أي حزن تبعثه فيً مقدمات الشتاء القادمة من محطات الذكري و الحنين.. حتي شتاء بلادي(الطيب) القصير كان يأسرني ويدفعني للإنطواء علي حزن يعرفه كل أصدقائي و لا أعرف له أصلاُ أو تاريخاً. أما شتاء الغربة الطويل فإنه يحزنني و يخيفني في آن واحد و يشعرني أن كل أجهزة الحضارة للتدفئة لا تكفي لخلعه عن أرجاء الروح. يذكرني شتاء الغربة الطويل كم أنني بعيدة عن الوطن.. الوطن.. ووطني الذي أعنيه وسيع و دفيء كأرحام الأمهات.. يقُبلنُا و يطبع ملامحه علي وجوهنا و علي الهامش كثيرا ما ترسمنا بلاد الآخرين، يذكرني الشتاء بأصدقائي الذين جمعتهم الصداقة و وزعتهم مطارات العالم و في وجوه بعضهم أوصدت أبوابها و البعض ما طرقها أصلاً مقرراً عدم مفارقة الديار و حرس العقاب نيابة عن الآخرين، و لكن وحدُتنا جميعاُ صفة الغياب .. نلتقط أخبار بعضنا البعض صدفة أو عمداً.. تنقبض قلوبنا للمحزن منها و نهرع إلي الهواتف و البريد لمن نعرف عنوانه منا، و لكن لا أسلاك التلفونات و لا طوابع البريد تقوي علي تقديم العزاء المطلوب. جامعة القاهرة (الفرع) كانت بؤرة صداقاتي.. أتذكررفاق المعرفة و ضيوفنا الدائمين من الشعراء و الفناين و غيرهم من الذين أحبوا (الفرع) و أخلصوا لها بدون أن تربطهم بها رابطة أكاديمية.. ليالي الشعر، جمعيات الموسيقي و المسرح ، أكواب الشاي التي نتناولها وقوفاً و أحيانا جلوساً علي الأرض، أسابيع الإنتخابات (اللعينة) و المثيرة للأعصاب و الإحتمالات.. قصص الحب الندية الممعنة في إنسانيتها.. يتابعها بقية الأصدقاء بحرص و أعتزاز و يتبادلون المفرح من تفاصيلها.. ربما أعلنا خطوبتهما في رأس السنة القادم ، وافق والد الصديقة .. نلتقي الخميس القادم في عرس الأصدقاء.. الحزن الذي يغمر الجميع عند فشل إحدي تلك العلاقات و كأنه فشل للجميع ، مشاعر حقيقية ملؤها النبل و الوفاء، ما صادفتها كثيراً فيمن قابلت فيما بعد في مجتمعات الغربة و كأنها كانت الزاد و المخزون لشتاء الفراق الوشيك. بقية الأصدقاء من مثقفي الخرطوم خارج نطاق الفرع (تحلو لي تسميتها هكذا) .. و في الحقيقة هل يمكن أن يكون إسمها غير ذلك؟!! ينشرون حضورهم المفرح في كلية الفنون الجميلة، إتحاد الكتاب ، معارض الكتب.. و كل أشكال المناشط الثقافية الأخري.. نحن في كل هذا ، و أيضا في قلب مظاهرات الغضب الشجاع في شوارع الخرطوم في مسيرات السلام و في مهرجانات الفرح العام في أجواء إنتفاضة 86 (يا إلهي أين كل هذا الزخم .. أين كل هؤلاء الأصدقاء الرائعين؟؟) وجوه مغبرة و مرهقة و ضاحكة، ما أن تطل إحدانا أو أحدنا حتي تستقبلها أو تستقبله موجة ترحيب قد تبدأ بالتعليق المازح علي القميص أو الحذاء الجديد ، والجديديسهل التعرف عليه و سط ملابسنا المحفوظة لدي بعضنا البعض ربما لقلتها و ربما لكثرة ما كنا نلتقي. أتذكر طريقة التعبير اللغوي الواحدة التي ما كان أسهل تصنيف متحدثيها.. تصنيف يتدرج شره من الإمتعاض العابر إلي الوقوع في شراك الأمن المايوي في ذلك الوقت.. و لا زلت أذكر القصة التي كنا نتبادلها عن الصديق الذي بادره رجال الأمن (إنت من ناس الحتة دي؟) ليتحول الأمر بعد ذلك إلي نكتة من نوع نكات شر البلية. أما أنتم يا أهل الكتابة من أصدقائي فلتغمركم محيتي أينما كنتم .. مباركة أحلامكم و مبارك جنون الإبداع الجميل فيكم .. إفتقدكم و أفتقد الحماس للكتابة الذي يثيره أكثر فرحكم الغامر بعمل جديد.. ملاحظاتكم الناقدة و جديتكم في دفع قضايا الثقافة و الإبداع في سوداننا العزيز. أفكر في تطريز أسمائكم جميعا- يا أصدقائي في قصيدة لا تنتهي و لا أستطيع، و أود أن أطلعكم علي الجديد من ... و ... أسمعوا : لدي ألف شيء أريد أن أقوله لكم .. أرجوكم أغمروني بحضوركم الباهر من جديد!" رقية وراق /cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=profile&nickname=baballa ragaia warrag [[email protected]]