"ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    تايسون يصنف أعظم 5 ملاكمين في التاريخ    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    دبابيس ودالشريف    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسنجي بنالو بيت، طمعنجي سكنلو فيهو!! . وقصة أغرب من كل خيال!! .. بقلم: ابوبكر يوسف إبراهيم
نشر في سودانيل يوم 15 - 02 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بلاغ للناس
إستدراك: أولاً أشكر القاريء الأخ حامد الريح الذي اتصل ليلفت نظري لما وقعت فيه من خطأ غير مقصود ومرجع ذلك شدة انفعالي لذلك العنوان المستفر لعمود جاري اللدود صاحب الاستفهامات؛ فقد سقط جزء مما كتبت فحدث الخطأ الجسيم ؛ ومن حق القاريء الكريم عليّ أن أقر بالخطأ وأن اعتذر عنه على رؤوس الاشهاد ؛ ومع ذلك فكل ابن آدم خطاؤون وخيرهم التوابون ؛ كما جاءتني مكالمة من الصحفي الدمث الخلق الأخ/ التيجاني عبدالباقي الذي بعيناه أرى أخطائي وأقر بها واعتذر عنها دون كبر كما أعترف له بالفضل ؛ فقد كان متحرجاًَ لعدة عوامل منها احترامه لفارق السن بيني وبينه ؛ وثانتها أنني لاحظت تردداً نكشفه نبرات صوته للدخول في الموضوع فنجدته وأقررت له بخطئي وأعترفت به حتى أرفع عنه التحرج .. فشكراً للجميع وبارك الله فيمن أهداني خطئي.
والنص كما كتبته بخط يدي كان كما سيأتي ولكن عند التعامل مع لوحة المفاتيح تحدث الكثير من الكبوات وأنا مقرٌ بها فارجوا من القاريء الكريم أن يجد لي بدلاً من العذر سبعين عذراً إذ أكل الدهر عليّ وشرب وأصبحت من رهط آل زهايمر وعزائي أن العطار لا يفسد ما أفسده الدهر .. أكرر اعتذاري عن الخطأ . كما لا يفوتني أن جاري اللدود صاحب الاستفهامات قد استثارني بعنوانه الذي رفع داء ضغط الدم عندي إلى 195/88 ولي عليه دين أن يدعو لي الله على ظهر الغيب أن يقيل عثرتي الصحية التي تسبب هو فيها دون أن يقصد .. فالشكر للقراء ولحامد والتيجاني وموصول أيضاً إلى ألاخ أحمد المصطفى.
التص:أبدأ اليوم بما جاء في الأية من قول المولى عز وجل ( ربنا افتح بيمما وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين).. الآية ؛ وأبدأ وأنهي بآخر ما جاء بالدعاء (اللهم إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ) ..الاية ؛ . والآن نعود إلى موضوع اليوم.
" فلسنجي بنالو بيت ، طمعنجي سكنلو فيهو"!! .. وقصة أغرب من كل خيال!!

