مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخرطوم وجب تحريرها مرة ثالثة!! .. بقلم: أم سلمة الصادق
نشر في سودانيل يوم 26 - 01 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
في السادس والعشرين، من يناير الماضي، كنت قد احتفيت في عمود نصف الرأي، الذي كان ينشر في جريدة صوت الأمة، بذكرى مرور قرن وربع القرن، على تحرير الخرطوم ،على يد الإمام المهدي عليه السلام ،في 26 يناير 1885، تحت ذات العنوان أعلاه. وبعض من المادة السابقة أعيد نشرها اليوم أيضا في ذكرى التحرير الأول، مع تغيير يتابع ما جرى (تحت الجسر) من أحداث ترتبت على تضييع فرصة الإنتخابات الذهبية للتغيير (باليد). ذهب ذلك الأمل لحاله ، بينما ظل المطلب ماثلا لا يتزحزح ب : وجوب تحرير الخرطوم مرة ثالثة .
لقد كنا يومها في ذلك التوقيت، من السنة الماضية، على مشارف تلك الإنتخابات ،التي لمعت لنا كبارقة أمل، لتحرير الخرطوم ،عبر انتفاضة انتخابية. لكن المزورين أبوا إلا أن يصيبوا جذوة الأمل تلك في مقتل وانتهى المشهد (الديمقراطي)، ويا للعجب إلى ذات المناظر والصور بل ويا لسخرية الأقدار،انتهى بدعاوى سلطانية جديدة، تعيد إنتاج الأزمة بأخرى، أشد وقعا وفتكا ،كونها ،تشهد بداية نهاية الوطن وتمزيق أوصاله،و تتحدث عن شرعية إنتخابية دون مواربة أو شيء من حياء.
فقد كان عيب الإنتخابات الابريلية ظاهرا أحصاه حزب الأمة بموضوعية حكّمت الضمير في حوالي 1064 صفحة من كتاب سمي (فوز الخاسر) و قد جمع بين دفتيه العجب العجاب من المخالفات وأفانين التحايل ومع أن رائحة الإنتخابات الابريلية أزكمت الأنوف وتناولتها كثير من التقارير المحلية والعالمية بالنقد والإنتقاص فقد باركها المجتمع الدولي استصغارا لشأن السودان وأهله وحرصا على (خيالات مآتة) تجلس على كراسي حكم الوطن ويمكن التحكم في فعلها عن بعد (بالرموت كنترول) تحقيقا لأجندة ومصالح تلك الدول. فطالما كان الهدف تفتيت السودان كما أعلن وزير الأمن الاسرائيلي آفي ريخترفي محاضرة منشورة على الصحف الالكترونية بتاريخ 4 يوليو 2008 وقوله:"اسرائيل سبق أن حددت وبلورت سياساتها واستراتيجياتها تجاه العالم العربي بصورة تتجاوز المدى الحالي والمدى المنظور.ورأى الاستراتيجيون الاسرائيليون وقتها أن السودان، بموارده الطبيعية الكبيرة، ومساحته الواسعة، وعدد سكانه الكبير، اذا ترك لحاله، فسوف يصبح اهم من مصر والسعودية والعراق. وسوف يصبح قوة هائلة تضاف الى قوة العالم العربي.وذّكر الوزير الاسرائيلي مستمعيه ببعض اسهامات السودان في الماضي في المجهود الحربي العربي ضد دولة اسرائيل باعتبار نفسه دولة عربية تمثل عمقا استراتيجيا حربيا للجيش المصري. وقال ان السودان شارك في حرب الاستنزاف التي شنها الرئيس عبد الناصر ضد اسرائيل بين عامي 68 و 70 عن طريق ايواء سلاح الجو المصري، وتوفير المجال لتدريب القوات البرية المصرية. وحتى لا يتكرر هذا كان على الجهات المختصة الاسرائيلية أن تحاصر السودان في المركز وفي الاطراف بنوع من الازمات والمعضلات التي يصعب حلها ". وأكد في بعض رده على أسئلة الحضور أن ذلك التفتيت تريده أيضا أمريكا بل وحتى مصر (جارتنا الحبيبة)!
ونرى تلك النوايا لتفتيت السودان بادية للعيان في مقال الرئيس الأمريكي الأخير في النيويورك تايمز فيما ذكر بخصوص تقرير مصير دارفور بما أوردته وكالة سونا للأنباء.
