أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دارفور وتسونامي سقوط الأنظمة الإستبدادية: أفق جديد لمعالجة شاملة -4- .. بقلم: أحمد ضحية
نشر في سودانيل يوم 30 - 03 - 2011

ومع ذلك فكل هذه المجموعات السودانية أو “السودانوية” يجب أن توفر القاسم المشترك , لبناء الأمة . لا كون المرء مسلما أو أفريقيا أو عربيا . وعندما بدأت التجمعات القبلية وسط البجا والنوبة وأهل دارفور , تظهر بسبب عدم كفاية الأحزاب الطائفية السائدة , وصنفت معظم هذه التجمعات بأنها عنصرية , ومع ذلك أن النخبة في المركز قد أجبرت في النهاية, على القبول بها كحركات سياسية .إلا أنها ما تزال تنظر بالشك إلى قادة هذه الحركات .
وعلاوة على ذلك تصنف أى حركة سياسية ,جاءت من الأطراف, بإستقلال عن المركز , وبغض النظر عن أهدافها السياسية النبيلة المعلنة . ويتم بسرعة وصفها بأنها حركة "قبلية" أو "عنصرية" وينظر إليها بريبة شديدة! .
لقد أصبحت الوطنية عمليا الرؤى , التى تحملها النخب الإسلاموعربية , وتوضح الطريقة السلبية ,التى نظر بها إلى " فيليب غبوش " وحركته ذات القاعدة النوباوية .و" أحمد إبراهيم دريج " وحركته الدالرفورية هذه النقطة ( 1) توضح هذه الطريقة القاصرة , التي ترى بها نخب المركز الأمور وتوضح لماذا تصاعدت الأزمة في دارفور , ووصلت الى هذا المستوى الكارثي .
فإلى جانب قصر نظر المركز , ساهم التهميش التنموي - حيث تتركز مشاريع التنمية في مثلث الوسط - في تفجير الأزمة . إلى جانب أن عمليات تمثيل الصفوة السياسية الدارفورية , في المؤسسات التمثيلية والتنفيذية لم تتعد الشكل : ( أو الترميز التضليلي = مريس ومتيس, أو كما علق عبد الرحمن فرح"تمومة عدد أو تمومة جرتق*" في معرض تفسيره لوضع إبراهيم نايل إيدام داخل حزب الأمة) أيا كانت المسميات والتوصيفات السياسية والدستورية , للمواقع التي شغلها السياسيون الدارفوريون , في الهيكل السياسي للبلاد.ما خلق عوامل وإختلالات بنائية عديدة (2) أدت إلى تعثر عمليات بناء الدولة/الأمة.وبالنتيجة أزمات عدم التكامل والإندماج القومي , كسمة بنائية للنظام والمجتمع في السودان . ترتب على هذا الوضع, الإنفجار في كل الأطراف بوجه المركز .
والأزمة الراهنة في دارفور . التي منذ إندلاع النزاع المسلح فيها , إثر إستيلاء حركة تحرير السودان على " قولو - الفاشر - مليط وكتم" ,وما تلى ذلك من معارك عسكرية . أدخلت دارفور في مرحلة جديدة ,من تاريخ علاقتها الحاسمة بالمركز . (3) والملاحظ أن حركة التحرير , بعد أن أعلنت ميلادها , إندلعت معارك ضارية ,بين مجموعات متصارعة في دارفور , ولم تكن تهدف لحرب الحكومة.
وقد كان سخط هذه المجموعات ,ضد الحكومة.هو لتقاعسها المشين في حماية المواطنين المدنيين , ووضع حد لإحترابهم . ورغم أن العديد من الفرص , أتيحت للحكومة للأخذ بالخيار التفاوضي, مع حركة التحرير . إلا أنها آثرت خلاف ذلك , وبدى ذلك واضحا في حشدها العسكري ,في الفاشر قبيل تدمير طائراتها الجاثمة على أرض المطار (4) وتداعت الأوضاع وصولا إلى كل ما تعرض له المواطنين ,من أنواع الإنتهاكات ,من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية للمؤتمر الوطني,بالإضافة إلى مليشيات الجنجويد العروبوية , إبتداء بإنتزاع حق الحياة , ومرورا بتدمير البيئة وتمزيق أرض آبائهم , كسكان أصليين في دارفور ( أهل الدار ) .. وهكذا لن يكون غريبا ,لو خامرنا شعور بأننا نقرأ في قصة الهنود الحمر وليس الفور أو الدارفوريين غير العرب!..
(3) دارفور : الجغرافيا والتاريخ والنسيج الاجتماعي ..
قامت سلطنة الفور الإسلامية, في حوالي منتصف القرن السابع عشر الميلادي , في الأطراف الشرقية من السودان الأوسط - المقصود هنا السودان الجغرافي , بين البحر الأحمر والمحيط الأطلسي - وأستمرت حتى 1874 , وهي من آخر حلقات ممالك العصور الوسطى الإسلامية في أفريقيا , مثل ممالك: غانا - كانم - البرنو ووداي , ومثلها في ذلك مثل سلطنة الفونج, فهي تمثل في الأساس مجموعة لغوية فضفاضة, لها ثلاثة فروع كبرى هي : التيمركا - الكنجارة - الكراكيت, وفرع الكيرا المالك في دارفور , ينتمي إلى الكنجارة, وثمة إختلاف على أصل الفور .
