نائب الرئيس السوداني للنخبة المصرية : هناك من يسعى للعودة بالأحداث إلى الوراء والتقسيم مخطط إستراتيجي في المنطقة القاهرة- أفريقيا اليوم : صباح موسى [email protected] جاءت زيارة النائب الأول للرئيس السوداني علي عثمان محمد طه في وقت عصيب تمر به مصر، بعد أحداث كادت أن تفجر الأوضاع في مصر الثورة، ولولا العناية الإلهية لشهدت مصر حرب أهلية لم تراها في تاريخها، علي خلفية الاحتقان الطائفي الذي تشهده البلاد حاليا ، والمواجهات الدامية قبل أيام أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري .. و وسط هذا الجو المشحون أتى النائب الأول بعد أن تأجلت زيارته للقاهرة لأكثر من مرة بسبب عدم استقرار الأوضاع بمصر، وجاءت الزيارة هذه المرة في وقت انقسم فيه المراقبون بأنه لافائدة منها، فمصر منشغله بواقعها الداخلي، وليس لديها فرصة لأي أجندة خارجية في الوقت الحالي، فيما ذهب بعض آخر إلي لتأكيد علي أن السودان أهم دولة في العالم بالنسبة لمصر، وأن الوضع الداخلي المصري هو أمر يهم السودان بالدرجة الأولى، وأنه يجب على السودان الوقوف بجوار مصر في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها بإبداء الرأي والنصيحة. أتى النائب الأول للبشير واستقبله رئيس المجلس العسكري محمد حسين طنطاوي واتفق الجانبان على إزالة كافة العقبات التي تعيق تطور العلاقة بين البلدين، لتثبت الأيام أن العلاقة بين مصر والسودان هي قرار سياسي، فمنذ عشرات السنين لم نجد طريقا واحدا يربط البلدين، كان هناك اتفاقيات، ولكن لم تكن هناك إرادة في تحقيقها، وعندما خلصت النوايا استقامت الأمور لنرى استكمالا لطريقين وليس واحدا أحدهما في شرق النيل والآخر في غربه، وذلك في شهور معدودة، وعندما التقى طه رئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف أكد على نفس المعنى بضرورة تطوير العلاقات والقفز بها خطوات أوسع إلى الأمام، وكأنه أمر مفروغ منه حيث اتفقا الطرفان وكأن اتفاقهما واجب التنفيذ وليس هناك حديث آخر بعده، لنرى المؤتمر الصحفي الذي عقب اللقاء حيث سيطرت الأوضاع الداخلية المصرية عليه، وكأن طه أحد مسئولي الحكومة المصرية ، حيث الهم واحد والقلق مشترك، ويبدو أن طه استشعر أن مهمته بالقاهرة أكبر من مجرد الحديث عن العلاقات ، فمصر في محنه ويجب الوقوف بجانبها بالرأي والنصيحة، ولم يبخل الرجل في لقائه مع النخبة وقادة الرأي بمصر من إلقاء محاضرة تحدث فيها بثقافة وخبرة عالية بعيدا عن أي حسابات سياسية ضيقة، الحضور كان يتوقع تنويرا بالأحداث في السودان، ورغم أنها كانت فرصة أمام طه لشرح الحقائق وتوضيحها أمام صفوة الشعب المصري، إلا أنه آثر على نفسه وقدم خلاصة فكر وتجربة لم تكن سهلة. تحدث طه منبها النخبة المصرية بأنه يجب أن تكون هناك قاعدة صلبة للمجتمع المصري متماسكة، وأهداف عليا بأن يظل الشعب سيدا لقراره، وقال لابد أن تظل القدرة الشعبية موجودة وموحدة وبأهداف نتفق عليها نسمها ماشئنا دستورا أو وثيقة مرجعية أو نظام مرجعي، متسائلا كيف نستطيع أن نوحد هذه الأهداف من أجل تحقيق هدف مشترك حتى لاينفذ الأعداء من خلاله، مضيفا أن مجرى الأحداث يبين أن التفاعل لا يتم باتجاه واحد، وأن هناك من يسعى لتغيير حركة المرور والعودة بالأحداث إلى