"الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    الحلقة رقم (3) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ركائز انتخابات التحول الديمقراطي المنشود (1) ... بقلم: عبد العزيز عثمان سام/ الخرطوم
نشر في سودانيل يوم 31 - 05 - 2009

أودُّ أن أساهِم، ما استطعت، في توصيف، واستخراج العناصر المهمة والركائز الأساسية التي ستُقوم عليها للانتخابات القادمة، والتي حتماً، ليست كسابقاتها عبر تاريخ الشعوب السودانية، حيث كانت الانتخابات في أحسن الفروض تقوم، لانتخاب رئيس أو حاكم أو والي ولاية أو نائب دائرة لبرلمان قومي أو إقليمي، وفق منهج تقليدي يلتزم بموجبه النائب المنتخب بتنفيذ برنامج لحزب سياسي تقليدي وفق رؤى وبرامج ومناهج التي تم التوصل إليها بإرادتها المنفردة مستندة إلي رؤيته ومقررات أجهزته الداخلية وخبراته السابقة في تولي المنصب العام، ومًجمل العملية لا تعدو كونها، وعود انتخابية يعلم أطرافها أنها سرعان ما تتبدد كالغيوم فور إعلان نتيجة الانتخابات بفوز احد المرشحين، ومن ثم ينفض السامر ولا يتواصل الناخب والنائب المنتخب إلا في الدورة القائمة، لأن العلاقة غير مربوطة بالتزامات واجبة النفاذ علي المستوي العام، أما علي المستوي الخاص فإن شريحة من الشعب السوداني قد تخصص في عمليات الانتخابات بحِرفِية عالية، يقومون بمساعدة المرشح الذي يعملون له بكل تفاني مقابل جُعلٍ آني، ووعود ومكاسب حال الفوز. ولن تجدَ في تاريخ الانتخابات السودانية، مرشحاً ألزم نفسه بوعود عامة، في معني، فوائد خدمية أو تنموية أو تبني مواقف محددة حول قضايا محلية أو قومية ويتم انتخابه علي ذلك، مع إلزامه بوعوده تلك، ومتابعة تحقيقها وتنفيذها حال فوزه، لن تجد تلك العلاقة بين الناخب والمرشح في الماضي، وهو التحدي الذي يجب أن يخوض به الناس انتخابات التحول السياسي القادمة.
ومعلوم أن ذلك النمط القديم من الحكم ومناهج العملية السياسية وممارسة الولاية العامة قد انتهت، بسبب فشلها في تقديم أنموذج للحكم يناسب الدولة السودانية المتعددة في كل شئ، ولأن أنماط وتجارب الحكم السابقة قد انتهت بالدولة السودانية إلي حافة الهاوية والانهيار، عندما اختار أبناء الهامش السوداني الكفاح المسلح لوقف الاستغلال والغش والخداع والإبعاد عبر الأنماط القديمة، من المنظومة السياسية وممارستها، الأمر الذي انتهي بأبناء شعوب الدولة السودانية إلي الجلوس للتفاهم والحوار وصولاً إلي صيغة حُكمٍ تناسب الجميع، وتُنصِف الجميع، وتُشرِك الجميع في إدارة البلاد واقتسام مواردها وإدارتها علي الشيوع، ولا يتم ذلك إلاّ بتحديد وتعريف هوية الدولة وثقافتها ووضعها داخل تنظيمات دولية تعبر عن مصالح مشتركة لشعوبها ذات الهوية والثقافة الواحدة والمشروعات المشتركة للتعاون والتعاضد علي النهوض بها وترقيتها وتحقيقها لخير شعوبها، ومن خلال الإدارة المشتركة ضمن آليات تُعمِل القواعد والمعايير التي تراضي عليها الأطراف السودانية/ السودانية، سيعمل الأطراف/الشركاء حثيثاً، في النظر إلي عناصر مهمة لتكوين الأمم ومحاولة تبني صِيغ تُعبِر عن، وتمثل المشترك بين جميع شعوب السودان، لتبنيه