[email protected] لي متين سنظل على حالة التخلف التي ضربت كل أوجه الحياة في سوداننا الحبيب؟! عدت إلى الوطن في اجازة قصيرة قضيت منها حتى اللحظة نحو أسبوعين لم أر خلالهما ولا ملمحاً واحداً للتطور الذي نسمع عنه في قنوات الإفك وصحف التضليل. في كل بلدان العالم التي أتيحت لي زيارتها شاهدت كيف تسير الأمور من حسن إلى أحسن. إلا هنا فكل شيء يسير إلى الوراء بسرعة الصاروخ ورغماً عن ذلك هناك من يحدثون الناس أو يكتبون لهم عن الطفرة الهائلة التي أحدثتها حكومتنا المبجلة. مدى التطور الذي يشهده أي بلد يقاس بما يقدم لمواطني هذ ا البلد من خدمات. وفي سودان العز والكرامة ليس هناك شيئاًَ اسمه خدمة المواطن. ومن يريد أي خدمة عليه أن يدفع الكثير من المال ثم ينتظر بعد ذلك ليحصد السراب في نهاية الأمر. يحكي الناس العاديون حكاوى وقصص يندي لها الجبين خجلاً ( هذا طبعاً في البلدان التي يقف على رأسها مسئولون لديهم أحاسيس البشر العاديين). وقد لا تصدقوا إن قلت لكم أن هناك من يدخل مستشفىً في دولتنا العجيبة بغرض إجراء عملية جراحية فيتم تحضيره وتخديره لها وبعد ذلك يوقظونه ليبلغونه بأن العملية تأجلت ليوم آخر! أما أن تذهب إلى عيادة اختصاصي وتجده غير موجود دون أن يوضح لك المسجل المسئول سبب غيابه فهو أمر يبدو أنه أكثر من عادي في سوداننا المكلوم. فقبل يومين فقط ذهبت بصغيري أحمد إلى أحد أطباء الأسنان فقال لي المسجل " بس معليش ياخي دكتور فلان اليوم ما موجود" سألته إن كان اليوم إجازة بالنسبة له! فكان رده " والله ياخي الليلة ما جاء لكن في دكتور ثاتي حا يجي مكانه" وبالطبع لم يكن أمامي خيار آخر سوى أخذ صغيري ومغادرة العيادة لأني ما ناقص مجازفات! هناك الكثير مما يٌخجل ويٌحزن ويملأ القلب حسرة على هذ ا البلد الذي انفلت فيه كل شيء بدرجة لا توصف، لكنني لن أستمر في احباطكم أكثر وسأكتفي بهذا القدر اليوم. لكن ذلك لن يتم قبل أن أعرج إلى المجال الرياضي لأطرح السؤال: لي متين ستظل صحافتنا الرياضية على بؤسها واصرار الكثيرين فيها على تكرار أنفسهم بهذا الشكل الممل. سافر الهلال للقاهرة بغرض إعداد فريق الكرة بصورة جيدة لدوري المجموعات فتابعنا ضجيجاً كثيراً وطالعنا مانشيتات لم تختلف عن مانشيتات العام الماضي أو العام الذي سبقه، لكننا في نهاية الأمر لم نر أثراً لأي طحين! قالوا أن المعسكر مثالي واستطلعوا لنا عدداً من لاعبي الهلال الذين أكدوا على الفائدة الكبيرة التي جنوها من هذا المعسكر. لكن حتى اليوم الأخير لم يخض الهلال مباريات تجريبية مع فريق كبيرة ومعروفة. استفادت العديد من الصحف الزرقاء من معسكر القاهرة لأنها كتبت حوله مانشيتات جاذبة تتحدث عن انتصارات بأهداف وفيرة وتألق لعدد من اللاعبين، لكنني أشك تماماً في أن يكون فريق الكرة قد استفاد من هذا المعسكر. فكيف تستفيدون يا برنس ويا عمر بخيت ويا بويا من معسكر لاعبتم فيه فرقاً أجد صعوبة كبيرة في تذكر أسمائها! والغريب بل المعتاد في صحافتنا الرياضية أن تطالع فيها آراء بعض المدربين السودانيين الذين يحدثون الناس عن نجاح المعسكر ويوهمونهم بأن الهلال أعد العدة جيداً لمنازلة خصومه في بطولة أفريقيا الأولى بعد سلسلة المبارياته التجريبية غض النظر عن مستويات الفريق التي تباروا معها. قال بعض المدربين أن المباريات مع الفرق الكبيرة كان من الممكن أن تضر بإعداد الفريق وأن التدرج في مستويات الفرق التي يواجها الهلال مطلوب. بصراحة ضحكت ملء شدقي وأنا أطالع حديث التدرج هذا. ألا يعلم المدربون الذين يتحدثون عن هذا التدرج أن الهلال سوف يبدأ مبارياته في دوري المجموعات في السابع عشر من الشهر الجاري! فمتى سيتدرج لاعبوه حتى يصلوا إلى مواجهة الفرق التي تقارب في مستوياتها من سيلاعبونهم أفريقياً؟! ألا تعتبرون مثل هذا الحديث يا أخوتي القراء مجرد ضحك على عقولكم؟! ولماذا تقبلون من صحفنا الرياضية دائماً هذا الاستهتار بعقولكم وبقدرتكم على الفهم؟! وطالما أن الهلال سيلاعب خلال معسكره فرقاً مغمورة وصغيرة فلماذا سافر للقاهرة أصلاً؟! ألم يكن من الممكن أن يجد لاعبو الأزرق الراحة والهدوء الذي يتحدثون عنه في