[email protected] مهما يكن الموقف تجاه ما كتب اسحاق أحمد فضل الله فإن القاعدة تبقى أن حرية الرأي فوق كل إعتبار غض النظر عن فاعل ومفعول به. هذه القاعدة هي فرع من أصل ديني عظيم لا تكليف للانسان بدونه بل لا إنسانية له بلا حرية. وهذه القاعدة لا تجوز بأي وجه تدخل جهاز الأمن فلا هي محل اختصاصه ولا كان مهموماً بها يوماً، ودونكم أمثلة يتم من خلالها تحطيم قيم وشرف المهنة ليس من كُتاب أو كاتب ما، بل من مؤسسة ومنظومة كاملة لها صحيفة لا سعي لها ولا هدف سوى إثارة العنصرية والبغضاء بين الناس وبلا أفق مرسم سوى خدمة سلطة تخشي ذهاب مرتكزات بقاءها وقد أحاط بها تهديد التغيير، ولكن لا حسيب و لا رقيب فقط لأن تلك المؤسسة وصحيفتها هي بنت السلطة وربيبتها التي تدفع للناس بكل ما لا تستطيع السلطة الرسمية الاعلان عنه بل وتخجل منه. وهي ذات القاعدة التي تهزم قبل اسحاق ومسعاه التحريضي المباشر، علماء السودان الذين هم الاحق والأولى بالمحاكمة كونهم من بادر بالتهديد فيما لا يعنيهم مباشرة، وكونهم فوق ذلك يتم استخدامهم حتى على البرلمان بل وفوقه، ولعلكم تذكرون (تحليل) هؤلاء للقروض الربوية عبر فتوى تجاوزت بها حتى سلطة البرلمان الذي تحفط على ذلك، كان ذلك في نفس يوم التوقيع الاشهر على اتفاق التراضي الوطني بين الوطني والأمة القومي. ولعله ليس خافياً على أحد عبقرية المسعى الذي كانت ضحيته حقاً وصدقاً صحيفة الوفاق، فالمعني ظاهرياً وحصريا اسحاق الذي كتب، ولم يهدف الاجراء تجاهه لردعه بل حمايته!!؟، ذلك أن كُتاب الرأي جمعياً إنما يساقون للمحاكم في كثير من الحالات ببلاغ ودعوى من جهاز الأمن تحديداً. لكن حالة اسحاق استدعت تدخل الأمن وعبر راسه ليردع كل توجه محتمل للمحكمة، وليلقى اسحاق عقوبة ادارية هي كل ما بجعبة مجلس الصحافة الذي هو الاخر معين من قبل السلطة بأكثر من ثلثيه والثلث الاخير مخدوم بهمة ومهارة ليكمل حصر المجلس في كنف السلطة ومدارها. وحالة اسحاق الكاتب تشبه عندي حالة الجنجويد!؟، المتهمة سلطة المؤتمر الوطني بتجنيدهم لكنه تجنيد بلا سيطرة ولا حدود، ليكونوا دعماً لها فيما لا قدرة لها كسلطة على تخطيه، لكنها بالمقابل لا تملك عليهم سلطة اذا تغير الحال وصارت السلطة هي المهدد لهم، وهذه واحدة من عبقريات الانقاذ التي تسمح للبعض بالكتابة دفاعاً عن خطها وتجاوز ذلك بنشر كل ما يشكل حرجاً لها، لكنها وهي تطلق لهم العنان وتمدهم بالمادة والخط والملطوب، تتفأجا بأن أحد محمييها يتجاوز كل حدود وترتد كتاباته بما هو خطير عليها خاصة وأن خلفية الكاتب ونمط كتاباته تخبر عن مظهره ومخبره، وأنه تجاوز مرحلة (واصل) وأصبح (ابن عطاء) ضار بمن خلفه. فقد تجاوز اسحاق الكاتب في تقديري حدود التهديد المباشر المستهدف من خلفه ياسر عرمان، ليطلق فوق ذلك اشارة ذات دلالة فيما يخص محاكمة متهمي قراندفيل، ليدعم وبقوة أن من خلف ذلك هم من يقفون خلف اسحاق وإلا من إين له هذا التأكيد بالتلجج في محاكمة من يهدد هو بهم ياسر ويتجاوز العلماء ذوى اللسان الذي لا يتجاوز حدود القول حسب رأيه وححجه التي ساقها ليدفع بموقفهم وتهديدهم ويبني عليه ضرورة الفعل الذي لن يأتي إلا من قبل من هم يحاكمون الان في قضية اغتيال الامريكي قراندفيل. ويبقى ما جرى للوفاق وإسحاق تكريس متعمد لسلطات لا تحتكم لمرجع أو دستور، بل ولا لدين أو أخلاق وإن شئت أعراف تعارف عليها الناس في هذا البلد!!!