بسم الله الرحمن الرحيم هذا بلاغٌ للناس عندما أعلن الأخ الرئيس عمر البشير قراره بإنشاء مفوضية للفساد إستبشر العباد خير ؛ برغم تحفظي على المسمى في باديء الأمر ليكون (مفوضية الشفافية ) بدلاً من( مفوضية الفساد) لأن الأصل في الأشياء الاستقامة التي تُؤكَّدها الشفافية والوضوح حتى يعلم العباد بأن ليس هناك فساد لأنه الاستثناء . شعر العباد بأن هناك مقاومة من داخل رموز الحكم لقيام هذه المفوضية ولا أزعم إن هذا الزعم أكيد ، وبالتالي لا أدريتبريراً أو داعياً المقاومة طالما أن الذمم نظيفة كأطباق الصيني بعد غسيله . أم أننا ليس كسائر البشر تنتابنا نزعات الاطماع والجشع والرغبة في الثراء بأي وسيلة ربما منها ما هو غير مشروع ؛ أو أننا مبرئين من ممارسة المحسوبية أومعصومين عن التربح تحت ستار من الأقارب والأصدقاء أو صداقيتنا لا يتطرق إليها شك عند ترسية مشروعات بعينها . أن هذه المقاومة - إن صح أمرها – تعني أحد أمرين ، إما أن رجال الدولة ملائكة منزهون أو أنبياء معصومون لا يرتكبون المعاصي والذنوب - وحاشا لله أن نقول ذلك – ولكن على الجميع أن يقر بشرٌ مثل سائر البشر معرضون للغواية والأهواء ووسوسة الشيطان هذا أولاً ؛ وإما هناك خوف من كشف المستور والمسكوت عنه من والتربح والثراء وهو موجود فعلاً ويجب محاربته واسترداد مال الشعب !! دعونا نطلع على تقرير هيئة الشفافية الدولية ( Transparency International ) التي أثبتت ضمن قائمتها أن السودان يتميز بالقدح المعلى بين دول العالم العربي تحديداً ، أبان التقرير أن أربع دول عربية احتلت مراتب متدنية جدا في الترتيب وبالقابل هذا يعني أنها متقدمة جداً في عالم الفساد . وهذه الدول هي اليمن التي احتلت المرتبة 154 والعراق 176 والسودان 176 مكرر والصومال 180 وقد جاءت في المرتبة الأخيرة. معاهدة مكافحة الفساد للعام 2003 أصبحت المعيار القياسي لجهود مكافحة الفساد في العالم، وتدعو الدول كافة إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى منع وتجريم والتحقيق في ومحاكمة مرتكبي الفساد في جميع أنحاء العالم. كما تسعى الاتفاقية إلى تطوير التعاون بين الدول بشأن استعادة الأصول والممتلكات التي سرقها المسؤولون الفاسدون.!! ربما يشكك البعض في حيادية ونزاهة هذا التقرير ومع افتراض تقبلنا لهذه الشكوك ؛ آلا يستدعي أن نعتبر التقرير بحد ذاته مؤشر استرشادي يُنَبِّه لخطر محدق يحفز ولاة الأمرعلى التحرك لإنقاذ سمعة البلاد ومال العباد من النهب والسرقة ؛ خاصة أن السودان يحاول استعادة وتنشيط عضويته في كثيرٍ من مؤسسات التمويل الدولية.ّّ فماذا فعلنا حتى نعيد ثقافة طهر الأيادي والأنفس؟! إن تصريح الشيخ علي عثمان في دارفور بأن (من يريد أن يحارب الفساد بلقانا قدامو ) ؛ تصريح يقبل كثير من التأويلات التي يمكن إجمالها في عدة أسئلة تدور في الأذهان سنأتي على ذكرها فيما يأتي . كما أنه أيضاً أن يوحي أو يُستشف منه رئيس بأن الدولة في أعلى مستوياتها لم تعر هذا الأمر إهتماماً أصلاً ولم تتحرك منذ أن فاس مسامعها من الأقاويل والاشاعات ما يستوجب التحقق وأنها لم تستيقظ إلا عندما بدأ الهمس يصبح جهراً ، صرح بأنه سيكون في المقدمة ؛ والسؤال لماذا الآن فقط أمن عنجهية أو استخفاف أو ثقة بالنفس ؛ فلا يمكن أن يتعدى الأمر أحد هذه الثلاث مبررات ؛ ولكن مع ذلك ربما يكون هذا قد أتى متأخراً بعد " خراب سوبا " وأن يأتي ولو متأخراً خيرٌ من أن لا يأتي البتة . يبدو أننا عندما نُكلّف بمناصب قيادية في العمل التنفيذي ننسى بعض أبسط مباديء الادارة الفاعلة ومن أهمها (المتابعة والمراقبة) اللتين تمكنان المسئول من اتخاذ الاجراءآت الوقائية قبل وقوع المصيبة . أما وإن وقعت المصيبة فالردع والقصاص فيه عبرة لمن أجرو وعظة لمن تسول له نفسه بمد يده إلى مقدرات وأموال الشعب . ولا أدري لماذا ننسى ولا نستصحب موروثنا الثقافي الشعبي خاصة الأمثلة الدارجة مثل "المال السايب بيعلم السرقة" و المثل الآخر ( حَرّص ولا تُخَوِّن).. مش كدا واللآ إيه؟!! ودعونا نطرح سوياً هذه الاسئلة: 1) هل يقتصر دور الدولة ومسئوليتها فقط في تتبع الفساد والمفسدين في أجهزة الدولة ومؤسساتها وشركاتها إلا عندما يتحدث عنه الشارع ؛ أم أنه عمل مقنن ومستدام؟! 