رغم الثروة الحيوانية الهائلة بالسودان ... غلاء اللحوم والألبان هل هو خطأ سياسات أم محقة رزق ؟! بسم الله الرحمن الرحيم يذكر المختصون في مجال الاقتصاد أن بالسودان أكثر من مائة وأربعين مليون رأساً من الثروة الحيوانية ، ولكن رغم ذلك هناك كثير من خلق الله بالسودان لم يشبعوا يوماً لحماً ولا رووا لبناً، أكاد أجزم أن هناك من بلغ الأربعين من العمر ولم يشبع لحماً ولا ارتوى لبناً في حياته رغم أن هناك منهم من يسكن الريف وليس المدن حيث تتواجد هذه الثروة الضخمة على الواقع والورق أيضاً . يقول كبراؤنا في الريف أن هذا اللبن (العزيز هذه الأيام) كان يسكب بنوعيه (الروب والحليب) في العراء لعدم وجود من يشربه أو يستخدمه في إدامه وأكله ، كل ذلك كان في السودان الجميل كما يسميه بعض الناس. اندهش كثير من أمثالي ممن هاجروا في بداية التسعينات إلى المملكة العربية السعودية بكثرة هذا (اللبن العزيز في بلادنا)، كان متوفراً بصورة مدهشة ربماً أرخص من الماء (العزيز في السعودية) ، و ما أسهل أن تشرب قنينة (4لترات) وكأنك تعب ماءاً من نهر النيل ، وكل هذا لا يثير اهتمام أحد ، فلو شرب أحد فقراء بلادي محتوى هذه القنينة في السودان لأصبحت تاريخاً يذكره كل ما حل ، وربما صار طعماً في لسانه كل ما رأي لبناً ولو صورة !؟؟ وبالفعل فقد تسنى لي زيارة إحدى المزارع التي تنتج هذه الألبان ، فوجدت أبقاراً ليست بكثرة الأبقار في بلادي ولكن إنتاجها أضعاف ما ينتجه نفس العدد منها . أما اللحوم رغم قلة الحيوانات مقارنة بالسودان إلا أن كيلو اللحم في السعودية يعادل كيلو اللحم في السودان وربما يقل؟!!. ولكن رغم هذه الأعداد المهولة من هذه الحيوانات ، فنحن في شح من اللحوم والألبان، نشتهي رائحة الشواء وفي شهوة للبن وربما أصابتنا العيمة من قلة ما نشربه من لبن وما نأكله من لحم !! أي محق أكثر من هذا ؟؟ والغريب هناك حملة تدعو لمقاطعة استخدام اللحوم، وتواترت الأنباء عن أن السيد رئيس الجمهورية يشارك فيها ، أليس هذا شيء يقتل الإنسان حسرة وألماً !!! كان السودان قبل الإنقاذ كافي خيره شره ، لم يكن بالغني ولا بالفقير ، فكانت اللحوم متوفرة وبأسعار مناسبة وكذلك الألبان، و لكن جاء الأخوة الأعداء بما لم يأت به الأوائل وكان شعارهم (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) بيد أن هذا الشعار الطموح ذهب أدراج الرياح ، فأصبحنا نأكل من الخارج بحيث نستورد اللحوم الاسترالية والدجاج والهامور من السعودية ، أما الملابس فغزتنا الصين غزوات من دون إعلان ، وما إعلان ولاية الخرطوم باستيراد الدجاج إلا فرصة سانحة للقطط السمان ليزدادوا ثراءً وغنيً على حساب محمد أحمد الذي أصبح لا يعرف نفسه هل هو سوداني أم صومالي أم ماذا هو ؟؟ جاء الأخوة الأعداء وبالمناسبة هم من أصحاب الكرافتات المذهبة والبدلات الأنيقة والتي استبدلت لاحقاً بالعمم المطرزة والملافح القشيبة وهم يمنون الشعب السوداني بأنه سوف يناطح أمريكا وروسيا في العلم والرقي والتطور ، ولكن ماذا كانت النتيجة ، بؤس وشقاء وانقسام وانفصال في الوطن !! فقد ضربوا مثلاً سيئاً للمتعلمين الذين كان ينبغي عليهم أن يكونوا قدوة لمجتمعهم في الخير والنماء ولكنهم تحولوا إلى سارقين لقوت شعبهم ومطلبين للباطل وسالبين لتطلعاته المستقبلية في أن يكون شعباً راقياً متمدناً ، حيث بفضلهم تحول شعب السودان إلى شعب هامش بعد أن كان شعباً يسعى الجميع ليقتدوا به ، (حتى قيل أن الزعيم الليبي كان يمدحه أمام شعبه ). وإذا أردت أن تعرف مكانة السوداني في محيطه العربي اليوم ، فشاهد المسلسل الكوميدي السعودي (طاش ما طاش) وستعرف أن السوداني تحول من قدوة إلى خامل كسول يطوع معارفه العلمية المكتسبة في خدمة كفيله مهما كان هذا الكفيل لا يتقيد بالأنظمة ولا بالشرع ... وا أسفاه وحسرتاه على متعلمي بلادي من الأخوة الأعداء ، وكذلك متعلمي بلادي من السذج والبسطاء الذين حملوا شهادات عليا ولكن قلمهم لم يزل بلمهم ، حيث لم يتفقهوا في الواقع فقتلنا صمتهم ولا مبالاتهم !!!! (لا يفوتنك أن هناك بعض المتعلمين من غير الأخوة الأعداء ما فتئوا يحاولون أن يقدموا صورة مشرقة للسودان ... ولكن ما زال هناك من يقطع عليهم الطريق!!). إذن الغلاء الفاحش في أسعار المواد الغذائية ولا سيما اللحوم كان نتيجة سياسات خرقاء ابتداءاً من تغيير عملة لا تحمل صورة أي من رموز النظام الذي قبلهم ، فخسرت الميزانية العامة ملايين الجنيهات في خطوة عجلى مشفوعة بالعصا الغليظة وتعرض الاقتصاد السوداني حينها لضربة موجعة ، ثم توجوها بالبرنامج الثلاثي للإنقاذ الذي قصم ظهر الأسرة السودانية وشتت شملها ، وللعلم هو برنامج لإدارة اقتصاد السودان صممه الخبير الإنقاذي (عبد الرحيم حمدي) ، وهي نتيجة حتمية من مخلفات الدكتاتورية والشمولية على المجتمع التي حولت الدولة السودانية من دولة رعاية إلى دولة جباية !! ولكني لا أعفي مجتمعي من أنه في يوم ما لم يحمد الله كثيراً على هذه النعم الكثيرة التي حبا الله بها بلاد السودان فلم يحافظ عليها بل بددها بسوء تقديراته البدائية ولكن العبء الأكبر يقع على حكامه ولا سيما الأخوة الأعداء الذين لم يبنوا على ما سبق ولكن هدموا السابق ولم يستطيعوا أن يبنوا اللاحق ودونك مشروع الجزيرة (قال متعلمين قال) !!؟؟ قال الله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " أي أنه جعل مصير العباد في أيديهم وحيث إن هذا السودان لن ينصلح حاله ما لم يعد لدولة القانون الحقيقية والتي تفصل بين السلطات بحيث يعرف كل واحد ما له وما عليه وليس دولة تقوم على الميديا أكثر من الواقع ... رحمتك اللهم بعبادك فيما تبقي من السودان وألزمنا الصبر الجميل .. والختام سلام ... الطيب كباشي الفزاري الرياض/ المملكة العربية السعودية. altayb kabashi [[email protected]]