البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    الكويت ترحب ب "الرباعية" حول السودان    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاج مشكلتنا الاقتصادية أكبر من صيد جوائز زين .. بقلم: بقلم (أبو العز) عبد الله عبد الرحمن
نشر في سودانيل يوم 07 - 04 - 2011

لقد تفاعلت قطاعات واسعة من الأمة في السودان عندما ألغت وزارة الاتصالات مسابقة زين، وقد وعدت الشركة في السودان كل من سجَّل بياناته لدى مراكزها ونشط شريحته قبل يوم 27/2/2011، بأنه سيدخل السحب على سيارة من سيارات مسابقة زين ولم تكشف الشركة عن نوع السيارة فقد كانت مغطاة، وإن كانت أشبه بسيارات التويوتا الكورولا وغيرها، ولم تفصح الشركة عن عدد السيارات التي ستهبها لأفراد ممن يدخل السحب بإرسال رسالة مجانية فارغة إلى الرقم 6600، ومما يجدر ذكره أن عدد المشتركين في شبكة زين للهاتف الجوال تخطى 8.4 مليون مشترك في نهاية العام 2009م.
لقد كان التفاعل مع إلغاء المسابقة سلبيا فبعض كتاب الأعمدة الصحفية مثلا نقدوا المجمع الفقهي الذي أصدر فتوى بتحريم جوائز هذه المسابقة في الوقت الذي أجازته فيه هيئة علماء السودان، وقد اعتمدت وزارة الاتصالات فتوى المجمع الفقهي باعتبارها جهة رسمية مثلها، مما دعا النقد ينصب على مجموعة فتاوى قديمة وجديدة أصدرها المجمع في وقت سابق، وكان لسان الحال لإلغاء هذه المسابقة، والتي لم تلغ للمرة الأولى، فقد ألغيت مسابقات أخرى لشركات اتصالات أخرى، كان لسان الحال يقول "لا عاوزين ترحموا ولا عاوزين رحمة الله تنزل".
إن الأمر الذي يجب أن يسير عليه المسلم أن تكون السيادة لديه للشرع وليس للهوى وليس للإنسان أو الجمهور، ومن هذه السيادة للشرع شئون المال، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[ سورة النساء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ ؟ )) رواه الترمذي، وبالتالي فإذا كانت هذه المسابقة حلالاً فليأخذ من فاز بجائزة من جوائزها وليأكلها هنيئاً مريئاً، وإن كانت حراماً فالأصل في المسلم أن يقول خيرا كأن يقول: سمعنا وأطعنا ربَّنا!!
إن المسابقة في الإسلام الأصل فيها أنها من المباحات إذا لم تكن في أمر محرم، كأن تتحول إلى قمار مثلاً، وذلك مثل ما تفعله بعض المؤسسات من طرح مسابقة للجمهور بدفع مقابل مادي، مثل برنامج من سيربح المليون، فإن من يريد أن يصل إلى المرحلة النهائية من هذه المسابقة أول ما يفعله الاتصال على رقم معين تكلفة الدقيقة الواحدة غير سعر الاتصال العادي، فمثلا كانت سعر الدقيقة وفق تكلفة الدقيقة لجزيرة ساوتومي أي قرابة العشرة ريالات، مع أن تكلفة الدقيقة للاتصال لا تتجاوز الريالين عندما يتم الاتصال من أرض الحرمين لمصر مقر برنامج من سيربح المليون، وهذا الفرق في كل دقيقة يكون دخلا للمؤسسة الإعلامية التي نظمته، فإذا اتصل مثلا مائة ألف شخص، عن طريق الرد الآلي المبرمج في مجموعة من الكمبيوترات فإن الرد الآلي مبرمج لتمديد الزمن بتكثير الأسئلة حتى ينفق البعض أكثر من مائة ريالا سعودياَ، وإذا اعتبرنا أن تكلفة المتصلين فقط 50 ريالا للفرد في 100000 متصل للدخول في المسابقة يكون الناتج وبالتالي الدخل للقناة خمسة ملايين، وبخصم النفقات الفائز 250000ريالا مثلا، والقليل جدا من يصل إلى المليون أو حتى مجموعة المتسابقين في الحلقة الواحدة، ولو خصمنا راتب كل من يعمل في القاعة من مقدم ومنتج ومخرج وغيرهم تربح القناة الملايين في الشهر الواحد، ولا ضير أن تربح القناة أكثر من ذلك، فهو خير إن كان هذا الربح عن طريق الحلال، ولكن هذه الصورة هي القمار بعينه! نعم إنه الميسر الذي حرمه الشرع، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ سورة المائدة.
