الإمام الصادق المهدي التائه السياسي الذي جرب مع النظام الحاكم كل الدروب فلا وصل إلى مبتغاه ولا عرف الرجعة إلى مبتداه فلم يتبق له في خاتمة المطاف إلا أخذ الحكمة من أفواه المساطيل (يمكن ينفع زي ما قال أدروب). فعبارته التي أطلقها مؤخراً (الطبلة دي يا تتفتح يا تتفلس) تذكرني بنكتة الرجل الذي صعد أعلى القبة وفشلت كل المحاولات في إقناعه بالنزول فمر مسطول والناس في حيرة من أمرهم فطلب منهم أن يأتوه بإبرة فرفعها مخاطباً الرجل المتعلق بأهداب القبة (تنزل ولا أنفِسها)! فنزل الرجل. يبدو أن مساجلات الصادق المهدي مع الإنقاذ لن تنتهي بلا شيء ولن تنتهي إلى شيء فقد رأينا كيف أنه في آخر جلسة سيجة سياسية وفي نقلة حسبها الصادق المهدي الأخيرة حين قام بمحاصرة المؤتمر الوطني بكلاب ثلاثة تاركاً له سكة واحدة للعب فإذا بالوطني يأكل أثنين من كلاب الصادق الثلاثة بنقلة واحدة و(الكلب في محله)، وفي خطوة لا تخلو من إرباك تكتيكي قام المؤتمر الوطني بفتح سكة غير اللاعب فلجأ إليها الصادق المهدي لعله يٌنج مسعوده بعد أن هلك سعده وسعيده ولكن المؤتمر الوطني عاد فأغلق السكة بالطبلة الإنقاذية فصاح الصادق (الطلبة دي ياتتفتح يا تتفلس) وليته قال (اللعبة دي يا تنتهي يا تتفرتق). لعل المهدي الحفيد أختار في آخر مساجلات الكر والفر مع النظام الحاكم ذكرى سقوط الخرطوم في يد قوات الإمام الجد كسقف لحسم اللعب السياسي مع الإنقاذ ليضفي على الأمر شيء من القدسية والرمزية والجدية وقد أنتظر الناس عملاً جاداً من الصادق المهدي بعد حلول الموعد المضروب ولكن المتردد الأممي الذي أدمن اللعب مع الإنقاذ بطريقة (أعاين فيه وأضحك وأجري أجيه راجع) لا أدري إن نسي التاريخ (المضروب) أم نسي ذكره فعاد اللعب من جديد. يا ترى لماذا نجح الإمام الجد (جد) في جمع أهل السودان بينما فشل الإمام الحفيد في المحافظة على وحدة صف الأمة؟ ولماذا نجح المهدي المُنتصِر في ترويض المستعمر وتأديبه بينما فشل المهدي المُنتظِر في تطويع الإنقاذ وترهيبها؟ قطعاً إنها الجدية والحسم والتوكل بعد العزم فأولئك قوم إذا عقدوا شدوا...من حكايات سلاطة لسان شيخ العرب ود أب سن، والعهدة على الراوي، إنه عندما قام شيخ لطفي بطرد أحد أبناء السناب من المدرسة جاء ود أب سن يسأل عن السبب فرد عليه شيخ لطفي قائلاً: ولدكم دة غلبنا معاه حيلة وما حا يتعلم، فقال له ود أب سن في دعابة لا تخلو من غمز: جدك قدر يعلم القرد أنت يغلبك تعلم ولدنا. ففي كل مرة كانت الإنقاذ المهدي تواعد المهدي المُنتظِر فيأتي ولا تأتي وبدلاً أن يقول ما عدت قادر أنتظر وينصرف إلى أمر أكثر جدية وجدوى يظل واقف منتظر ولسانه يردد آه لو تأتي آه بينما لسان حاله يحكي حال الرجل العكليت الذي تواعد مع شخص لا أدري إن كان عرقوبي بالفطرة أم نسى الميعاد فظل ينتظره وهو يقول (وعدني الساعة ستة والآن الساعة سبعة لو تمانية ما جاء الساعة تسعة يمكن أمشي) ثم بعد ذلك كله غالط نفسه بإصرار وقال يمكن أنا الما جيت. للأسف الشديد الصادق المهدي الذي يعتبر أولى أولياء دم الشرعية المغدورة لكونه زعيم الحزب صاحب الأغلبية في آخر انتخابات حرة ونزيهة ورئيس وزراء الحكومة التي نفشت فيها غنم الإنقاذ بليل لم يبذل الجهد المطلوب في الإيقاع بمن اغتالوا الشرعية لينالوا القصاص العادل فلو كان فعل لجعل الله له سلطانا ولكان منصورا ولكنه ضيع في الأوهام عمره وأضاع السنين في ترقب سمسم الإنقاذ ليفتح أبوابه ويرد الحق لأصحابه، ثم جاءت مريم الأخرى لتضيعه هي الأخرى سنيناً أخرى في انتظار مجدلية تحالف أحزاب جوبا التي لن تأتي إلا إذا جاء الغول والعنقاء. كنا نتوسم في الإمام الصادق أن يكون أمة وحده كإبراهيم الخليل دون الحاجة لتحالف مع الخليل إبراهيم وكنا نتوسم فيه أن يكون حلفاً قائماً بذاته لا حاجة له بتحالف جوبا وكنا نريده أن يتقدم الصفوف ويتصرف كما ينبغي عليه التصرف من كبير أولياء الدم فلا يقبل التعويض والشعب مكلوم ولا يقبل العفو والتصالح إلا إذا قبله كل أولياء دم الشرعية من أهل السودان وكنا نتوقع منه وأن يقدم من المجاهدات ما هو خليق بأهل القيادة. سيد الصادق ما أكثر قولك وما أقل فعلك فلو كنت جاداً هذه المرة في اتباع القول الفعل فتقدم الجموع و"فلس الطبلة" أو أعلن إفلاسك السياسي وترجل...ولكن إن كنت تخاطب أهل الإنقاذ أوتقدم لهم المزيد من التنازلات ليتبعوا نصحك ويفتحوا الطبلة طوعاً فحسبي أن أحيلك إلى حكمة جدنا الشيخ العبيد ود بدر نصير جدك الإمام المهدي (كلم البسمع وأكل البشبع وقود البتبع). osama khalid [[email protected]]