ولتنفيذ تلك الإرادة الدولية لا يوجد أفضل من حكومة تمنعها أخطاؤها وخطاياها وأبرزها: ( مترتبات جرائم دارفور ومحاولة اغتيال الرئيس المصري) من مجرد التفكير في تقطيب الجبين في وجه أصحاب الأجندات الخاصة ناهيك عن مقارعتهم بالحجة أو مقاومتهم.
لذلك لا ينبغي أن نتهاون أو نتأخر لحظة في استعادة الحرية والإستقلالية للقرار الوطني السوداني من مختطفيه اليوم قبل الغد ، باليد إن أمكن، وبالسنون إن عزّت الحلول وتمنعّت على الأيادي، فتلك مسئولية لن يرحمنا التاريخ إن تهاونا فيها أو قصرنا دونها .
وفي سياق الإحتفاء بذكرى تحرير الخرطوم الأولى على يد الإمام المهدي نثمن غاليا ملاحظات د. بركات موسى الحواتي التي جاد بها علينا كما (الغيث ،إذا الغيث همىّ) وتشربناها كما تفعل الأرض العطشى -إذ صادفت عندنا هوى واستحسانا في عموده (ملاحظات) الراتب بصحافة السبت 22يناير 2011 ويقول الحواتي قولا مهما بقامته: (... تظل البلاد بدون عنوان أو بوصلة في كل وقت يتراجع فيه تاريخها إلى زوايا النسيان أو أن يكون تذكرا موسوميا مصنوعا) ثم يمضي في قوله حتى يقدم اقتراحا نيرا بإقامة مهرجان يوثق لتاريخنا وللحظات التوهج فيه نبدؤه بخطوات من البجراوية باتجاه جبال كرري في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا فالمسألة أمانة ،أو كما قال.
نبصم بعشرتنا على ما قال الحواتي عالم التاريخ المتخصص، ونقول: إن القول ما قال الحواتي! ثم نمضي إلى ما يحيينا، احتفاءً بذكرى تحرير الخرطوم في 26 يناير من عام 1885م في القرن التاسع عشر.
تحرير الخرطوم الأول:
توّج الإمام المهدي عليه السلام انتصاراته المذهلة التي اعتمدت مزجا فريدا: بين كاريزما القيادة وإبداع الفرد، بين الإيمان والعمل، بين الصبر والإقدام، فكان فتح الخرطوم حدثا جللا اهتزت له أركان الإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس -حينها واضطربت له الدولة العثمانية المتحكمة في بلدنا السودان باسم الخلافة الإسلامية ومعها مصر الخديوية.
بدأ القائد العبقري خطواته العملية لحصار الخرطوم بعد معركة شيكان مباشرة. وفعل ذلك على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: عزل الخرطوم عن العالم الخارجي وذلك بقطع الطرق التي تصل إليها من جهات أربع (من الشرق إلى ميناء سواكن قطعه عثمان دقنة،من بربر شمالا إلى مصر قطعه محمد الخير –أستاذ المهدي، طريق كسلا مصوع قطعه مصطفى هدل، طريق القضارف –القلابات قطعه محمد ود الأرباب والحسين عبد الواحد نور الدايم) فكان أن شهد عام 1884م عزلا تاما للخرطوم ونجاحا باهرا للمرحلة الأولى.
المرحلة الثانية: عزل الخرطوم عن المناطق التي تحيط بها: وجعل الإمام المهدي يكاتب الشخصيات ذات الوزن الديني والقبلي في المنطقة فاستجاب له نفر وأخذوا يشعلون الثورة في مناطقهم ، وعلى يد الشيخ محمد الطيب البصير تم قطع خط التلغراف وكان هدف الإمام المهدي أن يؤسس معسكرات للأنصار في أنحاء متفرقة في المنطقة المتاخمة للخرطوم لتقوم بمعارك محدودة النطاق ضد حامية الخرطوم فتحولت المنطقة إلى بحر من المقاومة بدأت أمواجه تتلاطم بالمجموعات القبلية الثائرة.وبعث بأمير البرين والبحرين(الأمير أبو قرجة)ليشرف على الجيوش بين النيلين الأزرق والأبيض، وفي البرين شرق النيل وغربه مبقيا كل المنطقة في حالة حرب لا تهدأ.
المرحلة الثالثة: بدأت بخروج الإمام المهدي في ابريل قاصدا الخرطوم من الأبيض وبعد أن حط رحاله في الرهد بعث بأمير الأمراء(عبد الرحمن النجومي ) على رأس جيش مسلح بالبنادق والمدافع ، وانضم له عبد الله ود النور بجيش آخر.في يونيو 1884م نزل ود النجومي في القوز ليواجه طابية الكلاكلة التي كان بها عدد أكبر من الجنود والعتاد الحربي.
