كانت الأيام الأخيرة من عام 2011 بها الكثير من الأحداث المهمة التي شغلت الرأي العام السياسي السوداني و أخرها كان اغتيال الدكتور خليل إبراهيم زعيم حركة العدل و المساواة و قد كتبت مقالات و صدرت بيانات كثيرة جدا حول عملية الاغتيال و لكن لفت نظري حديث لرؤيتين أمنيتين حول عملية الاغتيال و تصورهما السياسي لما بعد عملية الاغتيال باعتبار أن التصور السياسي هو الذي يحدد اتجاهات البوصلة السياسية في بلد يعاني من إشكاليات أمنية و نزاعات في عدد من أقاليمه و صاحبا الرؤيتين هما من رجال الأمن و المخابرات و من المفترض أنهما يقومان بحماية القانون الذي يحدد مسار عملهم و يشاركون في المسيرة السياسية بآرائهما من خلال المؤسسة التي ينتمون لها بعيدا عن التحزب و الميل السياسي و لكن السودان مثله مثل دول العالم الثالث التي لا تعرف لمؤسسات الأمن حدود لعملها و هي دائما ما تخدم فوق طاقتها المنصوص عليها في الدستور و القوانين لذلك تكون أو المؤسسات تعرضا لنقد المعارضين و هي بحكم طبيعة العمل الجارية لا حدود لها و خاصة إذا كانت هذه المؤسسة تشكل حجر الزاوية في النظام الحاكم. و أيضا معروف لكل الكتاب و الصحافيين في دول العالم الثالث و السودان من ضمنهم السودان أن الحوار مع الرؤى الأمنية فيه كثير من المخاطر يسوق صاحبه إلي مجاهل لا يعرف نهايتها لأنه يعتبر دخول إلي عش الدبابير دون تصريح و تأتي العواقب الوخيمة إذا كانت الاستنتاجات الذي خرج بها المبحث تخالف هؤلاء الرأي. حملت الأخبار حديثا للفريق محمد عطا المولى عباس رئيس جهاز الأمن و المخابرات فيه الكثير من الوعيد و المحاذير و الكنس و خطوط حمراء لم يكشف الرجل عن كنه هذه الخطوط و لكن الحديث في جملته يشير أن المستقبل لا يبشر بتطور العملية الديمقراطية و أن التقارب السياسي عبر الحوار سيظل عصيا بسبب القناعات الراسخة عند البعض و الرؤية الثانية لقاء أجرته جريدة الأحداث يوم 26 ديسمبر مع اللواء حسب الله عمر مدير جهاز المخابرات السابق حول اغتيال الدكتور خليل إبراهيم و الرؤيتان تختلفان من الناحية الفكرية و حول مستقبل الصراع السياسي في السودان و كيفية التعامل معه و كل رؤية تكشف المخزون المعرفي و السياسي لكل واحد منهما رغم أن مجال المقارنة ليس مطروحا في هذا المبحث باعتبار أن أحد الشخصية ما يزال يعمل و يدير المؤسسة الأمنية و الأخر قد غادر المؤسسة و لكن يظل محتفظا ببعض ما اكتسب منها من ثقافة سياسية و رؤية إستراتيجية لكيفية حل الصراع و النزاع الدائر في البلاد و أن الشك يساورني أن يكون رجال الأمن يحملون رؤية واحدة حول الصراع السياسي الدائر في البلاد فلكل رؤيته الخاصة التي يحتفظ بها و اعتقد أنه لا يستطيع أن يصدع بها داخل المؤسسة حيث هناك رؤية واحدة علي الجميع أن يلتزموا بها و لكن من الذي يحدد هذه الرؤية الواحدة في الدول الديمقراطية الدستور و الكن في النظم الشمولية حيث تتركز السلطات في قمة الهرم يعتقد هو الذي يحدد هذه الرؤية مهما كانت هناك من مؤسسات لآن الشمولية تأتي من التركيز السلطات و ليس توزيعها فإذا كان هناك حقيقة حوارا ديمقراطيا يستطيع العاملون في الجهاز أن يقدموا فيه بحرية كاملة رؤيتهم بهدف الوصول إلي نتائج سليمة كانت تغيرت مسيرة السودان السياسية و باعتبار كان الرجال وصلوا إلي قناعة أن الحرية و الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة التي تمنع العنف و توقف تطوره لآن الجميع قادر أن يمارس نقده بحرية كاملة و إن العنف هو نتاج للكبت و المظالم التي لا يستطيع الناس ردها من ما هو متوفر في مؤسسات النظام و أيضا هناك العديد من الأسئلة الحائرة و التي تبحث عن إجابات. قال الفريق محمد عطا رئيس جهاز الأمن و المخابرات في حديث نقله التلفزيون السوداني و وكالة " SMC" قال ( أن العام المقبل سيشهد نهاية و كنس التمرد في دارفور و جبال النوبة و النيل الأزرق) بهذه الكلمات القليلة يؤكد الفريق محمد عطا أن الحل هو الحسم العسكري مع الذين يحملون السلاح أن كان في" دارفور" أو الولايتين " جنوب كردفان و النيل الأزرق " رغم أن الحل العسكري لم يفلح منذ استقلال