الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الإنقاذ في انتظار "الشعب يريد إسقاط النظام"؟ .. بقلم: إمام محمد إمام
نشر في سودانيل يوم 03 - 03 - 2011

ما زالت أحداث المشهد السياسي العربي تتابع في تطورٍ متسارعٍ، يجعل المراقب للشأن السياسي العربي داخل العالم العربي وخارجه، يلهث لمعرفة تفاصيل هذه التطورات المتسارعة ومتابعتها، من حيث توالي أحداث الانتفاضات والثورات والمظاهرات والاعتصامات في كثير من الدول العربية، حتى أن أحداث الانتفاضة الشعبية في تونس والثورة الشعبية في مصر لم يهدأ هدير جماهيرها مطالبين بإسقاط بقايا النظام، إذ أنها اكتشفت أن رأس النظام بالفعل زال في تونس، حيث هرب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، يوم الجمعة 14 يناير 2011، إلى المملكة العربية السعودية بعد قبوله بشرائط اللجوء إليها، فخاطب أحد التونسيين شباب الثورة، بلغة فيها قدر من الحسرة والرجاء، عشية هروب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بعد أن رفض قائد الجيش التونسي الجنرال رشيد عمار دعم حملة الرئيس المخلوع بن علي ضد الثورة، وخيره بين مغادرة البلاد أو إلقاء القبض عليه، قائلاً: "فرصتكم أيها الشباب لتقدموا لتونس ما لم نقدم لها نحن، لأننا هرمنا، هرمنا، من أجل هذه اللحظة التاريخية". كما ردد أحد التونسيين صارخاً فرحاً في تلكم الليلة التاريخية في تاريخ تونس: "الشعب التونسي ما يموتش، الشعب التونسي العظيم، تحيا تونس، المجد للشهداء، الحرية للتوانسة، بن علي هرب، بن علي هرب، بن علي هرب.."، مما جعل هذه الصرخات الثورية الصادقة تردد صداها قناة الجزيرة الفضائية طوال هذه الأيام. وكذلك أن رأس النظام المصري زال زوالاً حقيقياً، بعد تنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك. وحسب شباب ثورة 25 يناير ومعهم معظم الشعب المصري، أنهم أزالوا النظام، بمساندة من القوات المسلحة، استجابة لنداء الشعب المصري الذي كان يردد في جنبات ميدان التحرير بالقاهرة وبعض المدن المصرية "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكنهم اكتشفوا أنهم نجحوا في إزالة رأس النظام فقط، وذلك بتنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك، ولكن النظام المصري القديم ما زال يسعى بينهم حاكماً برموزه، كأن شيء لم يكن. فأعاد شباب الثورة في كل من تونس ومصر الكرة مرة أخرى وبدرجاتٍ متفاوتةٍ، من حيث المظاهرات والمسيرات والاعتصامات من أجل إسقاط رموز النظام من حكومتي البلدين. ونتيجة لهذه المضاغطات الاحتجاجية، استقال السيد محمد الغنوشي الوزير الأول (رئيس الوزراء) التونسي، وتلاه بتقديم الاستقالات عدد من وزراء حكومته. أما شباب ثورة مصر ما زالوا يتظاهرون ويعتصمون من أجل إسقاط حكومة أحمد شفيق، إلى الدرجة التي دفعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعقد اجتماع يوم الأحد الماضي، بين بعض أعضاءه وعدد من ممثلي ائتلاف شباب الثورة لبحث مطالبهم، والعمل لتفادي أي سوء فهم أو تفاهم بين شباب الثورة والجيش، باعتبار أن الثقة بينهما هي الضمانة الأكيدة لتحقيق مطالب الثورة الشعبية كآفة. وبالفعل نجم من هذه المضاغطة الشبابية، استقالة حكومة الفريق أحمد شفيق، التي قبلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكلف الدكتور عصام شرف وزير النقل بتشكيل الحكومة الجديدة في مصر.