في أغسطس من عام 1884م تحرك الإمام المهدي من الرهد قاصدا الخرطوم في جيش جرّار غطى الأفق، وفي أثناء تقدمه نحو الخرطوم وافاه الشيخ محمد شريف نور الدائم مسلما بالمهدية فأحسن وفادته واتصل به أيضا أوليفر باين الصحفي الفرنسي عارضا عليه استعداد فرنسا لمده بالأسلحة لمقاتلة انجلترا!فخرج على الأنصار موضحا لهم العرض الفرنسي مبينا لهم أنهم ليسو في حاجة إلى سلاح الإفرنج لأنهم يقاتلون بعزيمتهم وبإيمانهم فكان مشهد مؤثر بحق تؤخذ منه العبر والدروس.وصل الإمام المهدي ديم أبي سعد جنوب أمدرمان في اكتوبر 1884م ومكث هناك ثلاثة أشهر بعث خلالها بالرسائل والإنذارات لأهالي الخرطوم مما شتت شملهم وأثار ذعرهم، فانضم له البعض وتحول بعضهم إلى العمل ضد النظام التركي من داخل المدينة وخاطب الإمام من معسكره في أبي سعد (عزيز بريطانيا والخديوية- غردون باشا) عله يستجيب لقائد الدعوة ويحقن الدماء .بعد تضييق الحصار استسلمت حامية أمدرمان في الخامس من يناير 1885م.
الهجوم على الخرطوم:
وقد أتت لحظته الحاسمة بعد أن رفضت المدينة الإستسلام رغم يأسها من وصول حملة الإنقاذ التي عطلها جيش المهدي في أبي طليح والمتمة.وفي مساء الأحد 25/1/1885م عبر الإمام المهدي النيل الأبيض إلى معسكر أمير الأمراء(ود النجومي) في شجرة ماحي بك.
استقر الرأي بعد المشاورة على أن يبدأ الهجوم فجر الاثنين.
وفي يوم الاثنين 26/يناير 1885م وقبل الفجر بساعة بدأ الهجوم على الخرطوم لشل فعالية الأسلحة النارية والتي اندفع الأنصار في مواجهتها بصدور عارية واستمرت المعركة حتى الضحى وأصبحت بعدها المدينة في قبضة الإمام الذي لم يدخلها فور سقوطها بل بقي في أبي سعد حتى يوم الجمعة ثم دخل منتصرا إلى المدينة واتجه إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة.
تحرير الخرطوم الثاني:
وفي يناير أيضا بعد أكثر من خمسين سنة في 1/1 /1956م تحررت الخرطوم للمرة الثانية بجهود الإمام عبدالرحمن الصادق الذي بدأ مسيرته القاصدة نحو تحرير السودان واستقلاله بتعريف أشمل لمفهوم الجهاد هو الجهاد المدني، عوضا عن القتال الذي كان وسيلة الإمام المهدي لتحرير السودان . فقد عرف إمام الزمان وأدرك أن الحرب القتالية ليست هي الوسيلة المناسبة لتحقيق هدف التحرير الذي لم يغب يوما عن ناظريه .خاصة بعد تطور الآلة الحربية الغربية وذلك أنه رأى بأم عينيه كيف تتم مواجهة أية بادرة لثورة وتسحق كل محاولة للتجمع لدرجة أن صارت قراءة الراتب في حلقاته المعتادة بل مجرد تداول الراتب كان جريمة يعاقب عليها القانون! فصرف النظر نهائيا عن الجهاد بمعناه القتالي إلى جهاد من نوع آخر هو أيضا بطعم الدم (ولكنه حفظ الروح الجهادية معبأة عند الأنصار بوسائل عبقرية منها المداومة على قراءة الراتب).جهاد بذل فيه روحه وصحته والمال والولد، بدأه فردا بقطرة كانت أول الغيث الذي نما خيرا جمع أهل السودان كلهم حول (السودان للسودانيين) فكان إجماع ما أروعه ، تم به إعلان استقلال السودان في لحظة تاريخية ميمونة من يناير عام 1956.
