وقعت حكومة المؤتمر الوطني و حركة تحرير والعدالة في يوم 14 من الشهر الجاري في العاصمة القطرية الدوحة علي ما يعرف بوثيقة سلام دارفور ، والتي لابد من القول بصريح العبارة انها واحدة من المحاولات المتكررة لتصفية قضية دارفور وقتلها في مهدها ، وهذا الامر يبرز بكل وضوح من خلال مخرجات التي طويت بها صقحات هذه الاتفاقية ومراسم الاحتفال بها والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك فشل أطرافها بتأكيد صلاحيتها ومشروعيتها وقدرتها على الصمود امام الغالبية الرافضة من أهل دارفور الأمر الذي يشكل طعنة لنضال شعبنا وخذلان لتضحياته وشهداءه ، لقد تم أخراج هذه المسرحية بشكل فيها الكثير من الذل والهوان والمهانة وإذعان لشروط ورؤية حكومة المؤتمر الوطني التي تسعى من خلال هذه الاتفاقية إضفاء نوع من الشرعية والاستمرارية لنظامه المغضوب عليه من الشعب بعد ان فرط بالوطن بتقسيم جزء خالي من تراب السودان و محاولة غداع ومراوغة اهل دارفور والمجتمع الدولي بأن هذه الاتفاقية هي اتفاقية نهائية لسلام دارفور ، انما هي اتفاقية رخيصة ومهينة لا تعبر عن رؤية اهلنا في دارفور ومعاناة النازحين واللاجئيين والدماء التي سالت من اجل هذه القضية التي لا تنتهي ابدا بالمناصب والكراسي وحفنة من الدولارات ، بل ستظل صامدة وقوية كالفولاذ كما قال المناضل العالمي (تشي جيفارة) الي ان تتحقق كل مطالب وحقوق اهلنا في دارفور كاملة دون منقوصة لقد دأبت المؤتمر الوطني علي توقيع مثل هكذا الاتفاقيات لذر الرماد في العيون وإيهام شعبنا في دارفور بأنها تأتي بسلام دون ان يدرك ان اهل دارفور اكبر من ان تجرهم مثل هكذا مهرجانات التي تنتهي بأنتهاء مراسم الحفل بعد الرقص والتكبير والتطبيل وكلمات من هنا وهناك ودفن الرؤوس في الرمال لتكون نهايتها مثلها ومثل الاتفاقيات السابقة التي ابتسمت وفرحت وهللت لها اهلها ولكن عندما شدوا رحالهم وخطوا اولي خطوات نحو تنفيذ تلك الاتفاقيات انصدموا بواقع اخر وهو نقد المواثيق والعهود واصبحت الاتفاقية جامدة تراوح مكانها، لا يدروا من اين تبدأ والي اين تنتهي بعد ان ركلت وريقات الاتفاقية الي سلة المهمالات بألوانها الزاهية وخطوطها العريضة وتوقيعات التي كتبت ووضعت بأقلام ذات ثمن باهظ اثمن من الاتفاقية ذاتها من كبار الحضور ( امم المتحدة والاتحاد الافريقي والجامعة العربية وحكومة السودان اضافة لاخر توقيع بقلم مهزوم وهو الطرف المستسلم طبعا ) كأنها شئ مقدس تشترط احترامها وتنفيذها حرف حرف ، الا انها لا قيمة لها كما أهلها في عيون العصبة الحاكمة وجبروتهم ، اما ان تكسر التلج وتكون من ضمن احزاب التوالي مع المؤتمر الوطني وفق ادواته الساعية الي التكويش وإسقاط الاصوات وشراء الزمم وتعليق في الهواء ، او اما ان تفر بجلدك خوفا من عصاء الغليظ الذي يبرزه الموتمر الوطني وعيون الحمراء والتهديد بالقتل والتصفية نظير تجاوز الخطوط الحمراء ومعارضة إملاءات المؤتمر الوطني ، ولكن الي اين تفر وهو سؤال بديهي طبعا ، الي اعدا ء اليوم ورفقاء الامس الي ميدان القتال بمبررات واهية لا يصدقها حتي الاطفال وطلب الغفران من رفقاء الدرب علي ما لحق به من الخيانة ونكسة من قبل افاعي المؤتمر الوطني الشركاء في تنفبذ الاتفاقية ، هذا ما لحق بأصحاب ابوجا وملحقاتها ، غنوا كثيرا ولكنهم