اوفت الانقاذ بوعدها وطبقت الفيدارلية ؛ وعمّ السرور البراري والهضاب والسهول حتى بلغ القرى والحضر ، وتم لنا ما انتظرناه منذ الاستقلال .. فذاك حكم انتظرناه طويلاً .. طويلاً!! ؛ فعوض الله صبرنا خيراً ؛ ولكن اتضح لنا فيما بعد ما ينطبق عليه المثل ( فلسنجي بنالو بيت طمعنجي سكنلو فيهو) . بُحّ صوتنا نطالب بقسمة السلطة والثروة ؛ فتحققت الأولى ، أما الثانية فحدث العكس ؛ فالمحليات والمعتمديات والولايات قامت بهذا الواجب خير قيام إذ رأت تمويل هذا الحكم الولائي بمعتمدياته ومحلياته من جيوب الغلابة التي هي أصلاً فارغة على عروشها وهي أفرغ من فؤاد أم موسى ؛ فؤادها الذي لا يستحي " ابوالنوم" ليعشعش فيه . لذا تفتقت قرائح دهاقين المكر والدهاء الذين يعرفون كيف "" يحلبون النملة "" فشرّعوا في مجالسهم التشريعية قوانين للجبايات نتاجاً لقدح " المخيخ " واستعير عبارة " المخيخ من حديثٍ لسيدي ومولاي الامام الحبيب في أحد خطبه الضافية في أحد الندوات المتلفزة لقد بلغ الأمر بالغلابة والغبش والشماسة أن لعنوا اليوم الذي طالبوا فيه باقتسام الثروة التي جاءت وبالاً عليهم بالجبايات لم يعهدوها ؛ فانعكس ذلك على تكلفة " حلة الملاح " والتي انقرضت حالياً في كثيرٍ من البيوت كنتيجة لارتفاع تكاليف المعيشة ؛ فالجبايات أفرغت الجيوب لدرجة أن الكثيرين نسوا شكل العملة ، فإن مطلب اقتسام الثروة كان وباءً كداء "الجمرة الخبيثة " ؛ أو أقرب الوصف أن نقول عنه إن السحر انقلب على الساحر؛ فبهت سحرة فرعون وكانتاقسام الثروة كعصاة موسى التي انقلبت حية ولقفت ما في الجيوب !! . لقد أصبح في كل طريق قومي أو ولائي (كمين) يكمن لأصحاب الشاحنات والحافلات والسيارات وجباة عتاة غلاظ يفعلون ما يؤمرون فيجبون ما في اجيوب الغلابة وهم صاغرون مما يحملون من قليل مدخر ( للزوادة) ولا تترك لهم حتى" ابو النوم " ليعْمُر جيوبهم وأقسم لي أحدهم أنه " زاغ" بسيارته " المهكعة في البرية ثم عاد عبر برجليه ليستري طعاماً فاستوقفه الجباة أهل الكمين وارغموه بأن " يدفع بالتي هي أحسن" وإلا سيرى والسلام ؛ فدفع صاغراً ما كان سيشتري به وجبة تقيل جوعاً يعيشه وكان يعقد الآمال في أن تكسو تلك الوجبة عظامه لحما! ؛ فالحمد لله على كل حال!! .
سأروي لكم واقعة عشتها شخصياً منذ عقدٍ من الزمان؛ ففي عام 1997 قابلت رجلاً في منتصف العقد السادس من عمره يومها أما مطار الخرطوم إذ كنت يومها مسافراً ؛ ذاك شيخ تبدو على قسماته أنه صاحب نعمة زالت فبدت عليه علامات المعاناة والبؤس والفقر ؛ وكان يحدق في بشدة ؛ فقلت في نفسي ربما أن الرجل يشبهني بشخص يعرفه ؛ وما زال هو على هذه الحال ؛ حتى توجهت اليه أسأله إن كان يعرفني فأجابني : لا والله لا أشبهك بأيٍ ممن أعرف ولكنها تحديقة إنكساري ومذلتي لمن يعرف أقدار الرجال ؛ لقد كنت يا أخي ملء العين والبصر ؛ لي تجارة وكنت سنداً لأهلي وعشيرتي ولكن أرادة الله أن أفلس في أعوام العسرة حيث تدهور حال تجارتي وكسدت لكثرة الجبايات . فاعطيته كل ما تبقى لدي من العملة الوطنية وكان مبلغاً طيباً من فضل الله ؛ واستحلفته أن يبدأ نشاطاً غير الذي كان يعمل فيه ؛ وقلت له إن كان حقاً ما قاله لي بأنه كان السند الوحيد القادر لأهله وعشيرته فليبدأ فأن الله وعد بإطالة عمر ورزق من يصل الرحم ثم افترقنا وأن ذاك الحديث بيني وبينه استغرق أقل من ربع ساعة .
