بجنان ثابت، ورباطة جأش، لاتخطئهما الاعين، وبابتسامة ليست حائرة .. بل كأنها ابتسامة رضا، وقف عثمان يوسف يتلقى التعازي في نجله(مهند)، الذي ارتبط اسمه مع اخرين باشهرجريمة اغتيال اجنبي في السودان غضون السنوات الأخيرة، عندما حصدت رصاصاتهم الدبلوماسي الامريكي جون مايكل غرانفيل وسائقه عبدالرحمن عباس رحمة قبل ساعات قليلة من بزوغ فجر العام 2008م. ومنذ ذاك التاريخ اقترنت الأثارة بحياة الشاب الذي لم يتعد الثلاثين عاما بطريقة قوية كأن لافكاك منها. وأضحت تفاصيل المحاكمة التي انعقدت اليه ورفاقه مادة دسمة لوسائل الاعلام التي تابعت تعرجاتها ومنحياها بشكل دقيق. حتى انتهت القضية بالحكم على أربعة منهم احدهم (مهند) بالإعدام شنقا حتى الموت قصاصا في حين حكم على خامس بالسجن خمسة أعوام بعد إدانته بمعاونته على اقتناء أسلحة. وفي يوم الخميس 10 يونيو الماضي تمكن المدانون الاربعة من الفرار من سجن "كوبر" العتيق في عملية اسطورية معدومة النظير، خلفت وراءها عاصفة الدهشة وأفضت لاحقا إلى توقيف مدير السجن و (11) من معاونيه . وقيل وقتها إن الشبان الملتحين افلحوا في التسلل من السجن العتيد عبر مجارٍ قديمة للصرف الصحي ومنها للطريق العام حيث كانت هنالك سيارة ذات دفع رباعي في انتظارهم بالخرطوم بحري، حملتهم إلى خارج مضارب العاصمة لكن عند مشارف امدرمان دخلوا في اشتباك عنيف مع أفراد من شرطة امن المعابر، وخلفت المعركة الدامية قتيلا وجريحا في صفوف قوة الشرطة، بعدها كثفت اجهزة الامن والشرطة تعقبها للفارين، لكن لم تظفر بأي أحد منهم إلا بالمدان الرابع عبدالرؤوف أبوزيد محمدحمزة في حين واصل رفاقه الثلاثة رحلة الفرار، غير مكترثين بمجهودات البحث عنهم او بأوامر القبض الدولية التي جرى تعميمها لكل دول العالم عبر الانتربول، وشيئا فشيئا هدأت الأمور ثم لم تلبث أن طواها النسيان حتى أمس حيث عادوا مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، بعد أن حملت الانباء مصرع المدان الثالث ، مهند عثمان يوسف بالصومال . وفور تلقينا النبأ انتقلت (الأحداث) إلى منزل أسرة مهند الكائن بحي الدوحة بضاحية الحاج يوسف، وهناك وجدنا الجموع تقاطرت على زواية قريبة من المنزل لتعزية والده، بفقده فلذة كبده، و وعندما بلغنا المكان وجدنا الجموع يؤدون صلاة العشاء ثم قام البعض في مخاطبة الجمع بمخاطبات غلبت عليها أحاديث الجهاد والاستشهاد، وبدا والده الذي وقف يتلقى العزاء ثابت الجنان و لكنه و بالرغم عن مصابه وتدفق عشرات المعزين الى المكان، لم يتردد مطلقا في الاستجابة إلى طلب (الأحداث) ان نقوم بتوجيه بعض الاسئلة اليه والتي ابتدرناها ونحن واقفين بركن قصي بالزاوية عن كيف ومتى تلقي نبأ مقتل ابنهم و رد علينا قائلا بأنهم تلقوا النبأ عصر يومهم هذا، اما عن الطريقة التي علموا به النبأ فلم يرغب في الافصاح عنها واكتفى بالقول بأن هؤلاء المجاهدين لديهم طرائقهم