انخرطوا في البكاء !!! ، وهذا مكافاة لأية اتفاقية مع المؤتمر الوطني دون وجود أي ضمانات ودون رغبات المجتمع ودون تحقيق كامل مطالب اهلنا في دارفور ستواجه مصير مظلم وتبقي حبيسة الادراج لقد ظن الكثيرون ان اتفاقية ابوجا مدخلا اساسيا لتحقيق السلام في دارفور وإسكات اصوات البنادق وتوقٌف حمامات الدم وتضع نهاية للحرب التي لا تبقي ولا تزر ، وتجعل من شعب دارفور شعب غارق في الرفاهية مفرطة وهذا بعد أعادتهم من المعسكرات وأعادة بناء قراهم وتعويضهم فرداً وجماعةً كثمن لأشياء التي فقدوها ولكن هيهات : لقد انتهت الاتفاقية دون ان تحقق رفاهية لاهلها الموقعين عليها بعد ان اصبحوا اسري لمكاتب جميلة يقبعون فبها صباحا ومساءا طوال السنين التي خلت ، انها مكاتب فارغة لا معني لها ولا مضمون ، لا انجازا تحصي لها ولا فائدة مرجوة منها ، لم يعد النازحين واللاجئين الي قراهم ، ولا تبنى مدرسة واحدة او مشفي ولا استقرار ولا أمن ناهيك من الرفاهية ، ولا سلطة بحجم طموحات اهل دارفور ، لا شهامة ولا كرامة ، كل شئي في خير مكانه لقد انتهت اتفاقية ابوجا بالحزن النبيل دون ان يجف الدموع من عيون الموقعيها من الحركات ودون ان ترجف جفنً واحدة من عيون المؤتمر الوطني ، وهكذا فشلت اتفاقية ابوجا وملحقاتها فشلا زريعاً في عيون العالم واهل دارفور ، وعادت حليمة الي قديمها غالية الوفاض لأن فاقد الشئي لا يعطى واليوم تبرز نفس المشهد في سماء دارفور تتبعه هتافات وتكبيرات وزغاريد ، وهذه المرة ليست في ابوجا بل من الدوحة عاصمة قطر ، خارج الدائرة الجغرافية التي أعتادت ان تحمل علي أكتافها مشاكل السودان ( ابوجا ون وتو واسمرة وسرت والقاهرة ونيفاشا ومشاكوش واروشا وانجمينا الخ.... ) من اقصي غرب حيث نيجيريا الي اقصي شرق حيث قطر ، من افريقيا الي اسيا ، من 2006 الي 2011 ، علي رغم من اختلاف الأمكنة والأزمنة الا ان هنالك الكثير من الملامح وأوجه الشبه و تطابق تماما بين الاتفاقياتين ، وما يجمعهما أكثر ان كلتا الاتفاقياتين جأت مهزومة وضعيفة لا تحمل في ادابيرها ما يدعو أهل دارفور شرعنتها ومباركتها بل تم نبزها ورفضها بفم المليان ومطالبة بمحاسبة موقعيها قبل ان يجف مداد الحبر الذي كتب بها ، وكليهما اتفاقيات استسلامية ولحس وراء المناسب والكراسي دون ان تحمل في طياتها خطوط عريضة ومعروفة في مسار قضية دارفور وهي موضوع التعويضات والاقليم الواحد وأعادة بناء والتعمير و قضية الحواكير والعدالة ، أي بمعني أخر كيف تتم التعويضات هل علي اساس فردي ام جماعي هل أعادت حواكير الي اهلها الاصليين وهل ضمنت موضوع العدالة الناجزة لمرتكبي الابادة في دارفور ، وهل وهل وهل؟؟ تركت الوثيقة الموقعة عليها كل هذه التسأولات بلا أجابة بل قدمت موقعيها تنازلات لا تحصي ولا تعد في حق اهلنا في دارفور ، وخضعت بشكل تام لأملاءات المؤتمر الوطني وإذعان لأوامره في المصادقة على الوثيقة خلافا لطموحات اهل دارفور في العيش الكريم وما يصبو إليه من اَمال في تحقيق كامل مطالبه . ما سميت بوثيقة دارفور او اتفاقية الدوحة هي إستنساخ لاتفاقية ابوجا التي وقعت بين حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي والحكومة السودانية في عام 2006 في كل صورها القريبة والبعيدة ، وحركة تحرير والعدالة التي صادقت علي الوثيقة في يوم الخميس