وفي 2/4/2010 وأنا في طريقي من الخرطوم إلى مسقط رأسي لتلقي العزاء في شقيقي – عليه رحمة الله –توقفنا في قرية من قرى الطريق قبل مدينة " الدويم " ؛ وإذا بشيخ ستيني تبدو عليه علامات النعمة يحدق فيّ ملياً ؛ أي تكرر المشهد الذي مضى عليه إحدى عشر عاماً ؛ فاتجهت إليه إن كان يشبّني؟! فأجابني بالايجاب وسألني أليس أنت صاحبنا الذي قابلته في يوم كيت وكيت أمام مطارالخرطوم؟ حقيقة أنا نسيت ذاك الحدث تماماً وعندما أنعش ذاكرتي تذكرت أيضاً أنني لم افصح له يومها عن اسمي. فقلت له ربما تشابه عليك عيون البقر فأجابني: لا والله فهذا صوتك ذاك الصوت نفسه و " إنت ما بتغباني" ، أنت نفسه وأن قلبي دليلي عليك ؛ ثم بدأ يستحلفني فأجبته حتى أريحه من كثرة الالحاح. فابتهج وسرَ أيما سرور ؛ والله لم أشهد مثله في أهل الوفاء على الاطلاق، وأمسك بي من يدي وأصر أن أذهب معه ؛ قلت إلى أين قال لقرية إسمها (مروة) تبعد 35 كيلومتراً من هذا الطريق . قلت له: أنا مسافر لعزاء وعندما أعود انشاء الله سأزورك ؛ فقال: لا بل سآتي معك لتتقبل العزاء عود بك فقط أمهلني أحضر بعض " الخلقات" هكذا كان تعبيره فانتظرته قرابة الساعة فعاد ومعه بعض الشباب في سيارة لا ندكروز. أصرّ أن أركب معه في سيارته وأترك النسوان في سيارتي وما هي إلا لحظات إلا وجاءت مجموعة سيارات لأهله لتصحبنا وقد عرفني بهم واحداً تلو الآخر ومدى القرابة بينهم ؛ تركنا تركت شقيقتاي وابن اختي في سيارتنا وركبت معه نزولاً عن رغبته .
عندما عدنا من العزاء ووصلنا للمكان الذي القيته فيه أول مرة توجه إلى زراعي يحازي النيل الابيض ثم وصلنا وتوقفنا عند قرية غسمها ( مُرُوَّة) ؛ قرية صغيرة ليس بها غير القليل من المنازل ومسجد ومسيد وبعض الحوانيت وطاحونة.!! .قال لي يشهد الله أنني غادرت في ذاك اليوم الذي التقينا فيه بالخرطوم وقررت أن أذهب باتجاه " جبل الأولياء" حيث القرية التي شهدت ميلادي ؛ وبدلاً من أن أذهب باتجاه قريتي وعشيرتي كانت نفسي تجادلني في أن كيف أذهب لهم وأنا الذي كنت أمد لهم يد العون فأرى في عيونهم رثاء حالٍ قد تبدل ؛ ما كنت أود أن افصح لهم عن انكساري لثقتي وايماني العميق بالله الذي يرزق ويمنع وكنت متقبللاً لقضاء الله ولكني كنت أحمل هم عشيرتي التي كنت دوماً أحمل همها ؛ ولا أدري وعلى غير وعيٍ مني جاءت حافلة متجهة نحو الدويم ركبتها على غير هدى وفي منتصف الطريق توقف سائق أمام كمين جباية فقلت في نفسي هؤلاء من كانوا سبباً في افتقاري وها هم مستمرون في ( تشليح العبا) ؛ فو الله الذي نفسي بيده ارتعدت أوصالي و:انني مقادٍ للمقصلة ؛ فترجلت منها واتجهت هائماً على وجهي على غير هدى وإلى أن توقفت أمام " قطية بها راعٍ له غنيمات ونعاج بفحولهما . فاستضافني وسألني عن حالي وأحوالي فأخبرته بكل ما كان وجرت به الاقدار؛ وقلت له دلني على عمل استثمر فيه هذا المال القليل ؛ فقال لي اعمل بمهنة النبي وأرعى الغنم ففيها خيرٌ كثير ؛ ثم قال له الراعي : أبيعك نعيجاتي وقطيتي التي أسكن فيها ففي المكان الكلأ متوفر وماء النيل على مرمى عصا كما ترى ؛ إذ أرغب في العودة لعشيرتي في (دار صعيد) بعد ثلاثة أشهر حيث يبدأ فصل الخريف ؛ واصدقك القول أنني فارقت الديار والاهل مغاضباً ؛ فارقتها ردحاً طويلاً والآن أود العودة حتى إن جاء أجل الله أن أكون بينهم ؛ ولكن لي شرط أن أظل معك هذه الثلاث أشهر استطعم فيها من حليب ما إياه وأساعدك وأعلمك تربية ورعاية الحلال ؛ فوافقت بلا تردد ؛ فوجدت فيه الصحبة النقية والطهر .
