القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إساءة بعض السودانيين لبعضهم بكلمة عبد (تعقيب على تعليقات) .. بقلم: فيصل الدابي/قطر
نشر في سودانيل يوم 21 - 10 - 2011

أثار المقال الأول الذي كتبته في هذا الشأن أكثر من أربعين تعليقاً في موقع سودانيزاونلاين ووصلتني تعليقات مؤيدة ومعارضة على عنوان بريدي الخاص وتمت إثارة عدة تعليقات هامة تستحق الرد ولذلك فإن هذا التعقيب سيكون مكرساً ومخصصاً للرد على الحجج الواهية التي أثارها بعض المستعربين الشماليين حول حقيقة انتماء أغلبية السودانيين.
من المؤكد أن مسألة الهوية السودانية ، على أهميتها البالغة، ليست واضحة في أذهان كثير من السودانيين ، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك نشيد وطني للفنان وردي تقول كلماته: حين خط المجد في الأرض دروبا عرباً نحن حملناها ونوبة ، ولسان حال هذا النشيد يقول إن السودانيين هم "نوبة وعرب" وهناك نشيد وطني للفنان الكاشف تقول كلماته "أنا أفريقي أنا سوداني " وهذا النشيد يؤكد على افريقية وسودانية السوداني، أما نشيد الفنان العطبروي المصاغ باللغة العربية الفصحى فينفى إفريقية السودانيين ويدعي أنهم عرب خلص حينما يقول:
أيها الناس نحن من نفر عمروا الأرض حيثما قطنوا
نزحوا لا ليقتلوا أحداً لا لاضطهاد من أمنوا
دوحة العرب أصلها كرم وإلى العرب تنسب الفطن!
وإذا كان كبار الشعراء والفنانين السودانيين يخلطون في جنسنا السوداني ولا يعرفون ما هو جنس السودانيين بالضبط فكيف بالعامة من السودانيين!
كتمهيد للتعقيب على بعض التعليقات التي أثارها بعض القراء، لابد لنا من التأكيد على المقومات الأساسية لأي هوية وطنية غالبة وهي العرق ، اللغة ، الدين ، والثقافة . العرق يعني الجنس، واللغة تعني اللغة المكتوبة وغير المكتوبة أي ما يُسمى بالرطانات، الدين يُقصد بين الديانات السماوية اليهودية، المسيحية والاسلام كما يقصد به الديانات غير السماوية ، أما الثقافة فهي مفهوم واسع فضفاض ويُقصد به عادةً كافة العادات والتقاليد المتعلقة بسائر المناسبات الاجتماعية مثل عادات وتقاليد الناس في النفير والزواج وهلمجرا. ومن المؤكد أن عناصر الهوية الوطنية الغالبة تتفاوت في قوتها فعنصر العرق قد يكون أقوى من عنصر الدين في كثير من الحالات والأدلة على ذلك لا تُحصى منها على سبيل المثال لا الحصر:
انقسم الاتحاد السوفيتي إلى دول كثيرة مثل تركمانستان، كازاكستان وازربيجان وتسكنها أغلبيات مسلمة ، ودول مثل روسيا البيضاء وجورجيا وأرمينيا وتسكنها أغلبيات مسيحية. يوغسلافيا انقسمت إلى خمس دول هي البوسنة والهرسك (ذات الأغلبية المسلمة) ودول ذات أغلبيات مسيحية هي الجبل الأسود، مقدونيا، صربيا ، كرواتيا . وفي المثالين العالميين المذكورين أعلاه تعددت ولم تتوحد الدول ذات الأغلبيات المسلمة والمسيحية على حد سواء لأن مكونات العرق واللغة أقوى من مكونات الدين. أما المثال المحلي فهو أن السودان انقسم إلى دولتين ، دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان ، ومن الملاحظ أن مسلمي جنوب السودان البالغ عددهم 17% من سكان الجنوب قد صوتوا بكثافة من أجل الاستقلال عن شمال السودان ذي الغالبية المسلمة الأمر الذي يعني أيضاً أن مكونات العرق واللغة أقوى من مكونات الدين على المستويين الدولي والمحلي.
