رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    سقوط منتخبنا.. اليوم والايام التالية..!!    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    الخارجية ترحب بالبيان الصحفي لجامعة الدول العربية    بعثة الرابطة تودع ابوحمد في طريقها الى السليم    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاج مشكلتنا الاقتصادية أكبر من صيد جوائز زين .. بقلم: بقلم (أبو العز) عبد الله عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 07 - 04 - 2011

لقد تفاعلت قطاعات واسعة من الأمة في السودان عندما ألغت وزارة الاتصالات مسابقة زين، وقد وعدت الشركة في السودان كل من سجَّل بياناته لدى مراكزها ونشط شريحته قبل يوم 27/2/2011، بأنه سيدخل السحب على سيارة من سيارات مسابقة زين ولم تكشف الشركة عن نوع السيارة فقد كانت مغطاة، وإن كانت أشبه بسيارات التويوتا الكورولا وغيرها، ولم تفصح الشركة عن عدد السيارات التي ستهبها لأفراد ممن يدخل السحب بإرسال رسالة مجانية فارغة إلى الرقم 6600، ومما يجدر ذكره أن عدد المشتركين في شبكة زين للهاتف الجوال تخطى 8.4 مليون مشترك في نهاية العام 2009م.
لقد كان التفاعل مع إلغاء المسابقة سلبيا فبعض كتاب الأعمدة الصحفية مثلا نقدوا المجمع الفقهي الذي أصدر فتوى بتحريم جوائز هذه المسابقة في الوقت الذي أجازته فيه هيئة علماء السودان، وقد اعتمدت وزارة الاتصالات فتوى المجمع الفقهي باعتبارها جهة رسمية مثلها، مما دعا النقد ينصب على مجموعة فتاوى قديمة وجديدة أصدرها المجمع في وقت سابق، وكان لسان الحال لإلغاء هذه المسابقة، والتي لم تلغ للمرة الأولى، فقد ألغيت مسابقات أخرى لشركات اتصالات أخرى، كان لسان الحال يقول "لا عاوزين ترحموا ولا عاوزين رحمة الله تنزل".
إن الأمر الذي يجب أن يسير عليه المسلم أن تكون السيادة لديه للشرع وليس للهوى وليس للإنسان أو الجمهور، ومن هذه السيادة للشرع شئون المال، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[ سورة النساء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ ؟ )) رواه الترمذي، وبالتالي فإذا كانت هذه المسابقة حلالاً فليأخذ من فاز بجائزة من جوائزها وليأكلها هنيئاً مريئاً، وإن كانت حراماً فالأصل في المسلم أن يقول خيرا كأن يقول: سمعنا وأطعنا ربَّنا!!
إن المسابقة في الإسلام الأصل فيها أنها من المباحات إذا لم تكن في أمر محرم، كأن تتحول إلى قمار مثلاً، وذلك مثل ما تفعله بعض المؤسسات من طرح مسابقة للجمهور بدفع مقابل مادي، مثل برنامج من سيربح المليون، فإن من يريد أن يصل إلى المرحلة النهائية من هذه المسابقة أول ما يفعله الاتصال على رقم معين تكلفة الدقيقة الواحدة غير سعر الاتصال العادي، فمثلا كانت سعر الدقيقة وفق تكلفة الدقيقة لجزيرة ساوتومي أي قرابة العشرة ريالات، مع أن تكلفة الدقيقة للاتصال لا تتجاوز الريالين عندما يتم الاتصال من أرض الحرمين لمصر مقر برنامج من سيربح المليون، وهذا الفرق في كل دقيقة يكون دخلا للمؤسسة الإعلامية التي نظمته، فإذا اتصل مثلا مائة ألف شخص، عن طريق الرد الآلي المبرمج في مجموعة من الكمبيوترات فإن الرد الآلي مبرمج لتمديد الزمن بتكثير الأسئلة حتى ينفق البعض أكثر من مائة ريالا سعودياَ، وإذا اعتبرنا أن تكلفة المتصلين فقط 50 ريالا للفرد في 100000 متصل للدخول في المسابقة يكون الناتج وبالتالي الدخل للقناة خمسة ملايين، وبخصم النفقات الفائز 250000ريالا مثلا، والقليل جدا من يصل إلى المليون أو حتى مجموعة المتسابقين في الحلقة الواحدة، ولو خصمنا راتب كل من يعمل في القاعة من مقدم ومنتج ومخرج وغيرهم تربح القناة الملايين في الشهر الواحد، ولا ضير أن تربح القناة أكثر من ذلك، فهو خير إن كان هذا الربح عن طريق الحلال، ولكن هذه الصورة هي القمار بعينه! نعم إنه الميسر الذي حرمه الشرع، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ سورة المائدة.
