ما ظهر في تشكيلة سياسية بالقصر الجمهوري في الأيام الماضية يجعل المرء يستدعي التاريخ القريب في عمر الإنقاذ ليمحص ما جاء في بيانها الأول يوم أن إستولت الجبهة الإسلامية على السلطة في الثلاثين من يونيو وما صاحب ذلك من مسرحية أبطالها المدنيون وممثليها العسكريون من قوات الشعب المسلحة وقائدها آنذاك عميد بالجيش السوداني قفز حتى المشير ونال على ضوء ذلك زملاء له رتب عسكرية لزوم الترتيب العسكري. وما يهمنا هنا هو المكون السياسي والذي شمل التشريعي والتنفيذي من قوى سياسية غلب عليها حزبى الأمة القومي والإتحادي الديمقراطي، حيث شمل البيان الأول قسط كبير من النقد والتجريح لمجمل الأوضاع السياسية السائدة وقد نال الحزبين قسطاً كبيراً من ذلك النقد وتواصلت الحملة ضدهما متجليةً في كل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء حتى أصبحت مادة دسمة في الصراع من أجل البقاء، وبالفعل فقد نشأ جيل كامل من الشباب في كنف تلك الجدلية فنال ما نال من حظوة السلطة ونعيم الثروة السودانية . لكن ظل الحال متراجعاً ليقترب من محطة الثلاثين من يونيو عبر سنوات شاقة على الإنقاذ والوطن المنقسم والمثخن بالجراح، وفي كل مرة من التراجعات تتفتق عبقرية الإنقاذ على وسيلة جديدة علها تقفز بها فراسخ للأمام وهذا ما حدث في هذه المرة بانت في سعي الإنقاذ في مسمى الحكومة ذات القاعدة العريضة ولم تجد غير ذات القاعدة التي ظلت تحفر في باطنها طوال سنوات حكمها بإعتبار أنها التي أسهمت فيما وصل إلية حال الوطن في السابق ولأجل ذلك قامت عليها الأنقاذ في ليل ودبرت إنقلابها الممرحل . وبعد محاولات عديدة من الإختراقات منها الناجح ومنها الفاشل في تقسيم جسد حزبي الأمة القومي والإتحادي جاءت هذه المحاولة التي نحن بصددها في جر بعضٌ من فلذات أكباد قيادة الحزبين الروحيه والسياسية متمثلةً في العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي وجعفر الصادق محمد عثمان الميرغني وكأنها ظاهرياً ظفرت بمشاركة ذات الحزبين اللذين قامت ضدهما وظلت تستمد بعضٌ من أنفاسها من هواء تتنفسه عند الضرورة من شخوص ومواقف تنسجها وتنسبها لهذين الحزبين . وكأني بالإنقاذ في هذه الخطوة تمسح بيدها ما كتبته وصاغته من أدبيات في حق الحزبين حين تلجأ لهما في أضيق حلقة يمكن أن تُسمى مشاركة بإبن القائد الروحي والسياسي للحزب ظناً منها بأنها وسعت دائرة المشاركة السياسية ومهدت لحكومة ذات قاعدة عريضة . والسؤال المحوري هل تُعد هذه المشاركة مؤشر لمشاركة حقيقة في ماراثون السلطة السودانية المتبقية أم محاولة لإستنساخ الإنقاذ في ثوب جديد وبالنسبة لنا فإنها عودة لما قبل الإنقاذ في عدة جوانب ، فبعد زهاء عشرون عاماً ونيف لا تجد الإنقاذ غير أبناء لقيادات عركتها التجربة في دهاليز السياسة السودانية ومنحيات القصر الجمهوري لتدعي أن هذه توسيع لقاعدة المشاركة في الحكم ومن داخل القصر الجمهوري حيث الرئاسة للمشير ونائبه الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه ونائبة الثاني الذي دخل على الخط بصفقة لم تستبن ملامحها بعد ثم دكتور نافع علي نافع والبروف إبراهيم أحمد عمر والدكتور غازي صلاح الدين العتباني والدكتور مصطفي عثمان إسماعيل ومولانا فريدة إبراهيم وكل هؤلاء مؤتمر وطني إلا الدكتور جلال الدقير الحليف الموثوق فأين التكافؤ والندية في هذه التشكيلة التي ستعمل بالقصر الجمهوري وما هي تجربة هؤلاء الأبناء فيما يمكن أن يقدموه لرئيس الجمهورية حيث في الغالب سوف يكونوا موظفين بالقصر الجمهوري بدرجة مستشارين ليس إلا !!!. وهنا فإن المنطق يستدعي أن نسأل سؤالاً إضافياً ما مدى تأثير إلحاق هؤلاء الأبناء على مجمل العملية السياسية على ما تبقى من وطن وهل يمثل ما تم خصماً على مواقع آباءهم السياسية والروحية ، وهنا يمكن لنا أن نغض الطرف عن الحزب الإتحادي الديمقراطي بإعتبار أن زعيمه قد أعلن المشاركة في كافة مستويات الحكم الأخرى من مركزية وولائية وتبقى الخدمة المدنية والقضائية والتشريعية ضمن البنود التي لم يُفصح عنها بعد وربما يكتنفها الغموض وتلفها السرية لأوان قادم ، لكن بالنسبة لحزب الأمة فقد أعلنت مؤسساته عدم المشاركة ومواصلة الحوار مع حزب المؤتمر الوطني في قضايا عبّر عنها بالوطنية في أدبيات الإمام وبعضٌ من فريقه المفاوض مما يجعل الأمر لا يخلو من ضبابية تنتاب المتابع في تقاطع هدف كل طرف فيما يفاوض عليه الآخر حيث يبدو أن حزب المؤتمر الوطني لا يتقيد بالأطر التي يعلن عنها نده الآخر في طاولة التفاوض وبتعينه إبن الإمام تجعل منه مستعجلاً لأخذ ما يريد كبُر أو صغُر على أن يترك مساحة كبيرة من الدهشة لعضويته أولاً ثم مسنوبي حزب الأمة على إمتداد تواجدهم الأمر الذي يدعو الجميع للبحث والتقصي ثم الشكوك حول نوايا حزب المؤتمر الوطني فيما أقدم عليه ورجحان كفة القائلين بأن الإنقاذ لم تغادر المربع الأول وأن ما تقوم به ما هو إلا محاولة للخروج من سلسلة أزمات وجدت نفسها تحاصرها من كل جانب بداءً من تقسيم الوطن وحتى إفرازات ذلك متمثلاً في الأزمة الإقتصادية التي برزت عقب ذهاب مورد مهم للخزانة من النفط الموجود بدولة الجنوب الجديدة بالإضافة لأزمة السودان بدار فور بجانب تفجر الأوضاع بجنوب كردفان والنيل الأزرق ، وبالطبع لن ننسى أن تجذر نمط التفكير التقليدي أن روح المهدي يمكن أن ترحل عبر أي ميل لأي فرد يحمل جينات المهدي الروحية قد تمثل إختراقاً يُضيف سياسياً للعملية السياسية وفق منظور المؤتمر الوطني مما يجعل أمر مشاركة العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي كأنما هي تتمسح بكريمات على شاكلة قدر ظروفك لتعيد إستنساخ نفسها من جديد .