يطالب قادة احزاب المعارضة في السودان وخاصة السيد الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي بأشراكهم في الحكم عن طريق تكوين حكومة قومية كما عبر عن ذلك بوضوح تام في كلمته أمام لقاء الجزيرة أبا في 14 يناير 2011 وواصل يردد ذلك الطلب من ذلك التاريخ . ورد عليه الرئيس عمر البشير بعرض للمشاركة في حكومة ذات قاعدة عريضة . وأنا اعتقد ان آخر ما يحتاجه السودان اليوم هو حكومة قومية أو ذات قاعدة عريقة لما في ذلك من مضار ومخاطر كثيرة جداً على السودان .وربما يتساءل القارئ لماذا يتحدث عمر البشير عن حكومة عريضة وهو لا يحتاج اصلاً إلى ان يشاركه أي شخص أو حزب في الحكم بحكم سيطرة حزبه الكاملة على البرلمان القومي والبرلمانات الولائية الأمر الذي يمكنهم من اجازة القوانين والميزانيات بدون أية معارضة ذات تأثير . والإجابة عندي تعود إلى أربعة أسباب رئيسية .الأول هو اسكات الاحزاب المعارضة عن فضح ( كشف ) القصور والفساد والظلم في إدارة الدولة عن طريق اشراكها في الحكم لأنه وحسب مايقول المثل الشعبيالدار فوري ( دابي في خشمه جرداية ما بعضي ) . وثانياً : يعرف عمر البشير ورموز حزبه أن الاوضاع في السودان وخاصة الاقتصادية تحتاج إلى اتخاذ قرارات جريئة واحياناً قاسية على البعض وربما لايملكون الشجاعة والجرأة لاتخاذ تلك القرارات لوحدهم ولذلك يحاولون اشراك الاخرين في تحمل المسؤولية . وثالثاً : وهذا هو السبب المهم جدا هو أن من يشارك في حكومة البشير من أحزاب المعارضة سوف يتحمل المسؤولية عن قرارات وأداء الحكومة بدون أن يكون له تأثير أو نفوذ مؤثر في اتخاذها لان رئيس الجمهورية هو صاحب القرار النهائي. و رابعاً إذا ما حققت الحكومة القومية او العريضة أية نجاحات فأنها سوف تحسب لرئيس الجمهورية وحزبه وليس للأحزاب الاخرى التي هي في نظر المواطن السوداني مجرد مقطورة ( عربة كارو ) يجرها رئيس الجمهورية و حزبه .ولكن هل هناك اية اسباب مقنعة لمطالبة قادة احزاب المعارضة وخاصة السيد الصادق المهدي بتكوين حكومة قومية ؟ اولا : ارجو ان يلاحظ القارئ ان السيد الصادق المهدي قد طالب في مقاله بعنوان : " كيف فقدت انتخابات السودان معناها ؟ وما العمل ؟" الذي نشر في ابريل 2010، طالب بإجراء انتخابات عامة جديدة مبرأة من الأخطاء الحالية وحرة ونزيهة وذلك بعد الاستفتاء وابرام اتفاق دارفور . ولكنه تراجع عن ذلك ويطالب اليوم بحكومة قومية تقوم بإعطاء وصفة الادوية التي يوصي بها لمعالجة أمراض السودان وأولها دستور جديد تكون فيه رئاسة الدولة لمجلس تمثل فيه الاقاليم ويعني هذا ضمنياَ العودة إلى نظام 1989 وثانيها عقد اتفاقية توأمة مع الجنوب وثالثها حل مشكله دارفور ورابعهاالالتزام بالحريات العامة وخامسها اصلاح اقتصادي لم يقترح ولو اجراء واحد بشأنه وسادسها التزام سياسة خارجية تلتزم الشرعية الدولية وتتعامل بواقعية . وقد نختلف أو نتفق مع السيد الصادق المهدي في تشخيصه لأمراض السودان وسبل معالجتها ولكن أيا كانت تلك الامراض وعلاجها فأن السيد الصادق المهدي او غيره من قادة احزاب المعارضة لايملك أية حجة مقنعة اخلاقية أو قانونية أو سياسية للمطالبة بتكوين حكومة قومية ، فقد راهنت تلك القيادات على ازاحة عمر البشير وحزبه عن الحكم عن طريق (الانتفاضة الانتخابية) ولكن فشلت فشلاً مدويا في القيام بها واعطت حكم عمر البشير شرعية لايستحقها . والوضع القائم في السودان اليوم لايحتاج إلى تكوين حكومة قومية أو عريضة لان هناك حزب واحد يسيطر سيطرة كاملة على أجهزة اتخاذ القرار وبالتحديد الاجهزة التشريعية والتنفيذية القومية والولائية ولا يحتاج إلى التحالف أو الائتلاف مع حزب آخر لاتخاذ أوإنفاذأي قرار مهما كانت قسوته أو صعوبته. كما أن استعداد الناس لتقبل قرارات وتصرفات أية حكومة والرضاء عنها لايعتمد على اتساع أو ضيق التمثيل الحزبي للحكومة أو صدور تلك القرارات أو التصرفات من عمر البشير أو الصادق المهدي أو محمد عثمان الميرغني أو أي شخص اخر ولكنه يعتمد على صواب القرارات و التصرفات ومدى توافقها مع هموم وتطلعات الناس وعلى مدى نزاهة القرارات والتصرفات وعلى مدى عدالة القرارات والتصرفات واعطائها لكل ذي حق حقه وبعدها عن الانحياز الجهوي والقبلي الصارخ الذي تميزت به قرارات وتصرفات حكومة عمر البشير منذ يونيو 1989 وحتى اليوم و بعدها عن تبديد واهدار المال العام على جهاز إداري مترهل من رموز ومحاسيب ومناسيب الحزب الحاكم في الوقت الذي يجلس فيه تلاميذ المدارس في كل أرياف السودان بالتقريب على الأرض . والشرط الضروري جدا لكي تتخذ الحكومة قرارات وتتصرف بصواب ونزاهة وعدل هو وجود معارضة قوية تشكل تهديداً جاداً بانتزاع الكراسي من تحتها عن طريق الانتفاضة الشعبية أو الانتخابية لأنها تفضح بالحقائق والارقام القصور في أداء الحكومة وتفضح ظلمها وفسادها وتقوم بتبصير الناس بحقوقهم وبتنظيمهم وتحريضهم للمطالبة بها .ويحتاج حدوث ذلك في تقديري إلى ذهنيات واساليب عمل تختلف تماماً عن ذهنيات وأساليب عملالسادة رؤساء احزاب المعارضة الكبيرة الذين من الافضل للسودان و لهم وللمحافظة على سمعتهم وكرامتهم ان يكفوا عن التهديد الأجوف ويتوجهوا إلى الشعب السوداني وإلى جماهير احزابهم لتوحيدها وإعادة تنظيمها وتمليكها اسباب القوة وتحريكها وإلا فأن بعضهم قد يجد نفسة في وقت قريب يجلس على كرسي غير مريح في ( التونسية ) نتيجة انتفاض شباب حزبه . Saeed Zumam [[email protected]]