وبالتالي فإن أية شركة أو مؤسسة للاتصالات أو غيرها قصدت زيادة مبيعاتها عن طريق المسابقة بربط المسابقة بمقابل مادي يكون عملها قماراً بيِّناً لا لبس فيه.
ولكن شركة زين هذه المرة احتاطت عندما جعلت الذين سيدخلون السحب هم فقط الذين نشطوا شرائح اتصالهم قبل 27/2/2011م أي قبل اعلان المسابقة بفترة كافية، مما يغلق الباب أمام كل من يريد أن يشتري شريحة جديدة لدخول السحب وهذا إن حدث يجعل دخوله في السحب حراما لأنه يدفع بذلك مقابلا لمن طرح الجوائز، ولكن الشركة أوضحت أنها تريد من مشتركيها تسجيل بياناتهم وهذا ليس فيه مقابل مادي يدفعه المشترك للشركة، وإن كان المستفيد جهات أخرى (جهات أمنية)، وعموما فإن الذي يحرم المسابقة هو ان يعود لمنظم المسابقة أي عائد مادي وراء ذلك، ومثل ذلك مثال من سيربح المليون، ومن أمثالها المحلات التجارية التي تطرح مسابقات بشرط الشراء من منتجاتها، مثل ما يحدث في دبي في شهر فبراير حيث يتم السحب على عربات فارهة ولكن بشرط الشراء بمبلغ معين لا يقل عن 500 درهم إماراتي في بعض المواسم من سوق دبي الذي تطرح فيه الجوائز. و"التوتو كورة" التي كانت في السودان في السبعينات، وكذلك "الكرتلة"، وتمرين البيبسي الذي يدفع فيه المتسابقون جميعا ليفوز فريق بنقود الفريق الآخر ليشترى به مشروب البيبسي، وهو ما يسمى عندنا في السودان "بالخرت"، ومنها كذلك اللوتري حيث تجمع أموال من مختلف بلاد العالم فتربح الجهات المنظمة أموالا طائلة وتعطي أفرادا معدودين ربحهم من اليانصيب الذي يصل الملايين من العملات العالمية كالمارك الألماني والدولار الأميركي، وهو قمارٌ واضح لا لبس فيه، وكذلك مسابقة بعض الصحف أو المحلات التي تشترط أن تكون الإجابة على كبون المسابقة المضمن بالصحيفة مثلاً، مما يعني حتمية شراء الصحيفة، فتكون هذه المعاملة قماراً كذلك.
إن المسابقات واصطياد الجوائز بصوره الحديثة والقديمة وبالتحديد قبل قرنين من الزمان تلازمت مع المبدأ الرأسمالي الحاكم للعالم اليوم، حيث يتهافت الناس على هذا الصيد، نسبة لعجز النظام الرأسمالي عن توفير حياة كريمة لكل من يعيش تحت ظل حكمه، فكل يحلم بتحقيق مكاسب مادية ليهنأ بعيش معين، فهناك من يريد أن يتزوج، فيفكر في السكن أو حتى المصروفات عقب الزواج، والذي تزوج وله زوجة وذرية تجده مثقلاً بالديون، لذلك فإن المسابقات تشبع مظهر غريزة عنده، وهو تملك المال، لذلك سمعنا بصائدي الجوائز في أمريكا، الذين تعرض لهم مكافئات هائلة لمن يقبض على لص أو يدل عليه وهكذا، فقد كانت هذه الجوائز دخلا لمجموعة من الناس، قديما وحديثاً لذلك فإن الجوائز بمختلف أنواعها ومنها جوائز المسابقات تقع في قلوب الناس بمكان!!
ولذلك ليس غريباً أن يتابع الناس، وهم بالملايين، بشغف هذه المسابقات في شهر رمضان المبارك أو غيره.
ولكن هل هذه الجوائز تسد حاجات الأمة الأساسية؟
فالجوائز لا تصيب إلا نفراً قليلاً، ولنأخذ لذلك مثالاً شركة زين عندما طرحت هذه الجوائز ما كانت لتعطيها لكل أسرة في السودان، وأي مؤسسة أخرى كذلك تسعى للربح، فهذه العربات لن تتعدى بضع عربات وقد لا تصل إلى عشرة، وإن قلنا أنها كانت ستوزع خمسين عربة من باب التخمين فكم عدد الفقراء والمحتاجين في السودان؟ وكم عددهم في الشباب وحدهم؟ فإذا قلنا أن تعداد أهل السودان 40 مليونا وأسقطنا نصفهم 20 مليونا باعتبارهم أغنياء، فهل لو دفعت كل شركات الاتصالات هذه الجوائز سنحل مشكلة الفقر والعوز الذي يقع فيه الشباب قبل غيرهم من الشيوخ؟ بالطبع لا فإن الفائزين لا يتجاوزون أصابع اليد، وبالنسبة للأمة فإن الاعتماد على الجوائز ليس منهجا سليما لأمة تملك الثروات والكنوز المختلفة من فضل الله عز وجل عليها! هذا فضلاًعن أن هذه الجوائز قد تصيب من لا يحتاج إليها.