تقول أقوى التفاسير الدينية الإسلامية إن أبونا آدم سُمى آدماً والآدم صفة بمعنى الأسود وهي مشتقة من الأدمة وهي سواد اللون وتستند هذه التفاسير إلى قول الله سبحانه وتعالى: "لقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون"، قال القرطبي في تفسيره: "الحمأ: الطين الأسود ". ونفس التفاسير الدينية الاسلامية تقول إن أمنا حواء سميت حواء على اللون الأحوى وهو اللون الأسمر الضارب إلى السواد! ومن الملاحظ أن النتائج النهائية لعلم الأنثربولوجي أو علم الأجناس تتطابق مع التفسيرات الدينية الاسلامية فعلم الأجناس يقسم الجنس البشري في الكرة الأرضية إلى ثلاث أجناس رئيسية هي الأسود (كالأفارقة والأبوريجنال الاستراليين) والجنس الأبيض (كالأوربيين والعرب) والجنس الأصفر (كالصينين واليابانيين) ، ويقول علم الأجناس أيضاً إن أصل الإنسان هو إنسان أسود ظهر لأول مرة في أفريقيا وتحديداً في إثيوبيا والتي تعني الوجه المحروق أي الوجه الأسود وأن الجنس الأبيض والجنس الأصفر هما فرعان عرقيان ينتميان إلى الأصل أي الجنس الأسود، ومن المؤكد أن تصنيف غالبية السودانيين في فئة الجنس الأسود هو تصنيف علمي وواقعي ولا يجب أن تتناطح حوله عنزتان ، فبالنسبة لعرق السودانيين سواء أكانوا من أهل الشمال أو الجنوب أو الغرب أو الشرق أو الوسط فإن علم الأجناس كما أسلفنا وعلم الجينات الوراثية والعلم العام والعلم الخاص القائم على المشاهدة الميدانية لسحنات غالبية السودانيين وألوانهم السوداء المتفاوتة السواد يؤكد أن معظم السودانيين يتحدرون من العرق النوبي الأفريقي الأسود وأن الدم الزنجي في هؤلاء يطغي على الدم العربي (إن وُجد) والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت غالبية السودانيين من ذوي البشرة السمراء أو السوداء يمثلون الأصل فلماذا يصرون على التمسح بالفرع الذي يجب أن ينتمي إلينا وليس العكس؟! ولعل أسوأ سلوك عنصري هو أن يتعالى الانسان الأسود على الإنسان الأسود لأن ذلك السلوك يعتبر ضرباً من ضروب ظلم ذوي القربى والذي قال عنه الشاعر طرفة بن العبد:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على الفتى من وقع الحسام المهندِ
ومن المفارقات العنصرية العجيبة في أفريقيا أن الليبيريين السود الذين أعيدوا من أمريكا إلى ليبيريا قد راحوا يتعالون على إخوانهم الليبيرين السود وحولوا ليبيريا إلى مهد للانقلابات العسكرية والفساد السياسي ولم تعد ليبيريا إلى طريق الحكم الرشيد إلا بعد أن حكمتها إمرأة زنجية حديدية تمكنت بدهائها السياسي من جلب الاستقرار السياسي للبلاد واستحقت بذلك الفوز بجائزة نوبل للسلام للعام 2011.
أما اللغة العربية وبالأصح اللغة العامية السودانية فهي اللغة الغالبة لسكان شمال السودان ولكن هذا لا ينفي أن كثير من قبائل السودان لديها لغاتها الخاصة غير العربية فالهدندوة لديهم لغة غير عربية والمحس والدنقالة والحلفاويين لديهم لغات غير عربية ومعظم قبائل كردفان ودارفور والنيل الأزرق لديها لغاتها الخاصة غير العربية ولهذا فإن عدم احترام أو تهميش اللغات غير العربية يعتبر سلوكاً ثقافياً وسياسياً شديد الخطورة ، نفس الشيء ينطبق على الدين ، فالدين الإسلامي هو دين الأغلبية في شمال السودان ولكن هناك أيضاً أقليات مسيحية وأقليات تدين بديانات أفريقية مختلفة في شمال السودان وجبال النوبة ولذلك فإن عدم احترام أو تهميش الديانات الأخرى هو سلوك بالغ الخطورة ونفس الشيء ينطبق على مكون الثقافة فسيادة الثقافة الاسلامية في شمال السودان لا يبرر تهميش الثقافات الأخرى غير الاسلامية مع العلم أن ثقافة شمال السودان نفسها تنطوي على الكثير من العادات والتقاليد النوبية التي تعود جذورها إلى سبعة ألف سنة والتي لا يعرفها العرب ولم يسمع بها المسلمون في أي بلد من بلاد العالم.
