أحمد محمد أحمد منصور 1980-2011 كانت سماء لندن ليس كعادتها خاليةُ من الضباب فى صبيحة الأثنين 19/12/2011 ولكن تدلت السحب الداكنة كأنها تعانق المبانى الشاهقة فى شمال المدينة (توتنهام) قبل أن تذوب دموعاً على الأرصفة، مثلما إنهمرت الدموع الحارة من أسرة د. محمد أحمد منصور والجالية السودانية وحولت برد شتاء لندن كهجير الربع الخالى بكاءاً على رحيل الشاب الوديع أحمد الذى غادر فى الصباح بدون مقدمات أو إستئذان أو كلمة وداع أخيرة. أحمد بالنسبة لنا ولبناتنا وأبناؤنا يجسد فى شخصيته الطيبة المرحة كل معانى وقيم الجيل الأول من شبابنا فى المهجر الذى جمع بين الأصالة السودانية والحكمة البريطانية فى إحترام الكبير وتوقير الصغير والصدق والأمانة والعفة والنزاهة وفوق ذلك حب الخير للإنسانية ونكران الذات والعمل بجد ونشاط فى العطلات المدرسية والجامعية. كان أيضاً من أوائل الشباب الذى تزوج فى حفل بهيج رقصت فيه لندن على أنغام الأغانى السودانية حتى الصباح وفتح الطريق لتشجيع شباب وشابات المهجر على الزواج فى سن مبكرة. لهذا ما زال الكل يتساءل، كيف رحل أحمد ولم يمض على عرسه بضع سنين؟! كان الفرح يشع من عينيه عندما جلس يحكى لنا عن زيارته للسودان مدموعة بالصورالرقمية على الكاميرا التى قل أن تفارقه. وكيف أن شخصيته المرحه حولت رحلة السودان من معاناة إلى إستكشاف للأسرة الممتدة والأهل والعادات والتقاليد وطرق العيش فى المدن والقرى بعيداً عن المدنية الأوروبية. وكيف أنه ملأ رئتيه برائحة الدعاش والمطر فى مدينة الأبيض وربوع كردفان الخضراء. والإستمتاع بركوب اللورى والكارو فى عزالخريف لزيارة قرية جده الشيخ منصور الميعاية، التى وجدها مايعة إلى أخمص قدميها فى مياه الخريف. وزاد متعة أيام القرية النوم على العنقريب والجلوس على البمبر والبرش لتناول العصيدة من القدح الخشبى وشرب مياه المطر من كأس القرع. قضى أحمدالأيام الأخيرة من حياته القصيرة فى العمل الذى يعشقه وهو تشغيل برامج الكمبيوتر الحديثة فى أسواق الأوراق المالية والبنوك الإلكترونية فى الرياض ونقل المعرفة والتقنية الأوربية إلى الدول الإسلامية. ونحمد الله أن صعدت روحه الطاهرة إلى ربها فى أرض الرسالات السماوية ومن الله عليه بزيارة الحرمين الشريفين. كذلك نسأل المولى القدير أن يتغمده بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وأن يلهم والديه وإخوته وأخواته الصبر وحسن العزاء. وفى الختام، أنك لم ترحل عنا أبداً يا أحمد فقد تركت لنا باكورة الجيل الثانى فى المهجر وسنراك دوماً فى وجهى وعيون وإبتسامات آية وياسين. ونعدك بأننا سوف نحملهم فى حدقات أعيننا ونعطر أنفاسهما برائحة الدعاش والمطر فى كردفان الحبيبة. ونعلمهما كيف يستظلان تحت أغصان شجرة اللالوب الخضراء عندما تشتد حر الظهيرة، وكيف يستلقيان فى المساء على العنقريب ويرسمان وجهك بالنجوم التى تتنزل ليلاً من سماء الميعاية. د. أحمد هاشم، سكرتير مؤسسة كردفان للتنمية