تلك السابقات لتحرير الخرطوم تكشف لنا دون مواربة عن عظمة هذا الشعب وكيف أن عزائمه لا تهزم وإرادته لا تقهر وكيف أن هذا الشعب مبدع وبليغ وقوي العزيمة ، ذلك أنه يختار الفعل المناسب في الزمن المناسب فيكون الهدف واحدا هو استقلال السودان وطرد الدخيل، وتبتدع الوسائل لكل عهد بما يناسبه ولكل مقام بما يلائمه.
مغامرات العسكر تعيق مسيرة الوطن:
بعد استقلال السودان الثاني في 1956م تعثرت قدما الوطن، وكبا جواده بمغامرات العساكر مرة في نوفمبر 1958م وأخرى في مايو 1969م وثالثة في يونيو 1989م وقد صحح الشعب المعلم ما أفسده العسكر في اكتوبر 1964م وفي انتفاضة رجب ابريل 1985م .
واليوم إذ نحتفي بيوم الإستقلال الأول ونستلهم منه العبر ونستقي منه الروح ونتزود منه بالأمل للتخلص من الدكتاتورية الإنقاذوية التي أعاقت سيرنا وكبلت خطانا والتي نصنفها بحق تحت باب: الحكم الأجنبي، و لا نرى عيشا ولا حياة للسودان إلا بالتخلص من هذا الكابوس المتطاول: طوعا أو كرها. وليس ذلك التصنيف من قبيل المبالغات التي تلقي الكلم على عواهنه ولكنها تحليلات ذهب إليها محللون وعوا الدرس وخبروا الأمر وعلى خطاهم صرنا نقول: إن تشبث الإنقاذ بالحكم لا يشبهه أي تشبث من قبل الدكتاتوريات السابقة في عهدي عبود ونميري ، و كما يقول الكاتب سالم احمد سالم في مقال على سودانيل عنوانه: ( الجماعات الباطنية احتلت السودان .. وتتربص السعودية والخليج ومصر) يقول(يزول الاستغراب عندما يعلم السودانيون أن الجماعة الحاكمة في السودان لا تعدو كونها خلية من ضمن خلايا الجماعات الباطنية الإسلاموية المنتشرة التي تشكل في مجموعها جسدا واحدا، وأن الولاء والانتماء الحقيقي لهذه الجماعة هو انتماء لهذه الخلايا، وأن خلايا هذه الجماعات لا تعترف بالحدود الجغرافية ولا بالانتماءات أو الهويات الوطنية أو حتى القبلية ولا بصلات القربى، وهذه مسائل واردة فعلا وفي مواثيقهم واعترافات أقطابهم. ها هم يفصلون الجنوب عمدا وقد أعلنوا ذلك عشية انقلابهم العسكري، ويتخلون عن حلايب والفشقه وغيرها من تخوم السودان لأنها لا تعنيهم في شيء لأنها حسب معتقداتهم تقع داخل خارطة حلم سلطتهم تماما مثل حلم إسرائيل التي لا حدود لها حتى اليوم. ولا يكترثون لأواصر القربى لأنهم في الجزائر قتلوا أمهاتهم ومرضعاتهم وأخواتهم وإخوتهم وجيرانهم الذين نشأوا معهم في الأحياء وقد اعترفوا بذلك في تسجيلات بعد إعلان "الرحمة" الذي أصدره الرئيس الجزائري الأسبق اليمين زروال، وفي السودان عذبوا زملاءهم واغتالوا رفقاء السلاح ووشوا بجيرانهم والأقرباء وساموهم العذاب الغليظ في بيوت الأشباح. ألم تر كيف تلذذ جند الحكومة "السودانيين" وسياطهم تلتهم مطايب لحم تلك الفتاة السودانية؟)انتهى. وتلك الإفادات المضيئة والتي ترقى لدرجة التيقن تكشف لنا الى أي مدى نحن مضطرون لإزاحة ذلك التمدد السرطاني الذي يتهدد بقاءنا :نحن أو هم.
ثم بعد أن حزمنا أمرنا وعقدنا عزمنا على يوم فصل ليس بالهزل :فإما حياة تسر الصديق واما ممات يغيظ العدا، وقد تخير الإمام الصادق المهدي من أيام الله ، يوم 26 يناير،للقاء جماهيري ،مسائي ،حاشد، بمسجد الخليفة ،يعلن فيه ما خلص إليه الأمر الوطني ، تيمنا بالذكرى العطرة ليكون موعدنا .وبينما الجماهير تستعد وتشحذ الهمم وتمني النفس بإحياء الكرامة التي اندثرت وقد صار الموعد قاب قوسين أو أدنى دون بارقة أمل لاستجابة من أهل الإنفراد والعناد فوجيء الجميع بدعوة للقاء من رئيس الجمهورية تقدم لقيادة حزب الأمة للتفاكر فيما قدمه الحزب من أجندة وطنية كان الحزب قد وضع سقفا زمنيا حدده بيوم 26 يناير كموعد أخير لتجاوب المؤتمر الوطني وبعده تجف الصحف وترفع الأقلام.