، بل هي حق وفقاً لأهواء ومزاج جهاز الامن وقيادته. خاصة وأن حالة الوفاق واسحاق هي الحالة الثانية التي ينزل فيها العقوبة مدير جهاز الامن شخصياً ثم يحيل المعاقب أو المعاقبين إلى جهة الاختصاص، فعل ذلك من قبل مع صحيفة ألوان، ومازالت عقوبته عليها سارية كما أمضاها مدير جهاز الأمن، لم تحتج على ذلك أي سلطة أعلى أو اخرى لا مجلس الوزراء، ولا النائب العام، ولا القضاء، بل لم يحتج حتى البرلمان على ذلك التغول على صلاحيات وسلطات جهات أخرى تستوجب ردع مدير الجهاز. للدرجة التي بات فيها فعل مدير الجهاز هو القانون الذي لا حق لجهة أو أحد الاحتاج عليه بأي صورة كانت ولإي جهة إعبارية أو قانونية. والآن مدير جهاز الامن هو الدستور والقانون، وهو البوليس ووكيل النيابة والقاضي والسجان والجلاد. ولكن دعونا نسأل عن جدوى إحالة من وقعت عليه العقوبة قبلاً للقضاء القانوني أو الاداري؟!!!. الطريف أنه ومن بعد ذلك يتصور جهاز الأمن أنه وبما اقدم عليه من فعل تجاه صحيفة الوفاق واسحاق الكاتب، يقدم الدليل على أنه لا يستهدف صحيفة دون أخرى وقد أثقل في استهداف صحيفة أجراس الحرية لدرجة الاثبات أنها الصحيفة الوحيدة المستهدفه من قبل جهاز الأمن بلا منازع، فلم تواجه صحيفة بمثل ما ووجهت به أجراس الحرية، الذي يعترض الرقيب على كل أخبارها التي تنشر ذاتها في كل الصحف الاخرى. ولكن يبقى السؤال لماذا يتدخل جهاز الأمن اصلاً ثم بعد ذلك يحيل اسحاقاً لمجلس الصحافة؟، وهل دور مجلس الصحافة يأتي عقب اجراءات جهاز الأمن؟!. واذا كان ذلك كذلك ما الجدوى من مجلس الصحافة؟. وأذا كان مجلس الصحافة هو الجهة التي تفصل في مثل ما أتي به اسحاق من تهديد مباشر لا ياتيه الباطل من خلفه ولا بين جنبيه، لماذا لا يحيل جهاز الامن أو يترك امر الرقابة القبلية القبيحة المنكورة هذه لمجلس الصحافة؟. نأتي للعلماء وللحق هم الداء والخطر، كونهم لا يفتون إلا بما يطلب السلطان، ولم نشهد لهم مبادرة تجاه قضية شرعية تمس واقع الناس وحال معاشهم. وهل هم حقاً علماء؟، تلك هي القضية إن لم تكن المصيبة. أين العلم في من يفتي (وفق منهجهم) فيما هو ظاهر وله نص (تحليل القروض الربوية)، ليكون له حق حماية الدين من إجراء هو حق لمن هو غير مسلم!!؟. أم هؤلاء يريدون سوق الناس وفرض الاسلام عليهم، الاسلام الذي خير الناس وباطلاق (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) كما أن نبيه عليه افضل الصلاة والتسليم تلقى كلمات ربه (لست عليهم بمسيطر) من هؤلاء الذين يعتبرون حقوق الاخرين تهديد ليدنهم؟، اذا كانوا يحاكمون قوم مثلث حمدي فإنه هو الاخر ليس كامل لأمة الاسلام، وإلا عليهم إن كانوا (علماء) أن تكون لهم الشجاعة وأن يثبتوا حق غير المسلمين بلا خوف أو وجل. وعندي هؤلاء هم من يستحق المعركة والفضح، وفي ذلك هناك ما يدعو للدهشة ويستدعي إثارة من هو احق بلقب وموقع (عالم)!!!. على صحيفة الشرق الاوسط قبل ايام جاء ما يلي " كشف الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن أنه يكتم اجتهادات فقهية وفتاوى حول قضايا معاصرة، تجنبا لتشويش الجماهير عليه، مشيرا إلى أنه أخفى فتواه بجواز مصافحة الرجال للنساء الأجانب عند الضرورة لعدة سنوات." انهي الاقتباس عن الشرق الاوسط. قد لا تكون مصافحة النساء من (القضايا العصرية أو المعاصرة) فهي سلوك اجتماعي سوى عادي، لا يحتاج حتى لإجتهاد (عالم) ناهيك عن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. لكن ما جاء على لسان القرضاوي ذاته ووفقا لما نشرته الشرق الاوسط محير للغاية بل يدفع باتهام القرضاوي ذاته بمرض نفسي باكثر من أي شئ آخر كان خلف اعتقاده بعدم صحة مصافحة النساء، ذلك أن القرضاوي ذاته لم يتبين صحة الحق في مصاحفة النساء (لضرورة) الا مع وتجاه أهله بالدم (أقرباءه) اذ قال مبرراً تلك (الضرورة) بما يلي : " ...