ذاقت الخرطوم الأمرين من القذافى ولم تضق به ذرعاً ؛ وقديماً قالوا إذا لم تستحى فاصنع ما شئت ؛ والقذافى لم يستحى أبداً من الخرطوم سواء فى عهد هذا النظام أو قبله، عدى عليها (وناح) مرات عديدة ولم يأسف يوماً أو يعتذر، و النظام السودانى الحالى كان الأكثر تأذياً من اللانظام الليبى الذى أوشك على السقوط، فدعم القذافى المالى والعسكرى – وأكثر من ذلك – لمعارضى النظام السودانى فى دارفور ليس خافياً على أحد ، وعلى مدى اثنين وعشرين عاماً من عمر النظام السودانى لم تنقطع مؤامرات القذافى ولو تسربلت فى مؤتمراته فلا فرق بينهما على الأقل فى معجمه الذى يرى أبناء شعبه جرذان وشعباً عظيماً فى آن. لكن الغريب حتى الآن هو تأخر الحكومة السودانية فى الإعتراف بالمجلس الوطنى الإنتقالى فى ليبيا، قد يقال أسباب كثيرة لعدم الإعتراف أو أسباب أخرى لتأخيره إلى الآن لكن فى مقابلها تجد أسباب كافية لأن تعترف السودان بالمجلس الإنتقالى ليس اقلها تآمره الدائم على النظام السودانى ولكن أقلها أن سقوط القذافى ونهايته واضحة. ولو كانت الدبلوماسية السودانية لا تحب التسرع وتنتظر التطورات على الأرض أو تنتظر اعتراف أنظمة عربية أخرى أكثر من مجرد اعتراف قطر والدعم الخليجى لها فى نهاية مارس الماضى ؛ ربما انتظار أنظمة عربية أخرى كمصر –الذى أصبح وشيكاً- لا يعنى شئ فى هذا الصدد فهى لم تعانى من محاولات اسقاط نظامها على يد القذافى (على العكس )، وهاهى الجامعة العربية لا تنفى دراسة الموضوع ومنظمة المؤتمر الإسلامى وعلى لسان أمين عام الشؤون السياسية يؤكد التوجه نحو الإعتراف معتبرا أنه أتجاهاً قوياً جداً على حد تعبيره، فماذا تنتظر الخرطوم إذا أو من تنتظر؟ طالب المجلس الوطنى الإنتقالى الدول العربية الإعتراف به -وجدد طلبه قبل عشرة أيام- وصحيح أن الدول العربية من خلال الجامعة العربية قدموا الغطاء للمجتمع الدولى لأستخدام القوة (الناتو) لكن الإعتراف بالمجلس الإنتقالى ممثلاً شرعياً لليبيا حاجة ضرورية حتى لايحدث فراغ ليس فى مصلحة أحد (خاصة السودان) إن لم يكن الإسهام فى رفع معاناة الليبين يمثل أهمية والإسراع فى اسقاط القذافى يمثل ايضا أهمية. سبقت قطر الدول العربية كما سبقت فرنسا ثم ايطاليا الدول الغربية التى تتواصل مع المجلس بالمكشوف – وتستقبل ممثليه وتسمح لهم بمكاتب الإتصال – فضلاً عن الإتحاد الأوربى واعتبرت الإدارة الأمريكية نظام القذافى فاقداً للشرعية وقالت أن المجلس الإنتقالى شرعياً وذا مصداقية وإن لم تعترف به رسمياً و هذا ما لم تفعله السودان –استقبلت الخرطوم وفداً للثوار الشهر الفائت-حتى الآن لترضى بقائمة المنتظرين بدلاً أن تكون من المبادرين ، لا اعتقد أن السبب فى الإبتعاد عن المبادرة عدم تكرار خطأ تأييد الإنقلابيين فى موسكو عام 1991 لأنهم فشلوا لاحقاً ولا اعتقد أن التباطئ يمثل هو قمة التصرف بالحكمة التى أكتسبناها وتمثل العلامة الفارقة بيننا وبين تصرفات الأخ العقيد. وعلى صعيد القوى السياسية والحزبية فى المنطقة فتصريحاتها ومطالباتها بالإعتراف بالمجلس الليبى متواصلة؛ فى الأردن دعى حزب العمل الإسلامى (الإخوان المسلمين) الدول العربية أن تعترف بالمجلس ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الليبي وكانت جماعة الإخوان فى مصر قد طالبت الجامعة العربية والأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامى والأزهر والإتحاد العالمى للعلماء المسلمين بالتدخل لمساعدة الليبين ولاحقاً دعى القرضاوى رئيس اتحاد علماء المسلمين القادة العرب للأعتراف بالمجلس الإنتقالى فى ليبيا، وفى مصر ايضا –قبل يومين- عقد حزب الوفد والقوى السياسية مؤتمراً اعترفوا فيه بالمجلس الليبى ودعت نقابة المحاميين المصرية إلى الإعتراف الرسمى - بعدما اعترفت النقابة بالمجلس الإنتقالى- وتواصلت فى مصر الفعاليات والوقفات أمام مبنى جامعة الدول العربية تعبيراً عن تلك الرغبة. وكذلك فى تونس والمغرب تعددت مطالبات القوى السياسية والشعبية بالإعتراف الرسمى. لم تستطع حكومة السودان أن تكون أولى أو من أوائل الحكومات فى الإعتراف بالمجلس الانتقالى الليبى رغم أنها أشد المتضررين، والسودان عانى من القذافى المعاناة التى أدت لتقسيمه وتقتيل أبنائه بيد أبنائه وتهديد استقراره وتبديد ثرواته فى الحروب، لم تجرؤ على العقيد وهو على فراش الموت فلم تظهر عدائها له مرة واحدة قبل أن يموت سياسياً أو فعلياً ، لم تتخذ الحكومة موقفاً سياسياً قوياً وظاهراً وإن لم تتأخر فى أن تكون من الأتقياء الأخفياء فى مساعدة الثوار، لعل فى تعجيل اعترافها فضيلة أخرى هى حسم اللغط الذى دار حول موقفها من قرار فرض الحظر خاصة وأن من شاركوا السودان الموقف السالب تجاه القرار أصبحت مواقفهم اليوم سيئة (سوريا- والجزائر- واليمن) فالدولتان الأولى والثانية قدمت مساعدات للقذافى أسهمت فى ارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب الليبى – وستكشف الأيام القادمة عن عتاد وعسكريين – ولن يغفر التاريخ تورط نظامى بوتفليقه وبشار ورجالهما ؛ وكما يرجو الليبيون فلن يفلت المذنبون من العقاب، أما الدولتان الأولى والثالثة فرأسى النظام –بشار وصالح – تورطا فى قتل مواطنيهم ويتعرضان لأصعب أيامهما على الإطلاق. حتى روسيا صاحبة أشد المواقف تشدداً باتت تلين ولا تعجب إذا أضحت وقد خالفت هذا الموقف تماماً، أما الصين فلن تتأخر عن اللحاق بالركب وسقوط القذافى. Aiman Suliman [[email protected]]