فالذي اشترك في المسابقة وفاز لا يمكن أن نخرج له نسبة مئوية مقابل الذين لم يفوزوا، فمثلا كمبيوتر الفرز مدون به 8 ملايين مشترك في شبكة زين وفاز خمسون، تكون نسبة الذين لم يفوزوا (99.99999%) أي مائة في المائة؟!والكثير من الناس يدخلون هذه المسابقات وهم يعتبرون الفوز بجائزة حلماً جميلا لا يريد أن يوقظه منه أحد، ومن حق الكل أن يتمنى طالما أن الشرع أباحه. ولكن قبل الجائزة وبعدها ستكون المشكلة العامة قائمة، وهو أن نأتي بالحل الجذري للمشكلة التي نعاني منها! بل أغضبت الكثيرين لأنها فرصة قد ضاعت قد تغني ولو فقيرا واحدا من ملايين البؤساء! وإن كان الباب مفتوحاً فما زالت مسابقة التلفزيون (مؤسسة الفداء للانتاج الاعلامي)، ومسابقة جمعية القرآن الكريم التي بثتها إذاعة الفرقان في رمضان الماضي ، ومسابقة صحيفة الأخبار ويمكن لأي شركة أن تساهم في جوازها من باب الدعاية لمؤسساتها، ولكن هل يستقيم ان يصل بنا الحال أن ننتظر المسابقات التي لا تصل إلا لنفر لا يتجاوز عددهم أصابع اليد؟
إنّ السودان كجزء من العالم الاسلامي يتمتع بثروات هائلة، أرض زراعية صالحة تقدر مساحتها ب241 مليون فدان لم يزرع منها غير 41 مليون فدان فقط، مياه متنوعة المصادر نهرية وجوفية وأمطار ومياه البحر الأحمر، ويكفي نهر النيل العظيم، فترعة مشروع الجزيرة التي شُقَّت من نهر النيل الأزرق تعطي من المياه ما لا تعطيه نهر بردى في سوريا ودجلة والفرات في العراق وأنهار تركيا مجتمعة! القوى عاملة متنوعة وفي مختلف المجالات ولكنها مغيبة بالبطالة والصالح العام! أما الثروات الأخرى الظاهرة والباطنة فحدث ولا حرج بترول وذهب ومعادن ثمينة أخرى، دخل البترول لوحده منذ سنة 2000م 50 مليار دولار، والسودان ينتج الآن 50 طناً من الذهب سنويا وهذا الانتاج قابل للزيادة.
إن المحزن هو هرولة الكثير من الناس وراء المسابقات، فلا يهتم إلا بها أما التمتع بهذه الثروة الحقيقية وطلبها للأمة كحق شرعي فلا عمل ولا حركة؟!؟! وهي ثروة الحاضر والمستقبل وثروة الأجيال التي لا تحفظها لهم الأمة، فلا يدرى أين ذهبت ال50 مليار دولار؟ ولا أين يذهب هذا ال50 طن ذهب؟ أما العطالة أو ما يسمى بالبطالة، فلا سبب منطقي لوجوده غير الظلم الاقتصادي الذي خلفه النظام الاقتصادي الرأسمالي المطبق بأبشع صوره، من جبايات رأسمالية باهظة أفشلت المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية مما جعل المنضمين لجيوش العاطلين يتكرر كل يوم حتى تحولت لفيالق، يمكن ان تقود حرباً عالمية ثالثة ضد النظام الرأسمالي الجائر.