شاء الله أن تتوالد الغنيمات والنعاج وتصبح ثروة حقيقية ، فبنيت هذا المسجد الصغير كما ترى وبنيت هذا المسيد وأوكلت أمره إلى رجل هو في الحسبة جدٌ لي أتيت به من مسقط رأسي ؛ وجمعت للمسيد أبناء القرى المجاورة أتكفل بطعامهم وسكنهم وكسائهم وأوقدنا نار القرآن ؛ وبعد ذلك أرسلت لوالديَّ وهما طاعنان في السن ويحتاجان رعايتي ، وأتيت بأهلي وأبناء عمومتي فاصبحنا شبه قبيلة ، وقد أطلقت على القرية اسم " مروة " عرفاناً للموقف الذي كان بيننا يومذاك أمام مطار الخرطوم وأن أدعو الله أن يهيء ليلقائك ثانيةً . وبحمدلله لا نغادر قريتنا إلا قليلاً حتى لا يتعرض لنا الجباة فما يجبونه أولى به هذا المسيد . قال لي الرجل والله الذي نفسي بيده ما ذكرت هؤلاء الجباة إلا وارتعدت فرائصي وأحسبل أنني اقتيد إلى حتفي ؛ وكلما أراهم أتذكر ما آل إليه حالي من بؤسٍ وفقر وأشهد الله أنني لم أدعو الله عليهم لينتقم لي منهم ؛ لأنني كنت أومن بأن المال مال الله وهو الواهب العطّاي؛ ولكن حنقي كان يعود لما كانوا يأتوا به من أفعال باسم الدين ؛ وفي مظهرهم التدين والتعقل وغطلاق اللحى ولكنهم يتغافلوا أن الدين المعاملة وأن هناك فقر ، وفقر مدقع.. لقد شادت كيف نشوه سماحة الدين ؛ وكيف يهون علينا ديننا مقابل عرضٍ دنيوي زائل .. وكانت دهشتي أكبر عندما سمعت اثنان من الجباة يتحاوران في ما ستؤول إليه حوافز كلٌ منهما لأنهما بالنص من العاملين عليها؟!!