علي المستوي القومي والوطني المشترك، ثم تحديد خصوصيات كلٍ من الشعوب المكونة للدولة السودانية، والاعتراف بها واحترامها وتوفير المناخ المناسب لممارسة وإظهار تلك الخصوصية والتنوع.. ومن العام والمشترك، يتواضع ممثلي الشعب علي تعريف هوية الأمة وانتمائها الجغرافي والثقافي والسياسي والإقليمي، ويساعد ذلك في بناء التحالفات وتأسيس الاستراتيجيات والأحلاف من القضايا المتعلقة بمصالح ومستقبل الوطن والأمة، مع توقير الخصوصيات وإتاحة المجال لها للتواصل والتعامل مع، وبناء العلاقات مع مثيلاتها أينما كانت وتخصيص مساحات مناسبة للخصوصية للإطلال من خلال الآليات القومية بما يُعمِق من إحساسها بالعام والمشترك، والانتماء إليه والافتخار والاعتزاز به.. هذه ، بصورة عامة هي ملامح من مضامين ما احتوت بطون الاتفاقيات المبرمة بين قوي الهامش السوداني الذي خرج مُغاضِباً وحمل السلاح في وجه المركز المستأثر بنصيب الأسد في إدارة الدولة السودانية ومؤسساتها القومية وثرواتها منذ فجر التاريخ، ولمّا طفح كيل الظلم والاغتراب الداخلي بأبناء الهامش السوداني، خرجوا علي شقيقهم المركز وقلبوا له ظهر المِجن، فاقتتل الأشقاء حيناً من الدهر ثم احتكموا إلي العقل وجلسوا إلي بعضهم ويتلاومون، ثم طفقوا يتحادثون، فتفاوضوا وتفاهموا فيما يجب أن يكون عليه حال الحكم ومستقبل الدولة السودانية، فتوصلوا آخر النهار إلي مواثيق/اتفاقيات تضمّنت قواعد وأحكام بصموا عليها وأشهدوا بها الداني والبعيد، ثم بنوا آليات مشتركة (انتقالية) للتنفيذ وضربوا للانتقال موعداً، وبنهايته يكون أطراف الاتفاقيات وأخوتهم من عموم الشعب السوداني قد تدربوا وأقالوا العثرات وبنوا العزم وعدّلوا التشريعات وأوجدوا المناخ الملائم للتحول الديمقراطي المنشود عبر انتخابات حرة ونزيهة، وصولاً إلي عهد جديد ودولة جديدة عبر منهج جديد ورؤية جديدة لحكم الدولة السودانية الجديدة القائمة علي المواطنة والحرية والعدالة والمشاركة والمساواة والشفافية والرشد، وقد تراضوا علي معبرهم وجسرهم إلي التحول المنشود، التحول الديمقراطي، انتخابات حرة ونزيهة بالكيفية التي وردت شروطها في الاتفاقيات المبرمة والمواثيق الكونية التي تم إقرارها من جميع الأطراف لتكون جزءاً أصيلاً من الشرعة الوطنية الداخلية.
هذا هو المكتوب والموقع والمشهود به دولياً وقد ظل يقبع في بطون اتفاقيات السلام المبرمة بين المركز السوداني والهامش خلال العقد الأول من الألفية الثالثة.. ويحسب الناس أن هذا إنجاز عظيم، رُغم أن شعوب العالم قد سبقتنا في ذلك بعيداً، ولكن أن نأتي متأخرين خيرُ من أن لا نأتي البتَّة ! هذا إذا توافرت إرادة الأطراف علي التنفيذ بالنوايا الحسنة وفق القيد الزمني المضروب.
فما هي ركائز التحول الديمقراطي المنشود ؟
الإجابة: ركائز التحول الديمقراطي هي:
1) التنفيذ الكامل والشامل لجميع الاتفاقيات المبرمة بين مركز السودان والهامش وهي الاتفاق السلام الشامل واتفاق القاهرة واتفاق سلام دارفور واتفاق سلام الشرق، فضلاً عن الاتفاقيات الملحقة التكميلية المزمع الوصول إليها بين المركز ومنظومات الكفاح المسلح في عموم الهامش السوداني.