2) أليس من واجبات الدولة السهر على والحفاظ على المال العام وتقديم كل من يتعدى عليه للعدالة لتقتص منه ويعلن ذلك على الملأ؟! 3) درءً للحدود بالشبهات ؛ هل طُلب من كل من كُلف بمنصب وزاري أو دستوري أو قضائي أو تشريعي أو إداري عالي أن يقدم إقراراً بثروته تشمل أقرباء الدرجة الأولى قبل أن يؤدي اليمين؟! 4) هل من ضمن صلاحيات جهاز الكسب غير المشروع تتبع المسئولين الذين أثروا بعد تقلدهم المناصب ومساءلتهم لمعرفة من أين لهم هذا؟! 5) هل تمّ التيقن من الاشاعات التي تسري في الشارع كالهشيم من أن بعض كبار أصبحوا يمتلكون عقارات تجارية وقصور وفلل وبزينيس في ماليزيا ؛ ويشاع أن ظهر عليهم بعد أن تقلدوا المناصب العامة وأن لديهم شركاء أجانب من جنسية ذاك البلد ؟! الشفافية وإجلاء الغموض فيهما ما يخرس الألسن أو يثبت الواقعة ؛ إذاً لماذا الصمت إذا علمنا " أن كل شاةً معلقة من عرقوبها "؟! 6) هل تمّ التيقن من الاشاعات التي تقول أن هناك مسئولين كبار أوقفوا في مطار دبي وهم في طريقهم إلى ماليزيا وهم يحملون " حقائب مليئة بملايين الدولارات " واعلان الحقائق على الملأ؟! حتى تقطع وتخرس الألسن إذا ما لم يثبت ذلك أو تمّ التثبت منه فيحاكم مرتكبه .!! 7) لا ينتهي عام مالي إلا وتقارير المراجع العام تشير للكثيرمن التعديات والمخالفات على المال العام ؛ ولم نسمع بتحقيق جرى أو محاكمة قامت مع متهمٍ أو متسببٍ أو مسهلٍ أو محرضٍ أو متسترٍ ؛ اللهم إلا حالات نادرة وقليلة قُدم لها كباش الفداء السوداء من صغار الموظفيين ..فهل لدى المراجع العام استقلالية لدرجة فتح بلاغ مباشر لدى النائب العام؟! 8) أشيع بأن هناك تحايل على بنود الميزانيات وتوجيهها لأوجه صرف بذخية ومظهرية في دوواين الوزارات والولايات والمعتمديات ؛ فهذا مال الشعب ومن حقه أن يعرف لماذا وكيف ومتى أنفق؟! 9) هناك اشعات تقول أن قطع أراضي كثيرة في مناطق بعينها وفي مربعات مميزة بأحياء العاصمة المثلثة اشيع أنها وزعت على أولي الحظوة من رجال الدولة وأشيع أيضاً أنها شيدت فللآً وقصوراً منيفة وتَتَبُع هذا الأمر لا يحتاج إلى " فكاكة " أو ذكاء خارق فما يشاهد بالعين المجردة يمكن الرجوع لسجلات الأراضي لمعرفة تاريخ ملكيته وتاريخ رخصة البناء وقيمة شراء الأرض وكيفية تخصيصها. هل تم التحقق من كل هذه الشائعات؟! 10) الخوصصة وما أدراك ما الخوصصة يشاع أنها لم تتم إلا بعد أن توضيب شراكات معينة بين متنفذين وعائلاتهم وأقاربهم ؛ وأن كل القطاع العام ومؤسساته راحت بلاش. هل هذه الشائعة جديدة أم أنها قديمة وتم " التطنيش " دون أي إجراء حازم؟! إن كنا جادين في أمر التحقق من كل هذه الشائعات؛ فالأمر يستدعي أن تكون هذه المفوضية إتحادية مستقلة تماماً ولا تتبع لأي جهةٍ إلا للرئيس مباشرةً وأن تمنح كافة الصلاحيات الضبطية من تفتيش معلن وغير معلن ومفاجيء على أن تضم في عضويتها رجال قانون وشرطة ومراجع قانوني وخبير أراضي ولها سلطة تتبع أي أموال أو ممتلكات بالخارج . و أول خطوة تبدأ بها عملها هي أن تطلب من الجميع إقرار ذمة وثروة يبدأ بالافصاح عما يملك قبل من تاريخ تكليفه و توليه المنصب العام أياً كان هذا المنصب تشريعياً أو تنفيذياً أو قضائياً سواء على المسئوى الاتحادي أو الولائي إلى أدني درجات الحكم وهي المحليات . وليكون عمل هذه المفوضية فعالاً وشفافاً فليزم أيضاً تكوين ديوان للمظالم بأمر رئاسي ويتبع إلي الأخ الرئيس مباشرة يحيل منها للمفوضية من مظالم بعد التثبت من صحتها ومستنداتها وإلا يحال من يكتشف أن دعواه كيدية للقضاء حتى لا نفتح الباب لتصفية الحسابات . المهم أن المفوضية والديوان تابعين للرئيس مباشرةً .!! الحكم الراشد يبدأ الحاكم والمصالحة بين عموم الرعية دون تفرقة وبين ولي الأمر ثم الاصلاح ؛ عندها لن تعثر بغلة بالعراق يسأل الله منها أمير المؤمنين عمر .