السابع من فبراير سيظل منطبعا فى ذاكرة كثير من الأجيال، ذلك ببساطة لأنه اليوم الذى أعلنت فيه نتيجة الاستفتاء بفصل الجنوب و أنقسام الوطن القديم الى دويلتين شمال و جنوب. بالرغم من مظاهر الحزن و الندم الذى أحسه الجميع لتلك " الفرقة "، لكن ما يدعو لبعض التماسك أن هنالك بعض الأحداث لا يتم التعامل معها بالعواطف المجردة و لكن بدراسة الأسباب التى أدت الى نتائجها و حتى لا تتكرر التجربة بشكل أسوأ. أختيار الجنوبيون للأنفصال بنسبة 98,83% له أسبابه المتعددة التى لها جذور ضاربة فى التاريخ السودانى، لكن من أهم تلك الأسباب التى دفعت الجنوبيون الى خيار الأنفصال هى تلك الحروب الجهادية و السياسات الاقصائية المتعالية التى مارستها سلطة الانقاذ تجاه قضية الجنوب. ما يلفت النظر و يدعو الى الدهشة و " القرف " و نحن نعايش تجربة تفتت السودان و تمزقه هو قيام صاحب الانتباهة و بما يسمى منبر السودان العادل للسلام - المنتشر هذه الأيام بمشيئة السلطة - بذبح ثور أسود تعبيرا عن فرحته و سعادته بفصل الجنوب! ابتداءا نقول أن اختيار صاحب الانتباهة للون الثور المذبوح ليس صدفة و هو يحمل دلالات عنصرية لا تخطئها حتى عيون الأعشى. نقول أن الحبور العنصرى بثوره الأسود لا يمس الجنوب وحده و لكن يتعداه الى كثير من مناطق السودان الأخرى التى لازم واقعها مثل هذا السلوك و لسنوات طوال. السودان يمر بمنعطف حاد فى تاريخه، فبعد ذهاب الجنوب هنالك كثير من المناطق التى ظل مواطنوها يعيشون تحت ظل ظروف تماثل الجنوب تماما. هنالك مناطق ما يسمى بالمشورة الشعبية و تشمل مناطق النيل الأزرق و الانقسنا، جبال النوبة. هنالك الشرق الذى ظل انسانه مهمشا لسنوات طوال و حتى أجزاء من الشمال بدأت تتململ من القهر الواقع عليها. هنالك دارفور الذى قتل فيها ما يقاب الاربعمائة ألف مواطن بواسطة مليشات الجنجويد و بمساندة القوات الحكومية ( رئيس الدولة البشير قال الذين قتلوا عشرين الف فقط )!! فى حرب أمتدت لسنوات، ترفض سلطة الأنقاذ حلها !..... بعض المناطق التى قمنا بذكرها يؤجج الشعور و العواطف فيها مثل ذلك السلوك العنصرى و يدفعها الى اتخاذ مواقف أكثر تشددا. ان صاحب الأنتباهة لا يحمل وحده تلك النظرة العنصرية المتعالية و الضيقة فهو يحظى بموافقة السلطة و مباركتها و الا لما سمح له بنشر مثل تلك الترهات. لتأكيد قولنا أنظر ما جاء فى صحيفة الرأى العام الصادرة بتاريخ 10-2-2011 ، يقول الخبر المنشور فى الصفحة الأولى لجريدة السلطة، أن انفصال الجنوب سوف يعمل على شفاء الشمال من كثير من الأمراض المستعصية و المستوطنة التى ظل يعانى منها، أو بكلمات أخرى أن الجنوبيون كانوا سببا للأمراض التى يعانى منها الشمال . اليكم نص الخبر ( كشف مصدر طبى لصحيفة " الرأى العام " أن العديد من الأمراض ستختفى بعد انفصال الجنوب ( 17 مرضا ) خاصة امراض " الأيدز، شلل الأطفال، الدرن، الملاريا، الكلازار، ارتفاع وفيات الأمهات و الأطفال، السحائى و الحمى السوداء)!! بالله هل هنالك أبتذال، فجور فى العداوة و خطاب عنصرى أكثر مما جاء فى هذه الصحيفة الرسمية؟!! السودان استمد قوته من تعدده العرقى و الثقافى و اتساع رقعة أراضيه، فى تقديرى أن الخطاب العنصرى الذى تنتهجه الدولة و السلوك ذو الدلالات " الكوكلس- كلانية " الذى يمارسه أشياعها سيعمل على انفصال البقية الباقية ( المتململة ). و نسوق اليكم مثالا آخرا فقد ذكر الرئيس البشير فى خطابه امام نصرة الطرق الصوفية، أن من ماتوا فى حروبه الجهادية فى الجنوب ماتوا شهداء الوحدة! هؤلاء الناس لهم قدرات نسيج وحدهم فى " اللولوة " و لى عنق الحقيقة، خطاب البشير هو نفس الخطاب الذى اشرنا اليه اعلاه. بداهة أن تحويل الحرب فى الجنوب من حرب لها اسبابها السياسية الى حرب جهادية بين سودانيين مسلمين و سودانيين مسيحين عاشوا سويا هو ما ساهم فى نسف الوحدة. أن من يتناولون قضايا التنوع العرقى و الثقافى بسذاجة طفولية، عنجهية و تعالى، و الذين يعتقدون أن السودان ضيعة لهم توارثوها من اجدادهم يجب أن يعروا و يكشفوا، لان السلطة الحاكمة " الأنقاذ " فى سبيل المحافظة على مصالحها " الدنيوية " لا يهمها ان تفتت السودان الى " كونتونات " أو بقى موحدا. يجب مواجهة هذه السلطة و المنتفعين من وجودها كى لا يكتب فى التاريخ القادم ذات يوم ( ذبح السودان و تشتت يوم ذبح الثور الأسود )!! Adnan Elsadati [[email protected]]