالطبيعة التاريخية للديمقراطية البرجوازية كونها وبنشاتها فى سياق الدولة القطرية المحلّي ولكن طبيعة راس المال التحريرية التوسعية طوت الارض طياً وتكوكبت معها ازمات معاصرة غلّبت الهدّاي المفكّر التكنوقراطي منها التدهور البيئ المناخي والازمات المالية والديون وما يسمي "بالارهاب" الاسلامي.
فى الحقيقة ليس هناك ثمة علاقة ايجابية بين الديمقراطية والعولمة الحاصلة الآن وبين ظهرانينا نموذج الامم المتحدة ذي حق النقض (الفيتو) للاقوي كمثال للخسران والفاقد الديمقراطي.
(3)
طعن فى صميم قيم الديمقراطية:
أزعم هنا ان الاكونومست (كشركة متنفّذة ذات تاريخ ايدولوجي سياسي نخبوي مشهود) بدأت مؤخراً بتشنئة التجربة الديمقراطية وتحاول الطعن فى مبادئها وقيمها فى نكران واضح لذات السيرة الاعلانية اللبرلية التى تفخر بها. عبّرت الاكونومست فى مقال بعنوان الديمقراطيات والديون عن الحقائق المرة التى يعانيها الناخب الديمقراطي بل وتضيق فيه ذرعاً بالديمقراطية (أدناه مسح عن الاكونومست). تقول الايكونومست فى عدد اول سبتمبر 2012 ان كلمة الديمقراطية كانت كلمة بغيضة وقذرة عند الفلاسفة القدماء السياسيين لانهم كانوا يخشون ان يقود الحكم الديمقراطي الى الإنهيار. اقتبست الاكونومست انذار لافلاطون يقول فيه ان صفوة الديمقراطيين "سينهبون الاغنياء ويؤثرون لانفسهم كل ما يستطيعون من الخيرات ثم يجودون بما تبقّي من الفتات على الاخرين " واقتبست جيمس ماديسون ،احد الآباء المؤسسين لامريكا، فى تخوّفه ان الديمقراطية ربما تقود "الى انتشار عارم للاوراق المالية ولنكران الديون وتقسيم متساوي للممتلكات ولسائر المشاريع الخاسئة". ثم قالت ان الرئيس الامريكي جون ادمز عبّر عن تخوّفه من ان الديمقراطية حين تأتي بحكم الجماهير ستفرض ضرائب ثقيلة على الاغنياء باسم المساواة وبالتالي يعوث "العاطل الخبيث المتطرّف ويغلو فى التبذير والفسوق ويبيع كل اسهمه ويصرف عائدها ويطلب المزيد من ثروة الاثرياء" .
تقول الاكونومست بصوت منخفض ان للديمقراطية عيوبها ولكنها بدون بديل وتستشهد بالانظمة كالديكتاتورية ، كبديل عاطب عاطل من الحكمة والحصافة كونها تصرف مبالغ طائلة على الامن والبوليس والجيش لحماية سلطتها وتتورّط فى الازمات المالية وعندها ان الازمات المالية أطاحت بالاتحاد السوفيتي. هذا تهديد مغلّف عن الازمات المالية والعجوزات التى تحاصر الآن أوروبا.
تشكّك الاكونومست فى جدوي آليات الديمقراطية المعاصرة وقلة حيلتها وتتنكر لايمانها بالديمقراطية فى ذات العدد من المجلة قائلة "يجوز لنا ان نتساءل اذا كانت مخاوف جيمس ماديسون و جون آدمز فى محلّها كون مخاض ازمات الديون اصبحت تهدّد وجود معظم الديمقراطيات. لا يصح ان نقول ان الديمقراطية صادرت الثروة الخاصة كون اللامساواة ازدادت فى امريكا وبريطانيا فى الثلاثين عاماً الماضية. والعكس هو الصحيح الآن كون السياسة أصبحت مطيّة للثراء فى حلف السياسيين مع الاغنياء."
