اليوم هو الثلاثين من يونيو الذي يصادف الذكرى الثانية والعشرين للنكبة السودانية، ففي مثل هذا اليوم من عام 1989 نفذ ضباط من القوات المسلحة بقيادة العميد عمر حسن أحمد البشير –حينها- انقلابا عسكريا على الشرعية الديمقراطية تنفيذا لقرار مجلس شورى حزب الجبهة الإسلامية القومية بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي حيث أجاز مجلس شورى الحزب بشبه إجماع الاستيلاء على السلطة انقلابيا وقد كان! سمي الانقلاب (ثورة الإنقاذ الوطني)، وبعد أن انقلب الإسلامويون على الشرعية الديمقراطية انقلبوا على بعضهم البعض فوقع ما سمي بالمفاصلة عام 1999 وانقسم التنظيم الإسلاموي الحاكم إلى مؤتمر وطني بقيادة البشير، ومؤتمر شعبي بقيادة الترابي، وكل منهما يقول في الآخر ما لم يقله مالك في الخمر! في عهد ما سمي ب(الإنقاذ) عاش السودان أسوأ تجربة حكم استبدادي في تاريخه المعاصر، فالإنقاذ لم تكن دكتاتورية عسكرية عادية بل هي مشروع آيدولوجي يستبطن فكرة الوصاية الكاملة على الدولة والمجتمع عبر احتكار السلطة السياسية وعبر اختطاف جهاز الدولة لصالح الحزب الحاكم بإفراغ أجهزة الخدمة العامة من العناصر غير الموالية، وعبر احتكار السوق والفرص الاقتصادية والاستثمارية رغم أنف التحرير الاقتصادي، وعبر تفصيل القوانين على مصالح الحزب الحاكم ومحاسيبه، وعبر تسخير المناهج التعليمية وأجهزة الدولة الإعلامية للتعبئة السياسية والآيدولوجية لصالح الحزب الحاكم، فكانت النتيجة ان الحزب الحاكم الآن هو المهيمن على السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى على السلطة الرابعة إلى حد كبير! أما نتائج هذه الهيمنة الإسلاموية على الحكم لمدة اثنين وعشرين عاما فهي فشل على الصعيد السياسي والاقتصادي والتنموي تجلياته احتلال السودان لمواقع الصدارة في قوائم الدول الفاشلة على مستوى العالم، وتصويت ثلث الوطن للانفصال عنه بنسبة 99%! ، واشتعال الحرب الأهلية في الجنوب الجديد(جنوب كردفان)، كما اشتعلت في دارفور وأحرقت آلاف القرى وقتلت عشرات الآلاف من الأبرياء وشردت الملايين الذين لا زالوا في معسكرات البؤس والشقاء التي لا تجرؤ الحكومة على دخولها! وانهيار القطاعات المنتجة في الاقتصاد والاعتماد على البترول الذي أصبح ملكا لدولة أخرى، وانهيار مريع في التعليم العام والعالي وتدمير للخدمة المدنية، وحدة الاستقطاب السياسي على أسس عرقية وقبلية وجهوية حتى داخل التنظيم الإسلاموي الحاكم! وانحطاط أخلاقي مريع تجسده الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان في الجنوب ودارفور وجبال النوبة أثناء الحرب، وفي بيوت الأشباح أثناء السلم! وتجسده جرائم الحرب من مجازر جماعية وتعذيب واغتصاب، كما يجسده الفساد الذي أحرز فيه السودان المرتبة الأولى أفريقيا والثالثة عالميا، والدرك الأسفل لهذا الانحطاط هو استغلال الدين في تبرير كل جرائم السلطة والدفاع عن مصالحها الدنيوية واصطفاف من يدعون أنهم علماء الإسلام ودعاته في صف الاستبداد والفساد أو التواطؤ معه بالصمت على جرائمه! هذا إضافة إلى الفشل حتى في الوفاء للشعارات الإسلاموية من قبيل رفض التبعية للأجنبي، وقد رأينا كيف أن هذا النظام لا يستجيب إلا لإملاءات الأجانب كما رأينا كيف قادته شهوة البقاء في السلطة إلى استرضاء أمريكا التي دنا عذابها بتقديم الخدمات الاستخبارية لها للدرجة التي جعلت مسؤلا إنقاذيا يقول(كنا عيون وآذان أمريكا في المنطقة)!! وكان ما كان من طرد المرحوم أسامة بن لادن بعد سرقة أمواله! أما شعارات مجتمع الطهر والفضيلة فذهبت أدراج الرياح! الثلاثين من يونيو يوم نكبة وطنية كبيرة على السودانيين التوقف عند ذكراها كما يتوقف الفلسطينيون عند ذكرى نكبة 1948 !لاستجماع إرادتهم لاستعادة الديمقراطية! rasha awad awad [[email protected]]