بعض الدارسين يعتقد أنهم من الفرتيت , ويعتقد آخرون أنهم من جبال النوبة , الخ .. أما الأسرة الحاكمة "الكيرا" ,فقد تكونت كما تشير الروايات الشفاهية , نتاج مصاهرات بين عناصر مهاجرة من تونس . مع الأسرة الحاكمة المحلية , في منطقة جبل مرة. في وقت غير معروف .
وفي القرن السابع الميلادي , ضعفت دولة التنجور التي جاءت بعد دولة الداجو , وإزداد التناحر في الإقليم ,بين القبائل المستعربة الوافدة مثل: بني هلبة والمحاميد والزيادية , الخ .. وبين قبائل دارفور غير العربية مثل :الفور والزغاوزة والمساليت , الخ .. وظهر ما يشبه الفراغ السياسي في الإقليم . وفي هذه الظروف ظهرت أسرة الكيرا , كقوة جديدة تمثل دارفور .وتمكنت من توحيد الإقليم وتأسيس سلطنة قوية .
وربما عاد هذا النجاح, إلى تلاقي تقاليد الفلاحين الفور, ونزعتهم نحو الطاعة والإنضباط , بمهارة وطموح المهاجرين من الشمال . الذين ساهموا في تشكيل سلالة جديدة , من العائلة المالكة القديمة , وأدخلوا مفاهيم ونظم التوسع الإمبراطوري (5)
يحد دارفور شمالا ليبيا ,وغربا تشاد, ومن الناحية الجنوبية الغربية أفريقيا الوسطى , الى جانب حدودها المشتركة ,مع إقليم بحر الغزال جنوبا ,وإقليم كردفان شرقا, والإقليم الشمالي من الناحية الشمالية الشرقية . .
في مثل هذه الجغرافيا , وبمثل هذا التاريخ عميق الجذور . لابد من ملاحظة الإرتباط والتداخل ,بين ثلاثة من الظواهر المختلفة وهي :
أولا : إنتشار الإسلام كدين فيما يعرف بالقطر السوداني .
ثانيا : إنتشار العناصر العربية السلالية والثقافية , ويشمل ذلك إنتشار اللغة العربية ,وتعريب القيم والعادات , الخ ..في هذا الاقليم .
ثالثا : ظهور وإنتشار المؤسسات السياسية والإجتماعية , وهذه الظواهر مع إرتباطها واضحة التميز والإختلاف , ولا يصح الخلط بينها . كما أن الظهور والإنتشار في الحالات الثلاثة , قد تم في إطار الإستمرار التاريخي لبعض ما هو سابق لمرحلة العروبة والإسلام .
إن بروز الظواهر المذكورة ,ونحوها. وتطورها في المناطق المركزية من السودان , حدث في إطار مناخ سياسي , كان أهم سماته :الصراع العسكري والسياسي, بين الدول الاسلامية , التى قامت في مصر . وبين الدول المسيحية النوبية, التي كانت تحكم السودان الشمالي . بين مناطق السدود في أعالي النيل والحدود المصرية - السودانية في الشمال . وأن ما حدث من تحول عميق في تركيب الثقافة , والمجتمع السوداني وتحولهما إلى الإسلام والإستعراب الجزئي , خلال الفترة المعنية , يمثل أبعادا متعددة ومتشابكة, تتمثل في صراع وتفاعل وتعايش أديان مختلفة , وثقافات مختلفة .
كذلك مجموعات عرقية متنوعة ,وذلك في إطارإقليمي لم تتبلور فيه , بصورة كاملة الكيانات الوطنية الحالية . بمفهومها المعاصر, القائم على أفكار الوطنية السودانية . ومن المهم هنا أن نلاحظ , ظاهرة الذاتية ,التي كانت تواجه بها الثقافات والمجتمعات السودانية المؤثرات, الوافدة من الخارج. فتستوعبها وفقا لشخصيتها الخاصة, وكذلك ما ذكر من ظاهرة الإستمرار التاريخي والثقافي للمجتمعات السودانية , بالرغم من مرونتها ,وتطورها تحت تأثير المستجدات المختلفة ,بذاتية وإستقلال (..) خلال الحقب التاريخية المختلفة (6) .
