الأب أصيب بالفشل الكلوي المزمن واستسلم لعملية الغسيل بروح معنوية عالية مستسلما لقضاء الله وقدره، لم يشكو ولم يتبرم ولم يلعن حظه كما يفعل كثير من العباد الذين يخضعون لابتلاء رب العباد، وكان الشيطان دائما يوسوس له، كيف كنت أمس في كامل صحتك وعافيتك؟؟؟؟ واليوم أنت حي كميت... جسد بلا روح...؟ ولكن الرجل ذاكر سرعانما ينتفض ويستغفر ربه، ويحمد الله على (النفس) الطالع، ويستعرض بعض ممن هم أسوأ من حاله. كان كلما زار طبيبه المعالج ينصحه بالزراعة التي ستضع حدا لمعاناته، ولكنه كان متخوفا، لقد رفض عرضا من زوجته وابنه الوحيد، وكان يقول لنفسه ما ذنبهم يعيشون بكلية واحدة، أنا كبرت وأفضل أن اعيش بحالتي هذه الى أن يحين اجلي. وبعد سنوات من المعاناة مع المرض وطلبات الأهل والاصدقاء وافق الأب على الزراعة، وكانت شريكة حياته هي أول متبرعة، وابلغ الطبيب بقراره، ولكن اجراء العملية في السودان يخضع الى تعقيدات منها أن ينتظر دوره الذي لن يحين الا بعد وقت طويل. سمع بأن خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية يستضيف عددا من مرضى الفشل الكلوي كل عام حيث تجرى العديد من عمليات زراعة الكلى هناك في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض. كان يعمل في احد المناصب الحساسة وكيلا لاحدى الوزارات، ورغم مرضه كان يؤدي واجباته بدرجة عالية من التفاني والاخلاص، ولم يجعل المرض (مشجبا) لاستدرار عطف الناس ورفاقه في العمل، بل كان مجدا ومجيدا لعمله. قرر التقديم لمنحة الملك الطبية، وقد كان له ما طلبه فقد جاءت الموافقة من الديوان الملكي في وقت قياسي. حزم امره واستصحب شريكته (الزوجة) الوفية، وقد جاءت النتائج مبشرة بالخير، فقد ثبت طبيا أنها أنسب شخص، والكلية مناسبة ومطابقة، وكان بينهم وبين اجراء العملية أيام معدودة. وقبل ان يحين ميعاد اجراء الزراعة فوجئ الأب بوصول ابنه الذي آثر أن يترك دراسته الجامعية، الى مدينة الرياض، ولكنه لم يفرح لهذا الخبر اذ قابله بكل أسف وسخط، وغضب من ابنه، الا أن الطبيب استحسن رغبة الابن في التبرع بكليته بدلا من الأم وأثنى على تلك الخطوة الجريئة من جانب الابن الشاب (الانسان)، الذي نفذ قراره دون استشارة والده. واخضع الابن للفحص الطبي لمعرفة مدى قابليته ومطابقته لشروط ومتطلبات العملية ومطابقة الأنسجة. الكلية الثالثة: تمنى الابن ان تكون نتيجة الفحوصات في صالحه حتى يكون حضوره وتبرعه مبررا سيما وأن الوالد قد استنكر ذلك وابدى اعتراضه على اساس ان والدته التي تبرعت بكليتها كانت الأنسب، ولكن ولله الحمد جاءت النتيجه في صالح الابن مؤكدة أنه هو الأنسب بدرجة أكبر من والدته، وكان ذلك مفاجأة للجميع بمن فيهم الاستشاري الذي سيجري العملية. ولكن المفاجأة الكبرى أن الاستشاري جاء بنفسه يبشر الأب (الصابر) بنتيجة الفحوصات ولكنه لم يكتفي بذلك بل أفصح عن سر رباني عظيم، جاء بالابن رغم انف والده وعدم رضائه، كان في صالح الاثنين الاب المريض من جهة والام (الكبيرة) من ناحية أخرى، هل تدرون ما هو ذلك السر الرباني؟؟؟؟؟ لقد ثبت من خلال الفحص ان جسم الابن الشاب (المؤمن) يحتوي على ثلاث كلى نعم ثلاث كلى صحيحة مطابقة لانسجة الوالد بشكل مذهل ومدهش. وبذلك يفدي الشاب أمه وابيه، فقد وفر على امه كليتها ومنح والده الكلية الثالثة (الزائدة). وقد صرح الاستشاري ان هذه الحالة نادرة الحدوث، وأن الكلى الثلاث تعمل بكفاءة عالية وخالية من أي مرض او اعتلال وحالتهم جيدة ومناسبة اكثر من كلية الأم التي كانت تنوي التبرع بها. هذه القصة ليست من نسج الخيال أو (فبركة) صحفية ولكنها واقعية وحقيقية، وقد قابلت بطلها (الأب) الذي سردها لي وهو نفسه كان غير مصدق لها، فهي الى الخيال أقرب ومن الواقع أعجب وأغرب، والاستشاري الذي اجرى العملية شاهد على ذلك وكل الكادر الطبي بالمستشفى بالرياض/المملكة العربية السعودية. ليس ذلك فحسب بل قد شملت المكرمة الملكية تكاليف الدواء (المكلف جدا) لتعزيز مناعة المريض وتقليل (مقاومة) رفض الجسم للكلية. وظيفة ومنحة دراسية: الأب لم يكسب الكلية والصحة والعافية وتخلصه من معاناته مع عمليات (الغسيل)، بل كان ربحه الأكبر هو أن عوضه الله خيرا من وظيفته في السودان التي ارغمه المرض على (هجرها) حيث تم استيعابه في برنامج تطوير مدينة الرياض في وظيفة مرموقة، وهو من المهندسين المخضرمين ذي باع طويل في مجال الهندسة المدنية، وكسبت الأم أن فدأها الله بعد أن صدقت (العشرة) بأن حفظ الله لها كليتها (الذبيحة) ووفرها لها، وقامت الكلية الثالثة مقام (الكبش)، وبر الأبن بابنه كوفئ بأن قبل الابن في (منحة) دراسية ببلد عربي يكمل فيه دراسته الجامعية بعد أن (هجر) الدراسة بالسودان مسافرا الى السعودية لكي يفدي حياة والده بجزء (عزيز) من جسده. هكذا كافأ الله الجميع كل حسب (تفانيه) واخلاص نيته وتجرد نفسه من الذاتية وحب النفس و (الأنانية). الأب اخلص في العمل ولوظيفته ارضاء لربه وأحسن الى اسرته والأم اخلصت في العشرة وفاء للزوج والابن اخلص في بره بأبيه، فأخلف الله عليهم جميعا، كل بحسب ما قدم. alrasheed ali [[email protected]]