يبدوا أن الدولة وأجهزتها الإدارية التي تمد أيديها كأذرع أخطبوطية لا تنتهز سانحة أو تهتبل فرصة حتي تنقض بلا رحمة أو هوادة علي الجسد الهزيل المتهالك للمواطن وتمتص آخر ما تبقي من دمه ومن ثم تتركة نهبة للفاقة والمرض والفقر المدقع ويذهب الموظفون من جامعي الإتاوات والرسوم وحقائبهم ممتلئة بالنقود ويتركون المواطن ينظر في حيرة إلي الأرض وهو لايدري كيف يتمكن من إطعام صغاره الذين يتضاغون من الجوع ولا يجدون ما يسد رمقهم ويعينهم علي النمو . سقت هذه المقدمة وفي ذهني الإبداع الإداري الذي برعت فيه الدولة وتفننت في طريقة فرض الرسوم والضرائب والإتاوات لتضخيم إيرادات الدولة حتي إستشرت نظرية الرسوم وطالت كل دوواوين الدولة . وليتها تذهب إلي مصارفها أو ما يفيد الناس ولسنا ندري أين ذهبت كل تلك الرسوم والضرائب والإتاوات والدولة تعاني تردي فاضح في البُني التحتية والخدمات التي تمس المواطن في حياته اليومية وترتفع اسعار السلع بلا مبرر أو مصوغ قانوني ويصاحب ذلك الإنفلات في الأسعار والأسواق غض الدولة عن بصرها وكأن الأمر لايعنيها فيجد المواطن نفسه بين رحي الغلاء وصمت الحكومة . لأكثر من عقدين من الزمان صبت الدولة وأجهزتها كل جهدها وشمرت عن سواعدها لفرض الإتاوات والمكوس علي كل سكنات أو حركات المواطن بدءاً من خدمة الهاتف الجوال وإنتهاءاً برسوم (القمامة) وبين هذين الرسمين تمتد حبالاً من الرسوم التي تجعل المواطن المغلوب علي أمره مذهولاً وتصاب أجهزته العصبية بالشلل التام ويفقد القدرة علي الحراك أو الرغبة في الحياة فطالت هذه الرسوم الغاز وتذاكر السفر والمحاكم ومكاتب الأراضي وأنواع الضرائب العقارية وتجار الخضر والفاكهة وأصحاب العربات العامة والخاصة وشهادات الميلاد والوفاة والولادة والشهادات المدرسية والجامعية والخدمات العامة والفنادق والمطاعم والواردات والصادرات والملابس والأجهزة المنزلية حتي لايكاد أن تخلو أي مستندات حكومية أو خدمية من (أورنيك 15 مالي ) يسرح ويمرح بين الأوراق ويقفز طرباً لإصطياده لأحد الغلابة المطحونين .بحق كان يجب أن تسمي هذه الثورة ثورة الضرائب والرسوم عن جدارة وإستحقاق وليست ثورة الإنقاذ. في كل الدول والحكومات يصبح الهاجس الأول لأجهزة الدولة خدمة المواطن ورفاهيته وتسخر كل إمكانياتها لتحقيق ذلك الهدف وتتخذ وسيلة لذلك الأخذ بأسباب التنمية ووفرة السلع ودعم ما يمس حياة المواطن اليومية إلا هذه الدولة التي تسخر إمكانية المواطن المادية البسيطة التي لا تكاد تسد رمقه لملء خزائنها وتضخيم إيراداتها كيف لا والوزراء الإتحاديون تتجاوز مرتباتهم الأربعة عشر مليوناً من الجنيهات فقط دون الحديث عن المنصرفات الأخري .وقد قرأت أن الرئيس الإيراني ( أحمدي نجاد) عند توليه مقاليد السلطة أمر بأخذ كل السجاد والبسط والطنافس من قصر الرئاسة والتبرع به للمساجد وحتي تاريخ اليوم لازال يقيم في منزله المتواضع ويقود عربته الخاصة ( بيجو 504موديل 1977م) فعجبت من حرص ( نجادي) علي المال العام ورغبة دولتنا وولاة أمورنا فيه( سبحان الله). قرأت عمود الأستاذ (الطاهر ساتي ) وتعقيب الأخ ( عبد الله علقم ) تحت عنوان ( درداقاتهم ودرداقة بوعزيزي) وتواردت في ذهني الواقعتين وتألمت وألجمت الدهشة لساني ((أيها الناس ..مالكم كيف تحكمون ؟؟)) ..لماذا تطال أيدي الدولة المساكين والغلابة للسطو علي أرزاقهم وهم لا حول لهم ولا قوة أطفال صغار يعانون من الفاقد التربوي ويجتهدون يومهم كله للعودة عند مغيب شمسهم لأهاليهم ببضع رُغيفات من الخبز يسكتون به سطوة الجوع لهم ولأهليهم ويجدون سلطات المحلية لهم بالمرصاد . بربكم قولوا لي ماذا يفعل هذا الصبي وهو يجتهد طول شهره لتوفير كفاف عيشه وهو ينظر إلي الرزق يتسرب بين يديه خلسة ليذهب إلي خزينة الدولة ؟؟ أنظروا إلي حالنا مع دولتنا التي تنتج البترول والذهب وتقوم بتصدير اللحوم والمواشي والجلود وزراعة المشاريع الضخمة وإنتاج السكر وتقول الإحصائية التجارية أن حجم التبادل التجاري بين السودان ومصر فقط (550) مليون دولار للعام 2010م وقس علي ذلك ..بعد هذا هل فعلاً تحتاج الدولة إلي أموال (( أطفال الدرداقة )؟؟؟ سأل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أحد ولاته : (( كيف تعاقب من جاءك سارقاً ؟)) فأجاب الوالي :(( أقطع يده يا أمير المؤمنين)) فأجابه الخليفة الراشد : (( أما والله لو جئتني به لقطعت يدك فإن الله قد ولانا أمور الناس لنطعمهم إذا جاعوا ونكسوهم إذا عروا )) ..ولكنني أخطأت المثل ولم أعذر دولتنا الرشيدة فالدولة لاتستطيع سداد مرتب الوزير إلا بتضييق الخناق علي ((صاحب الرداقة))...أيها الدولة الرشيدة لكِ العتبي حتي ترضي . عمر موسي عمر عبدالله المحامي Omar musa [[email protected]]