الوراء، وهناك قوة تتحرك في سبيل هذه العودة، ويجب أن نفوت الفرصة على هذا التحرك المضاد الذي يسير بيننا دون أن نحس به ولكننا نصطدم بأفعاله، فيجب أن تظل المسيرة إلى الأمام. وقال جئنا إلى مصر نحيي ونواصل ونقدم للثورة المصرية ماتريد لكي تمضي نحو غايتها، وتابع أن الديمقراطية ليست مؤسسات فحسب، فهي مضمون أدق وليست صورة جديدة للعبة قديمة، فالديمقراطية التي تقدم أحزاب ودستورا وبرلمانا عرفتها مصر حتى قبل 1952، متسائلا هل مصر المتجددة الآن مختلفة، وقال رغم نبل المقصد ولكن هناك غايات أبعد جئنا لننبه لهذا وندير حوارا من أجله، ونقدر عاليا الذي حدث بمصر، ومايمكن أن يكون له أثر بعيد المدى، مضيفا جئنا نتحاور لأننا ندرك تماما ثقل مصر، فعندما تغيب مصر تشتت الأمة العربية ويسهل التهامها قطعة قطعة، مطالبا النخبة في مصر بأن تنتهي إلى قضية الحد الأدنى، وأن توضع الثوابت التي ينبغي ألا نتجاوزها، محذرا في ذات الوقت من أن خطرا يشوب الثورة المصرية، وقال لابد أن نتيح الفرصة لثورة فكرية ثقافية، تنتج ثورة إقتصادية، لخلق مناخ يهيئ للناس أن يسمو بحضارتهم، مضيفا نحن مطالبون الآن أن نقود معركة تحرير بصورة متجددة تجبر الهيمنة أن ترحل عن ديارنا ومنطقتنا وفق التحديات التي يتخذها الإستعمار. منوها أن مصر والسودان ظلا يتحدثان عن رغبات وأمنيات أكثر من ستين عاما لتحقيق التكامل ولم يحدث، وقال أن هذا أمر مستغرب ومخجل في ذات الوقت، موضحا أن الإنجليز ومنعا لهذا التقارب صمموا خطوط السكة الحديد في مصر مختلفة عن السودان لعدم التواصل والربط، وقال إن استتباب الأوضاع يحتاج إلى تكامل، فمصر وحدها لا تستطيع ولابد أن تستطحب معها بعدها العربي والإسلامي، فهي تواجة خطرا وتحديات واسعة جدا، مضيفا هل نستطيع أن نتعاون في مصر والسودان، مناديا بإدارة حوار والنزول إلى القاعدة الشعبية على كافة المستويات في البلدين لتقريب المواقف وتوحيد الفهم حتى يسهل السير إلى الأمام. النخبة المصرية من جانبها أثنت على الحديث والرؤية العميقة التي تنم عن خبرة طويلة، ولكنها - النخبة – لم تكتم خوفا بداخلها عن الأوضاع بالسودان والتي يمثل استقرارها عمودا فقريا لمصر، لتطالب الدكتورة أماني الطويل الخبير بمركز الأهرام الإستراتيجي بأن الهدية التي يجب أن يقدمها السودان لمصر هي أن يكون السودان نفسه مستقرا، كما طالب عدد من الحضور النائب الأول بضرورة حوار شعبي مع القاعدة الشعبية العريضة بمصر، فهو ليس غريبا عنها ويجب أن يحاورها، واللافت أن بعض قادة القوى السياسية أخذت تتحدث عن الوضع الداخلي المصري وتنتقد الحكومة والأحوال بمصر وكأن النائب الأول مسئولا مصريا، ليتحدث بعد ذلك أحد شباب الثورة عن أنه كان أحد أفراد مجموعة الدبلوماسية الشعبية التي ذهبت إلى الخرطوم وقال رأينا سودانا آخر غير الذي نعرفه، دخلنا البرلمان لنرى أن نائبه إمرأة، وبه نسبة مقدرة من النساء، حضرنا استجوابا لوزير الدفاع، وقفنا دقيقة حدادا مع أعضائه على أرواح شهداء الثورة المصرية وكأننا داخل مجلس الشعب المصري، وجدنا حفاوة واستقبالا لم نكن نتوقعه. وهنا عرج النائب الأول إلى الشأن الداخلي بالسودان للوقوف على المشهد، مؤكدا أن قضية الجنوب كانت ترتيبا قائما تعد فصوله مع كل نظام يحكم السودان. وقال