-1- سيظن الكثيرون من الوهلة الأولي أن هندا المقصودة هي حكومة الانقاذ البعاتية التي تموت وتقوم في نفس اليوم وأسمها الجمهورية الثانية. وعوضا عن اكرامها ودفنها، يحمّس الصحفجية طاراتهم وطبالهم، ويلتقطون الكلمة-الغمامة(لتغطية العين والقلب)وتبدأ حفلات الزار والمولد. ويتجمع الدراويش والحواة وبالعو الامواس ونافخو النار. ودقي يامزيكة ويقوم المعلقون في التلفزيون بكي الملافح وتحسين التطريز في الاطراف ليخرج الكلام مطرزا يعجب السلطان:سمع وشوف.ولاننسي المعلقين أصحاب البدل والتي تتهرب منهم اثناء الكلام فهي غير متعودة عليهم وهم كمان. ونبشر المواطنين بأنه فور انتهاء ليالي الخرطوم واماسي ام در سيبدأ شفق صباح الجمهورية الثالثة،ودامت الافراح. أما هند المقصودة في هذا المقال فهي المعارضة الرسمية التي تشبه وردة الخزامي (التوليب) جميلة ولكنها موسمية،تأتي وتختفي سريعا.وتعودنا رغم ذلك أن نفرح بها ولكن تختفي سريعا.كنت اشبهها بالراقصة العجوز في فيلم"زوربا اليوناني" وهي تحتضر ويظن الاطفال انها ماتت فيحتشدون في منزلها لسلب أشيائها،فتشعر بهم فتصرخ فيهم،فيجرون ثم تغفو ثانية وهكذا حتي أتي أمر الله.لا تصرخ الا حين تسمع صوت النقد،فتظن أن هناك من يريد سلب مكاسبها ثم تغفو.ورغم أن نقد المعارضة قد كلفني كثيرا من الاصدقاء والسمعة السيئة والتجريح،ولكنني أحب الحقيقة أكثر.وبالذات هذه الايام حيث ينتفض كل العالم العربي بينما المعارضة الرسمية السودانية يسيل لعابها علي"الحكومة ذات القاعدة العريضة".تعدنا هند بالاطاحة بهذا النظام غير الشرعي وتكرر الوعد وتخلف ثم تعد ونصدق،والآن نفذ الصبر ولكن نردد فقط: ليت هندا انجزتنا ما تعد وشفت انفسنا مما تجد واستبدت مرة واحدة انما العاجز من لا يستبد وهذه المعارضة الرسمية تتمناها أي سلطة في الدنيا فهي تساعد النظام علي الاستمرار لأنها لاتكمل أي عمل تبدأ العمل بحماس ثم تتركه في نصف الطريق.ومن ميزات المعارضة للنظام فهي تظن أن التوقيع-في حد ذاته-علي اتفاق مع النظام،يعني أنه قد حدث بالفعل:بسر حرف كن!لذلك فهي لا تتابع ولا تحاسب النظام علي مواثيقه.ولا أدري هل هي معارضة فاقدة الذاكرة أم تتغابي وتتظاهر بالنسيان؟ (2) يجيد النظام السوداني المغالطات وصناعة الكلام المضلل والذي يعلم قائله قبل سامعه أنه كذب صراح. ويمارس هذه بلا ورع ولا تأنيب،فهو نظام لا يخشي الله ولايحترم شعبه،فمن أين يأتيه الضمير والصدق والنفس الّلوامة؟فالنظام السوداني يعطيك الانطباع أنه يحكم وبتحدث عن دولة أو مجتمع افتراضي موجود فقط في خيالهم أو في صحيفة(الرائد) وتلفزيون السودان.فكل ما نسمعه غير موجود في الواقع، ولا يصادفنا في الشارع والحياة.فانت أيها المواطن المسكين تسمع عن الحريات والرخاء والتنمية وتمزيق فاتورة السكر والدقيق،والقضاء علي الملاريا،وتجليس التلاميذ مع وفرة الكتاب المدرسي،وتشغيل الخريجين،والحكومة الاليكترونية...الخ.ويحتار(محمد أحمد) حين لا يصادفه أي انجاز من كل هذا في الشارع والواقع، فعليه أن يرجع ويفتح التلفزيون ثم ينام واحلام سعيدة! وبسبب هذه الدولة الافتراضية التي يحكمها الانقاذ لا يري الحكام والمسؤولون امكانية لاندلاع انتفاضة في السودان "لأن الاوضاع تختلف عن مصر وتونس".وهذا يعني ببساطة ان المصريين والتوانسة ثاروا ضد الدكتاتورية والقمع والفساد والفقر والعطالة؛وهذه رذائل وعيوب لا تعرفها جمهورية أفلاطون الثانية في السودان.وهناك تفسير آخر وهو أن الشعب السوداني مختلف وكذلك النظام.فالشعب لن يثور لأنه راض ومؤيد بنسبة95% للنظام.