القارىء الكريم . . اننى كقارىء لسودانايل و (كويتب ) فيها احيانا , أرى انه من الواجب ان أبدا بتحية هذه الصحيفة الرائعة والقائمين عليها , فقد أتاحوا لنا التعرف على العشرات من حملة الأقلام السودانية الجادة المسكونة بحب الوطن والشعب والمهمومة بالشأن الفكرى الثقافى والسياسى والاقتصادى لبلادنا العزيزة . الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا واحد من هذه الاقلام الوطنية الرصينة , وهو وان كنا قد قرانا له فى الصحافة الورقية , الا انه يحمد لسودانايل اتاحتها لكتاباته لقطاع اكبر من القراء جعلت الوصول access الى مافاتنا من مقالاته اكثر يسرا . لست اعرفه شخصيا شانه فى ذلك شان اخرين رائعين تبادلت مع بعضهم رسائل خاصة مشيدا بما كتبوا ومتمنيا لهم تمام الصحة والعافية ليستمر عطاؤهم للوطن الحبيب واتحافنا بما يسطرون ونطالعه على شاشة سودانايل . . احيانا يشعرالمرء ان التعبير عن الاعجاب والتشجيع ينبغى ان يخرج من التواصل الثنائى الى العلن ولهذا قلت: حيوا معى عبد المنعم عجب الفيا . الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا ينافح عنا فى جبهة هامة من شؤوننا الثقافية واعنى مسالة اللسان العربى واللهجة العربية فى السودان . وانا كواحد من اصحاب هذه اللهجة العربية فخور بها , واعتز بكونها من اقرب اللهجات العربية الى اللغة الفصيحة ان لم تكن اقربها , وسعيد باندياحها فى البلاد عبر القرون بحيث صارت لغة السوق والتفاهم بين الاقوام وغير الناطقين بها اصلا . . ان جهل الاخرين بالواقع اللغوى التعددى وبلهجتنا العربية ( وخاصة الاخوة فى شمال الوادى ) جعل الامر ملتبسا عندهم فلم يفرقوا بين اللهجة العربية السودانية التى يدافع عنها الاستاذ عجب الفيا وتلك اللهجة (العربية ) التى خالطتها العجمة التى يعبر بها مواطنونا من اصحاب اللغات ولانقول الرطانات الاخرى . والذاكرة هنا تستدعى طرفة : اواخر السبيعنات وانا وصديقى المرحوم احمد سرالختم الكارورى نتمشى فى احد شوارع وسط البلد بالقاهرة ( كان المرحوم يحضر لدرجة الماجستير فى الاداب عن جماعة ابوللو الادبية ) . . استوقفنا احدهم فجاة ودون سلام او سابق معرفة وبادرنا فى خفة ظل عرف بها القوم : بيؤلك (يقولك ) واحد سودانى سال التانى : انتى ياعصمانه ( انت ياعثمان ) ليه بيسموا بلدنا سودانه ( السودان ) رد عليه صاحبه لاننا سود , فاردف الاول : يعنى لو كنا بيض كانوا هايسموها( بيضانه ؟) ! وضحك صديقى الكارورى حتى كاد يستلقى على قفاه, اذ لم يصدق ان يتم الاحتفاء بنا والظرف معنا على هذه الشاكلة . ان هذا الجهل واسع الانتشاروالمصحوب بالاستخفاف يعبر عن جهل بمكونات السودان اللغوية وهو جهل يتصدى له امثال الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا بكل اقتدار . . سمعت الاستاذ على شمو ذات مرة يحكى طرفا من ذكرياته وهو طالب بالازهر, حيث ذكر ان صاحب احد الحوانيت اندهش عندما سمعه يتكلم بلهجة عربية سودانية سليمة فما كان من ذلك الرجل الا ان ارجع هذا ( التطور ) فى لغة على شمو الى قدرات وميزات المجتمع المصرى ( تعيشى يامصر يللى بتنطئى الحجر ( تجعلين الحجر ينطق ) ! استشاط الممثل والمخرج المسرحى الكبير_ محمدشريف على _ غضبا وهو يعلق ويرد على حديث للممثل (السودانى المصرى ) المرحوم ابراهيم خان ارجع فيه فشل الدراما السودانية فى ايجاد القبول عند العرب الى اللهجة السودانية ( وهذا مبحث اخرمثل موضوع السلم الخماسى ومحدودية الاغنية السودانية ) . ان ( الحفريات اللغوية ) التى يقدمها للقراء الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا لجديرة بالاهتمام والتقريظ , وكاتبها جدير بالاشادة والتكريم, فانعم به من ( اركيولوجست ) . . ولو كنت وزيرا للثقافة لقمت بجمعها فى كتاب وطبعته على نفقة الدولة ( التى تضيع مواردها وجباياتها فى مخصصات واسفار المسؤولين الدستوريين ) . فى مقاله الاخير كتب الاستاذ عبد المنعم عجب الفيا تحت عنوان ( ليس هناك مايسمى اخطاء فى اللهجة السودانية ) جاءت هذه الفقرة التى اوردها ادناه وكأنى به يقول لنا ( ايها السودانيون لاتقبلوا بالدنية فى لهجتكم العربية ) وغنى عن القول ان نذكر ان غير الناطقين بالعربية فى بلادنا او الذين ينطقونها مع تاثير واضح من لغاتهم الاصلية هؤلاء جميعا محل اعتزازنا وفخرنا بتعددية وطننا الكبير . يقول الاستاذ فى خاتمة مقاله : ( . . . لذا على السودانيين ان يتحرروا من الاستلاب اللغوى والثقافى الذى يقعون ضحيته بمحض ارادتهم وان يستعيدوا الثقة فى لهجاتهم وموروثهم الثقافى العربى والافريقى وان يتعاطوا مع اخوانهم العرب بكل الندية, وهذا يتطلب بالضرورة العمل على خلق الوعى الكاف باهمية وقيمة هذا الموروث الثقافى واللغوى ) أ.ه. ولكن من اين لنا يااستاذ بجيش قادته وجنوده وصف ضباته من امثالك ؟ بارك الله فيك ومتعك بالصحة والعافية. د. محجوب حسن جلى/السعودية / الطائف mahgoub gali [[email protected]]