وبالتالي فإن أية شركة أو مؤسسة للاتصالات أو غيرها قصدت زيادة مبيعاتها عن طريق المسابقة بربط المسابقة بمقابل مادي يكون عملها قماراً بيِّناً لا لبس فيه.
ولكن شركة زين هذه المرة احتاطت عندما جعلت الذين سيدخلون السحب هم فقط الذين نشطوا شرائح اتصالهم قبل 27/2/2011م أي قبل اعلان المسابقة بفترة كافية، مما يغلق الباب أمام كل من يريد أن يشتري شريحة جديدة لدخول السحب وهذا إن حدث يجعل دخوله في السحب حراما لأنه يدفع بذلك مقابلا لمن طرح الجوائز، ولكن الشركة أوضحت أنها تريد من مشتركيها تسجيل بياناتهم وهذا ليس فيه مقابل مادي يدفعه المشترك للشركة، وإن كان المستفيد جهات أخرى (جهات أمنية)، وعموما فإن الذي يحرم المسابقة هو ان يعود لمنظم المسابقة أي عائد مادي وراء ذلك، ومثل ذلك مثال من سيربح المليون، ومن أمثالها المحلات التجارية التي تطرح مسابقات بشرط الشراء من منتجاتها، مثل ما يحدث في دبي في شهر فبراير حيث يتم السحب على عربات فارهة ولكن بشرط الشراء بمبلغ معين لا يقل عن 500 درهم إماراتي في بعض المواسم من سوق دبي الذي تطرح فيه الجوائز. و"التوتو كورة" التي كانت في السودان في السبعينات، وكذلك "الكرتلة"، وتمرين البيبسي الذي يدفع فيه المتسابقون جميعا ليفوز فريق بنقود الفريق الآخر ليشترى به مشروب البيبسي، وهو ما يسمى عندنا في السودان "بالخرت"، ومنها كذلك اللوتري حيث تجمع أموال من مختلف بلاد العالم فتربح الجهات المنظمة أموالا طائلة وتعطي أفرادا معدودين ربحهم من اليانصيب الذي يصل الملايين من العملات العالمية كالمارك الألماني والدولار الأميركي، وهو قمارٌ واضح لا لبس فيه، وكذلك مسابقة بعض الصحف أو المحلات التي تشترط أن تكون الإجابة على كبون المسابقة المضمن بالصحيفة مثلاً، مما يعني حتمية شراء الصحيفة، فتكون هذه المعاملة قماراً كذلك.
إن المسابقات واصطياد الجوائز بصوره الحديثة والقديمة وبالتحديد قبل قرنين من الزمان تلازمت مع المبدأ الرأسمالي الحاكم للعالم اليوم، حيث يتهافت الناس على هذا الصيد، نسبة لعجز النظام الرأسمالي عن توفير حياة كريمة لكل من يعيش تحت ظل حكمه، فكل يحلم بتحقيق مكاسب مادية ليهنأ بعيش معين، فهناك من يريد أن يتزوج، فيفكر في السكن أو حتى المصروفات عقب الزواج، والذي تزوج وله زوجة وذرية تجده مثقلاً بالديون، لذلك فإن المسابقات تشبع مظهر غريزة عنده، وهو تملك المال، لذلك سمعنا بصائدي الجوائز في أمريكا، الذين تعرض لهم مكافئات هائلة لمن يقبض على لص أو يدل عليه وهكذا، فقد كانت هذه الجوائز دخلا لمجموعة من الناس، قديما وحديثاً لذلك فإن الجوائز بمختلف أنواعها ومنها جوائز المسابقات تقع في قلوب الناس بمكان!!
ولذلك ليس غريباً أن يتابع الناس، وهم بالملايين، بشغف هذه المسابقات في شهر رمضان المبارك أو غيره.
ولكن هل هذه الجوائز تسد حاجات الأمة الأساسية؟
فالجوائز لا تصيب إلا نفراً قليلاً، ولنأخذ لذلك مثالاً شركة زين عندما طرحت هذه الجوائز ما كانت لتعطيها لكل أسرة في السودان، وأي مؤسسة أخرى كذلك تسعى للربح، فهذه العربات لن تتعدى بضع عربات وقد لا تصل إلى عشرة، وإن قلنا أنها كانت ستوزع خمسين عربة من باب التخمين فكم عدد الفقراء والمحتاجين في السودان؟ وكم عددهم في الشباب وحدهم؟ فإذا قلنا أن تعداد أهل السودان 40 مليونا وأسقطنا نصفهم 20 مليونا باعتبارهم أغنياء، فهل لو دفعت كل شركات الاتصالات هذه الجوائز سنحل مشكلة الفقر والعوز الذي يقع فيه الشباب قبل غيرهم من الشيوخ؟ بالطبع لا فإن الفائزين لا يتجاوزون أصابع اليد، وبالنسبة للأمة فإن الاعتماد على الجوائز ليس منهجا سليما لأمة تملك الثروات والكنوز المختلفة من فضل الله عز وجل عليها! هذا فضلاًعن أن هذه الجوائز قد تصيب من لا يحتاج إليها.