علّق البعض بقولهم إن أهل شمال السودان يتحدثون اللغة العربية ويدينون بالإسلام ويتمسكون بالثقافة الإسلامية وأن هذا دليل على عروبتهم ، هذا القول مردود عليه بأن الانتماء العرقي شي ومكونات الهوية الأخرى شيء آخر ، فالتحدث بالعربية واعتناق الاسلام لا يحول السوداني إلى عربي وهذه مسألة بديهية فنيجيريا مثلاً فيهم مسيحيون يتحدثون باللغة الانجليزية ويتبنون الثقافة الانجليزية ولا يقول هؤلاء أبداً إنهم إنجليز ، السنغاليون يتحدثون الفرنسية ويدينون بالإسلام ولم يدعوا قط أنهم فرنسيون ، الانجليز احتلوا الولايات المتحدة الأمريكية، وتبنى الأمريكان (القادمون أو المجلبون قسراً من كل بقاع العالم ) اللغة الانجليزية ولكن لا يوجد أمريكي واحد يقول أنا إنجليزي، الانجليز أنفسهم احتلت بلادهم جحافل الفايكنج الاسكندنافيين ، فأخذ الانجليز منهم اللغة الانجليزية لكن لا يوجد انجليزي واحد يتشرف بأن اسكندنافي ، فلماذا لا نتشرف نحن السودانيون بعرقنا الإفريقي الأسود الذي خلقنا به الله؟! ومن المفارقات العجيبة التي تدل على الجهل بمكونات العرق النوبي السوداني الأفريقي الذي تثبته البشرة الداكنة والشعر الأجعد أن معظم قبائل السودان تدعي الانتساب إلى قبائل عربية في جزيرة العرب وتزعم الانتساب على وجه الخصوص إلى آل البيت النبوي الشريف ، وذات مرة شاهدت أحد المستعربين الشماليين في السودان وهو أسود فاتح يتحدث في لقاء تلفزيوني مع بعض النوبة من جبال النوبة وحينما قال النوباوي الأسود الغامق أنه ينتمي إلى إحدى القبائل العربية المشهورة ، ضحك السوداني المستعرب ولسان حاله يقول "انتا قايل في رأسنا في قمبور" فانطبق عليه المثل السوداني القائل "اب سنينة يضحك على اب سنينتين! فالسودان هو أرض الأغلبية السودانية السوداء علماً بأن السودان في نظرنا يعني شمال السودان والذي لا يقصد به الشمالية وإنما يقصد به ما تبقى من السودان من شمال السودان، شرق السودان ، غرب السودان ووسط السودان كما يعني جنوب السودان أيضاً فهو ، رغم استقلاله وانفصاله عن شمال السودان ، يعتبر النصف السوداني الآخر الذي لا يُمكن الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال لأن الجنوبيين هم الأقرب إلينا عرقياً من جميع سكان الكرة الأرضية ، وهنا يجب التأكيد على أن ارتداء بعض مسلمي جنوب السودان للعقال كما يُشاهد من وقتٍ لآخر في تلفزيون جمهورية جنوب السودان وتحدثهم بعربي جوبا لا يعني أنهم عرب كما أن ارتداء رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير للبرنيطة وتحدثه بالانجليزية من وقتٍ لآخر لا يجعله انجليزياً ، فكلنا في نهاية المطاف سودانيون سود وفي الواقع فإن اللون الأخضر أو الأسمر لا يُوجد في قاموس علم الأجناس وإنما هو اختراع لوني سوداني زائف ما أنزل له به من سلطان فالبشر خلقهم الله إما بيضاً أو صفراً أو سوداً أما التلاعب في الساحة الزنجية وخلق الفوراق الوهمية بين الأسود الفاتح والأسود الغامق والأسود خاطف لونين فهو ينطوي على مزحة عنصرية سمجة يجب أن تتوقف فوراً عند كل السودانة السود، فالسوداني الأصلي أسود اللون وسلمه الغنائي خماسي مستمد من سرعة وحرارة الإيقاعات الأفريقية وفي كرة القدم فإن السوداني يشجع فريق الكميرون بطريقة لا شعورية إذا لعب ضد أي دولة أوربية أو عربية وفي الملاكمة فإن السوداني يشجع أي ملاكم أسود ضد أي ملاكم أبيض حتى لو كان لا يعرف أي واحد منهما ، وعلينا أن نلاحظ مثلاً أن معظم الزنوج الأمريكان في أمريكا قد أصبحوا أفتح لوناً من سكان شمال السودان ومع ذلك فهم مصنفون كزنوج ويعتزون بلونهم الأسود ويفتخرون بشدة بجذورهم الزنجية الأفريقية ولهذا فإن تنكر بعض المستعربين السودانيين لأصلهم الأسود هو مسلك غير مبرر على الإطلاق!