وتكشف الآثار على أحجار جبال الإقليم , ما خلفته ممالك دارفور العريقة ,من رموز تدلل على خصوصية وذاتية ,ثقافة المجموعات التي سكنته (مدن : أوزي , عين فرح , الفاشر , إلخ ..) فالإقليم, وقبل إنضمامه إلى السودان, ظلت الثقافة الإسلامية فيه, في تفاعل مستمر , مع الثقافات المحلية , وبالفعل فقد إمتزجت بالإسلام, كعقيدة وثقافة ونظام إجتماعي ,إلى جانب أن الكثير من الرواسب الثقافية , ذات الأصول الفرعونية والمسيحية والأفريقية المحلية , والتي تمثلها الإسلام, أصبحت جزء لا يتجزأ من الإسلام الشعبي , حتى اليوم . إذ تم الإحتفاظ باللغات المحلية , وطرق الحياة الخاصة عند الفور , وبعض قبائل غرب السودان . لكن وجود عادات غير إسلامية , مرتبطة بدورة الحياة . أى الطقوس من الميلاد , وحتى الوفاة , ظاهرة لا تخلو منها أى مجموعة مسلمة سودانية ( 7) فالإسلام بدخوله دارفور لم يتمكن من إلغاء , القوانين التي تتحكم في البنية الإجتماعية : العادات , التقاليد والأعراف , الخ .. فتعايش الدين الوافد مع هذه الثقافة , التي وطنته داخلها , وتعاطت بإنحياز إلى ما تحكم به ثقافتها وموروثاتها , متى تعارضت مع تعاليم هذا الدين.
ولكن الإسلام الطائفي و السياسي , الذي توظفه الصفوة الإسلاموعربية ,التي تعاقبت على حكم السودان . (والتي ظلت على الدوام , ترفض الإعتراف بهذا الواقع الخاص , وكثيرا ما صادمته) إتخذ عدم الإعتراف أشكالا مختلفة , كالإهمال والتهميش , ما أنتج تخلفا حادا وعمق النزاعات والحروب الأهلية . الأمر الذي أقعد الإقليم عن التنمية والتطور . ومع ذلك يظل إقليم دارفور من أقاليم السودان القليلة , التي ظلت تمد المركز, بالمال والرجال في العهود المختلفة المتعاقبة .
ومملكة الفور (1650 - 1916 ) تشترك مع الممالك السودانية الأخرى , كالفونج التي برزت في ( 1504 ) , كأول مملكة إسلامية شبه مركزية , تشترك معها من خلال محاولات الإنتماء إلى العروبة .إذ بحثت مملكة الفور وسلطنة الفونج, اللتان يعزى إليهما بناء السودان الحديث, في العملية الثقافية المزدوجة : الإسلام / العروبة , عن فرص فرض آيديولوجيا للعظمة , خلافا للعديد من التقاليد الإسلامية الأفريقية . مثل تقاليد غرب أفريقيا , حيث توطن الإسلام ؟!.
وقد عرف سليمان مؤسس سلطنة الكيرا ب" سليمان العربي " ( صولونج ) , وهكذا أصبحت العروبة بهذا المعنى , هي الفيصل, فيما هو جيد نوعيا, والتجسيد لما تم السعي له لاحقا .كقيمة مطلقة عززها الاسلام , كمبدأ للشريعة , وفي نفس السياق , العروبة تتضمن الإسلام والإسلام يتضمن العروبة .وهذا يفسر: لماذا كان الأغراب العقلاء , الذين أسسوا الممالك والعشائر عربا . ولتعزيز هذا التصور , صاغت معظم المجموعات القبلية ,فيما يعرف بشمال السودان , (ودارفور كذلك) شجرات نسب تربطهم بالمنحدر العربي , أما مباشرة من خلال القرابة , أو بشكل غير مباشر: من خلال الزواج والقرابة بفضل قابلية نظام القرابة الأبوي matrilineal descent system عند العرب للتحول (8) لقد كان ضم دارفور في 1916 من قبل المستعمر الإنجليزي , إلى جسم الدولة الحديثة, المرتكزة على النيل في السودان, تطورا هاما توج التوجهات , التي كان قد بدأها السلطان تيراب نحو الشرق , وساهم في خلق الكيان السياسي الإداري الموحد ,للسودان الحالي . وذلك لا ينفي المشترك الثقافي ,الذي يجمع بين دارفور ووسط وشمال السودان . قبل مجيء الأتراك والإنجليز .بقرون كثيرة .
تميز نظام الفور السياسي /الإداري , بالمركزية .التي جعلت من السلطان ,محورا للسيادة الرمزية والعقلية , وكان حول السلطان حاشية مرتبة .. منظمة , يحتل فيها العبيد والمقاتلون والخصيان , الأدوار السياسية, إبتداء من زمن السلطان تيراب . وظهر ذلك الوضع كبديل لهيمنة أسرة الكيرا ,وتحالفاتها القبلية في منطقة جبل مرة . منذ بداية تأسيس السلطنة في عهد أحمد المعقور (المقصود هنا المرحلة الاسلامية من تأسيس السلطنة ) , وما حدث من إدخال للمصطفين في نظام السلطنة , الذي لم يكن يعني إلغاء النظم القديمة , بصورة مطلقة. وإنما تعديله لضمان الولاء للسلطان.