فالذي اشترك في المسابقة وفاز لا يمكن أن نخرج له نسبة مئوية مقابل الذين لم يفوزوا، فمثلا كمبيوتر الفرز مدون به 8 ملايين مشترك في شبكة زين وفاز خمسون، تكون نسبة الذين لم يفوزوا (99.99999%) أي مائة في المائة؟!والكثير من الناس يدخلون هذه المسابقات وهم يعتبرون الفوز بجائزة حلماً جميلا لا يريد أن يوقظه منه أحد، ومن حق الكل أن يتمنى طالما أن الشرع أباحه. ولكن قبل الجائزة وبعدها ستكون المشكلة العامة قائمة، وهو أن نأتي بالحل الجذري للمشكلة التي نعاني منها! بل أغضبت الكثيرين لأنها فرصة قد ضاعت قد تغني ولو فقيرا واحدا من ملايين البؤساء! وإن كان الباب مفتوحاً فما زالت مسابقة التلفزيون (مؤسسة الفداء للانتاج الاعلامي)، ومسابقة جمعية القرآن الكريم التي بثتها إذاعة الفرقان في رمضان الماضي ، ومسابقة صحيفة الأخبار ويمكن لأي شركة أن تساهم في جوازها من باب الدعاية لمؤسساتها، ولكن هل يستقيم ان يصل بنا الحال أن ننتظر المسابقات التي لا تصل إلا لنفر لا يتجاوز عددهم أصابع اليد؟
إنّ السودان كجزء من العالم الاسلامي يتمتع بثروات هائلة، أرض زراعية صالحة تقدر مساحتها ب241 مليون فدان لم يزرع منها غير 41 مليون فدان فقط، مياه متنوعة المصادر نهرية وجوفية وأمطار ومياه البحر الأحمر، ويكفي نهر النيل العظيم، فترعة مشروع الجزيرة التي شُقَّت من نهر النيل الأزرق تعطي من المياه ما لا تعطيه نهر بردى في سوريا ودجلة والفرات في العراق وأنهار تركيا مجتمعة! القوى عاملة متنوعة وفي مختلف المجالات ولكنها مغيبة بالبطالة والصالح العام! أما الثروات الأخرى الظاهرة والباطنة فحدث ولا حرج بترول وذهب ومعادن ثمينة أخرى، دخل البترول لوحده منذ سنة 2000م 50 مليار دولار، والسودان ينتج الآن 50 طناً من الذهب سنويا وهذا الانتاج قابل للزيادة.
إن المحزن هو هرولة الكثير من الناس وراء المسابقات، فلا يهتم إلا بها أما التمتع بهذه الثروة الحقيقية وطلبها للأمة كحق شرعي فلا عمل ولا حركة؟!؟! وهي ثروة الحاضر والمستقبل وثروة الأجيال التي لا تحفظها لهم الأمة، فلا يدرى أين ذهبت ال50 مليار دولار؟ ولا أين يذهب هذا ال50 طن ذهب؟ أما العطالة أو ما يسمى بالبطالة، فلا سبب منطقي لوجوده غير الظلم الاقتصادي الذي خلفه النظام الاقتصادي الرأسمالي المطبق بأبشع صوره، من جبايات رأسمالية باهظة أفشلت المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية مما جعل المنضمين لجيوش العاطلين يتكرر كل يوم حتى تحولت لفيالق، يمكن ان تقود حرباً عالمية ثالثة ضد النظام الرأسمالي الجائر.