ثم تبدأ الاكونومست فى طرح المشكلة حسب وجهة نظرها بان الحكومات المعاصرة اصبحت تلعب دوراً اقتصادياً أكبر مما قال به اللبراليون المؤسسون الاوائل. ولهذا يصبح القادة السياسيون عرضة لمحاباة الاقارب والمحسوبية والافساد فى التعاقد وفوائد الرفاه الاجتماعي والوظائف والاعفاءات الضريبية للشركات المدعومة. هذه المكاسب ذات قيّمة عالية بالنسبة للمنتفعين منها (وضمنهم مجموعات الضغط) ولكن تكلفتها تُقسّم على قطاعات واسعة من الناخبين دافعى الضرائب بحيث لا يحسون مباشرة باعبائها المالية وبالتالي لن يكون لهم دافع لتكوين حملات لمناهضة المحاباة وفساد الساسة كما يحدث الآن فى اليونان. لذلك يجأر اللبراليون الجدد من دور الدولة المعاصرة المتعاظم فى التأثير على حركة الاقتصاد ويتضجّرون من نفوذ السياسي كانسان متميّز وممتاز كون شر وجاهة سلطته الثقيل مقسّم بين دافعي الضرائب. فالسياسي وقبيلته ذوى مكاسب يقاتلون عنها ، اما ضآلة العبء المقسّم على الناخب (وهم كثر مقارنة مع السياسيين)، ثم أعباء التنظيم والتوعية والتعبئة والتعليم قلّل امكانية حافز يجيّش الناخبين معاً لرفض ضعف فعالية وكفاءة السياسيين وطفيليتهم. اذن ما العمل؟
أولاً يقترح تيار من اللبراليين الجدد حالياً ان المخرج هو مزيد من تقويض الديمقراطية واخذها فى مقتل. كيف؟ اقترح تيار الاكونومست اليميني تجريد الساسة المنتخَبين من امتياز وحق ومبدأ ديمقراطي اصيل هو اتخاذ القرار فى اهم حقل. تقترح إنتزاع حق اتخاذ القرار من الساسة المنتخَبين وحرمانهم من التحكّم فى توزيع الموارد عبر السياسية المالية كأحد ميادين الصراع الطبقي المهم (الميزانية العامة: دخل الحكومة ومنصرفاتها) واعطاء ذاك الحق للخبراء التكنوقراط (ناس بروفيسر فلان ودكتور علان). يعتمد حِجاجهم البرغماتي على تجربة المصرفيين المركزيين الفدراليين فى التحكّم فى السياسة النقدية مستشهدين بتجربة لوكاس باباديمس فى اليونان وماريو مونتي فى ايطاليا كونهما تحكّما فى السياسة النقدية.
ثانياً : تعيين لجنة تكنقراط فى امريكا (خارج الاطر الديمقراطية) بمباركة الحزبيْن الكبيرين تكون مسئولة عن اتخاذ القرارات وذلك للتحلّل من رقابة المنتخَبين اللصيقة والتصويت البرلماني.
(4)
أزمة البرجوازية أزمة ديون
يزعم اللبراليون ان قلة المخاطر فى امكانية تسديد الحكومة الديمقراطية لديونها وضعف احتمال تسيّبها أغرت مؤسسات الدائنين بالصبر على تلك الديون وفى البال ازمة الديون غير المنطقية والعقلانية التى هدّت كاهل النظام الراسمالي على المستوي الفردي والحكومي. طبعاً مع استبعاد حالة رفض قيصر روسيا دفع ديونه فى 1917 كما يقول مقال الاكونوكست. صبر المؤسسات الدائنة ،فى المدي البعيد، شجّع ديموقراطيات العالم الاول المستقرة على مراكمة ديون كبيرة مما لم يقضِ على لحظة الانهيار الاقتصادي بل أجّلها الى حين. تقول الاكونومست ان حكومات هذه الديموقراطيات (لو افترضنا ديناميكية العلاقات الاستراتيجية الوطيدة والجدلية بين تلك الشركات والسلطات الحاكمة) تصادر ثروة الدائن المحلي عملياً عبر سياساتها التضخمية والضرائبية. أما الآن قد ازفت لحظة الحقيقة المرّة كون مستوي ديناميكية الديموقراطية المعاصرة لم يشفع للدائنين الاجانب ان يجزلوا اعطاء ديونهم لتلك الحكومات. والنتيجة ان وقف حمار الشيخ الراسمالي وحكومته التكنوقراطية على شفا حفرة أزمة الديون الحكومية. أما على مستوى أزمة الديون الفردية ودور فهلوة الشركات فى تصعيدها (كروت التسليف والعقارات المنزلية) فحدّث ولا حرج. مرة أخرى الطفيلية تحاصر النظام الراسمالي حيثما ولّيت وجهك. الحل عند هذا التيار يكمن فى مصادرة الديمقراطية من الناخب ومنحها للبرقراطيين النافعين ولا عزاء لمؤسسي الديمقراطية والحريّة اللبرالية والليزي فير.
