من الظلم أن تُقتل فرحة أهل دارفور الذين تشوقوا إلى السلام بالهجوم القاسي على وثيقة "سلام الدوحة " التي لم يجف مداها بعد،أقل ما يمكن أن نقدمه لأهل دارفور الذين يعرفون وحدهم قيمة سلام الدوحة لكونه خطوة نحو الأمل في إصلاح ما افسده دهر الحرب هو أن لا نحول بينهم وفرحهم. دعونا نُوقد شمعة في الظلام بدلاً من أن نعلن الظلام. بعض الذين صبوا جام غضبهم على سلام دارفور منهم من لا يعرف عن حرب دارفور إلا ما شاهده أو سمعه في الإعلام، لم يرى القرى التي حرقت ، ولا الخيام التي نصبت في عراء دارفور، ولم يسمعوا من النساء اللائي إعتصبن أمام أطفالهن وأزواجهن وإخوانهن وأخريات اختطفت الحرب أطفالهن ،وأزواجهن ، وإخوانهن بمعنى أن التفاعل السوداني مع قضية دارفور لم يكن بالحجم المطلوب وقد أنحصر التضامن في المواقف بعض الأحزاب السودانية والأكاديميين،و الساسة، و منظمات المجتمع المدني،الحق يُقال ولو قسنا تفاعل السودانيين مع قضايا فلسطين والعراق لوجدناها تفوق التضامن مع قضية دارفور التي انحصرت في صفوة المجتمع وساسته، والشاهد على ذلك زج الشعب السوداني إلى الشارع في مسيرات تضامناً مع ضحايا غزة والعارق، وهذا لا يعني أنها إنتهاكات ليست أهل للتضامن السوداني شبناً وإدانة للانتهاكات الإسرائيلية ضد الفسلطنين، ولكن ما أوردناه قصد منه تقديم شهادة على عجز الشعب في التضامن مع قضية دارفور بالداخل، مع أن تضامن شعب السودان بالداخل في قضايا حقوق الإنسان تجاوز الحدود بيد أنه تجاهل أهل الدم والرحم.ومن سخرية القدر أن يُضن أهل السودان بالداخل على دارفور بمسيرة واحدة لضحاياها الذين بلغ عددهم (360) ألف قتيل وفقاً لاحصائيات المنظمات الدولية التي دخلت في مغالطة مع الحكومة التي أعترفت ب(10) ألف قتيل بجانب (5،2) مليون نازح، و(3) ألف لاجئ، دارفور التي كان لها نصيب الأسد في استقلال السودان الأول والثاني. إذاً مادام أهل دارفور وحدهم دفعوا فاتورة القتل والتشريد دعوهم والسلام عله يأتي برداً وسلاما وبلسماً يضمد بعض الجراحات وأن لم تكن جلها.صحيح قُدر لحركة التحرير والعدالة أن توقع اتفاقياً ثنائياً، كما قُدر للأحزاب السياسية من قبل أن توقع على الاتفاقيات الثنائية بينها والإنقاذ ، لأن تقديرها للتوقيع آنذاك وفقاً لظروفها وقناعاتها، "البيتو من زجاج ما يطق الناس بالحجارة " جمعينا غرق في الثنائية وثنائية التحرير والعدالة فرضتها تراجيديا إنسانية لم تنتهي فصولها منذ (8) سنوات.نُدرك جيداً أن فرحة السلام ستكون كاملة الدسم بدخول الحركات الدارفورية التي لم توقع ،ولكن هذا لا يعني أن نقهر فرحة الذين يرونه نوراً يقتبسون منه لإضاءة عتمة معسكرات النازحين الذين ملوا طول الإقامة وأرهقتهم معاناة المطر والبرد بعد أن تهتكت خيامهم من صيف التشرد والنزوح والتسول. المطلوب منا ساسة ومجتمع مدني وأهلي ونازحين ولاجئين هو التعامل بواقعية مع سلام الدوحة باعتباره خطوات نحو السلام ربما تدفع الأخرين نحو سلام شامل شمول الحركات، من أجل إنهاء قساواة الحرب في الإقليم المنكوب،الوقوف مع مطالب أهل الهامش لا يعني التناصر مع المهمشين في ميادين الحرب فقط ، بل هم أكثر حاجة للشعب السوداني عامة، والمهمشين بصفة خاصة في ساحات السلم ، وهذا ما يحتم علينا أن نقف بجوار التحرير والعدالة وأن لا نتركها في "السهلة" لصقور الإنقاذ لتنفردون بها، لأن الشباب بالداخل قد يكون لهم أمل في أن ينضم شباب التحرير والعدالة إلى دعاة الإصلاح والتغيير من أجل وطن ديمقراطي حر ترتفع فيه نسبة العدالة والمساواة. من حسن الطالع أن التحرير والعدالة خلقت أرضية وتواصل مع المجتمع المدني السوداني لكونها إقتبست وثيقة سلام الدوحة من وثيقة(هايدلبيرج) التي خرجت من رحم مجهودات الخبراء والساسة والأكاديمين في مسيرة البحث عن حلول لأزمة دارفور بجانب المجتمع المدني ومخرجات اجتماعاته في الدوحة الأولى والثانية ، فضلاً عن مباركة مؤتمر أصحاب المصلحة لوثيقة السلام، كما أن تجاوب النازحين واللاجئين الذين حضروا التوقيع تعطى الأمل في أن النفوس تشوقت إلى السلام بعد أن أنهكتها معاناة الحروب، فتعهد النازحون واللاجئون في لقائهم مع دكتور التجاني سيسي رئيس التحرير والعدالة بفندق "رتاج الريان" أمس الأول بحماية الاتفاقية خاصة وأنه بشرهم بأنهم أصحاب الاتفاقية وهي ملك لهم، وسيرون وجوهم في كافة لجان مفوضية تعويضات النازحين وقطع بأن السلطة الإقيلمية لن تتقوقع في العاصمة "الخرطوم" بل ستنداح في دارفور. بصرف النظر عن ثنائية الاتفاقية فهناك من فرح بها وصفق لها خاصة القادمون من معسكرات النزوح واللجوء لأنهم الأكثر إدراكاً لمعنى كلمة "الحرب"،توقف الأخرون في محطة الرفض لا يعني طي ملف قضية دارفور إلى أن يصل الذين لديهم مآخذ على وثقية السلام إلى محطة القناعة بالسلام بتحقيق مطالبهم التي يرون أنها ستقطع دابر الحرب في دارفور. الجريدة fatima gazali [[email protected]]