صحيح أن هناك أخطاء ساهمت في إزكاء القضية ولكنها لم تكن سببا مباشرا فيها، كما أكد أن مخطط فصل الجنوب ليس لديه فرصة لأن يتكرر، وقال في دارفور وصلنا إلى إتفاقية سلام بدأنا في تنفيذها، وهي تعزز الجهود التي تبذل لإستقرار الأوضاع، موضحا أنه رغم عدم الوصول مع الأحزاب إلى مشاركة في الحكم إلا أن هناك تفاهمات حول قضايا بعينها في محاولة للوصول إلى مساحة فهم وبرنامج مشترك ثم تنفيذه، وقال لدينا الآن أكثر من 8 أحزاب تشارك في الحكومة، وكنا نطمع أن تشترك معنا قوى أخرى، ولكن العبرة في أن نشترك في توحيد المواقف، والقوانين التي يلتزم الجميع في الدفاع عنها كان معارضا أم مشاركا في الحكم، مؤكدا أنه ليس هناك أرضية لإيجاد جنوب جديد. وقال أنه عندما انفصل الجنوب كان من المفروض وبموجب الإتفاقية أن تأخذ الحركة الشعبية كل قواتها جنوبا، وألا يكون لها أي وجود عسكري، مضيفا أن هذا لم يحدث، فبعد أن صار الجنوب دولة يتمسك ببقاء قواته، ويحاربنا، ثم يتحدث عن دعوة الحكومة لإيجاد علاقات مع الخرطوم، وكشف أنه في اللقاء الأخير مع سلفاكير قيل له ( إرفع يدك عن السودان الذي تركته)، متعجبا من الحديث بأن الحكومة تمنع وصول الإغاثات بالنيل الأزرق وقال كيف يمكن أن نستمر ونقدم مساعدات لقوات ليست تابعة للجنوب الذي يدفعهم لمقاتلة حكومتهم المركزية، متسائلا أين هي الإغاثة التي تتحدث عنها أمريكا في أفغانستان حتى تتحدث عن خطوط الإغاثة بالسودان، وقال المطلوب منا أن نعطي حقوق الإنسان بفرض أجندة، مبينا أن هناك غياب للمعلومات عن طبيعة الصراع، وقال أن جون قرنق أكد له بأنه بدأ يقاتل السودان بسلاح عربي، وأن أول دولة أمدته بالسلاح كانت ليبيا وأن الثانية كانت من اليمن الجنوبي، مشيرا إلي أن موسيفيني هو من قاد حملة جنوب السودان، وأنه يقود الآن حمله لخلع نظام الخرطوم، وذكر أن موسيفيني يريد أن يوقف مايسمى الزحف العربي الإسلامي على أفريقيا وقال أن السودان عانى عندما ترك بمفرده دون سند، وكانت النتيجة أنه فقد جزء عزيز عليه، وهو جزء من الأمن القومي المصري، وقال ولذلك جئنا لنؤثر ونتأثر، مشيرا أن لكل نظام وتجربة وشعب اجتهادات بها الخطأ والصواب، وقال يجب أن نقيم ميزان عدل بين حساب الأخطاء والمسائل الأساسية بعيد عن إصطياد الأخطاء، مضيفا هل الحديث عن الإسلام والمسيحية والأفريقية والعربية سببه الحرب في جنوب السودان؟ وقال أين التقسيم الغربي من ذلك، ومن الذي أدخل هذا التقسيم في القاموس السياسي، مطالبا الجميع بالنظر للمسائل بصورة أعمق، وقال يجب أن نعي أن هذا التقسيم استراتيجي، فكل الآفارقة يتحدثون عن أن التكوين العربي وافد في أفريقيا، مضيفا أن السودان تم إختياره لتجرى عليه تجربة النظريات الإستراتيجية في أفريقيا شمال وجنوب الصحراء، فالسودان بموقعه يمكنه تحقيق هذا الإستهداف لهم، محذرا من أن هناك فكرة لتقسيم مصر ثلاث دول، وقال يجب أن نأخذ هذا مأخذ الجد، فلم نأخذه بالجد في السودان، ونرجو ألا يحدث في مصر، مؤكدا أنه في كل مرحلة من مراحل الإستعمار هناك مخطط مختلف لهدف أساسي هو التقسيم، وقال من الممكن أن تقسم العراق والسعودية ومصر، داعيا إلى حوار يتجاوز النظرة الآنية إلى كيفية التوحد لمواجهة الطاقات التي تريد أن تجعل مستقبل المنطقة مرهون بها.