وما زالت العديد من الأنظمة السياسية العربية في انتظار المجهول الناجم من هاجس صيحات جماهيرها المرددة لهتافات "الشعب يريد إسقاط النظام"، وإسراع الخطى الحكومية لتدارك الوقت قبل اندلاع المظاهرات والمسيرات المرددة لتلكم الهتافات، بإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والبحث عن أساليب ناجعة لمعالجة قضايا الشباب المتعلقة بالعطالة والتشغيل والحريات السياسية والإعلامية والمشاركة السياسية الفاعلة، إضافة إلى محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين. بينما تتزاحم الجماهير في حركة ثورية لإسقاط الأنظمة في ليبيا واليمن وهناك مظاهرات ومسيرات في البحرين وعُمان والأردن والمغرب والجزائر. ففي ليبيا ما زالت المعركة محتدمة بين ثوار 17 فبراير ومؤيدي نظام العقيد معمر القذافي، وهي ثورة دموية، إذ أن العقيد القذافي لم يتردد في استخدام القوة العسكرية لسحق الثورة التي وجدت تأييد الكثير من القبائل والنخب الليبية من وزراء وسفراء وقادة عسكريين وحتى المقربين من القذافي نفسه، وسارع الغرب بتأييد الثورة، وحركت الولايات المتحدة الأميركية سفن عسكرية على مقربة من الشاطئ الليبي، تحسباً لأي تدخل عسكري أميركي مع الحلفاء الغربيين لمساندة الثوار. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) يوم الأثنين الماضي "إن الجيش الأميركي أمر بتحرك قطع بحرية على مقربة من ليبيا، في الوقت الذي كثفت فيه إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما من نداءاتها للزعيم الليبي معمر القذافي بالتنحي". بينما وصف العقيد معمر القذافي في مقابلة مع شبكة "إيه. بي. سي" التلفزيونية الأميركية الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه "رجل طيب"، ولكن يبدو أنه جرى تضليله بشأن الوضع في ليبيا. وقال في المقابلة التي أجرتها معه المذيعة الأميركية (الإيرانية الأصل) كريستيان أمانبور "إن التصريحات التي سمعها من أوباما لابد أن تكون جاءت من آخرين، موضحاً "أن شعبه يحبه ومستعد للموت من أجله"، متهماً الغرب بالتخلي عنه في المواجهة التي يخوضها ضد "إرهابيين". وقال العقيد القذافي "إنه مندهش من أنه بينما تتحالف ليبيا مع الغرب في الحرب ضد القاعدة، فإن الغرب تخلى عن ليبيا في حربها ضد الإرهابيين". وفي الوقت نفسه قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية بلغة حاسمة في تصريحات صحافية يوم الثلاثاء الماضي في جنيف "القذافي يجب أن يرحل الآن".
أحسب أن الحديث عن أحداث ليبيا، تدفعنا بالضرورة إلى الحديث عن تداعيات التصريحات الصحافية للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السودانية يوم الثلاثاء 22 فبراير الماضي، التي قال فيها "إن وزارته قامت بتحقيقات حول مزاعم وتقارير وردت من الجماهيرية الليبية تفيد بمشاركة ميليشيات من مجموعات دار فور المتمردة في أحداث ليبيا، والمشاركة في ضرب المتظاهرين"، مؤكداً "أن التحقيقات أثبتت بالأدلة تورط متمردي دار فور في الأحداث". وكان من تداعيات هذا الحديث، استنكار العديد من السودانيين داخل السودان وخارجه، لأنه سيعرض حياة الآلاف من السودانيين العاملين في ليبيا للخطر، لأنهم سيعتبرون في نظر ثوار ليبيا أنهم تدخلوا في شأنٍ داخلي، وأن أيديهم ملطخة بدماء أبناء الثورة، لقتالهم كمرتزقة ضمن الكتائب الأمنية للعقيد معمر القذافي. بينما كانت مواقف حكومتيّ مصر وتونس مستنكرة للاتهامات التي أطلقها سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي بأن المصريين والتونسيين شاركوا في الاحتجاجات الليبية. وكذلك فعلت حكومة تشاد عندما تردد أن من بين مرتزقة القذافي تشاديين، استنكر السيد موسى محمد فكي وزير الخارجية التشادي يوم الاثنين الماضي هذه الاتهامات. وجميل من السيد علي أحمد كرتي وزير الخارجية السوداني التأكيد، وإن جاء متأخراً، على أن الحكومة السودانية حريصة على أمن وسلامة كل السودانيين الموجودين في ليبيا دون استثناء، بما في ذلك منسوبي الحركات المسلحة في دار فور. وقال كرتي في تصريحات صحافية يوم الاثنين الماضي إن السودان يرحب بأبنائه الذين دفعتهم الظروف للبقاء خارج الوطن.