أحد فنادق الأخ الحبيب معتصم كنون الذي أعرف قدراته جيداً في توفير خدمة تفوق ما تقدمه العديد من الفنادق خارج البلد وبعد ذلك يرتب الجهاز الفني للهلال لمباريات مع فرق محلية! لو أنهم فعلوا ذلك لوفروا الكثير من المال الذي أرى أنه أٌهدر فيما لا يفيد طالما أن الهلال لم يلاعب ولا فريقاً واحداً من الفرق المصرية الكبيرة. وحديث مدرب الفريق وبعض إدارييه عن عدم تمكنهم من مواجهة فريق مصرية كبيرة بسبب ازدحام برنامج تلك الفرق مؤشر على أننا نكرر أخطاء الماضي بالكربون. كما أن هذا التبرير يناقض أحاديث المدربين الذين استطلعتهم بعض الصحف ممن حدثونا عن التدرج وعن فائدة المباريات التجريبية مهما كان مستوى الفرق التي واجهها الهلال. ولماذا لم يحدد الهلال برنامج معسكره قبل أن يفكر في التحرك من الخرطوم؟! ولي متين ستعمل أنديتنا الكبيرة بنهج " حسب التساهيل" وكأنها أندية روابط وليس فرقاً كبيرة يفترض أن تكون قمة في كل شيء. شخصياً قل تفاؤلي كثيراً بحدوث شيء مختلف هذا العام وذلك ليس من فراغ. فقد سمعنا نفس حديث اليوم وقرأنا نفس ما تشيتاته في العام الماضي وقبل الماضي. قالوا لنا مراراً أن معسكر القاهرة كان رائعاً ومفيداً وأن الأزرق فاز بالخمسات والستات وربما التسعات وبعد أن بدأت المراحل الصعبة من البطولة الأفريقية خرج منها الأزرق خالي الوفاض. وخوفي أن يتكرر نفس المشهد هذا العام، لأننا لم نتعلم من أخطاء الماضي. الهلال سيلعب مع أنيمبا بملعبه بعد نحو أسبوعين والأجواء هناك تختلف عن أجواء مصر، فأرجو أن ينسى الجهاز الفني كلام الجرائد ويكف عن تصريحاته فارغة المحتوى ويعمل عملاً جاداً فيما تبقى من أيام. وأول ما يجب عمله سبق أن نبهت له مرات ومرات في الأعوام الفائته وهو أن يغمروا أحد ملاعب عاصمتنا غير الحضارية بالمياه ليتدريب لاعبونا على اللعب في الملاعب المبتلة لأن هذا ما سيواجهونه في مبارياتهم الأفريقية. شفتوا كيف الهلال كان ممكن يوفر الكثير من المال! يعني شوية موية يغمرون بها أحد الملاعب المحلية ليتدربوا عليه بدلاً من السفر للقاهرة للتباري مع فرق لا وزن لها. عموماً أرجو أن يستفيد الجهاز الفني في الهلال من الفترة القصيرة المتبقية، حتى لا نسمع مجدداًَ حديثاً عن صعوبة الطقس الذي نازل فيه الأزرق أنيمبا أو غيره من منافسيه في مقبل الأسابيع. عودوا لاعبيكم على اللعب في الملاعب المبتلة وحاضروهم حول الجانب النفسي المهم وكيفية تحييد الحكام الأفارقة وامتصاص حماس جماهير الفرق المنافسة واللعب بهدوء دونما انفعالات. وأرجو وأتمنى أن تتعلم الصحف الزرقاء من أخطاء الماضي وتتعامل بجد واخلاص مع مصلحة الفريق وتكف عن التفكير التجاري ولو إلى حين. فالأزرق في هذا الوقت لا يحتاج للتخدير أو المانشيتات التي تمجد بكري المدينة أو علاء أو مهند أو بويا. إن سجل بكري أم لم يسجل أمام فرق تعيسة كالتي واجهها الهلال في مصر فذلك لن يغير من الأمر شيئاًُ. وإن تألق بويا أو علاء أم لم يتألقا في مباريات تجريبية بهذا الضعف فهذا ليس مقياساً على درجة استعداد الأزرق لدوري المجموعات الصعب. وما لم يتوفر لنا الإعلام الرسالي الذي يغلب المصلحة العامة على المنفعة الذاتية الضيقة لا أتوقع جديداً. وفي المريخ أيضاً ظللت في حالة ضحك مستمر من نواح بعض الزملاء كتاب الأحمر. فقد شكوا كثيراً من استهتار البدري وغرور الحضري ناسين أنهم السبب الأساسي وراء كل ذلك. قلت مراراً أن إعلامنا الرياضي يخلق من الحبة قبة ويهلل ويطبل ويكتب معظم رموزه بانفعالات لحظية كما المشجعين العاديين تماماً. لكنهم عندما تقع الفأس في الرأس يبدأون النواح وتتعالى صيحاتهم. عبر بعض الأخوة كتاب الأحمرعن غضبهم من انفعالات وتصريحات البدري والحضري التي رأوا أنها استفزت العقول وتساءل أحدهم قائلاً " أيظن البدري أن في رؤوسنا قنابير!" والواقع أن " القنابير" موجودة بكثرة في عقول بعض كتاب الرياضة في بلدي وإلا لما وجد البدري والحضري كل هذه الحفاوة وهذا التهليل المبالغ فيه. ومن يجد مثل هذا التهليل غير المبرر طبيعي جداً أن يتصرف كما تصرف البدري والحضري.. إذاً ليس في الأمر عجب لكن فيه " قنابير بالكوم".