كما يتمتع السودان بنظام ديمقراطي جاء من خلال انتخابات حرة ونزيهة راقبها العالم وأقر بأنها مطابقة للمعايير الدولية.تكررت مقولة"الاختلاف" وقالها قبل الثورة المصرية وزير الخارجية احمد ابوالغيط:"مقارنة مصر بتونس كلام فارغ!".تذكرت عند قيام الثورة الايرانية عام 1979 قارن الناس بين حكم الشاه وحكم السادات،وقالوا بامكانية وصول العدوي الثورية الي مصر.وقام المحللون الذين يحللون الحرام ويحرمون الحلال للسلطان بتبيان الاختلاف بين ايران ومصر.ودعوني هنا استعين برد(الفاجومي)أحمد فؤاد نجم: دا شيعة واحنا سنة دا فين ومصر فين عايزين يدخلونا نظام ودنك منين يااسيادنا اللصوص قرينا في النصوص لو الانسان يغوص يغوروا الفرقتين وشفنا في الكتاب لقينا الدين حساب وثورة وانتساب وعين تساوي عين اعذروني هذه الأيام فانا في حضرة من اعشق: ثورة مصر،لذلك أعود باستمرار الي شيخيّ: الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم،بحثا عن مدد الحرية والحق والجمال.لذلك سوف اتوكأ عليهما كثيرا.ويواصل الشيخان تأكيد أن الثورة آتية لا ريب فيها ولا فرق بين شعب مصر وايران حين يتشابه الظلم.واهدي الابيات للمسؤولين السودانيين المحترمين: ايران يا مصر زينا كان عندهم ما عندنا الدم هو دمنا والهم من لون همنا ***** تمسك ودناك من قفاك تمسك ودانك من هناك الخالق الناطق هناك الخالق الناطق هنا الارض حبلي بالربيع والغنى والجو مشحون بالقصائد والغنا والشمس فوق الكل تشبه شمسنا والثورة ملو الارض والناس والبنا لا يوجد اختلاف في تونس ومصر والسودان،فالأزمة الثورية نضجت في كل هذه البلاد. الاختلاف الوحيد في العامل الذاتي فقط أي وعي الناس بدرجة الظلم وكيفية تحريك وتثوير الجماهير.وهذا يعني أن القمع والظلم في السودان قد يفوقان مصر وتونس ولكن الوعى والحراك خلف الواقع المزري.وهذه مهمة الطليعة والقوى السياسية السودانية:الارتقاء بالوعى والعمل اليومي الدؤوب وسط الجماهير.وقبل الدخول في تحليل الحالة السياسية السودانية،يؤكد لنا(نجم)مرة اخري:أن لا فرق ويبين اسباب السكوت الراهن: نفس البلاوي ع الغلابة متلتة من فقر شوف وهم خوف نازل بلا والقهر زاد والسيف علي رقاب العباد والمخبرين زي الجراد ملو الخلا والفنانين المومسين والفنانات دول شغالين تبع وزير الاعلانات تمسك ودانك من قفاك تمسك ودانك من هنا اللي حصل فيهم هناك لازم حيحصل عندنا (3) لا أدري ماذا حدث للسودانيين؟ إذ رغم عمليات تزييف الوعى والتخويف التي ذكرها(نجم) فان ما حدث في السودان فوق الوصف.لأنه بالإضافة للقمع والظلم والفساد ونهب مقدرات الوطن،فقد فرط النظام في سيادة البلاد واضاع بالانفصال جزءا عزيزا وبالمقياس المادي ثلث الاراضي والسكان.ويتعامل الجميع-حكومة ومعارضة- كأن ذلك الامر كان مباراة هلال/مريخ.فالحكومة لم توقف غناها ومديحها،والمعارضة في اجتماعاتها واصدار بياناتها والتي سيوقعها12 حزبا و23 نقابة.لقد كان الموقف من الانفصال مثيرا للاحباط والغضب.فقد كان الانفصال وحده سببا كافيا للمطالبة برحيل البشير ونظامه،لأنهم استلموا أمانة وطن مساحته مليون.وجاء في البيان الأول لانقلاب الجبهة أن الجنوب كاد يقع في يد الحركة.وبعد ذلك جاء الجهاد والميل الكم وساحات الفداء واخيرا يعلن هؤلاء انفسهم-بفخر-أنهم أول المهنئين باستقلال الجنوب وايدهم ممدودة للمجتمع الدولي:الا نستحق حسنة علي هذا الفعل العظيم!الرد الجاهز:لا نريد الاستمرار في الحرب،ومن الذي طالبكم بالاستمرار في الحرب؟أنت ادخلتم البلاد في معادلة غريبة:الوطن الموحد مقابل الشريعة،وهذه مقايضة غير ممكنة ومن الخطأ الدخول فيها ولكنه قصر النظر.