التي يرسلون بها مثل هذه الانباء و التي لا يستطيع أن ندركها هو ولاغيره، و لكنه يضيف في لهجة ذات مغزى بأنهم محقون في ظل الحصار الذي يفرضه عليهم أعداؤهم من اليهود والنصارى، ويسخرون لهذا الحصار كل ما يستطعون من وسائل التقنية الحديثة لمتابعة سيرهم ليتصيدونهم كما يصادون العصافير تماما كما فعلوا مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لابن منذ أيام. أما عن مدى علمه بذهاب ابنه إلى الصومال للحاق بكتائب المجاهدين هناك، فيؤكد المهندس عثمان ان تلك الأشياء أن علمها فهو لا يملك إفشائها، لاسباب عدة بينها أن اليهود والنصارى يقودون حربا حقيقية وليست كما يصور البعض من الذين يشايعونهم من أمثال أبولهب وأبوجهل من رجال هذا العصر بأن الإسلام ليس هدفا. وعندما سألته عن تفاصيل حياة مهند قبل تسليط الأضواء عليه سرح بباله قليلا كأنما يترك لنفسه فسحة لاستعادة ذكراه، قبل أن يروي لنا قائلا بصوت خفيض به رنة تعب بأن مهند وهو الثاني في أبنائه الخمسة ولد بالعليفون في 1979م وتلقى تعليمه الأولي بالمملكة العربية السعودية أما المتوسطة فكانت بالعليفون مسقط رأسه، والثانوية فكانت بالخرطوم ويذكر أن مهندا كان متفوقا في درسه على الدوام و أحرز 93% عندما جلس لامتحانات الشهادة السودانية وعلى الرغم من أن نسبته كانت تؤهله للانتساب إلى كلية الهندسة بجامعة الخرطوم لكن الفتى آثر الالتحاق باكاديمية كررى العسكرية حيث كان يريد لحياته أن تأخذ طابعا عسكريا خاصة أنه قد ألف الذهاب إلى مناطق العمليات بالجنوب ضمن قوافل المجاهدين أكثر من مرة، و بعد عامين من التحاقه بالكلية تخرج برتبة الملازم قبل أن يتم إحالته للتقاعد بقرار جمهوري وهو برتبة الملازم أول. ويشير إلى أن مهند كان ضابطا مشهودا له بالكفاءة والانضباط . أما عن سيرته بين الناس فيقول والده إن ابنه عاش دوما لغيره في الحي والمدرسة وبالكلية العسكرية وبميادين القتال بالجنوب الذي ذهب إليه وهو طالب بالعام الثاني بالمرحلة الثانوي وكان حظه من العمليات الحربية إصابات شتى أغلبها من شظايا، بعضها بقي ساكنا في جسده حتى رحل وزاد" اتمنى أن يبعث بها يوم القيامة". أما عن انضمامه إلى الإسلاميين فيقول والده إن مهند نشأ إسلاميا منذ نعومة أظافره كآبائه وأجداده إذ يتحدر من قبيلة المحس إحدى أعرق القبائل النوبية بشمال السودان وبالتحديد من نسل الشيخ إدريس ود الأرباب الذي نزح إلى العيلفون بشرق النيل واتخذها سكنا له، قبل أكثر من نصف قرن. ويشير والده إلى أنه كان يتلقى اتصالات متقطعة من ابنه بعد فراره من السجن ويردف بأنه كان دائما مطمئنا أن الله حافظه ولن يترك للكافرين سبيلا إليه ورفض الكشف عن وسيلة الاتصال بينهما وقال "كنت أتصل به بطريقة ما" ويقول أنا راض تمام الرضا عنه وعن مسيرته وكنت أدعو له صباح مساء كلما أشرقت الشمس وغربت "اللهم إني راضٍ عنه فارض عنه". خالد فتحى [[email protected]]