أما الذين يقولون إن الثقافة العربية الاسلامية هي الغالبة في الشمال ، فلا نختلف معهم كثيراً لكننا نقول أيضاً لمن يجهلون خصائص الثقافة السودانية إن كثير من العادات والتقاليد السودانية الحالية هي ذات جذور نوبية يعود تاريخها إلى أكثر من سبعة ألف عام ، فمعظم عادات الزواج السودانية كالسيرة إلى البحر ورش اللبن هي عادات نوبية أصيلة كانت وما زالت تشكل جزءاً أصيلاً من الثقافة السودانية، ومن المفارقات الثقافية الكبرى أن نفس المستعربين السودانيين الذين يحاولون ربط العرق السوداني الأسود بالعرق العربي الأبيض بأي وسيلة لا يجدون ما يتفاخرون به من آثار تاريخية أمام العالم سوى إهرامات الدفوفة والبجراوية والمسلات النوبية المتناثرة هنا وهناك في شمال السودان!
أما قول البعض إن في السودان زبيدية وحلب وشوام وأتراك وهلمجرا وإن التعميم والقول بسواد أهل شمال السودان هو أمر خاطيء فنرد عليهم بالقول إن تعمد الخلط بين الجنسية والعرق هو أمر غير مقبول ، فالحلب والشوام والزبيدية موجودون في السودان وهم مواطنون سودانيون بفضل قانون الجنسية السودانية ولكنهم في كل الأحوال يشكلون أقلية أما حديثنا فقد كان وما يزال يتعلق بالأغلبية السودانية الكاسحة الثابت سوادها لكل ذي بصر وبصيرة، ونقول لهؤلاء إن هناك سودانيون يحملون الجنسية الانجليزية في انجلترا فهل يجوز لاؤلئك السودانيين أن يقولوا إنهم ينتمون عرقياً إلى الجنس الأبيض الانجليزي، فبأي منطق مقلوب يفكر هؤلاء؟!
وعلى العموم فإن التأكيد على هويتنا النوبية الأفريقية السودانية لا يعني عدائنا مع العرب، فنحن كسودانيين نشترك مع العرب في اللغة والدين والانسانية والسودانيون قاتلوا مع العرب في كل حروبهم ضد إسرائيل ومنحوا الكثير من الشوام والمصريين والفلسطينيين جنسيات سودانية ولكن كم عدد السودانيين الذين تم منحهم جنسيات عربية في دول الخليج العربي مثلاً؟! هناك بعض السودانيين الشماليين ، الذين يتوهمون أنهم عرباً ، كانوا يعملون بمرتبات زهيدة في بعض دول الخليج وعندما اكتسبوا الجنسيات الأمريكية والانجليزية تضاعفت مرتباتهم رغم أنهم كانوا ومازالوا يؤدون نفس العمل ، فأين الاعتراف بعروبة السوداني هنا؟! بل أن اعتماد الحكومات السودانيين المتعاقبة على مساعدات بعض الدول العربية ، جعل بعض مواطني تلك الدول ينظرون نظرة دونية إلى السودانيين وقد حكى لي أحد اصدقائي ممن اشتهروا بالسخرية السودانية اللاذعة أن أحد الجيران العرب قد أرسل إبنه وهو يحمل صينية عليها كرته (بواقي طعام) إلى بيت السوداني وحينما فتح الباب ورأى الهدية المعتبرة طلب من الغلام أن يرمى ما يحمله في الزبالة وألا يطرق باب بيته ثانية وإلا فإنه سوف يقوم بفتح بلاغ تعدي جنائي ضد عائلته ، ولم تنته مشكلة الصديق السوداني عند هذا الحد حتى بعد رحيله إلى حي آخر فقد حاولت إحدى الجارات العربيات إعطاء زوجته مبلغاً مالياً على سبيل الصدقة حيث زعمت أنها تريد الوفاء بنذر ما وبالطبع رفضت زوجته الصدقة وعلق هو على الحادثة الثانية قائلاً بسخرية شديدة : "الظاهر الجماعة ديل رقونا ، زمان كان بدونا الكرتة الليلة بقوا يدونا الصدقة"!