لسنا ندري أشر أراد أهل الوطني بتلك الدعوة ، أم أرادوا رشدا، هُدوا إليه في آخر اللحظات أو لعله الصفاء الذي يغمر النفس البشرية في اللحظات الحالكة وبه أدركوا بعد أن فارقهم الحبيب وآيس منهم الطبيب أن تسليمهم بالأجندة الوطنية هو أسلس الخيارات وألطفها بل هو الخيار الذي يعرض شخوصهم نفسها لأقل الخسائر فكانت تلك الدعوة في يوم 22/يناير 2011 والتي لبى نداؤها حزب الأمة مهرولا ودون تردد فليس الهدف إبراز العضلات ولا الاستعراض بل الهدف تمكين الأجندة الوطنية المتفق عليها من القوى السياسية من التنزل على أرض الواقع بأعجل ما تيسر وبأقل الخسائر على الوطن.
كما أنه ليس خافيا على أحد –حتى وإن استنكروها وقد استيقنتها أنفسهم، أن كياننا هذا ظل على مدى دهره يعتبر نفسه حاميا لمشارع الحق وهو أم الجنا لأسباب عديدة ذكرناها في السابق ومنها أنه الكيان الذي قام على عماده تحرير السودان الأول في 1885وتحريره مرة ثانية في 1956وأنه حزب متجذر في أرض الوطن لا يعرف غربة في المنشأ ولا في المصدر وهو الحزب الذي ارتبطت به الخصوصية السودانية والمثل والقيم السودانية وهو الحزب الذي ورغم دوره الرائد في كل فعل، يتواضع لغيره ويشركهم دون من ولا أذى وقد حدث هذا في المهدية الأولى والثانية والثالثة (مثلا تكليف ميرغني حمزة بوزارة المالية في حكومة الصادق الثانية) ومثل هذا الميل للفعل القومي نشهده الآن كل يوم .
لذلك نرى هذا الحرص على طرق كل الأبواب والإستماع لكل صوت والاستجابة لكل حراك وقد أعطى الله الإنسان فم واحد ينطق به وأذنين اثنين يسمع بهما ليستمع أكثر مما يتكلم هكذا خلقه الله ليسمع أكثر مما ينطق (كما نصح الإمام عبدالرحمن، الأزهري عندما أخبره بنيته السفر إلى بريطانيا لإخبار المسئولين فيها باتجاه مؤتمر الخريجين ضم السودان ومصر تحت التاج المصري في يوليو 1943) .ولا شك أن تلبية دعوة الوطني لمعرفة رؤاه والاستماع لما يراه في الأجندة الوطنية وإن كان سينضم ولو في الساعة الخامسة والعشرين لركب الوطن ،ضرورة مما سيجنب الوطن شرورا كثيرة ومصائب شتى.
يساور كثير من الناس- ونحن منهم، هم مشروع ، لا يترك مجالا لحسن الظن بالإنقاذ وهو شك مبني على السابقات التاريخية التي تنبيك :أن أهل الوطني لا يوفون ما وعدوا بل يوصيك من خبروهم إن أنت صافحت إنقاذي وسلمته يدك مدة التحية عليك أن تحصي أصابع يديك بعدها!
ومع الهم المشروع، لا مناص من ترك الباب مواربا للمراجعات، والسياسة هي فن الممكن، ولكن لا رجوع أبدا عن المضي قدما في خط التعبئة في كل حال، بمعزل عن إرخاء السمع لما يقوله أهل الوطني فإما إستجابة فورية مستوفية لشروط روشتة العلاج الحاوية للأجندة الوطنية لإنقاذ الوطن فعلا لا ادعاء. أو إن هم أرادوا من دعوتهم تلك كسب الزمن والمماحكات وشق الصف (كالعهد بهم ) فليذهبوا ولتذهب ريحهم وليس لنا سوى أن يقلب نداها سخانة ،و"إن ينصركم الله فلا غالب لكم"آل عمران آية 160.
وسلمتم

umsalama alsadig [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.