وإستمر قادة المجموعات القبلية, في النواحي المحيطة بجبل مرة , في أداء مهام تقليدية , في مناطقهم ,وفي البلاط السلطاني المركزي (9) . قبل المرحلة الإسلامية , لم يحفظ لنا التاريخ سوى إسم السلطان دالي والد السلطان كوري , الذي هو والد السلطان سليمان صولونج ( 1445- 1476) وآخر سلاطين الفور هو علي دينار (1898 - 1916 ), ومنذ صولونج وحتى دينار , حرص سلاطين الفور ,على أن يكون غالبية وزرائهم ,من العناصر غير الفوراوية .
وبمجيء الدولة المهدية (1885 - 1898 ) ,كانت أسس الميول المركزية , التي كرسها الأتراك , في أجزاء السودان الأخرى , قد تأكدت . إذ تحالف المهدي برؤاه الدينية , مع مجموعات غرب السودان القبلية , وبينما حدث أول إحتكاك للمهدي مع النظام التركي - المصري , في الجزيرة أبا على النيل الابيض في 1880 , كان عليه أن يهاجر غربا, إلى قلب مواطن الجماعات السياسية, ذات القاعدة القبلية , والحصول على التأييد لقضيته ,التي لم تكن سوى تحرير السودان , وإستعادة العدالة بتنقية الدين الإسلامي . وقد وجد تاييدا كاسحا , لكن ليس بسبب دعوته الدينية فقط , بل بسبب التطلع للخلاص من الحكم التركي - المصري البشع , ومظالمه وقهره في جباية الضرائب . وهكذا وفر الإسلام عبر تعدد المجموعات الإثنية ,آيديولوجيا الثورة .
وبما أن الخليفة عبد الله التعايشي "ودتورشين", من غرب السودان (دارفور) , فقد بدأت المجموعات الإسلامو عربية , التي ينتمي إليها المهدي ,رغم صعوده بإتباعه .
الإسلام كآيديولوجيا شاملة , أكثر من آيديولوجيا القرابة المسيطرة(الأشراف). تتامر ضد الخليفة , إذ لم يكن في هذا السياق ينتمي بالقرابة إليهم . وقد إستقر الخليفة ,على سياسة المواجهة , حيث طلب من المجموعات الإثنية الغربية , أن تنتقل بالجملة إلى عاصمة المهدية "أم درمان" .
لم تكن الدولة السودانية في هذه المرحلة ,شد يدة المركزية فحسب ,من ناحية آيديولوجيا الدولة . بل وأبدت ميولا واضحة ,لخلق مركز إثني كأ داة لتشكيل الدولة , نظرا إلى أن الهجرة كانت واسعة ,للمجموعات الإثنية من أطراف البلاد ,بسبب التعبئة السياسية ,من قبل مركز الدولة المهدية (10) ما خلق إختلالاتا كبيرة .
وإذا ألقينا نظرة على طبيعة النظام ,الذي كانت تسير عليه مملكة دارفور , نجد أنه لتسهيل إدارة المملكة , تم تقسيمها إلى حواكير: ( ولايات ). على رأس كل ولاية مقدوم نافذ الحكم ,في كل القضايا , يعاونه عدد من الشراتي , والدمالج والحواكير هي ( أبادمنقا :جنوب غرب جبل مرة - تكناوي " شمالا حتى منطقة الميدوب " دالنقا " غربا حتى كبكابية " - أدمونقا " جنوب شرق جبل مرة " - دارفيا " شمال كبكابية " . وحديثا في عهد السلطان علي دينار , تم التقسيم من حواكير إلى دور : دار زغاوة - دار مساليت - دار الرزيقات .
وكانت المملكة تحكم بقانون دالي , ويعني بلغة الفور : اللسان . أى لسان السلطان وأوامره .(11) وقد قام النظام السياسي, في ظل سلاطين الفور الأوائل , على أربعة أعمدة : 1
أولا : كسلطة مركزية ممثلة في الملك والأسرة المالكة لكل السلطنة .
ثانيا : مجموعات قبلية وإثنية بقيت مستقلة عن بعضها البعض , لكن في شكل إتحاد .
ثالثا : روابط وأخويات دينية (أسسها رجال الدين المهاجرون) . ظلت مستقلة عن السلطة الزمنية المركزية , لكن معتمدة عليها في تخصيص الحقوق الحصرية في موارد الأرض .
رابعا : القيم الثقافية التقليدية , لهذه المجموعات الثلاثة , والتي ظلت رغم التفاعل , مستقلة إحداها عن الأخرى . (12)
ليس هناك إحصاء دقيق لقبائل دارفور , ولكنهم لا يقلون عن 36 قبيلة , وذلك أن بعض القبائل في الأصل , فروع لقبائل كبيرة . ومع ذلك تذكر أحيانا , على أنها قبيلة قائمة بذاتها . وأحيانا أخرى تذكر القبيلة الأم ,دون ذكر الفروع , كما في قبيلة الزغاوة التى لها 9 فروع . والفور الذين هم 20 فرع . على ذلك نجد أن قبائل دارفور غير العربية (إضافة إلى الفور والزغاوة ) هي : المساليت - التنجور - الداجو - الميدوب - البرتي - السمبات - القمر - البرقو - البرنو - التاما - الفلاتا - الجبل - الكنين .
