في أواخر الستينات ونحن نتلمس خطانا في دروب التذوق المسرحي، جذبنا دور المسرح الجامعي الناشط بجامعة الخرطوم على أيام عثمان جعفر النصيري وعلي عبد القيوم ومحجوب عباس وطاقم الممثلين والممثلات الهواة، لمتابعة ما يقدمونه من عروض طرقت بوابة المسرح العالمي، فتحققت لنا مشاهدة عدة مسرحيات منها مسرحية مارا صاد لبيتر فايس والكراسي ليوجين يونسكو وسمك عسير الهضم لمانويل جاليتش ومسرحية كالجولا لألبير كامي وغيرها، وتلك نوافذ تم فتحها قبل أن يدفع معهد الموسيقي والمسرح بخريجيه لساحة الإبداع0 ثم حين زاد اهتمام المتفرجين داخل وخارج الجامعة بهذه النافذة الثقافية الواعية خرج طاقم المسرح الجامعي للمسرح القومي ببعض المسرحيات وأذكر منها مسرحية مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور ومسرحية حفلة سمر من أجل 5 حزيران لسعد الله ونوس وكذلك السود لجان جينيه بمسرح أرض المعارض بميدان أبي جنزير، وقد ساعد ذلك بعض المحترفين المسرحيين على الانفتاح نحو الخروج من النمطية بسودنة بعض المسرحيات العربية مثل السلطان الحائر لتوفيق الحكيم والبيت القديم لمحمود دياب والرجل الذي ضحك على الملائكة لعلي سالم وغيرها في تلك الفترة التي شهدت انتظام العروض المسرحية عبر مواسم مبرمجة0 وفي هذه الأيام يقدم المسرح القومي مسرحية الكاتب الألماني/السويدي بيتر فايس (كيف تخلص السيد ويكنبوت من آلامه) ولكن تحت عنوان (الفكت مِنّو) وهي ترتدي حلة الكتابة السودانية بقلم الأستاذ يحيى فصل الله ورؤيته الإخراجية أيضاً إذ قولبها في إطار شخصية محمد أحمد المغلوب على أمره حين يجد نفسه داخل محبس بلا جريرة أو أي جنحة تبرر بقاءه خلف قضبانه فلا يملك إلا أن يسعى للفكاك منه ولو بالرشوة بعد أن يدفع قرشه الذي ادّخره لليوم الأسود، وهل هناك يوماً أسوداً من الذي تقع فيه تحت قبضة من لا يرحم ولا يسمع، غير أن ذلك لم يكن نهاية المطاف إذ عند عودته لمنزله تغدر به زوجته وتلقي به خارج عش الزوجية مشرداً ليجد نفسه عاطلاً بفقدان الوظيفة التي على تواضعها كانت مقدسة بالنسبة له لينتهي به المطاف إلى محطة الشخص الذي (فكت منو) لعدم تقبل عقله لكل تلك المآلات التي تكاثرت عليه دون ذنب0 ولعل طلاب الدراما والمهتمين بأمرها يدركون سر صلاحية الأعمال المسرحية العالمية القديمة لكل الأزمان ومواكبتها بقليل من أدوات المقاربة والتطويع، لأن الهيكل البنيوي لتك الأعمال يقوم على قواسم مشتركة ضاربة في العمق سواء كان ذلك في المعالجات الوجدانبة أو في تصاعد الصراع الطبقي أو الحياتي وهو ذات السر الذي يجعل تلك المسرحيات قابلة للتناول في أي وقت0 فقد سبق أن شهدت ذات العمل لبيتر فايس باسم رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة، من إخراج الكويتي فؤاد الشطي وسبق أن أخرجها شريف عبد النور بالجامعة الأمريكية ببيروت وقدمت كذلك بالدوحة والقاهرة وفلسطين وغيرها0 وعلى ذكر اسم حنظلة لعلنا نذكر رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي الذي كان حنظلة بالنسبة لكل رسوماتها شخصية حاضرة كمراقب صامت للحدث لكن صمته يعني الكثير كشاهد على العصر0 حينما يذكر اسم يحيى فضل الله، تطل أمام المرء المتابع لإبداعاته الكتابية، شخوصه المنتقاة بعناية من ماعون الحياة والتي يتناولها عادة في تداعياته الحافلة بالمفارقات والصراعات0 وربما بهذا القياس الانتقائي لجأ إلى نص بيتر فايس وألبس شخصيته أبعاداً لم تختلف عن أبعاد شخوص التداعيات وأهدى ذلك العمل إلى روح الفنان المسرحي الراحل الفاضل سعيد0 حين قرأت هذا الإهداء وتابعت العمل المسرحي تمنيت أن لو كان الفاضل سعيد بيننا ليقوم بدور محمد احمد بطل المسرحية الذي جسده محمد صالحين بإمكاناته الكوميدية المعروفة0 أكتب هذا ونحن سنشهد في السابع والعشرين من مارس وهو اليوم العالمي للمسرح، بداية مهرجان البقعة في دورته الحادية عشرة، وما أن ينتهي ذلك المهرجان حتى يبدأ مهرجان أم در المسرحي في العاشر من أبريل ولمدة عشرة أيام، جعل الله هذه الأيام المسرحية ضربة بداية لإحياء المسرح القومي واسترداد عافيته0 Salah Yousif [[email protected]]