[email protected] ما بين الرجفة والرغبة تضيع المهنية والاحترافية في مجال الإعلام الرياضي. وقفت طويلاً قبل يومين أمام أجزاء من مقال كاتب أزرق تناولت رجفة صلاح إدريس المزعومة خلال مباراة الهلال والموردة. وقبل أن أكمل وقفتي متأملاً أجزاء ذلك المقال وجدت نفسي حائراً تجاه تبرير فطير لمدير قناة قوون الفضائية قال فيه أنهم لن ينقلوا مباراة الهلال وأهلي الخرطوم اليوم وذلك بناءً على رغبة الجهاز الفني بالهلال. ما أيسر العزف على وتر العاطفة. وهو على فكرة فعل لا يحتاج لذكاء شديد أو قدرات ذهنية عالية، بل كل ما يتطلبه هو نوعية من الأشخاص يملكون القدرة على استمراء تضليل الناس واستحقار عقولهم. فحديث الرجفة لا يخاطب سوى عاطفة بعض الأهلة. والغرض منه واضح ومعلوم وهو أن يتعاطف بعض الزرق مع الرئيس الأسبق الذي يبدو أن الابتعاد عن ألق الهلال قد حرقه ولذلك نراه ومن يدورون حوله يحاولون استعادة أراضيهم المفقودة. من حدثنا عن رجفة صلاح أثناء مباراة الموردة فاتت عليه جملة أشياء سأفصلها عبر هذه المساحة حتى يكون النقد بناءً وموضوعياً. أول هذه الأمور أن المقام لم يكن ملائماً لتناول الحديث عن رجفة صلاح إدريس. الظرف ليس مناسباً لأن الهلال أصلاً متأخر عن غريمه بفارق خمس نقاط كاملة ولا أظن أن زيادة نقطة واحدة كانت ستغير الكثير من الأمور. فنحن ما زلنا بانتظار دورة أخرى كاملة من دورينا غير الممتاز، يعني لا يزال هناك متسع من الوقت لتغييرات كثيرة يمكن أن تحدث في هذا الدوري. ولو كان الفارق نقطة أو حتى ثلاث وتبقت للدوري مباراة واحدة لفهمنا الحديث في هذا الوقت عن رجفة صلاح أو زيد أو عبيد من الأهلة. ثم أن هناك الكثير جداً من الأهلة يرجفون في كافة الأوقات وتحت مختلف الظروف فهل دعى صاحبنا للمحبة والإلفة بين زرق الجباه لأجلهم! سؤال يفترض أن يجيب عليه بعض الأهلة قبل أن يحاول الكاتب المعني أن يبحث له عن الإجابة المقنعة. الغريب في الأمر أن نفس الكاتب الذي استغل حادثة الرجفة المزعومة ليحدثنا عن ضرورة توحد الأهلة لم يحدث أن سمعنا له صوتاً حول هذا الموضوع حينما كان صلاح إدريس رئيساً للهلال. بل على العكس فقد تفاخر خلال نقاش معي شخصياً بمنتدى الهلال بأنه بوق للأرباب وقال لي بالحرف الواحد " يشرفني أن أكون بوقاً له". وفي كل مرة تناولنا خلالها غطرسة الأرباب واستفراد فئة قليلة بشأن الهلال كان وبعض رفاقه يعبرون عن سرورهم بوجود صلاح ك ( حاد للركب) وظلوا يرددون هذه العبارة تحديداً في أي نقاش يدور. ولأن الكاتب وأمثاله اختزلوا الكيان الأزرق في شخص رجل اسمه صلاح، تصور لهم عقولهم أن الوحدة في الهلال لا تتحقق إلا بالطريقة التي يريدها صلاح وبالشكل الذي يرضيه. يتولى صلاح الأمر فيتجاهلون حديث الوحدة ولم الشمل، بل يذهبون لما هو أبعد وأسوأ من ذلك بكتاباتهم التي تسيء للكثير جداً من رموز الهلال الذين عرفهم الأهلة المخلصين قبل أن يأتي صلاح إدريس من غربته في بداية التسعينات متأبطاً حقائب الدولارات. وما أن يخرج صلاح من دائرة الضوء تجدهم يكثرون من حديث الوحدة ولم الشمل لا لشيء سوى أنهم اشتاقوا لتلك الأيام الخوالي التي كانوا يفاخرون الأهلة خلالها بوصفهم عبر أعمدتهم لبيوت صلاح إدريس وصالونه والوجبات التي يقدمها لهم خلال استضافته لهم. قلت أكثر من مرة أن من يريد أن يكسب رضا وود صلاح إدريس فليفعل ذلك بعيداً عن الهلال. الهلال