والقبائل العربية هي : الرزيقات - المسيرية - الهبانية - بنو هلبا - التعايشة - بنو جرار - الزيادية - العطيفات - الحمر - خزام - خوابير - دار حامد - هوارة - الكروبات - البديرية - المجانين - المعاليا - بنو عمران - العريقات - المحاميد - بنو حسين - سلامات - بنو فضل - الهلالية .
تتداخل هذه القبائل على إمتداد الإقليم , وقد إنصهرت بعض القبائل مع أخرى , بالتزاوج . لكن لم يؤد ذلك إلى إندماج كامل , فكل قبيلة أحتفظت بثقافتها ولغتها .
وتعتبر الزراعة والرعي هما المهنتان الأساسيتان لأهل دارفور ( الفلاحين = قبائل غير عربية= أفريقية) و(الرعاة = قبائل عربية) , ونظرا لهذا التباين في الأنشطة الإقتصادية ,أصبحت هناك مصالح متبادلة ومتكاملة , ومع ذلك تنشأ المشاكل المحدودة بين " الرعاة - العرب " و" المزارعين - غير العرب " , بدخول حيوانات الرعاة, إلى مزارع المزارعين . أن مجتمع دارفور يعتبر مجتمعا قبليا مركبا ومعقدا . فالقبيلة هي الدعامة الأساسية ,التي يقوم عليها المجتمع في كل شئونه .
إرتبطت قبائل دارفور بالأرض , والدار القبلية منذ تواجدها الأول في دارفور . ولقد تعرضت هذه الديار , إلى هزات وتغييرات , نتيجة الحروب والنزوح الذي يحدث .ففي عام 1916 بدخول الإنجليز دارفور , حاولوا وضع خرائط تفصيلية لديار الفور .(13) وفي عام 1922 رسموا خريطة تفصيلية متكاملة , ثبتت فيها حدود الديار القبلية , وعلى ضؤ هذه الخريطة تم تقيسيم دارفور إداريا إلى 6 مراكز . قسم كل مركز إلى وحدات إدارية أصغر (إدارات أهلية) ,تقوم على الحدود المتعارف عليها .
وإذا كانت المؤسسة الصوفية , والذهنية النفسية الإجتماعية , تمثل المعطيات التي قدمتها فترة السلطنات في الواقع الثقافي . فذاك هو نفسه الواقع ,الذي قام بتحجيم وتكييف المهدية . وعوامل التفرنج والتغريب التي تلت في الفترة الإستعمارية , لتلائم خصائص تكوينية عميقة الجذور .
إن التكوينات الثقافية القاعدية هنا, لم تكن في أى وقت ثوابت جامدة , وإنما كانت دائما مؤسسات مرنة ديناميكية , ذات حيوية وفاعلية كبيرة (14) وإذا كان الظلم الذي لحق بجبال النوبة وجنوب السودان بشعا , فما حدث لدارفور لا يقل بشاعة بكل المقاييس . فمن الناحية التاريخية , كان لموقف دارفور المناهض للإستعمار التركي - المصري , سببا في أن يكون آخر الأقاليم ,التي يتم إحتلالها من قبل الأتراك , وبالتالي إهمالها من حيث الخدمات ( التعليم مثلا )..
كذلك كان إقليم دارفور , آخر إقليم يستعمره الإنجليز , أى بعد أكثر من 16 عاما من إستعمار أجزاء السودان الأخرى , والتي إستفادت خلال هذه الفترة من التنوير والتثوير, الذي قام به الإنجليز.
كما أن بعد دارفور الجغرافي عن المركز ,أسهم أيضا في إعاقة تطورها , خاصة أن مركز السلطة في السودان, منذ الفترة المهدية, تم نقله من سنار و دارفور إلى أم درمان , إلى جانب النزاعات والإحتراب , الذي ينشأ بين حين وآخر .
ونجد أن أبناء دارفور في الفترة المهدية , قدموا تضحيات كبيرة ,في سبيل تحرير البلاد من المستعمر التركي - المصري , ومع ذلك تم تمييزهم سلبا, إزاء " أولاد البحر " (الأشراف = أولاد البلد ) = الشماليين . كذلك نجد أن الحكم الذاتي , الذي طبق على السودان, بثنائية مدهشة , خلق أزمة يمكن أن نطلق عليها , أزمة الثنائية . وإلى حد كبير أسهمت هذه الأزمة , هي الأخرى في موضعة دارفور كهامش للمركز " الوسط " .
والثنائية إفراز لطبيعة السلطة الإستعمارية في السودان ( أنصار - ختمية ) , ( أمة - اتحاديين ) , (شيوعي – جبهة إسلامية)(إسلام - مسيحية ) , ( عرب - أفارقة ) .. ( مناطق مقفولة - مناطق مفتوحة ) , إلى آخره من ثنائيات, أنتجتها طبيعة التنازع بين الإنجليز والمصريين .