2) حل أزمة الهوية بتعريفها وتحديد ملامحها وتسكين الدولة السودانية في المحاور والتجمعات الإقليمية والثقافية والأحلاف التي تناسب وتخدم هوية الدولة السودانية.
3) حل أزمة الثقافة بالإفراج عن مجموع الثقافات السودانية وتحريرها ومنحها المجال اللازم للتداخل والاحتكاك لتقليل التباين وصولاً إلي ثقافة سودانية هجين من مجموع الثقافات المقيمة في الدولة السودانية، ويشمل ذلك المسائل المتعقلة بالأديان واللغات والعادات والتقاليد وخصائص المجموعات العرقية المختلفة، وأن يتواضع الجميع في تعريف وتحديد الآليات التي تؤسس للثقافة السودانية المشتركة، دون الإضرار بمجموع الثقافات أو تهميشها أو حبسها أو خنقها أو تحقيرها أو اعتبارها أقل قيمة اجتماعياً، أو أقل درجة اجتماعية.. الخ.
وسوف أفرد هذه الحلقة، وربما أخري، للركيزة الأولي وهي:
التنفيذ الكامل والشامل للاتفاقيات المبرمة بين المركز والهامش:
هذه الاتفاقيات، المبرمة والمشهودة والمضمونة دولياً، لا مجال للحديث عن التحول السلمي الديمقراطي قبل تنفيذها كاملة غير منقوصة، ذلك لأن إرادة الأطراف المتنازعة والمتحاربة حين توقيعها، قد انصرفت وقصدت إلي تنفيذ كامل بنودها، وعليه، يكون الحديث عن وقف الحرب كغاية في ذاته من توقيع الاتفاقيات المبرمة هو حديث فقير إلي الدقة، فوقف الحرب ليس غاية بالرغم من القيمة العظيمة التي تتحقق منها، لأن الأصل في الحياة السلم وأن الحرب طارئ وكُره، لا يُلجأ إليه باختيار، وغالباً ما يكون الملا ذ الأخير لدفع الظلم والحيف والجحود، إذاً الحرب واللجوء إليه، ومن ثم وقفه ليس هدفاً في كل الأحوال ولكنه أمرٌ لا طائل منه عندما يستشري الظلم ويتحكم الفساد، ثم أن الظلم والشر إذا سكتنا عنهم سنكون ضحاياه حتما، وهو مضمون المثل الإفريقي الحكيم القائل:(If you see injustice and evil and do not talk abodut it, you will become their victim)..وعليه يكون، وضع السلاح وإنشاء آليات مشتركة لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة والدخول في مراحل التنفيذ وفقاً للجداول الزمنية والموضوعية، عبر أجهزة قومية مشتركة(حكومة وحدة وطنية وحكومات إقليمية ونحوها)، هذا التحول من الحرب إلي السلام عبر فترة انتقالية، مقصود منه الإعداد الجيد وبناء مقومات السلام المستدام والتحول السلمي الديمقراطي، ويعني تحديداً التنفيذ الكامل والشامل لبنود الاتفاقيات المبرمة دون استثناء أو تعديل أو تغيير. فهل تم تنفيذ بنود الاتفاقيات المبرمة علي النحو المنشود بحيث يمكن الاعتماد علي محصلة التنفيذ في تقرير أن التحول إلي السلام صار ممكناً وممهداً؟ هذا هو السؤال الذي يجب علي الجميع الإجابة عليه بالإيجاب أو النفي قبل الخوض في الإجابة علي السؤال الفيصل وهو: هل يمكن، وفق المُعطَي الراهن، إجراء انتخابات التحول السياسي المنشود؟
