أكثر من (30) ألف مقاتل، هم شماليون في الجيش الشعبي لجنوب السودان، ينتشرون في المناطق التي ينتمون إليها، بجنوب كردفان والنيل الأزرق، مدربون بصورة جيدة وقاتلوا بشراسة ضد حكومة السودان قبل توقيع اتفاقية السلام، وبالتأكيد مسلحون بأسلحة حديثة، وغير بعيد مقاتلتهم لجيش حكومة الشمال، في أقرب صراع سياسي قد تشهده هاتين المنطقتين.. قريباً جداً، كانت قضايا هؤلاء المقاتلون، بصورة أو بأخرى، قيد المناقشات في إجتماعات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الحزبان الحاكمان لدولتي السودان، في ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وما بين تأرجح هذه الحلول، ورفضها تارةً من هنا، وأخرى من هناك، بقيت هذه القوات في حالة استعداد دائم لإطلاق النار، في وقت عجزت فيه كل التفاهمات السياسية، والجلسات الطويلة، عن إيجاد حلول مرضية لكل الأطراف، وذلك وسط تحذيرات بتسبب هذا التواجد العسكري في تجدد الحرب مرة أخرى، بين شطري هذا السودان.. *قراءات أمريكية قبل أيام معدودات، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على صدر صفحتها الرئيسية، أن الجيش السوداني يهدد بالاستيلاء على أثنتين من أكثر المناطق القابلة للاشتعال على طول الحدود بين الشمال والجنوب- في إشارة لولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان- محذرةً من نشوب حرب بين جيشي الشمال والجنوب قبل أسابيع من انفصال جنوب السودان كدولة مستقلة، وكان ذلك وفقاً لمسئولين غربيين وسودانيين، وأضافت الصحيفة الأمريكية، وفقاً لخطاب من قائد بارز فى جيش جنوب السودان، أن الجيش السوداني يخطط خلال الأيام القليلة المقبلة للسيطرة على ولاية النيل الأزرق، وولاية جنوب كردفان، وهما منطقتا نزاع تعرفان بتاريخهما الطويل من الصراع ولا تزالان تعجان بالسلاح، ونقلت الصحيفة، عن والي ولاية النيل الأزرق، مالك عقار، قوله فى تصريح لها إن القوات الشمالية "إقتربت بشكل خطير" من قواعد المقاتلين المتحالفين مع الجنوب، وإنه لا يعتقد أن القوات المتحالفة مع الجنوب ستستسلم، "فالأمر أشبه بوضع قطة فى زاوية، وهم سيقاتلون"، على حد قوله، وزادت الصحيفة، في هذا الشأن، أن دبلوماسيون سودانيون وغربيون (لم تسمهم) يخشون من أنه إذا ما مضى الجيش السوداني فى نزع سلاح آلاف المقاتلين المتحالفين مع الجنوب بالقوة فى هاتين المنطقتين، سيندلع صراع شرس بين الجيشين الشمالي والجنوبي. *أحاديث القصر في اليوم التالي مباشرةً، لهذه القراءات الصحفية، من أقصى الجانب الغربي من الكرة الأرضية، تحدث نائب رئيس حكومة الجنوب، رياك مشار، في مؤتمر صحفي في الخرطوم، بُعيد لقائين، برئيس الجمهورية عمر البشير، ونائبه علي عثمان، جاءت فيه "سيرة" هؤلاء الجنود، وأقترح مشار - الذي قوبلت جميع مقترحاته بالرفض في ذلك اليوم الساخن بالقصر الجمهوري – أن تتم معالجة أوضاع هؤلاء الجنود هنا في الشمال، في إطار تواجدهم ضمن القوات المشتركة، لافتاً إلى أنهم لا يمكن أن يكونوا جزءاً من الجنوب بعد التاسع من يوليو، ومُذكراً كذلك بأنهم في الأساس أبناء ذات المناطق التي ينتشرون ويسيطرون عليها الآن، وما كان من حكومة السودان إلا ان رفضت حتى مواصلة النقاش حول هذه المسألة بحجة أنها ستواصله مع القطاع الشمالي للحركة الشعبية، وهو ما وجده مفاوض الحركة الشعبية، عاطف كير، تناقضاً في موقف المؤتمر الوطني، وحكومة السودان، مشيراً إلى أن الوطني يرفض وجود الحركة في الشمال بعد التاسع من يوليو، فكيف سيتفاوض معها على شئ مهم وخطير مثل أمر هذه القوات، كاشفاً في حديث معي عبر الهاتف، أن المؤتمر الوطني عرض من قبل في مفاوضاتهم معهم حول قضايا ما بعد الاستفتاء، دمج هذه القوات بالقوات المسلحة، ولكن