اهتم الأستاذ مصطفى أبو العزائم بصيف الخرطوم الذي تأخر هذا العام عن موعده حتى الأسبوع الأول من مايو الجاري، بينما الصيف يبدأ في الغالب بعد النصف الأول من أبريل كل عام، حينما تغرب النجمة الشهيرة بنجمة (فصل النطح).. والعام مقسم- عند عرب البادية - لفصول تبدأ بفصل الحوت في منتصف أبريل وقبله طبعاً ما يسمى «بالتفاصيل» ثم فصل النطح الذي ورد في أشعار الشاعر الكبير طه الضرير حينما قال: غاب نجم النطح والحر علينا اشتد صيفنا قِصِر ليليو ونهارو امتد بنظرة المنو للقانون بقيت اتحدى فتحت عندي منطقة الغناء الأنسد ارتفاع درجة حرارة اليومين الماضيين فتحت عند الأخ مصطفى مواجع الألم التي لم نعرف هل أنسدت عنده أم لاتزال مفتوحة، كل ذلك ولم يحل فصل «البطين» الذي يبدأ في السنوات الكبيسة يوم 5/مايو والفصل يمتد ل 14 يوماً.. ويأتي من بعد البطين (طلوع) و (غروب الثريا) وتمثل تلك الفترة أشد أيام العام ارتفاعاً في درجات الحرارة من 19/ مايو وحتى 30/ يونيو.. وحتى لا يُصدر ضدي حكم بالتعدي على مهنة غيري من (الإرصاديين) وعلماء الفلك وخبراء المناخ، فإن معلوماتي مصدرها أجدادي وآبائي وخبرات سابقة، حيث مارست الرعي والزراعة، ولا زال بعض من تلك المهن يلاحقني وأنا أسعى إليه عوضاً عن (ما فاتني) من نعمة الريف.. اشتد صيف الخرطوم نهار الجمعة وبلغت درجات الحرارة نحو 50 درجة. كنت أنا في تلك الجمعة أشق طريقي نحو قرية (الدبكر) الواقعة في غرب كردفان «22» كلم من مدينة أبو زيد عاصمة دار حمر.. وفي الطريق لقرية الديكر أودية عميقة وغابات من (الكتر) وشجر الأندراب.. والسيارة تنهب الأرض لمشاركة الأخ عمر سليمان آدم الوالي السابق ووزير الدولة وأحد الذين صنعوا الإنقاذ في هجعة الليالي تخطيطاً وتنفيذاً، فكيف لا تشارك عمر سليمان فرحته بزواج ابنه!.. وكل شيء في كردفان يغري هذه الأيام بالسفر، كانت السحب غائمةً والرياح جنوبية غربية رطبةً، والزواج في تلك المناحي والأصقاع النائية في نظر ناس الخرطوم «طبعاً» وليس في نظر غيرهم.. جدتي مثلاً تعتقد أن مركز الكون هو قرية (البان جديد) بالقرب من أبو زبد، وشاعر قبيلة الهبانية يقول «بلاد الله ثلاثة فقط» (مكةالمكرمة وتونس الخضراء والحديبة أم الديار الكلكة) ويعني بها مدينة برام في جنوب دارفور. في قرية الدبكر التي كانت مسرحاً لنزاعٍ بين المسيرية والنوبة من جهة، وما بين البرقو والمسيرية من جهة أخرى، غسلت المنطقة أحزانها وتجاوزت سيئاتها وبدأت ترقص على أنغام النقارة لبنات البقارة والكرنق للنوبة.. الشمس تميل للمغيب والقرية تفرح للزواج كأنها لم تفرح بعد.. السماء تنذر بهطول الأمطار والمناخ يميل للبرودة.. الدعاش ورائحة العشب الجاف الذي بللته قطرات المطر.. الأبقار تنوح وهي تستنشق رائحة مطر الرشاش والناس في تصالح مع النفس ومع الآخرين بعد طول حرب وكثير من الضحايا سقطوا بلا سبب.. حتى جاء مولانا أحمد هارون الذي حينما وصلت سيارته لمكان الاحتفال الاجتماعي الخاص تعالت الزغاريد وعمر سليمان يمثل لهارون الأخ الأكبر والمعلم والصديق.. حينما غربت الشمس لم نجد بداً من إشعال النيران لتدفئة «الرواكيب» من برودة الرشاش.. ولك أن تعيد شريط مساء الجمعة وأنت في الخرطوم تعاني حرارة الجو، وفي كردفان الجنوبية تشعل النيران بحثاً عن الدفء من برد الرشاش.. ولماذا لايهاجر سكان العاصمة في مثل هذه الأيام جنوباً لاستنشاق الهواء الرطب!!