أيها الجالس على قلوبنا كالهم ..أرحل , أيها القابض على أنفاسنا كالغم ..أرحل , أيها الرابض في دمنا ,المتلصص على نبضنا ,المفتش في ضمائرنا .. أرحل , كلمة الفصل ليس بالهزل , قالها الشعب في عين الطاغية . إذا كانت الأمة قد خمدت نار جذوتها , وتظاهرت بالاستكانة والمسكنة , فلا يعني أنها فقدت وهجها ووجهة بوصلتها , قد تنسى ولكنها لاتدفن ,قد تمرض , ولكنها لاتموت , قد تغلق دونها الأبواب , لكنها تستلهم عبقريتها من صمتها , وتخرج من كبوتها وعثراتها , نافضة غبار الذل واليأس فتنفجر ثورة غضب , ترمي بشرر ,كرات من لهب , فتزلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة ,وتسقط عروش الفراعنة الجبابرة الذين سعوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد , فأذاقهم الشعب كأس الذل والمهانة , والركل بالأحذية , قال الرئيس المنبوذ أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي , آمر وأنهي ,أفصل ,أقرب ,وأبعد ؟ من رضيت له قولا كافأته بغض الطرف عن نهب المليارات , ومن رضيت له فعلاً , توسطت له بمنع محاكمته على ما سرق من آلاف الدولارات . الحاكم بأمره , يجب أن يطاع فلا يعصى , وألا يسأل عما يفعل , ينهب .. يعذب ..يقتل , لاأحد يتجرأ على قول (لا) بعد أن أخرس الألسن بمقص القطع , وكمم الأفواه , وأوثقها بحبال زبانية الأمن , وامتلأت المعتقلات بالمقبوض عليهم بالشبهات , من أسعده الحظ هرب بجلده من جمهورية البطش البوليسي القمعي ,إلي منافي الغربة ومرافئ الصقيع , لاأحد يعرف مصلحة البلد إلا هذا الولد , دونه تحل بالبلاد الفوضى ,وتعم بالوطن البلوى , حصن جمهورية الخوف بقانون الطوارئ 30عاماً ,للتحكم في الرقاب ,وإحصاء أنفاس العباد ,لاأحد يفلت من قبضة الجلاد ,حكم قرقوش , إنه وهم الزعامة المزيفة ,خدعة الاستقرار التي يتغني بها ويعزف على أوتارها 20سنة ,انكشفت للعيان وبان عواره للجميع , ويتبجح : أرفض الإملاءات ! ياله من غرور طاووس منتوف الريش , أسد على شعبه , وعند أولياء نعمته نعامة . لقد بلغ السيل الزبى ,وطفح الكيل , وانهد الحيل ,وفشي الظلم , وتعاظمت الرشوة ,ونادي أهل القانون ليفصلوا له الدستور على مقاسه وعائلته ,أرادها ملكاً عضوضاً ,تالدة خالدة في عقبه ,قال عندما خرج على قومه في زينته مباهياً أنا صاحب نصر أكتوبر جواً ,ظن هذا المجد في الأيام الخوالي قبل أن تلوثه السياسة ,سوف يمنحه الخلود , ولما بغي وطغى ,وآثر الحياة الدنيا ,وأمن وأستأمن , وجمع فأوعى , كنز مال شعبه الذي يرزح تحت خط الفقر في المصارف الغربية , نهب كل ثروة , فاندلعت الثورة في وجه الطاغية ,قال الشعب كلمته العبقرية السحرية ..أرحل رددها الكبير والصغير في مشهد تاريخي قل نظيره في تاريخ مصر الحديث , قال متعالياً مستكبراً: لن أرحل ..لن أتنازل عن الحكم ,تاريخي البطولي يشهد لي , أنا أحب بلدي , لن أهرب وسأموت في أرضي ! عندما ضاقت عليه الأرض بما رحبت , وصدحت ملايين الحناجر أرحل ..أرحل , أرسل على شعبه الأعزل خيله ورجله وجماله وبلطجيته لتأديب المحتجين ,وإرهاب المتظاهرين , سال الدم ,ضجت الأصوات بالدعاء , تهاوت قبضة السفاح الحديدية , أنفض المرتزقة من حوله حين حصحص الحق , بدا وحيداً طريداً في الميدان تنوشه اللعنات , وتلاحقه الضربات , قال مخاطباً شعبه لاتسمعوا للمؤامرات ,قالوا له : أيها الطيار من أين لك 70مليار ؟ أنخسف وجه الرئيس , سقط حاجبه , بح صوته حد التهدج ,امتقع لونه ,أضحى مصفراً كالكوز المرباد المجخي , نادي السحرة مستنجداً فإذا هم ملتحقون بالمسيرة المليونية في ميدان التحرير . ضرب كفاً بكف , زمجر , أرعد وأرغى وأزبد , قال متوعداً : لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف , قالوا لاضير ,فاقض ماأنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا . في الميدان يصنع التاريخ , دم الشهداء أيقونة تلهم الثبات , دقت ساعة النصر ,وماهي إلا صبر ساعة ,نهاية البطل الجريح , الآن تكتب فصولها الأخيرة , العرش يهتز , مارد الشعب يتمدد في الفضاء ,حنجرة في وجه مجنزرة , حنجرة زلزلت طاغية , رحل مرغماً ,ذليلاً صاغراً , تشيعه القبضات الممسكة بالأحذية , مكللا بالغبار والعار والهزيمة الساحقة , لابواكي للرئيس المخلوع المنبوذ ,إلا من قبل شلة الحرافيش مصاصي دماء الشعب ,وحفنة من الانتهازيين والبلطجية , إنها لبئس الخاتمة .