يُروِّج كثير من أعداء الإسلام باتجاهاتهم المختلفة ، أنَّ الإسلاميين ينادون بالديمقراطية والتعددية إذا كانوا بعيدين عن السلطة والحكم ، يتخذون ذلك تقِيةً وأملاً في تحقيق مكاسب سياسية ، وقبول جماهيري ، فإذا هُيأت لهم الظروف أن يحكموا – عن طريق الانتخابات أو غيرها – تنكَّروا لما كانوا يطالبون به وأظهروا وجههم الحقيقي الذي لا يعترف بالديمقراطية والمشاركة ، والتداول السلمي للسلطة ، وبسط الحريات والاعتراف بالحقوق الأساسية للأمة ، غير أنّ جماعات الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب الإسلامية في كثير من البلاد الإسلامية وبخاصة مصر ، قدّموا ما يدحض هذه المزاعم ، وشاركوا في العمل السياسي وكان لهم أثر كبير في الممارسة النظرية والعملية على مستوى العمل السياسي والنقابي ، ودعم المجتمع المدني والعمل في مجال التغيير الاجتماعي والاقتصادي للهياكل التحتية والفوقية للمجتمع . ولعلّ تجربة الإسلاميين في مصر – وهم يمثِّلون أعظم حركة إسلامية ريادةً وخبرةً وأثراً في المجتمع – قد أظهرت أنّ الإسلاميين المخلصين ينافسون بشرف ومسؤولية في خيارات المجتمع الأُخرى ، ويحققون تقدُّماً في صناديق الاقتراع ، ويكتسبون كل يوم ثقة الشعب المصري بمختلف طبقاته ، وبخاصة في اتحادات أساتذة الجامعات واتحادات الطلاب ، والنقابات المهنية ، والتنظيمات النسائية في انتخابات حُرّة نزيهة يُشرف عليها ويضع ضوابطها وقوانينها غيرهم ، حيث لا سلطة لهم في ذلك . ولعلنا لانستطيع أن نجعل اخفاق الاسلاميين في السودان-وليس الاسلا م-مثالا لأن الجماعات الاسلامية في تركيا وماليزيا ومصر ؛ركزوا جهودهم وطاقاتهم في الاهتمام بقضايا المحكومين –الأمة-ووضع الحلول التي تتناسب مع ظروفهم ومجتمعاتهم بينما اهتم الاسلاميون في السودان بالحكم ووسائل تدعيمه وآليات بقائه واستمراره وتركوا المحكومين في معاناتهم واجترار امانيهم وتطلعاتهم في مجتمع مسلم قائم على العدل والمساواة والاحسان والشورى وتكافؤ الفرص والحياة الكريمة التي تحفظ لهم انسانيتهم وكرامتهم وتحقق سر وجودهم في الحياة عبادة لله وتحكيما لشرعه وامتثالا لتعاليمه . إن تركيز جهود الدولة في البقاء والاستمرار بصرف النظر عن مطلوبات البقاء والاستمرار هو الذي أدى لفشل المشروع الحضاري الذي نادوا به بل أصبح للناس حساسية وتوجس ازاء هذا المشروع الذي فقدوا الثقة في المنادين به وليس فيه. الاسلاميون في"تركيا" مثلا تعاملوا بذكاء وعقلانية مع تاريخ مجتمعهم المعاصر بحيث لم يصطدموا بالمفهومات السائدة ولاالافكار المعارضة وقد استمعت الى المقابلة التي اجرتها مقدمة برنامج"العاشرة مساء"منى الشاذلي"في قناة "دريم الفضائية المصرية"حيث أعطى "رجب أردوغان" رئيس وزراء تركيا تفسيرا جديدا لمفهوم العلمانيةباعتبارها لاتتعارض مع الدين بل تتعيش معه وتنسجم في قضايا الحريات والحقوق المدنية والقانونية واحترام حق الآخرين والمشاركة كما أشار الى أن العلمانية في تركياانهت عداءها للدين واحترام مبدئه في الاجتماع والتدين والسلوك فالمفكرون من الإسلاميين في تركيا تصالحوا مع العلمانية باعتبارهاإرثا تاريخيا وثقافيا لن يمحى في سنوات كما أن العلمانيين الاتراك احترموا المستجدات في مجتمعهم العائد الى الاسلام بقناعة وعقلية. ولو أن الاسلاميين في السودان تعاملوا مع الواقع السوداني والعالمي بدون شعارات دنو عذاب الأمم واستعداء الآخرين بتلك الصورة التي لايقرها الاسلام ولايقبلها والقرآن الكريم يعلمنا أن نقول للأمم غير المسلمة "إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" لوتعاملوا بغير ذلك لكا ن لهم شأن غير ما وصلوا اليه من اخفاقات وارتدادت وتفرق وتشاحن وإحن وأحقادوفقدان الناس الثقة في دعاة المشروع الحضاري. الإسلاميون في تركيا جعلوا الديمقراطية وسيلة لتهذيب اطروحات العلمانيين وعدم مواجتهم وتكفيرهم واشاعتهم لخصوصية المفهوم التركي للعلمانية المتصالحة مع الأديان. وفرق مهم بين اهداف القيادة الإسلامية في تركيا والقيادة في السودان حيث ركز الاتراك على اعادة المجتمع للإسلام عملا وانجازا حقيقيا في الاقتصاد والنهضة والتقدم والديمقراطية بينما ظلت القيادة التاريخية في السودان توجه الجهود كلها لتحقيق طموحات من يريد حكم السودان باسم الاسلام وليس بالاسلام كما هدف الاتراك. [email protected]