أما أنا، كمواطن سوداني أولاً، وكمنتمي إلي حركة مقاومة مسلحة، قاتلت ثم فاوضت ثم وقعَّت علي اتفاق سلام دارفور مايو2006م، لا أجد صعوبة في الإجابة علي السؤال أعلاه بالنفي القاطع، وأسوق الأسباب علي ذلك بما سيأتي أدناه:
1) الاتفاق المبرم بيننا والمركز، لم ينفذ إلاّ في حدود بناء الهياكل والآليات(Procedural)، دون أي أنشطة تنفيذية(Substantial) ونسبة التنفيذ بالتالي لم يفق نسبة/10-12% وبالتالي، فمرحلة التنفيذ الكامل والشامل ما زال بعيد المنال. عدم تنفيذ الاتفاقيات المبرمة وفق جداولها الزمنية أضعفت ثقة الأطراف فيما بينهم، وزاد من مستوي التوتر وأنخفض بالتالي الشعور الطبيعي بالسلم والأمان، وعدم تنفيذ الاتفاقيات المبرمة في شقها العسكري وقف حجر عثرة في طريق دمج المقاتل القدامى في القوات المسلحة القومية وقوات الشرطة والأمن القومية، وظلت تلك القوات تهدد السلام والتحول الديمقراطي بسبب عدم تنفيذ ملفات تنفيذ الترتيبات الأمنية، ويشكل عدم الدمج الاجتماعي للمقاتلين السابقين وفق برنامج التجميع ونزع السلاح وإعادة الدمج الاجتماعي المعروف اختصاراً ب(DDR) مهدداً أساسيا للسلام والتحول المنشود.
2) تحقيق مضامين وثيقة الحقوق والحريات العامة في كافة الاتفاقيات المبرمة هو المدخل الأساسي لإحداث التحول السياسي، ولم يتحقق منها شئ، وما زالت قوانين التحول الديمقراطي لم تُسنّ بعد، بسبب إصرار الطرف الثابت في كافة الاتفاقيات المبرمة علي عدم التغيير وإبقاء الحال علي ما كان عليه قبل توقيع الاتفاقيات، وعليه، مازالت الدولة بوليسية وتحت قبضة التنظيم الواحد، والحريات ما زالت حبيسة وتمنح منحاً وبمقدار، ولا تُنَال كحقوق ثابتة ومستحقة.
3) المشاركة في السلطة علي المستويات الأدنى لم تنفذ بعد، ومازال جهاز الدولة تحت قبضة الحزب الواحد لا ينازعها عليه أحد، والنتيجة الحتمية أن أنشطة التحول السياسي جميعها تحت هيمنة تنظيم واحد منذ يونيو 1989م، والوطن كله مهدد بإعادة إنتاج تجربة وعهد ما قبل الاتفاقيات المبرمة، إذاً، جميعنا سوف نشارك، إن سرنا كما يُشَاءُ لنا أن نسير، إلي إعادة إنتاج واستنساخ تجربة الإنقاذ، والدولة ذات المشروع المعروف بآلياته القمعية وسلطة الشمول ذات الاتجاه الواحد.