ولعل الكثيرين من القراء قد اعتقدوا أن الهدف من المقال هو محاربة الاساءات العنصرية فقط لا غير وهو اعتقاد خاطيء بكل تأكيد لأن الاساءة تشمل التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي وهلمجرا ، الهدف الأساسي من المقال هو وقف الفرز العرقي الوهمي في شمال السودان والدعوة إلى وقف الحرب بين ما يُسمى بالعرب والزرقة في دارفور ووقف الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان لأن كل هذه الحروب تفجرت بسبب سياسات غير رشيدة قائمة أساساً على التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي ، دعونا نتأمل خرائط التهميش السياسي والاجتماعي والثقافي في شمال السودان ، لاحظوا تركيبة الهيكل الوظيفي لكل الوزارات السودانية السيادية ومنصب رئيس الجمهورية ، ستكتشفون أن الرئاسة دائماً محتكرة لأهل الشمالية بينما يكون النواب والمستشارين من قبائل شرق وغرب السودان وكأن لسان حال بعض أهل الشمالية يقول (منا السواقين ومنكم المساعدية!) ، تابعوا كل البرامج السودانية في جميع الفضائيات السودانية ستعثرون على التفرقة العنصرية بلحمها ودمها، برنامج أفراح أفراح يستضيف أعراس سودانية في الخرطوم ، السعودية وبورسودان أحيانا والسؤال هو ألا يتزوج السودانيون ويفرحون في كادقلي ونيالا وسنجة ؟! برنامج أسماء في حياتنا استضاف كل من هب ودب من أهل الشمالية فلماذا لا يستضيف قادة وزعماء وفناني ومصارعي أولئك الناس القابعين في جبال النوبة التي يُقال إنها تتكون من تسعة وتسعين جبلاً ؟!
إن مخاطر التهميش العنصري في السودان هي من أكبر المخاطر التي واجهت وما زالت تواجه السودان ، فالتهميش العنصري والاحساس بالدونية هو الذي أدى إلى انفصال أو استقلال جنوب السودان والتهميش العنصري هو الذي أدى إلى خلق مشكلة دارفور وتدويلها وهو السبب الأساسي في كل الحروب العنصرية البغيضة التي دارت وما زالت تدور في السودان ، ولهذا فإن جميع السودانيين مطالبون بالتفكير المشترك والعمل على الغاء سياسات الاساءات العنصرية وسياسات التهميش العنصري والخروج بحلول سودانية ناجعة تضع حداً لكل المشاكل الكبرى التي يعاني منها أهل السودان ، السودانيون محتاجون لديمقراطية سياسية حقيقية يتقاسم بموجبها كل أهل البلاد السلطة والثروة دون أي تفرقة لونية زائفة أو تفرقة عرقية وهمية ويحتاجون إلى ديمقراطية ثقافية حقيقية تتقاسم بموجبها كل قبائل شمال السودان فرصة الظهور الاعلامي وترويج ثقافاتها ورطاناتها التي يجب أن تحترم وتصان بموجب القوانين المحلية والدولية لا أن يُسب المتكلم بها بوصفه "رطاني" مع العلم أن عدم معالجة الأوضاع السودانية المتفجرة حالياً والإمعان في صب الزيت على نار الخلافات العرقية الوهمية عبر الدعوة إلى القضاء على الرطانات واللغات الإفريقية والدعوة إلى التعريب والأسلمة القسرية ومحو الثقافات ذات الجذور غير الاسلامية وإشعال الحروب بين مسيرية حمر ومسيرية زرق واتباع سياسات التهميش العنصري ، سوف يفجر الأوضاع في شمال السودان ويفككه إلى أكثر من خمس دول فمتى ينتبه كل السودانيين إلى ضرورة القضاء على التمييز والتهميش القائم على فوراق وهمية في درجات السواد الذي يسود جلود الغالبية العظمى من أهل السودان!
وفي الختام نؤكد مجدداً ، مستندين إلى العلم والملاحظة الميدانية ، أن أغلبية سكان السودان بشماله وجنوبه هم من الجنس الأسود ، أما إذا ركب بعض السودانيين المستعربين رؤوسهم وأصروا على المكابرة الجينية والمغالطة العرقية والانتماء إلى عرب الجزيرة العربية بأي شكل من الأشكال، فنقترح عليهم أن ينتسبوا إلى عنترة بن شداد الذي قال مفاخراً بوالدته السوداء:
وأنا ابن سوداء الجبين كأنها ذئب ترعرع في نواحي المنزلٍ
الساق منها مثل ساق نعامة والشعر منها مثل حب الفلفلٍ
وقال عنترة مفتخراً بلونه الأسود :
يعيرون لوني بالسواد ولولا سواد الليل ما طلع الفجر!
ومن العجيب حقاً أن إنساناً كعنترة قد اعتز في عصر الجاهلية بلونه الأسود الذي خلقه به الله بينما يفر بعض السوادنة من اللون الأسود في عصر العلم والتنوير وعصر الحريات والتحرير ويحاولون القضاء على السواد بالكريمات وعلى حب الفلفل بالببسي كولا!
فيصل علي سليمان الدابي/المحامي /الدوحة/قطر
sara abdulla [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.