الماضي تعتبر الحلقة الاضعف من بين حركات المقاتلة في دافور ، حيث انها تمخضت من رحم المفاوضات في الدوحة واستلمت الرأية ونصبت نفسها ممثل لأهل دارفور وحارس لقضيتها وأمضت في التفاوض مع المؤتمر الوطني دون أي رصيد نضالي، وأخيراً توجت مسيرتها النضالية التي أستمرت لأكثر من 20 شهرا من داخل الفنادق بهذه الاتفاقية التي تسمي زورا بوثيقة سلام دارفور ( لقد تمخض جبلا فولد فارا ) التي لا تلبي أدني طموحات واَمال اهلنا في دارفور لقد امضت حركة تحرير والعدالة منذ ولادتها في الدوحة في التفاوض والتمسك بالخيار السلمي ولكنها سقطت في اول امتحان في الثبات والنضال ، لقد تمادت في التلاعب بمسير شعب دارفور وقضيته العادلة وقدمت تنازلات مجانية علي حساب ما قدمه الشعب الدارفوري من التضحيات في سبيل إستعادة الحقوق وتحقيق العدالة ومحاكمة من ارتكبوا ابشع جرائم في حقه كأن يؤمل من حركة التحرير والعدالة والاخ تيجاني السيسي الاستفادة والتعلم من التجارب الماثلة امامه مثل تجربة السيد مني اركو مناوي الذي ذهب وعاد أدراجه يرافقه الندم والحسرة بسبب أقدامه على التوقيع ما سميت باتفاقية ابوجا ، ألا ان حركة التحرير والعدالة تسير في نفس الطريق سواء بوعي او من غير وعي وتنتهج نفس النهج من دون الاكتراث للأخطار التي تنطوي علي هكذا اتفاقية التي تكبل حاضر قضية دارفور وترهن مستقبله للمجهول . ان مصادقة علي هذه الوثيقة تكشف وتعري تماما مشروعية حركة التحرير و العدالة التي اثبتت منذ الوحلة الاولي بأنها غير كفوءة وغير أمينة ، وأبعد بكثير من ان تتحمل هموم ومطالب اهل دارفور ، وأثبتت بما لا يدع مجالا للريبة انها حركة تجري وراء مناصب زائفة ولا تضع ادني أهتمام لما اَلت عليها الاوضاع في دارفور ، لقد صادقت حركة التحربر والعدالة علي الاتفاقية من موقف ضعف فهي لا تملك ضمانات دولية كافية تضمن البقاء لهذه الاتفاقية وتصمد امام الاعيب المؤتمر الوطني ولا تملك قوه عسكرية كافية لتصمد امام عواصف الرملية التي تأتي احيانا من جهة الشريك في الاتفاقية ، بأختصار انها حركة ولدت بلا أثنان وعلى أثرها أمضت قدماً نحو هذا العمل المعزول . ان التوقيع علي هذه الوثيقة الناقصة وما نالته من الدعاية والترويج عبر الالة الاعلامية للنظام ، وما يمكن ان يترتب عليها من المخاطر بأعتبارها فصل من الفصول السوداء في مسيرة العمل الثوري ، تتطلب من القوي الثورية الرافضة لها الأسراع في ترتيب لمرحلة ما بعد هذه النكسة وتحديد اولوياتها وأدواتها بدقة ، والعمل علي أنهاء التشتت والانقسام لأستعادة الوحدة بين كل الحركات دون تمييز وبعده أعتماد استراتيجية متفق عليها في حالتي الحرب والتفاوض تعتمد خيارات بديلة في أدارة الصراع مع المؤتمر الوطني. وقد اثبتت لنا التجارب ان حكومة المؤتمر الوطني ليست أهلا للثقة وان التفاوض معه أمر مضيع للوقت وانه لا يفهم إلا لغة واحدة فقط وهي لغة السلاح والتي تعتبر وسيلة فعالة لتحقيق المطالب وإستعادة الحقوق , كما انه يجب اعادة النظر في مشروعية منبر الدوحة والاستمرار فيها كمقر للتفاوض ، لقد اكدنا في اكثر من مقال ان المولود الذي يأتي من رحم منبر الدوحة لا يعيد البسمة لملائيين من الامهات الثكالي اللائي فقدن البسمة منذ زمنِ بعيد .... باحث وكاتب سياسي mohmed bahreldin idrees [[email protected]]