وضرب مثلا عمليا لفتواه بما يحدث له عند زيارة قريته «صفط تراب»، -التابعة لمدينة المحلة الكبرى شمال القاهرة-، وتستقبله قريباته، بنات العم والخال والجارات، وهن يمددن أيديهن؛ فيضطر لمصافحتهن" وجعل القرضاوي لفتوى الضرورة القاضية بجواز مصافحة النساء شرطين هما بحسب ماورد على الشرق الاوسط " جواز مصافحة الرجل للمرأة بشرطين، هما: أن تكون هناك ضرورة، وحال أمنت الفتنة" – انتهي الاقتباس عن الشرق الاوسط- ما يحرني في هذا (العالم) أنه أولاً يحاكم العلم والناس باحواله واختلاجاته الخاصة، خاصة وأن المصافحة هي قاعدة ضرورية (لإجتماع الناس) رجالاً ونساء، لا يمكن أن تخضع لضرورة، كما أن الفتنه هي حالة خاصة وليست وضع أو حالة عامة يحاكم بها كل الناس رجالا ونسا. كما أن الناس لا يتبادلون التحايا في خلوة أو عزلة إنما أنت تقابل الناس في الطريق العام أو الاماكن العامة حيث لا يمكن ان تكون مواقع فتنة أو غير آمنه بشكل أو آخر. كل ذلك دفع بي لإعتبار أن هذا الرجل جدير به ان يذهب إلى طبيب نفسي حتى لا يخلط (العلم) بخلجاته وتصوراته الخاصة. وتبقى الدهشة والمدهش أن القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين ووفقاً للخلفية السابقة قال أنه ".. كان لي رأي في مصافحة الرجل للمرأة، وصلتُ إليه ولم أنشره إلا بعد سنوات، خشية أن يشوش الناس علي" هذا ما جاء على لسانه بالشرق الاوسط، وهذا ما يدعم راينا بضرورة مساعدة طبيب نفسي له. ذلك لأن القرآن عرفنا أن الله جل جلاله إنما يخشى من عباده العلماء. فإذا كان العلماء على شاكلة القرضاوي (يخشون أن يشوش الناس عليهم) هل مثل هؤلاء يستحقون لقب وموقع العالم؟!!!، هل هؤلاء هم من يخشاهم الله!!!. كلا والله. ولمزيد من الشرح والتوضيح جاء حديث خشيه الله لعباده العلماء ضمن سورة فاطر الآية (28) ونصها هو (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) والآية تعلقت تحديداً (بحسب تفسير بن كثير) بالاختلاف بين الناس بألوانهم واختلاف ألسنتهم إلى آخره، ونفس القاعدة فيما يلي الدواب والانعام واختلاف اصنافها واجناسها واختلاف كل صنف ضمنه بين بعضه البعض. وأن خشية الله للعلماء إنما تتعلق بمن لم يشرك بالله وأحل وحرم حرامه وأيقن أنه ملاقيه ومحاسبه بعلمه وعمله وقد أورد ابن كثير في ذلك الآتي : " قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّه مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاء " قَالَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير " . وَقَالَ اِبْن لَهِيعَة عَنْ اِبْن أَبِي عَمْرَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : الْعَالِم بِالرَّحْمَنِ مِنْ عِبَاده مَنْ لَمْ يُشْرِك شَيْئًا وَأَحَلَّ حَلَاله وَحَرَّمَ حَرَامه وَحَفِظَ وَصِيَّته وَأَيْقَنَ أَنَّهُ مُلَاقِيه وَمُحَاسَب بِعَمَلِهِ" – تفسير ابن كثير-