وأكرر دائما أن الحركة الاسلاموية ادخلت البلاد،قبل الاستقلال في منتصف ديسمبر1955 حين كونت جبهة الدستور الاسلامي،في نفق وصراع بعيد عن أولويات دولة ناشئة تبحث عن التنمية والوحدة الوطنية.وضاعت كل طاقات البلد السياسية في صراع دستور اسلامي أم مدني(عالماني تجاوزا).ومنذئذ لازمنا طيف الانفصال الي صار حقيقة عام2011.المرور السريع علي حدث الانفصال يعني عدم جدية السودانيين وعبثيتهم وعدم جدارتهم بالوجود كبشر عقلاء في القرن الحادي والعشرين.العالم يصبح قرية واحدة ونحن ننقسم دولتين.علي السودانيين أن يوقفوا الهزل ويكفوا عن الغرور والنرجسية الجماعية وأن ينظروا الي أنفسهم في مرآة الحقيقة.وهنا يقول المنطق أننا يجب أن نكون أول من ينتفض.والانتفاضة علينا فرض عين وليس فرض كفاية يقوم بها شباب 30 يناير أو نساء لا للقهر فيسقط عن الباقين.وضعنا اردأ من تونس ومصر فهم لم يفقدوا شبرا من أرض وطنهم. اللي حصل فيهم هناك لازم حيحصل عندنا (3) لم تنفجر ثورة25 يناير فجأة صباح ذلك اليوم،فهي في الحقيقة عملية أو سيرورة طويلة تجسدت في اعتصامات واضرابات واحتجاجات ووقفات احتجاجية كثيرة شهدتها مصر خلال السنوات الماضية.كما نشط المجتمع المدني في ابتكار اشكال جماعية مثل 6 أبريل وكفاية وحركة التغيير وشايفنكم وحماية المستهلك وغيرها الكثير.وهنا يمكن ان يتحدث النظام عن الاختلاف لأن نشاط المعارضتين مختلف بينما النظامان متشبهان تماما في الصفات الحوهرية:الاستبداد والقمع حتي ولو تعددت الوسائل.قامت المعارضة المصرية بعملية تراكم مستمر لكشف النظام ولم تسترخ،وبالذات من خلال القضاء.وهذه عملية مهمة جدا لأي معارضة سلمية خاصة لو ركزت علي قضية الفساد.ولقد بحّ صوتي لماذا لا يستفيد تجمع المحامين الديمقراطيين من تقارير المراجع العام والشروع في رفع قضايا ضد الفاسدين الذين ترد معلومات عن المؤسسات التي يعملون فيها؟الفساد ميدان معارك هامة للمعارضة فهو أمر يحاصر مصداقية نظام يدعي الاسلام.وسياسيا يهدد بقاء قيادات سياسية.غالبا ما يكون رد المحامين أن القضاء غير مستقل وما فائدة.لا،هناك فائدة هي تحديد موقف القضاء وأين يقف مع العدالة والحق أم مع الظلم والطغيان؟هذا نشاط لابد أن يتعامل معه المحامون بجدية ومثابرة. حجة النظام في رفض دستور جديد وحكومة قومية،هي أن الحكومة الحالية مفوضة بأغلبية ساحقة من قبل الشعب ولابد أن تكمل دورتها الدستورية.وقد كانت المعارضة تدعي أن الانتخابات مزورة ولديها مئات الادلة وشاهدنا اشرطة فديو تثبت الغش والتزوير.فهل اصدق أيها القارئ الكريم أنه ولا حزب ولا منظمة مجتمع مدني اصدرت تقريرا عن تلك الانتخابات؟ماذا فعلت الاحزاب لكشف تزوير الانتخابات التي يستند عليها النظام حاليا في عزل الاحزاب؟هل اعترفتم سكوتيا بنتائج الانتخابات وهل كنتم جادين حين اتهمتم المؤتمر الوطني بتزوير الانتخابات أم كان مجرد امتداد لهزلكم السياسي الممجوج؟أنا كمواطن سوداني فوضكم لتمثيله اطالب بمقاضاة المؤتمر الوطني أو الاعتذار له عن إشانة السمعة.فقد تحدثت المعارضة بثقة عن التزوير والآن يعتمد النظام في شرعيته علي نتائج الانتخابات.وقد كانت هتافات الجماهير المصرية في الايام الاولي:مجلس الشعب..باطل!فهل تعتبر الاحزاب السودانية مجلس الشعب السوداني.. باطل أم قد قبلت نتائج االانتخابات التي قالت عنها وبالتالي سحبت ادعاءها؟ اخيرا،السودان ليس استثناءا في قانون وحتمية الثورات.واستمرار النظام ليس بسبب قوته الذاتية ولكن لضعف معارضته. فابشر بطول سلامة يامربع!