ليس ملكاً لصلاح وشلته ولا يعني بعده أو بعدهم عن دائرة الضوء فيه أن هناك تفرقاً وتشرذماً. ولا أدري كيف يجوز ذكر اسم صلاح إدريس خلال حديث الوحدة ولم الشمل في الوقت الذي يعرف جل الأهلة أن صلاحاً أول من سعى لتفتيت الأهلة وتشرذمهم. رئيس أسبق يستغل مساحة عموده اليومي لسب وتحقير كل من تولى المنصب بعده ولا يزال هناك من يحاول إيهامنا بأنه يرجف خوفاً على الهلال من الهزيمة أو التعادل. ولنسأل هذا الكاتب: أين كانت رجفة صلاح إدريس يوم مباراة أهلي شندي الذي تواضع تماماً أمام الغريم المريخ ولم يقدم ولا واحد على الألف من تلك الحماسة والرغبة في الفوز اللتين شاهدناهما أثناء لقائه بالهلال! عموماً الهلال ليس ملكاً لأي رجل مال مهما تعاظمت ثروته، ومن يريد الهلال فهو باق بصلاح أو بدونه ومن يريد صلاح فليذهب له في داره العامرة ويتناول معه تلك الوجبات الفاخرة. وفي رأيي الشخصي أن الأهلة عقلاء بدرجة تمكنهم من التمييز ولن تفلح محاولات استدرار عواطفهم من أجل فرد مهما علا شأنه في نظر البعض. رئيس الهلال الحالي هو البرير وهو حر في اختيار من يرى أنهم يمكن أن يعينونه في أداء المطلوب منه كرئيس للهلال. وطالما أنه متمسك بأدب وموروثات الهلال وعازم على رفع شأن الكيان سيجد منا الدعم والعون، ولو أننا نعتب عليه كثيراً بسبب بعض السياسات غير المرغوب فيها التي انتهجها خلال الأسابيع الفائتة. وإن استمر البرير على ذات النهج الذي سار عليه صلاح فسوف يجد منا نقداً لاذعاً وقاسياً. أما إن تراجع عن سياسة إقصاء بعض زملائه في المجلس وتبنى الشورى الحقيقية نهجاً فلن نتوانى في دعمه. سندعمه نعم لكننا لن نسعى للتقرب منه أو الجلوس في صالونه أو وصف مقتنيات بيته أو ما تحتويه طاولات طعامه لأن ذلك سيفقدنا احترامنا لذواتنا قبل أن نخسر احترام الآخرين. هذا فيما يلي حديث ( الرجفة )، أما حديث الرغبة الذي عبر عنه مدير قناة قوون الرياضية فهو يعكس أيضاً مدى عدم التزام بعضنا بمقاييس المهنية والاحترافية. فقناة قوون تعاقدت مع اتحاد كرة القدم السوداني على بث مباريات الدوري الممتاز ولذلك فلا شأن لرغبات مجلس الهلال أو جهازه الفني بمسألة النقل. نحن كأهلة نريد للهلال الخير دائماً وسنسعد بكل ما من شأنه رفعة مكانته بين الأندية، لكننا لا نحيد عن مبادئنا أو ثوابتنا قيد أنملة. وغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الفكرة التي من أجلها أراد البعض عدم نقل مباراة اليوم، نرى أنه ليس من حق القناة أن تفعل ذلك نزولاً عند رغبة الهلال أو أي كائن أو مؤسسة أخرى. ولا أدري كيف نسى أهل قوون إعلاناتهم المتكرر عن النقل الحصري. وكيف فات عليهم أن العقد الذي وقعوه مع الاتحاد لنقل مباريات الدوري الممتاز لم يتضمن بنداً حول رغبة هذا الطرف أو ذاك. ثم أن الفكرة نفسها لا أراها صائبة فالرجاء البيضاوي يعرف كل شيء عن الهلال ولن يفرق معه حجب مباراة واحدة له كثيراً. وحتى هذه المباراة بإمكانهم أن يرسلوا أحد الفنيين لرصد كل صغيرة وكبيرة فيها إن كانت هي التي ستغير كل شيء. طبعاً لا يتدخل اتحاد الكرة في مثل هذه الأمور ليطلب من القناة الالتزام ببنود العقد الموقع بينهما لأن المتضرر هو المشاهد وهو لا يهم اتحاد الكرة أو القناة كثيراً. فما يهم الطرفان هو أن تظل لعبة المصالح بينهما كما هي دون تأثر. وما بين الرجفة والرغبة تضيع المهنية والاحترافية حقيقة.