والله أنا أروي هذه القصة وهي قصة حقيقية ؛ وحقيقية كل الحق ومن يريد أن يصدقها فليصدق ومن أراد يكذبها فهو حر؛ ولا حجر على حرية الرأي ؛ ولكن رويتها وما كان ينبغي لي؛ ولكن أرويها فلعل القائمين على أمر الجباة أن يخففوا من قبضتهم ورفع كمائنهم من عباد الله الغلابة الذين أفلس كثيرٌ منهم .. فالرحمة فوق العدل . أيضاً رويتها لنتعلم منها العبر ؛ أولها أن هذا الرجل كان ميسوراً مغداقاً على أهله وعشيرته فأفقرته الجبايات والجباة ( الجمرة الخبيثة) فبدلاً من اقتسام الثروة صودرت ثروته فأي عدالةٍ هذه؟! ؛ أليس في هذا عكس ما أوصى به نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام حين حدث : (يسروا ولا تعسروا)!؟ . ثانياً أن المروءة لم تنعدم بين أمة محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عليه. ثالثاً إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً فهل رأينا كيف أن الله أخلف عليه من عبدٍ آخر رزقه الله ليمتحنه إن كان يشكر نعمائه؟! . العبرة الرابعة؛ بأن هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ؛ أفلا يكون المرء عبداً شكوراً ؟! فالرجل أحيا أرضاً بوراً وعمر مسجداً ، وعلم القران وتكفل بحفظته ورعايتهم ؛ ثم آوى إليه والديه وأهله من حوله؛ أي أنه وصل رحمه . لقد نسيت أن أقول أن الرجل قد عرفني بوالده ووالدته ؛ فقد كنت حريصاً للتعرف عليهما ؛ولا أخفيكم أن حرصى كان له دافع إذ أني كنت أود أن أسألهما عن حال ابنهما معهما ؛ فربما كانت هذه هي حاجتي التي في نفس يعقوب ، وما أن إلتقيتهما حتى سألتهما كيف حاله معهما فقالا : جمل شيل ومرضي والدين ونحن دايماً ندعي ليهو ونسأل الله أن يسعدو ويريح بالو ويطول لينا في عمرو ويجعل يومنا قبل يومو ؛ وندعي ليهو ونشاء الله يمسك التراب في ايديهو يبقى دهب.!!
بعد أن نلنا تناولنا وجبة الغداء مع الحفظة في المسيد ونلنا قسطاً من الراحة ؛ قال لي: أريد أن أريك شيئاً قد لا تصدقه له علاقة بدعوة والداي ؛ وعقب د صلاة العصر ركبتنا أنا وهو فقط السيارة واتجهنا خارج حدود ( مُرُوَّة) وإذا بي أرى مجموعة من الشباب من أقربائه يعملون لحسابه في استخراج الذهب من التراب وقد وفقه الله في ذلك .. قلت في نفسي : سبحان الله والدا هذا الرجل اللذان في اواخر السبعينيات من عمرهما يسآلان الله أن يحول التراب في يدي إبنهما إلى ذهب ؛ فاستجاب الله لدعائهما .!! إن رحمة الله قريبة ؛ فها هو التراب يتحول في كفيه إلى ذهب.!! .
المهم أرجو من قيادة الدولة في بلادنا أن تعيد النظر في هذه الجبايات التي انهكت العباد وحولت الأعزة إلى أذلة والبعض منهم يتعفف وهو في غاية الحاجة والحوجة . الغلابة جاؤوا يطلبون اقتسام الثروة فشاركتهم الدولة في بضع جنيهات هي كل ما جمعوا لتقتاد بها أسرهم رغبةً في الستر وحتى لا ينكشف حالهم ؛ فالمتعففين من بني شعبنا كثرٌ فأرجو أن لا نمعن في اذلالهم أكثر.. وفعلاً صدق المثل ( طمعنجي بنالو بيت فلسنجي سكنلو فيهو) .. هل ممكن نتنازل عن مطلب اقتسام الثروة مقابل إزالة الكمائن ومنع الجباة من تشليحنا؟! .. أعلم أن الأمر يحتاج لاجتماع المحلية ثم تصعيد الأمر للمعتمدية ثم تصعيد ذلك للولاية ثم لديوان الحكم الاتحادي وحتى يُبت في الأمر تكون المقابر إمتلأت بالغلابة الغبش والشماسة المهمشين .. والله المستعان على ما نعاني " والشكية لي أبو إيداً قوية) !!

abubakr ibrahim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.