وقد عززت هذه الثنائيات مصطلح " سوداني " ,الذي كان بشكل ما , معادلا للشمالي . وقد شاعت مثل هذه التعابير الإزدرائية , والمحملة بالقيمة في الثقافة الشعبية السياسية (15) إلى جانب هذا السبب المعنوي , هناك أسباب أخرى مثل الزحف الصحراوي , والذي أصاب الإقليم ,في فترات مختلفة منذ السبعينيات حتي الآن 2011في هذه اللحظة, التي نعيد فيها كتابة ما ظللنا نكتب عن دارفور منذ العام 2002 والصراع في بدايته!
وأحدث ذلك بالطبع خللا في التركيبة الجغرافية ,ونمط الحياة المعيشية , وربما إستشعر إنسان دارفور , منذ وقت مبكر ضرورة المبادرة بالنهوض بإقليمه , فطرح منذ الستينيات في القرن الماضي , حركات سياسية مثل " سوني " , اللهيب الأحمر " , ولكن لردود فعل المركز الحادة , تجاه هذه الحركات . إختفت هذه الحركات تدريجيا . ولكن بقيت الأفكار ,التيعبرت عنها حتى اليوم. فالواقع أن التفاوتات الإقليمية في التنمية . والفرص اللا متكافئة, في الحصول على سلطة الدولة , (..)وسواء أكانت محاولات هذه الحركات , هي التعبير عن ذلك, بلغة الجلابة صحيحا أم لا , فالنتيجة هي عدم الثقة المتبادلة .
تم تعزيز ذلك خلال عملية التفاعل الطويلة , بين سكان أطراف السودان , وبين الجلابة (السودانيين الشماليين ) حيث شعر الطرف الأول , أنه بلا نفوذ كلية, للتأثير على الدولة لمصلحته , وهكذا بينما كانت ردود الأفعال جزء طبيعيا ,من عملية فقدان النفوذ هذه , فقد إستدعوا أيضا ردود أفعال, من جانب المجموعات المسيطرة , التي كانت تخشى أن تفقد مواقعها المسيطر عليها , فإستخدم السودانيون الشماليون ,الإسلام كآيديولوجيا ناجعة تم تجريبها (16) عند تكون أسرة الكيرا الحاكمة , وفي إنجاح الثورة المهدية , فأثبتت فعاليتها .
وهكذا أستخدم الإسلام " الآيديولوجيا " لتعزيز موقعهم المسيطر , طامحين ليس في تكتيل جمهورهم الخاص من السودان الشمالي المعرب , بل وأيضا السودانيين المسلمين , غير العرب في دارفور . ويلاحظ أنه في فترة النظام المايوي , وبعد مطالبات عديدة , إستطاع أبناء دارفور ,الحصول على حقهم في الحكم الإقليمي , أسوة بالأقاليم الأخرى , بعد إضطرابات واسعة . ولم يرض ذلك النظام المايوي , فقام الإتحاد الإشتراكي ,بإفراغ الحكم الإقليمي من محتواه النبيل, تماما كما فعلت الجبهة الإسلامية لاحقا بالحكم الفيدرالي! . حتي صار هذا الشعار العزيز على أبناء دارفور " الحكم الاقليمي " منبوذا , ولا يلبي سقف تطلعاتهم الان! .
وخلال ذلك برزت صراعات حادة بين أبناء الإقليم , إضافة إلى ذلك: النزاع القبلي التاريخي بين الرعاة والمزارعين . ولكن ما صعد الأوضاع , وغير , أو أسهم في تغيير طبيعة الصراع ,في دارفور , عوامل أخرى تنضاف إلى ذلك , مثل: النزاع الليبي / التشادي , والذي كان صراعا بعيد المدى , تمت إدارته مركزيا لإعتبارات تتعلق بحكومتي نميري والصادق المهدي , في إطار إستمراريتهما كحكام , وبالتالي إستمرارية المركز , بمواصفاته التي بحثناها فيما تقدم , ودفعت دارفور ثمن ذلك غاليا , وليس خافيا أن الإقليم ,لم يستفد من الحكومة الإستعمارية , إلا قليلا فيما يتعلق بالتنمية .
ولكن الأمن في ذلك الوقت, كان أفضل حالا من الأمن, في العهود المتعاقبة بعد الإستقلال. لفعالية الإدارة الأهلية من جهة,ومن جهة أخرى للتواجد المستمر للسلطة الاستعمارية الإنجليزية , وحضورها الدائم . فمنذ الإستقلال, وأيلولة السلطة للحكومات الوطنية (الصفوة الإسلامو عربية) , لم تتعد نظرتها إلى ذلك الجزء من السودان, حدود أنه مصدر للأيدي العاملة الرخيصة , والجنود المحاربين . الشىء الذي لا يتطلب معه تقديم أى خدمات . فترك الإقليم غارقا في مستنقع التخلف , بلا تعليم أو صحة أو طرق وكباري , إلخ من أساسيات للحياة , ورويدا رويدا تلاشى الدور الإيجابي للدولة . فسادت الفوضى وشعر المواطن بالهلع والخوف . وعاد إلى أحضان القبلية خاصة بعد أن قام جعفر نميري, بحل الإدارة الأهلية بقرار جمهوري في 1971 , وحاول جاهدا ملء الفراغ الذي خلقه , بقانون الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971 .