وأحسب أنه من الضروري الإشارة إلى أن ثوار ليبيا بدأوا يتحدثون عن مشاركة ألفين مقاتل من حركة العدل والمساواة ضمن مرتزقة الكتائب الأمنية للعقيد القذافي التي تهاجم الثوار بأسلحة ثقيلة في بعض المدن الليبية. وقد صرح علي زيدان المتحدث الرسمي باسم الرابطة الليبية لحقوق الإنسان لقناة "الجزيرة" الفضائية أول من أمس (الثلاثاء) أن هناك معلومات تتحدث عن مشاركة ستة آلاف مقاتل من تشاد وألفين من مقاتلي حركة العدل والمساواة تم نقلهم من مدينة أم جرس في تشاد للانضمام إلى المرتزقة للقتال ضمن الكتائب الأمنية للعقيد القذافي ضد ثوار ليبيا. لكن الدكتور جبريل إبراهيم مسؤول العلاقات الخارجية في حركة العدل والمساواة نفى هذا الاتهام نفياً قاطعاً، مؤكداً أن حركة العدل والمساواة ليس لها مقاتلون في ليبيا. وأشار الدكتور جبريل إبراهيم إلى أنه ليس للحركة شخص واحد يحمل سلاح في ليبيا، ولا علاقة للحركة بما يجري من أحداث في ليبيا، وكل الموجودين في ليبيا من أعضاء الحركة عشرة أشخاص فقط، موضحاً أنه ليس هناك أي وجود عسكري في ليبيا، ولا يمكن أن تحرك الحركة مقاتليها من أقصى دار فور إلى ليبيا دون علم رئيسها أو قيادتها.
في رأيي الخاص، أن هذا الحراك السياسي الذي تشهده حالياً بعض الدول العربية، ومن المتوقع أن تشهده قريباً بعض الدول العربية الأخرى، من انتفاضات وثورات ومظاهرات ومسيرات واعتصامات من أجل إسقاط تلكم الأنظمة أو تغييرها أو إصلاحها، تأتي بإرادة ومبادرة من شبابها، ومن ثم تنضم إليها جماهير الشعب، وهي بمثابة زلزال يهز المنطقة العربية من محيطها إلى خليجها. وحرصت هذه الانتفاضات والثورات أيما حرص على التركيز على الشأن الداخلي، بعيداً عن الشعارات الخارجية المألوفة، حتى الهتافات كانت وما زالت منصبة على الشأن الداخلي، ليست ضد أميركا وإسرائيل. ومن المستبعد أن هذه الانتفاضات والثورات العربية تحركها قوى خارجية أو تدفعها إلى إحداث هذا الحراك المدوي أجندة خارجية أو بتدبير من مؤمراتٍ أجنبيةٍ، كما حاول أن يدمغها بهذه الصفات رؤساء تلكم الأنظمة العربية التي أسقط الشعب رؤساءها أو تلك التي في طريقها إلى السقوط. ولكن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يحكم البلاد منذ 32 عاماً، جاء بنظرية مؤامرة من العيار الثقيل، متهماً الإدارة الأميركية بتحريك كل ما يجري في العالم العربي من خلال غرفة عمليات موجودة في تل أبيب، حيث قال مخاطباً اجتماعاً في كلية الطب بجامعة صنعاء أول من أمس (الثلاثاء) في حركة اختزالية لكل ما يجري في اليمن حالياً: "هناك غرفة عمليات لزعزعة الوطن العربي في تل أبيب وهؤلاء (المتظاهرين) ما هم إلا منفذين ومقلدين"، موضحاً "أن غرفة العمليات موجودة في تل أبيب وتدار من البيت الأبيض"، مضيفاً "لا أحد يكذب على أحد، كل يوم ونحن نسمع تصريح (الرئيس الأميركي باراك) أوباما.. يا مصر ما تعملوش كذا، يا تونس ما تعملوش هكذا.. شو دخل أوباما، شو دخلك بعمان، شو دخلك بمصر، أنت رئيس للولايات المتحدة أو رئيس للعالم العربي"، متهماً المتظاهرين بأنهم "يدارون من الخارج" و"الانفاق عليهم يأتي من أموال صهيونية". ولكن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح سارع بتدارك هذا الانفعال الاختزالي لاحتجاجات اليمنيين، بالاتصال بجون برينان مستشار الرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤؤن الإرهاب يوم الأربعاء الماضي للإعراب للبيت الأبيض الأميركي عن "الأسف لسوء الفهم" الذي رافق تصريحاته الأخيرة حول الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. وقال البيت الأبيض الأميركيفي بيان "اتصل الرئيس صالح بمستشار الرئيس أوباما لشؤون الإرهاب جون برينان هذا الصباح (الأربعاء) ليعرب له عن أسفه إزاء سوء الفهم الذي عن تصريحاته حول قيام إسرائيل والولايات المتحدة بعمليات لزعزعة استقرار الدول العربية",
وما زال المتظاهرون اليمنيون، رغم تنازلات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وإقالة خمسة محافظين تشهد مناطقهم اضطرابات، يرددون شعارات مناوئة للسلطة بينها "الشعب يريد إسقاط النظام"، و"الشعب يريد رحيل علي عبد الله صالح".