وليس بالضرائب الباهظة وحدها حُرِمَت الأمة من حقها في الثروة، بل كذلك إزالة الملكية العامة وتحويلها إلى ملكية دولة، فحُرِمَت الأمة من ملكية أباحها لها الشرع، بل هي من أهم أسباب كفايتها، ولا يقول قائل لا فرق بين الاثنين، فالفرق كبير وفق الأحكام الشرعية من حيث نوع الإيراد والإنفاق، فالملكية العامة يتمتع بعائداتها الرعية، والدولة إنما تكون يداً أمينة لإنفاقها عليهم، إلى درجة أن تنفق عليهم نقودا من حقهم في الذهب والبترول كمثال فهما من واردات الملكية العامة في الإسلام، والملكية في النظام الرأسمالي اثنان ملكية دولة وملكية خاصة، أما نظام الاقتصاد في الإسلام ملكياته ثلاث مضبوطة بالأحكام الشرعية، والذي آل إليه النظام الرأسمالي الآن هو بيع الكثير من ملكية الدولة والملكية العامة للأفراد مما يضيع حقاً شرعياً يعالج المشكلة الاقتصادية للأفراد وللجماعة! فما الخصخصة التي زادت الفقراء فقراً إلا وصفة من وصفات الاقتصاد الرأسمالي الذي عقيدته فصل الدين عن الحياة.
إن الخلل في توزيع الثروة بين الناس يتمثل في إنفاق المال العام في غير محله كما يكون في جبايته من غير محله، ففي النظام الرأسمالي الديمقراطي ينفق الجزء الأكبر من الثروة على المقربين سيما الحزب الحاكم، بل تكون الاحتكارات الضخمة لطغمة معينة، وهذا يجعل الإنفاق في الأمور الدنيا ليس جريمة رغم حاجة الأولى فالأولى! فمثلا في الوقت الذي تؤخر فيه الأجور والمستحقات عن بعض موظفي الدولة، تنفق على الساحة الخضراء وهي واجهة ومكان للاحتفال أكثر من أربعة مليار ونصف المليار بالقديم، بينما كلف تأهيل إستاد الخرطوم مبلغ 22 مليار جنيه بالقديم، وفي وقت يُحْرَمُ المرضى واليتامى والفقراء والمساكين من هذا الحق؟!؟!
إن الحياة الاقتصادية التي نعيشها اليوم هي بعيدة كل البعد عن نظام الاقتصاد في الإسلام، وقد ذهب البعض إلى البحث عن الاقتصاد الإسلامي في المصارف! وهي متعلقة بالاقتصاد الجزئي أكثر منه بالكلي وبالتالي نتج عدم البحث في الاقتصاد الإسلامي بل الوقوف عند محطة لا تسمن ولا تغني عن نظام الاقتصاد في الإسلام، والذي أهم بحوث فيه 1/ حيازة الثروة 2/ وكيفية تصرف الناس بهذه الثروة 3/ وكيفية توزيع الثروة بين الناس.
إن حل مشكلة الفقر وتوزيع الثروة بين الناس بالعدل لا يكون إلا بتطبيق الإسلام، فالنظام الرأسمالي أثبت فشله ونحن مسلمون، لا يجوز لنا أن نأخذ معالجات مشاكل الحياة وتنظيمها من غير عقيدتنا وشريعتنا الكاملة، قال تعالى: ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون)، ونظام الإسلام هذا يجعل الحاكم مثله مثل الرعية لا يفضل عنهم بل هو عرضة للمحاسبة والمسائلة أكثر من الرعية، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طلب من المسلمين السمع والطاعة حاسبه احد الصحابة متسائلا كيف الطاعة لعمر وهو يملك ثوبا تمت قسمته قبل يوم من كلامه بين المسلمين بالسوية ولكن ثوبه وهو خليفة المسلمين أطول من ثيابهم؟ فكانت الإجابة من ابن الخليفة عبد الله بن عمر رضي الله عنه بأنه وهب أباه نصيبه لأن أبيه طويل القامة، عندها أجاب الصحابي الآن نسمع ونطيع!
يتضح من كل ذلك أننا أغنياء ولكن ثروتنا لا نتمتع بها بسبب غياب الإسلام عن حياتنا، ولكي نحل مشكلة كفايتنا وعدم احتياجنا للجوائز التي لا تسع حتى القلة، لا بد من العمل لتغيير نظام حياتنا بنظام الإسلام في كل نواحي الحياة الاقتصاد وغيره، وعندها يكون الحق قد رجع لأهله فلا تتحكم فينا هيئات ولا شركات بل نأكل ونعيش من حقنا الذي كُفِلَ لنا من فوق سبع سماوات، ولكن هذا النظام لا يوجد إلا في ظل دولته الإسلامية دولة الخلافة التي قد أظل زمانها لننشر به عدل الإسلام بعد أن ملئت الدنيا بجور النظام الرأسمالي العلماني الذي فصل الدين عن الحياة لتتمتع طبقة بالثروة وتشقى البقية.
(الله المستعان)
بقلم (أبو العز) عبد الله عبد الرحمن
عضو المجلس القيادي لحزب التحرير في ولاية السودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.