وقد تمتع الزعماء والقادة السابقون, طوال هذه السنين بسلطة أمر واقع , رغم حرمانهم الشرعية بقرار رئاسي . لكن التحلل في هذا المجال ,كان إنعكاسا للتحلل الإجتماعي العام , الذي أصبح ظاهرا جدا ,خلال الجزء الأخير من الثمانينيات , عندما بعثت الإدارة الأهلية مرة أخرى. وهاجمت العصابات المسلحة بالكلاشنكوفات.وقامت بتصفية زعيمين أهليين .على الأقل - الأمر الذي ما كان ليخطر على بال في السبعينيات .
كانت مؤسسة الإدارة الأهلية ليست عاجزة فحسب عن السيطرة على نفسها , بل كانت فوق هذا, في خوف دائم من الهجوم عليها ,وتصفيتها من قبل شباب القبيلة الطامعين (17) كذلك نجد أن إشتداد الحرب التشادية / التشادية ,كان عاملا مؤثرا , حيث أصبح الإقليم, مرتعا لجيوش أجنبية , أدخلت معها السلاح بمختلف أنواعه , ما زاد من الصراعات القبلية, التي لم يخلو منها الإقليم ,في الماضي .
ومع بدايات الحكم الإقليمي ,الذي أشرنا إليه , ظهرت مسميات مثل : " العرب " مقابل " الزرقة " حتى أن كتاب رأي كبار(لاحقا وبعد سنوات طويلة) مثل الحاج وراق, سلموا بهذه المسميات في أعمدتهم(مسارب الضي- 2003 -2007).كان إطلاق مثل هذه المسميات الإزدرائية"الزرقة" ,بمثابة صب الزيت في النار , لما تحمل من محتوى دلالي تمييزي. ولم يحرك كل ذلك ساكنا . لأن السياسة العامة للدولة ,لم يكن ذلك شاغلها . وفي أسوأ صورة لإنتهاك حقوق الإنسان في دارفور , أن يعيش الإنسان غريبا في وطنه , فأبناء دارفور ,الذين هاجروا إلى أقاليم الوسط ( المركز ) لسبب أو لآخر , وجدوا التمييز في كافة مناحي الحياة . لا سيما في الخدمة العسكرية والمدنية , ناهيك عن "الكشات" التي كانت تقوم بها الدولة , لإعادتهم إلى أقاليمهم (18) كما حدث في عهد النميرى . وكذلك مجازر يوليو 1976 التي إستهدفتهم بصورة خاصة , وتركيز عال . إذ قتل فيها عدد كبير من أبناء دارفور(وإذا تحدث أحد أبناء الإقليم عن هذه الممارسات ,يتهمه صغار الجلابة وكبارهم ,وأشباه مثقفيهم وسياسييهم بالعنصرية!!) .
علاوة على كل ذلك أن بعض الأحزاب كالأمة , جعلت من الإقليم مركز ثقل , تصل عبره إلى كراسي الحكم ,دون أن تقابل ذلك بأى نوع من الخدمات أو العرفان بالجميل!. بل عملت هذه الأحزاب كالأمة والجبهة الإسلامية , على إشعال نيران الفتنة في الإقليم , بخلقها للمليشيات العربية وتسليحها , بينما تركت القبائل غير العربية عزلاء على قارعة الحياة ,ونهبا للقتل أو تواجه قدر الإغتصاب والحرق والنهب والتشريد في أى لحظة . بما يشبه عملية الإزاحة للقبائل غير العربية , لإحلال القبائل العربية محلها !
فأصبحت بذلك تلك الصراعات المسماة قبلية , مسيسة وذات أهداف إحتلالية إستيطانية واضحة . وبمقاومة غير العرب لهذا الإتجاه , تطور الأمر إلى حرب هي الأسوأ من نوعها , بعد مذابح رواندا, وفقا لتوصيف السيد كابيلا منسق حقوق الانسان بالامم المتحدة , المقيم السابق بالخرطوم .
هوامش :
(1) يورد دكتور شريف حرير ص:59 من السودان النهضة أو الإنهيار أنه في مذبحة الضعين , قامت مجموعة من قبائل البقارة الرزيقات المسلمين, بالهجوم على رجال الدينكا . غير المسلمين , وذبحهم (في الحقيقة إحراقهم داخل القطار , وذبح من بقي حيا ولم يلتهمه الحريق)في مدينة الضعين جنوب دارفور . وحيث أن الضعين هي مركز نظارة الرزيقات , فإن لهذا الحادث دلالة خاصة ليس فقط بسبب ذلك . وإنما بسبب حقيقة أن الحدث تم في ظل حماية نشطة من قبل القوات الحكومية , أى من قبل البوليس والأمن , ولم تتخذ حكومة الصادق المهدي (التي هي في الواقع متواطئة)أية خطوات تجاه الملاحقة الجنائية لمرتكبي الحادث .