أخلص إلى أن المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) يجب ألا يقلل من تداعيات هذا الزلزال الذي تشهده حالياً بعض الدول العربية، فلا يعقل أن يظل بعض قياديي المؤتمر الوطني يدندنون بمقولة أن السودان ليس تونس أو مصر، فهكذا قالت ليبيا على لسان سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي، حيث قال في خطابه الشهير "ليبيا ليست تونس أو مصر"، وكذلك قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح " اليمن ليس تونس ومصر وليبيا"، ومن قبلهما قال بعض مسؤولي النظام المصري ذات المقولة "مصر ليست تونس". فالآن زادت أسماء البلدان، والقائمة تطول. ولقد شهدت بعض المناطق في الخرطوم والولايات بعض مقاطع فيلم "الشعب يريد إسقاط النظام" من خلال تسيير مظاهرات، وتنظيم مسيرات واعتصامات، منها ما شهده الأسبوع الماضي شارع بشير النفيدي من مظاهرة واعتصام، سارع الأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم بعقليته التي زاوجت بين عقليتين، الأمنية والسياسية، فتدارك الموقف، وفض النزاع. والمأمول بذات الحنكة أن يعالج الأخ عبد الرحمن الخضر أمر اعتزام مواطني الحلفايا الاعتصام أمام مقر حكومة ولاية الخرطوم. وكذلك الحال في مظاهرة كسلا تنديداً بقتل شرطة مكافحة التهريب للشاب ياسر جابر التي عالجها الأخ محمد يوسف آدم والي ولاية كسلا، بالمشاركة مع عدد من وزراء حكومته في مظاهرة التشييع، والاصطبار على قذف بعض المتظاهرين موكبه بالحجارة عقب مراسم الدفن. وغير ذلك من المظاهرات. وأحسب أن التحدي الأكبر سيكون أمام الحكومة في كيفية تعامل القوات الشرطية والأمنية مع دعوة تسيير مظاهرة يوم الاثنين 21 مارس الحالي التي دعت إليها مجموعة من الشباب تستخدم الإنترنت، أطلقت على نفسها حركة شباب من أجل التغيير (شرارة) للإطاحة بالنظام. وقبل ذلك كيف تتعامل الحكومة مع مظاهرة المعارضة يوم الثلاثاء 8 مارس الحالي بغرض تأييد الشعوب التي انتفضت على حكوماتها، وأسقطت أنظمتها. وحسب التصريحات الصحافية للدكتورة مريم الصادق المهدي مسؤولة التعبئة في تحالف قوى الإجماع الوطني يوم الاثنين الماضي أن المعارضة طلبت من شرطة ولاية الخرطوم، التصديق بقيام مسيرة سلمية ستتوجه نحو سفارات كل من تونس ومصر وليبيا في الخرطوم. وقلل الدكتور محمد مندور المهدي القيادي بالمؤتمر الوطني من دعوة المعارضة، وقال إن دعوة المعارضة لن تجد استجابة من الموطنين، لأنها حاولت عدة مرات عبر جميع الوسائل، لكنها فشلت. واتهم الدكتور محمد مندور المهدي أجهزة مخابرات خارجية بالوقوف خلف مجموعات "الفيس بوك". وقال "نحن حللنا مواقع الفيس بوك ووجدنا غالبيتهم من الخارج"، مضيقاً "أن تلك الحملة تديرها مخابرات خارجية، بالإضافة إلى الذين يجلسون في الفنادق بالخارج". لا ينبغي الإقلال من مثل هذا الحراك السياسي، بل العمل على تفادي مخاطر تداعياته، وجعل مآلاته تصب في المصلحة الوطنية، وذلك بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، والدخول في حوار جاد وعميق لمعالجة قضايا الوطن كآفة، خاصة بعد إعلان نتائج استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير حول جنوب السودان التي أكدت بنسبة 98.83 في المائة، انفصال الجنوب عن الشمال، حتى لا يسمع قادة المؤتمر الوطني ذلكم الهتاف الذي بدأ يطرب آذان الشعوب العربية وهو "الشعب يريد إسقاط النظام"، أو "الشعب يريد تغيير النظام"، وليظل السودان بعد إجراء بعض الإصلاحات الجادة، والعمل بجدية في محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين، في مرحلة "الشعب يريد إصلاح النظام"، وأحسب أن هذا هو أخف الضررين، كما يقول جمهور الفقهاء.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ".
وقول الشاعر أحمد بك شوقي:
إلامَ الخُلفُ بينكمُ إلامَ وهذي الضجة الكبرى علام
وفيم يكيدُ بعضكمُ لبعضٍ وتبدون العداوة والخصامَ
Imam Imam [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.