ما يزال السواد الأعظم من الكتاب والصحفيين وكتاب الأعمدة والمثقفون وعموم قبيلة ( لابسو البدلة !) ما يزالون يصرّون على الكتابة المتشحة بالسواد ، وتصوير أجواء الشمال تائهة باكية ملبدة بالحزن والدموع والعويل بسبب انفصال الجنوب ! وما يزال الأستاذ عثمان ميرغني والهندي عز الدين ود. زهير وغيرهم ينفسّون عن غيظهم ( غير المعلل ! ) بكيل اللوم والأوصاف الشاتمة كالحقد والعنصرية والغباء ل (منبر السلام العادل) وكأن فصل الجنوب كان بسببهم ! ( وهذا ليس بالضرورة دفاع عن المنبر !) .. ويكتب الكثير من الصحافيين تحت عناوين من شاكلة ( الحزن وحده لا يكفي )( فليبكوا وطناً يضيع) ( عفواً لأننا لم نحافظ عليك!) (ليل الغد المخيف ) ( ناخ الجمل !! ) صدقاً .. لا أتوقع أن هذه مشاعرهم الحقيقية ( أغلبهم على الأقل !) ، و لا أتوقع أن الحزن هو مشاعر المؤتمر الوطني الحقيقية تجاه الانفصال !، وأتصوّر أنه لولا قرارات الغلاء التي جعلت الناس واجمين لخرج الشمال في احتفالات تجعل الحليم حيران !. لكني من ناحية أخرى لا أعرف من أين استمدت الحدود السياسية قداستها الكبيرة في نفوسهم خاصة وأن منطلقهم في ذلك غير ديني ! ( ولعلي أعود للمنطلقات الدينية ) وما أحسبه إلا نجاح كبير للمستعمر الذي جعل ولاءنا لهذه الحدود أكبر من كل ولاء . أتصوّر أنه إذا أقيم استفتاء شمالي لفصل الجنوب فإن 90 % سيصوتون للانفصال ، وهذه حقيقة لا يماري فيها إلا مماحك – وإن كنت أستغرب لماذا لم يُجر هؤلاء الإعلاميون استطلاعات علمية للرأي بدلاً من مصادرة حق الناس في التعبير بهذا الضجيج والبكائيات وإناخة الجمال ! .. فكما لا يستطيع دعاة الوحدة في الجنوب أن يرفعوا أيديهم برمز الوحدة ؛ يتوجس في الشمال من أراد أن يكتب عن فرحه بالانفصال من أن تصيبه شتائم القوم ووصفهم له بالعنصرية والغباء الخ .. و على عكس وصفهم من يدعو للانفصال في الشمال بالعنصرية – أتصوّر أن دعاة الوحدة والباكون عليها هم أكبر عنصريون ومخادعون ومستغلون .. بل ومهرّجون ! ( إذا استبعدنا لدقائق من يدّعون حمل هم الدعوة الإسلامية ) .. وعن التهريج فقد شاهدتُ قبل بضعة أيام حلقة من برنامج مسرحي ( مسرح في الشارع ) على إحدى الفضائيات ، والحلقة مصوّرة في الخرطوم في منطقة بها تواجد كبير من أبناء الجنوب كمشاهدين ! ويحكي السيناريو عن شخص شمالي يعامله جيرانه الشماليون بقسوة بينما يجد السند والدعم والسلفيات المادية من جاره الجنوبي ! ، ورغم أن جميع من حضر معي الحلقة سخر منها فأنا على يقين أن ابناء الجنوب الذين حضروها في الشارع كانوا أول الساخرين من هذا التهريج والغش ومسرح العرائس هذا .. ليس بسبب سوء الجار الجنوبي لكن لأن صورة الجوار المتسامح والتداخل الاجتماعي بين الشماليين والجنوبيين غي موجودة في الواقع - وقد كتب أحد الصحفيين أنه اعتصر ذاكرته فوجد أن من يعرفهم من الجنوب وتعاملوا معه خلال حياته 4 أشخاص لا يشغلون شيئاً من ذاكرته ! - وهذا لا يحتاج لدليل وحجج ( إلا إذا طلبت الحكومة دليلاً على تسخّط الناس من قراراتها الأخيرة ! ) .. أعود لخداع دعاة الوحدة وقد أعجبني كلام د . البوني بأنه ( من السطحية والاستعلائية - وخداع النفس - تصوير أفراح الجنوبيين غير العادية ودموعهم بأن هؤلاء الفرحين مخدوعون ومغرر بهم وسطحيون !) .. داعي الوحدة الشمالي يفهم أكثر من الجنوبي أنه في حال الوحدة لن يسمح لهم بقيادة الدولة أو قيادة الجيش أو المالية أو النفط أو الداخلية أو الأمن الخ حتى إذا كان الحاكم هو محمد ابراهيم نُقد نفسه ، ربما يُسمح لهم بالصحة والرياضة !.. نحن وهم جميعاً نفهم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية فعلاً ، لكن البكائيين يصرون على خداعهم المفضوح بقولهم : نحن وأنتم جميعاً سواء ! .. الشمال لا يريد من الجنوب غير النفط والموارد الطبيعية لكنّا نكنّي بغيرها .. حتى دعاة ( الجنوب بوابة الإسلام لأفريقيا ) يعلمون أنهم لم ينجزوا شيئاً يُذكر في هذا المجال لخمسين سنة والجنوب حينها في أيدينا ، فكيف ننجز دعوةً إسلامية هناك في زمان الجيش الشعبي ونحن لا نستطيع محاسبة المرتدين في الخرطوم ! حاربنا ضروساً في الجنوب وقُتل منا مت قُتل ولم نُستفت ، ثم هادنّا واستسلمنا ووقعنا نيفاشا ولم يستشرنا أحد .. والآن الانفصال قادم باستفتاء وأصوات آخرين لسنا منهم .. حتى إذا رأى الناس في الشمال أن يفرحوا لهذه النهاية خرج عليهم من يبكي وينوح – سياسيين وإعلاميين - ويبشرنا بأنه يؤيد ياسر عرمان في العمل من أجل الوحدة مجدداً و ( كلكم لآدم ! )! أيها السادة .. هل أنتم حمقى أم خرقى أم ماذا ؟! الآن الجنوب يعيش فرحة عارمة ، والجنوبيون في بلدهم وفي دول المهجر يرقصون أمام الكاميرات فرحاً بهذا التحرر والانعتاق ! وبغض النظر عما ينتظرهم من أحوال صعبة فهذا شأنهم .. لنفترض جدلاً أنكم حزانى للإنفصال – وهو حقهم حسبما ترون – تعالوا نقيم الاحتفالات والمهرجانات ونفرح .. لهم . mogahid taha [[email protected]]