حركتهم رفضت ذلك الأمر، معتبراً أن لهم تجارب مع حكومة السودان لا تشجع على مثل هذا الاتفاق، ووجد كير، الذي عبّر لي عن تخوفه من "نتائج وخيمة"، قد تترتب على إقدام الجيش على تجريدهم من السلاح، أن قضية هؤلاء المقاتيلن، مرتبطة بالتعقيدات والاشكالات التي تكتنف واقع الولايات التي ينتمون إليها وينتشرون فيها الآن - في إشارة إلى قضايا المشورة الشعبية وعلاقة هذه الولايات بالمركز - موضحاً أن حل هذا الأمر سيكون بالحوار السياسي، بعد إيجاد حلول مرضية لقضايا الولايتين دون حدوث أي تلاعب في مطالب جماهير تلك المناطق، على حد وصفه. *المنطقة المنزوعة وفي السياق، أعلن الاتحاد الأفريقي بالثلاثاء المنصرم، أن مسؤولين عسكريين من شمال السودان وجنوبه، اتفقوا على إقامة منطقة منزوعة السلاح على امتداد الحدود المشتركة بين شطري البلاد التي تبلغ نحو ألفي كيلومتر، والتي تمثل ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق أكثر من (60)% منها، وكشف مسؤول دولي في الخرطوم أن الطرفين سيستأنفان محادثات في شأن القضايا العالقة وترتيبات انفصال الجنوب، برعاية أفريقية، وقال الاتحاد الأفريقي في بيان له - تحصلنا على نسخة منه - إن مسؤولين من شمال السودان وجنوبه اتفقوا خلال محادثات جرت في العاصمة الأثيوبية اديس ابابا على إقامة كيان مشترك يضم وزيري الدفاع ورئيسي أركان الجيشين وقادة أجهزة المخابرات والشرطة من الجانبين، وأضاف أن "الاتفاق يؤسس منطقة حدودية مشتركة بين شمال السودان وجنوبه تكون منزوعة السلاح وخاضعة للمراقبة والحراسة في شكل مشترك"، واتفق الجانبان على ورقة عن أمن الحدود تشمل إنشاء آلية مشتركة سياسية وأمنية بين الشمال والجنوب، "لضمان الحفاظ على علاقات مستقرة وآمنة لكل الاطراف"، ووقع عن المؤتمر الوطني، الفريق محمد سليمان، وعن الحركة الشعبية، الفريق سلفا ماثوك، إلى ذلك، كشف رئيس مفوضية تقويم وتقدير اتفاق السلام، ديريك بلمبلي، أن الاجتماع تباحث في ثلاثة مواضيع شملت استئناف الحوار في شأن القضايا العالقة وترتيبات ما بعد الاستفتاء والاوضاع في منطقة ابيي، إلى جانب التوترات في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، مبيناً – بحسب صحيفة الحياة الصادرة يوم "الأربعاء"، أن الوضع يحتاج إلى حوار أمني وسياسي لوقف التوتر، داعياً إلى إيجاد حلول لمسألة إعادة انتشار قوات الحركة لشعبية في المنطقتين. *رفض قاطع وفي الأثناء، وجدت القوات المسلحة، أنها غير مُلزمة نهائياً بدمج هؤلاء المقاتلين في صفوفها، وشدد الناطق الرسمي بأسمها، العقيد الصوارمي خالد سعد، على أنه لا مناص أمام هؤلاء الجنود سوى تسليم أسلحتهم، وخضوعهم لبرنامج التسريح وإعادة الدمج كمدنيين داخل دولة السودان، وأفضي لي الصوارمي هاتفياً، عن إتجاههم فعلياً لنزع السلاح منهم، وعدم السماح لأي تواجد عسكري بعد التاسع من يوليو داخل حدود دولة السودان، مشدداً على أنهم لن يسمحوا بأي تواجد مُسلح لهذه القوات شمال حدود (56)، موضحاً أنه لا يوجد ما يُلزمهم بدمجهم في صفوف قواتهم، حيث أردف قائلاً: " لا يوجد على الإطلاق ما يُلزمني على دمجهم في القوات المسلحة"، وبالعودة لاتفاقية السلام نجد أنه لا يوجد فعلاً ما يُلزم حول أوضاع هؤلاء المقاتلين في حالة الانفصال - الأمر الواقع حالياً - على الرغم من وجود نص يرسم مستقبل هذه القوات في حالة الوحدة – بأعتبار ما كان – فقد أهملت إتفاقية السلام الشامل هذا الجانب تماماً، ولم تتضمن بنود الإتفاقية، نصاً واحداً، واضحاً كان أو غامضاً (كما نصوص كثيرة فسرها الطرفان على حسب ما أرادوا)، يشير الي ترتيب أوضاع وتحدد مصير هؤلاء العسكريين في حالة وقوع الإنفصال. mohmed hilaly [[email protected]]