4) قطاعات المجتمع كلها مسلحة ومدربة علي القتال، بدءً من القبيلة في القاع الغليظ للمجتمع، إلي النقابة/الاتحاد كأحسن مُنتَج للمجتمع المدني، وبوسع الكافة السماع، صباح مساء، أخبار راتبة حول أرقام خيالية للضحايا من المدنيين والمليشيا القبلية في احتكاكات غير مبررة وخسائر باهظة في الأرواح، وبالبحث عن الأسباب، لا تجد سبباً واضحاً يناسب مستوي الخسائر في الأرواح والممتلكات، إذاً، هناك من يمزِّق عن قصد، نسيج المجتمع السوداني في الهامش، فمن هو ذلك الفاعل الآثم؟ وما هي مصلحته في تمزيق نسيج المجتمع السوداني الذي لم يلتحم جيداً بعد. لماذا تنشط السُلطة في تسليح المدنيين عِوضاً عن نزع سلاح المليشيات المسلحة المعروفة ؟ وما هي رؤية ومنهج الدولة في أمر تسليح المجتمع، وما هي حدودها؟ وهل تستطيع السُلطة - في معني الحزب المسيطر- أن تنزع السلاح ممن قامت بتسليحهم؟ والأهم من ذلك كله، هل يمكن للتحول السياسي المنشود أن يتم ويكتمل في ظل مجتمع مُسلَّح، مُقطَّع النسيج، ومُتخَاصم بلا سبب معقول، ومُتحفِّز للاشتباك بالوكالة عن المركز وبتحريض منه، بلا سبب ذاتي أو خصومة شخصية أو دافع خاص يدعو لذلك؟
5)عدم تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين حركات الكفاح المسلح في الهامش السوداني والمركز المهيمن علي مفاصل السلطة والثروة وجهاز الدولة بسبب إصرار المركز علي التفاوض مجدداً علي بنود الاتفاقيات المبرمة نتيجة تفاوض سابق!! هذا الوضع الغريب في مرحلة التنفيذ، الذي يفتقر عادة إلي الإشراف والوساطة والرعاية والضغوط التي كانت متوفرة في مرحلة التفاوض، نتج هذا الوضع عن عدم تنفيذ ملفات جوهرية للتحول السياسي أهمها المسائل المهمة المتعلقة بدمج القوات ونزع سلاحها وتسريحها ودمجها في المجتمع وفق رؤى علمية محددة تم التنصيص عليها في ملفات تنفيذ الترتيبات الأمنية، وبالتالي تعويق عملية التحول من منظمات كفاح مسلح إلي منظومات سياسية بالنسبة لحركات المقاومة المسلحة، فهي لن تترك سلاحها في هذا الواقع الأمني الوخيم، فضلاً عن بُخل المركز في الإفراج عن المستحقات المالية لملفات التنمية وإعادة البناء في الاتفاقيات المبرمة، لدرجة أن الناظر لا يجد فرقاً بيِّناً، بين الأحوال قبل وبعد الحرب، لم يحدث تحول ايجابي في حياة المواطنين نحو السلام والأمن والرفاهية والازدهار بسبب حبس المركز للمستحقات المالية للآليات التي أُوجِدت بموجب اتفاقيات السلام المبرمة بين قوي الكفاح المسلح في الهامش السوداني وبين المركز، وقد قصد المركز بذلك الإنفراد بتنفيذ المشروعات التنموية وإعادة التأهيل الواردة في الاتفاقيات المبرمة ليكون رصيداً انتخابياً لها دون سواها، بمعني إن لا يأتي الخير والنماء للناس في الهامش عبر آليات قوي الهامش!! وهذا في الأدب السياسي الحديث فهم متخلَّف، قوامه الخدمات والتنمية مقابل الولاء السياسي والدعم السياسي في الانتخابات، وهو مفهوم مستنسخ بغباء من الآية الكريمة:(فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)،وهو قياس باطل مع فارق كبير، لأن الله يمنحك الطعام والأمان من عنده ومن ملكه الخاص من خزائنه المطلقة، فيستحق عليها العبادة، وهو عقد صحيح ونافذ، بينما في حالة حكومة المركز في السودان، فهي لا تمنح المواطن شيئاً تملكه هي، بل هو مال الشعب وثروته وقد آل إلي الحكومة والنظام أمّا غصباً أو عبر وكالة، شرعية أو وكالة فضول قابلة للإبطال، وبالتالي فلا شُكرَ ولا ولاء ولا طاعة لوكيل، لأن الأصيل هو الشعب، وهو وحده، مالك المال والثروة، وإنما الوكيل/ السلطة، أجير يعمل بأجر تحت إمرة الأصيل/الشعب، ومحاسب لديه لدرجة العزل والمعاقبة إذا أساء إدارة المال والسلطة ومعاملة الناس.. النظرية الحديثة للحكم هي أن: الحكومة خادمة الشعب، بينما ما فتئ الحاكم عندنا يؤمن بنظرية التنمية والخدمة مقابل الولاء والهتاف والتهليل والبيعة والحماية من عوادي الزمان وقرارات المجتمع الدولي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.