وليس بالضرائب الباهظة وحدها حُرِمَت الأمة من حقها في الثروة، بل كذلك إزالة الملكية العامة وتحويلها إلى ملكية دولة، فحُرِمَت الأمة من ملكية أباحها لها الشرع، بل هي من أهم أسباب كفايتها، ولا يقول قائل لا فرق بين الاثنين، فالفرق كبير وفق الأحكام الشرعية من حيث نوع الإيراد والإنفاق، فالملكية العامة يتمتع بعائداتها الرعية، والدولة إنما تكون يداً أمينة لإنفاقها عليهم، إلى درجة أن تنفق عليهم نقودا من حقهم في الذهب والبترول كمثال فهما من واردات الملكية العامة في الإسلام، والملكية في النظام الرأسمالي اثنان ملكية دولة وملكية خاصة، أما نظام الاقتصاد في الإسلام ملكياته ثلاث مضبوطة بالأحكام الشرعية، والذي آل إليه النظام الرأسمالي الآن هو بيع الكثير من ملكية الدولة والملكية العامة للأفراد مما يضيع حقاً شرعياً يعالج المشكلة الاقتصادية للأفراد وللجماعة! فما الخصخصة التي زادت الفقراء فقراً إلا وصفة من وصفات الاقتصاد الرأسمالي الذي عقيدته فصل الدين عن الحياة.
إن الخلل في توزيع الثروة بين الناس يتمثل في إنفاق المال العام في غير محله كما يكون في جبايته من غير محله، ففي النظام الرأسمالي الديمقراطي ينفق الجزء الأكبر من الثروة على المقربين سيما الحزب الحاكم، بل تكون الاحتكارات الضخمة لطغمة معينة، وهذا يجعل الإنفاق في الأمور الدنيا ليس جريمة رغم حاجة الأولى فالأولى! فمثلا في الوقت الذي تؤخر فيه الأجور والمستحقات عن بعض موظفي الدولة، تنفق على الساحة الخضراء وهي واجهة ومكان للاحتفال أكثر من أربعة مليار ونصف المليار بالقديم، بينما كلف تأهيل إستاد الخرطوم مبلغ 22 مليار جنيه بالقديم، وفي وقت يُحْرَمُ المرضى واليتامى والفقراء والمساكين من هذا الحق؟!؟!
إن الحياة الاقتصادية التي نعيشها اليوم هي بعيدة كل البعد عن نظام الاقتصاد في الإسلام، وقد ذهب البعض إلى البحث عن الاقتصاد الإسلامي في المصارف! وهي متعلقة بالاقتصاد الجزئي أكثر منه بالكلي وبالتالي نتج عدم البحث في الاقتصاد الإسلامي بل الوقوف عند محطة لا تسمن ولا تغني عن نظام الاقتصاد في الإسلام، والذي أهم بحوث فيه 1/ حيازة الثروة 2/ وكيفية تصرف الناس بهذه الثروة 3/ وكيفية توزيع الثروة بين الناس.
إن حل مشكلة الفقر وتوزيع الثروة بين الناس بالعدل لا يكون إلا بتطبيق الإسلام، فالنظام الرأسمالي أثبت فشله ونحن مسلمون، لا يجوز لنا أن نأخذ معالجات مشاكل الحياة وتنظيمها من غير عقيدتنا وشريعتنا الكاملة، قال تعالى: ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)، ونظام الإسلام هذا يجعل الحاكم مثله مثل الرعية لا يفضل عنهم بل هو عرضة للمحاسبة والمسائلة أكثر من الرعية، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طلب من المسلمين السمع والطاعة حاسبه احد الصحابة متسائلا كيف الطاعة لعمر وهو يملك ثوبا تمت قسمته قبل يوم من كلامه بين المسلمين بالسوية ولكن ثوبه وهو خليفة المسلمين أطول من ثيابهم؟ فكانت الإجابة من ابن الخليفة عبد الله بن عمر رضي الله عنه بأنه وهب أباه نصيبه لأن أبيه طويل القامة، عندها أجاب الصحابي الآن نسمع ونطيع!
يتضح من كل ذلك أننا أغنياء ولكن ثروتنا لا نتمتع بها بسبب غياب الإسلام عن حياتنا، ولكي نحل مشكلة كفايتنا وعدم احتياجنا للجوائز التي لا تسع حتى القلة، لا بد من العمل لتغيير نظام حياتنا بنظام الإسلام في كل نواحي الحياة الاقتصاد وغيره، وعندها يكون الحق قد رجع لأهله فلا تتحكم فينا هيئات ولا شركات بل نأكل ونعيش من حقنا الذي كُفِلَ لنا من فوق سبع سماوات، ولكن هذا النظام لا يوجد إلا في ظل دولته الإسلامية دولة الخلافة التي قد أظل زمانها لننشر به عدل الإسلام بعد أن ملئت الدنيا بجور النظام الرأسمالي العلماني الذي فصل الدين عن الحياة لتتمتع طبقة بالثروة وتشقى البقية.
(الله المستعان)
بقلم (أبو العز) عبد الله عبد الرحمن
عضو المجلس القيادي لحزب التحرير في ولاية السودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.