ظلت الأغاني الشبابية تواجه دائماً بنقد لاذع من قبل مجموعة كبيرة من النقاد، حيث توصف تارة بالأغنية الهابطة وتارة أخرى بالركيكة والخادشة للحياة والذوق العام، ولكن أتفقنا أو إختلفنا حول مضمون أغاني الشباب فإنها واقع يجب أن نتفق على وجوده، مع قناعتي الشخصية بأنه ليست كل التجارب الغنائية الشبابية هابطة أو ركيكة أو إلى ذلك من وصف، فتسليمنا بوجودها هو أحد أدوات الإعتراف وإن كان فيها من السلبيات فمعالجتها تتم بالحوار والنقاش والنقد الموضوعي . فإذا تناولنا تجارب هؤلاء الشباب خلال عقدين من الزمان بعيداً عن روح الأستاذية أو الأبويه فإننا نجد بأن هنالك أغاني وتجارب غنائية مميزة قدم من خلالها مجموعة من الشباب جهداً كبيراً لابد أن يجد عليه الشكر والثناء بإعتبارها إمتداداً واعياً لمسيرة الأغنية السودانية، بكل عنفوانها وحضورها، فقبل أن نناقش هذه التجارب الغنائية الشبابية لابد أن نناقش الظروف التي صاحبت هذا الإنتاج الغنائي الشبابي ، والمحيط الذي تمت فيه هذه النماذج ، فواقع الحال بالنسبة لمجموع حركة الشباب ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وسياسياً أصبح غاتماً، فهنالك أزمة عامة ومركبه لها ظروفها الذاتية والموضوعية ، فضلاً عن ضعف عام في الذوق والتذوق الموسيقي بالإضافة إلى غزو رهيب من قبل الفضاء الخارجي. هذا الضعف العام في التذوق الموسيقي مرده عدم وجود بنية وطنية موسيقية أو غنائية موثقه أو يستند عليها هذا الجيل رغم الإجتهادات الكبيرة تأرة هنا وتارة هنالك من بعض المبدعين . فكلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان أصبحت هي الرافد الأكاديمي الوحيد لبناء الموسيقى السودانية بالإضافة إلى مجموع المراكز المنتشره في العاصمة و الولايات فهذه الأخرى أيضاً تعاني من أزمة تخطيط ومخرجات. وأعتقد بأن المعالجة لهذه الضعف هو تبني سياسة جديد في إدارة العملية الغنائية والموسيقية عبر المدارس والجامعات بحيث تصبح نهجاً لمعالجة أزمة الأغنية الشبابية وكذلك الموسيقى بشكل عام. فإفتقار المدارس الثانوية والجامعات للمناشط بسبب سياسات أضرت كثيراً بالإبداع في هذا القطاع سبب فجوة عميقة في عملية التذوق الموسيقي، وبإعادة النظر في هذه السياسات يمكن أن نرجع الأمور إلى نصابها بإدارة مناشط ثقافية وأدبية وفنية داخل أسوار هذه المؤسسات. وسط هذا الجو الضبابي ظهرت الأغنية الشبابية وأصبحت تتداول في مختلف الوسائل الإعلامية بالإضافة إلى عناصر التكنولوجيا الحديثة، التي ساهمت في إنتشار إنتاج غنائي شبابي مضبوط وغير مضبوط ، لكن حينما نتحدث عن ذلك نؤكد بأن هذا الإنتاج الكبير كان له أثر كبير في نفس الشباب سلباً وإيجاباً . أنا مع أن الأغنية غير الرصينة والتي لا يبذل فيها جهداً لن تعيش طويل ولن ترسخ في إذهان الناس " يعني بالواضح كده تأخذ وقتها وتنتهي" عكسها تمام تظل هنالك أغاني هادفه ولها ابعاد ومضامين تستقر في نفوسنا ونظل نرددها . هنالك ميل عام إلى التغني بأمجاد الماضي من خلال ترديد أغاني الحقيبية والرموز الفنية التي قدمت منتوجاً رائعاً من خلال السنين الماضي، أو دائماً تقع المقارنة بين أغاني زمان واليوم، فما أن تجد مجموعة تناقش هذا الموضوع ينصب كل جهدها في التنكيل بالشباب وأغانيهم ، مع التقدير لهذه الحالة ولكن هذا ليس أسلوباً علمياً في التناول ولا المقارنة والمقاربة ،بل تندرج في باب النقد غير الموضوعي ، ولن يساهم في تقديم شئ مفيد لمسيرة الأغنية السودانية . أعتقد بأن النقاش لابد أن يرتقي من الرفض للإعتراف بوجود واقع ماثل نحتاج جميعاً لمعالجته وأن يشارك الشباب وليس غيرهم في معالجة سلبياتهم، فهم من يغيير وليس شخصاً أخر، وأن نرتقي من الأسلوب الوصائي إلى فضاءات الحوار الرحب والنقاش الموضوعي، وأن لا نناقش الأغنية الشبابية بمعزل عن الشباب ، فهذا لا نجني منه شئياً .. غير زيادة الهوة بين الشباب والأجيال التي سبقتهم والتي تنظر في كثير من الأحيان لهم بإعتباره نكرة على الأغنية السودانية. أعتقد بأن المعالجة الأنية لسلبيات الأغنية الشبابية تتطلب مزيداً من إدارة حوار مع مختلف المؤسسات الشبابية الغنائية والوقوف على تجاربها، وتقديم نقد ونقد ذاتي للمرحلة السابقة وفي إعتقادي أن يتولى ذلك إتحاد المهن الموسيقية في إطار ورش وسمنارات يكون حضورها الشباب وليس غيرهم، بالإضافة لإستراتيجية إدخال الموسيقى في المؤسسات التعليمية بحيث تفرخ شباب لهم من القيم والذوق الكفيل بجعل أغانينا مرضية لنا أولاً وإنطلاقها للفضاء الخارجي كخطوة حتمية .