أن لذلك دلالة خاصة في ضوء حقيقة أن الرزيقات , يشكلون إحدى أقوى الدوائر الإنتخابية لحزب الأمة , وهو الحزب الذي يترأسه ويمثل قائده الروحي رئيس الوزراء نفسه(أي السيد والإمام الصادق المهدي) . أن النمط المميز في مثل هذه الحوادث : أن رجال القبائل غير المسلمين , يتخذون من نقاط الشرطة ملاذا لهم بعد نجاتهم من هجوم أولي عليهم من قبل رجال قبائل البقارة المسلحين . وحالما تصل المليشيا المطاردة لهم . والتي تفوقهم في التسليح وتحمل بنادق هجومية غير مرخصة .يبدأون في ذبح هؤلاء اللاجئين وللسخرية من المفترض أن تحميهم قداسة القانون ( لاحظ نمط الجرائم المرتكبة في الحرب الراهنة في دارفور ) .
(2) darfurinfo.org/kabsh.html.
(3) أنظر السابق .
(4) دكتور قيصر موسى الزين . فترة إنتشار الإسلام والسلطنات في أفريقيا (641- 1821) مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية . الخرطوم . طبعة أولى . مايو 1988 . ص : 85.
(5) السابق . ص : 27 .
(6) دكتور حيدر إبراهيم علي . أزمة الإسلام السياسي ( الجبهة الإسلامية القومية في السودان - نموذجا ) مركز الدراسات السودانية . الطبعة الأولى القاهرة 1991 ص: 37 .
(7) شريف حرير - تيرجي تفيدت "محرران " - السودان : النهضة أو الإنهيار . ترجمة: مبارك علي ومجدي النعيم . مركز الدراسات السودانية .. السابق . ص : 24.
(8) قيصر موسى الزين . سابق . ص: 91.
(9) شريف حرير . سابق . ص : 25.
(10) حقوق الإنسان السوداني ( كتاب غير دوري ) المنظمة السودانية لحقوق الإنسان . القاهرة . العدد الثامن . يوليو 1999. ص : 10 .
(11) شريف حرير . سابق . ص: 30 .
(12) حقوق الإنسان السوداني . سابق . ص : 10
(13) قيصر موسى الزين . سابق . ص: 100 .
(14) شريف حرير . سابق . ص: 36.
(15) السابق . ص : 57.
(16) نفسه . ص : 77.
(17) منذ مستهل العقد الأخير من القرن الماضي , بدأت تظهر تيارات عنصرية ,داخل الجبهة الإسلاموية القوموية . بصورة سافرة . " منحازة للعنصر العربي " . عبرت عن نفسها في كتابات حسن مكي و آخرين غيره ,فيما أطلق عليه الحزام الاسود الذي أشرنا إليه سابقا . وتم قرع الناقوس بما يشبه التعبئة التى حدثت في عهد نميري , بترحيل النازحين من الأطراف إلى أقاليمهم ,تحت شعار الإستفادة منهم في مناطق الإنتاج . المفارقة أن مثقف مثل دكتور عبد الله علي ابراهيم صاحب التاريخ الماركسي الأممي العتيق, والأستاذ السابق بإحدى الجامعات الأميريكية .مضى في هذا الإتجاه, وكتب على صفحات الصحافي الدولي في العام 2002 مقالاتا عبرفيها عن إستياءه من هذا " الحزام الأسود " ب " عقائده المشبوهة " على حد تعبيره!! . ما يشير إلى أن مسألة طرد "غير العرب" من العاصمة التي يفترض أنها " قومية " وترحيلهم إلى أقاليمهم خيار إستراتيجي وأساسي للعرب الشماليين . وما كتب على صفحات " الحرية " حول البرجوازية الإثنية "/ عمود سكناب .إنما هو لقياس ردود الافعال , وتحديد إمكانية القيام بترحيل هذا الحزام إلى الأقاليم التي جاء منها أم لا ؟ ..
وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة مراجعة ورقة دكتور الباقر عفيف : متاهة قوم سود في ثقافة بيضاء ".. لإغناء التفكير حول إنفصام الشماليون تجاه هويتهم .
18 السابق.
(*)في حوار مؤخرا أجري لصحيفة السوداني , ونشر على صفحات سودانايل: http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=25714:-----1-2&catid=43:2008-05-30-16-11-36&Itemid=67
سأل الصحافيان اللذان أجريا الحوار ,رجل الأمن البارز في حزب الأمة, ووزير أمن الديموقراطية الثالثة "المتآمر الكبير- كما يحب أن يصف نفسه-"العميد(م) عبد الرحمن فرح .
(الصحافي) : هل كان إبراهيم نايل غواصة للإسلاميين في حزب الأمة؟
المتآمر الكبير عبد الرحمن فرح :- كان "تمامة عدد" حتى يعمل توازنات جهوية فقط؟!.
نواصل
Ahmed M. Dhahia [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.