(5)
الجغرافيا السياسية الجديدة للفقر:
هل يوجد الفقراء فى العالم الثالث وحد؟ يقول الباحث سمنر كضباً كاضب. فى بحث مهم توصّل آندرو سمنر من معهد دراسات التنمية فى بريطانيا ان جغرافيا الفقراء لا توجد فى العالم الثالث وحده كون 80% من الذين يعيشون على اقل من دولارين فى اليوم يعيشون فى دول متوسط دخل الفرد فيها بين الف الى 12 الف ونصف!! وهذه دول لا تنتمى للعالم الثالث !! أما فى العالم الاول فان حملات موائد الفقر المستديرة المناهضة للفقر فى جميع (نعم جميع) بلديات(محليّات) العالم الاول وبنوك الاغذية المزدحمة بالجائعين فى قلب الوفرة تشهد بالقادم ؛ والله ينجينا منن الآت. تزعم الاكونومست ان النموء الاقتصادي غير المتساوئ طويل المدي فى الدول الفقيرة قد رفعها الى مصاف الدول متوسطة الدخل (الصين والهند) حيث يمكن تثوير سياسات الفقر لدعم الفقراء فيها بسهولة.
(6)
نموذج شانئ للتجربة الديمقراطية من الحقل الاعلامي: مجموعة شركة الاكونومست
الاكونومست مؤسسة نافذة ذات مليون ونصف قارئ عالمي عمرها قرنين من الزمان وذات وحدة مخابرات اقتصادية مشهود لها (ونصف اسهمها مملوكة للفاينانشيال تايمز) تدّعى انها تنتمي للوسط رغم انها تعترف وتفخر بدعمها للرئيسين ريقان وتاتشر والامريكان فى فيتنام فى ذات اللحظة التى لا تنكر انها صادقت على هارولد ويلسون وبيل كلينتون وتفتخر بانها آزرت أهداف لبرالية مثل مناهضة عقوبة الاعدام وتباهي بانها تفضّل اصلاح القانون الجنائي ووضع حد للاستعمار والعنصرية وظلم الجندر والمثليين والسيطرة على امتلاك السلاح الى آخر البوبار والبذخ البرجوازي الاستهلاكي الانصرافي. لترسيخ ايدلوجية مركزية قابضة تخفى المجلة فردية كتّابها وتبنيهم للمجهول وتزعم انها عدوة ادعاء الامتياز والتباهي والميل التنبؤي. تفخر الاكونومست اليوم انها مازالت تؤمن بمبادئ القرن التاسع عشر اللبرالية كالتجارة الحرّة والعولمة والحد الادني من التدخل الحكومي خاصة فى شئون السوق مثل مؤسسها الاسكوتلندي القروي ترزي الطواقى جيمس ولسون!! تؤمن الاكونومست كما قال مؤسسها قبل مايقارب القرنين "ان التجارة الحرة والتبادل الحر ستعملان أكثر من أي قوة مرئية أخري على نشر الحضارة والاخلاق (الحضارة والاخلاق المركزيتين الانجلوامريكيتين ،طبعاً) فى العالم بما فى ذلك القضاء على العبودية والاسترقاق." ذات الاخلاق جعلت الاكونومست تمجّد الحرب العالمية فى زلة لسان فى قولها "بمجيئ عام 1938 كانت نصف مبيعات الاكونومست فى الخارج ، شكراً للحرب ، الى حين" . بقي ان نعرف ان من كتاب الاكونومست المساهمين كيم فيلبي الجاسوس السوفيتي ورئيس الوزراء البريطاني قاريت فتزجيرالد والرئيس الايطالي ليويدى اينودى فى نهاية اربعينات القرن الماضي.
مراجع:
1.مجلة الاكونومست فى شهر سبتمبر 2012: تحت قسم بتُنوود وعنوان الديمقراطية فى امريكا ومقال رومني والضرائب
الاقتصاد والديمقراطية:
http://www.economist.com/blogs/buttonwood/2012/09/economics-and-democracy
2. الديمقراطية والديون:
http://www.economist.com/node/21561932
3.
* Suzanne Mettler “The Submerged State: How Invisible Government Policies Undermine American Democracy" The University of Chicago Press, 2011.
4. آندرو سمنر "أين يعيش فقراء العالم: استقراء للفقر العالمي فى 2020- 2030" معهد الدراسات التنموية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.