السودان حتى الآن في حل مشاكل السودان و كذلك لم تفاح الإنقاذ منذ أن تسلمت السلطة عام 1989 و أن طريق الحوار هو الطريق الذي يؤدي للسلام و الاستقرار رغم أنه طريق طويل و معقد ولكنه يحتاج إلي أرادة قوية من قبل جميع الأطراف أن كانت في الحكومة أو المعارضة باعتبار هناك مشاكل و مظالم و تحتاج لحل عبر المؤسسات السياسية و ليس العسكرية و أن العمل العسكري يغرس في القلوب الضغائن و الرغبة في الثأر و غيرها من ردود الفعل التي تعتمد علي العنف و أجد نفسي مساندا ما قاله اللواء حسب الله عمر لجريدة الأحداث حول مقتل خليل إبراهيم حيث قال ( حركة العدل و المساواة و غيرها من الحركات التي ترفع شعار التظلمات تستمد بقائها أو عدمه من مدي موضوعية و أحقية ما تدعيه من شعارات و إن استمر الوضع في دارفور علي غير ما يرتضيه الناس من حيث الحق و العدل و المساواة و الخدمات و غيرها ففي وجود خليل أو بغيره ستكون هنالك حركات لآن فعلها ناتج عن فعل سياسي للمجتمع كله) و أضاف قائلا اللواء حسب الله ( مشكلة دارفور لن تحل بمقتل خليل بل الحل يكون إذا مضت الحكومة و الإرادة الوطنية نحو إرساء قواعد دولة القانون و إنصاف كل مظلوم ورد كل مظلمة و حينها لن تكون هناك مشكلة و لن ينجح أحد في إنشاء حركة مسلحة) و دولة القانون لا يمكن أن تؤسس إلا عبر التراضي بين القوي السياسية و الوفاق الوطني و لكن هناك عقبات كثيرة تعترض طريق الوفاق الوطني من داخل الحكومة و من بعض قيادات المعارضة و لكن يظل ليس هناك طريقا صائبا للحل إلا الحوار الوطني و كان السيد رئيس الجمهورية قد دعا تكرارا للحوار الوطني و لكنه دائما كان يقرنه بشروط تكون هي عائقا للحوار أو أن هناك قيادات داخل المؤتمر الوطني لا ترغب في الحوار الوطني الذي يؤسس لقيام دولة القانون كما أيضا هناك بعض من حملة السلاح أيضا يقدمون شروطا تعجيزية للحوار رغم أن البندقية مهما كانت عدالة الذين يحملونها هي لا تجلب ديمقراطية. و لكن اللواء حسب الله عمر لديه رؤية أخري يقول فيها لجريدة الأحداث ( يجب أن نعتبر اغتيال خليل محطة و نقف عندها ونضع السلاح فقط بل ممارسة أي أنواع العنف و ننتهج منهج جديد بإدارة الحوار بيننا و الهدف الأسمى يجب أن يكون إرساء تجربة سياسية بها حريات و عدالة و رفع الظلم عن أي مظلوم و بها تعاون مشترك بغض النظر عن الاتفاق في الآراء أو الاختلاف و أن نطور تجربتنا السياسية عبر الحوار و تبادل الآراء و احترام الرأي الأخر) أعتقد أن مخرج السودان من أزمته السياسية هو الحوار دون شروط مسبقة من كل الأطراف و العنف لا يولد إلا مزيدا من العنف و المنهج الجديد الذي يتحدث عنه اللواء حسب الله عمر لم يوضح لنا كيف الوصول إليه في ظل قيادات داعمة للعمل العسكري و الحسم العسكري في الجانبين الحكومي و المعارض رغم أن التجربة التاريخية السودانية من استقلاله تؤكد أن طريق العمل العسكري لم يحل مشكلة في السودان بل أدي لتعقيد أكثر للمشاكل و هو الذي أدخل كل الأجندة الأجنبية التي يتحدثون عنها و لذلك الحكومة و المعارضة تحتاج لمراجعة في مناهجهم بعيدا عن التبريرات التي قلبت علي الخطاب السياسي السوداني. و عن الحريات يقول الفريق محمد عطا ( أن الذين يريدون الاستمتاع بالحريات عليهم أن يقروا بوجودها و الانضباط بمسؤولياتها و أخلاقها و الوقوف عند خطوطها الحمراء ) و كيف يقر الناس بقضايا مختلف عليها و لم يصلوا لحل بشأنها و الحريات التي يتحدث عنها الفريق هي حريات منقوصة تحتاج أن تضمن في الدستور و القانون و يجب الالتزام بها و خاصة من المؤسسة التي يرأسها الفريق محمد عطا نفسه أما قضية الانضباط و الخطوط الحمراء التي يجب أن يقف عندها الناس من الذي يحددها هل جهاز الأمن و المخابرات أم البرلمان أو الحكومة أم هو رئيس الجمهورية أعتقد كل هؤلاء لا يستطيعون تحديد الخطوط الحمراء إلا عبر اتفاق وطني و يتضمن في دستور يتحاكم إليه الجميع و قانون يصبح سلوكا للناس ولكن في ظل سيادة الرأي الواحد الذي يخرج من مؤسسة أو من الحكومة أو من حزب مهيمن بالقوة تبقي الخطوط الحمراء تمثل الجهة التي أصدرتها و لا تستطيع أن تفرضها علي الآخرين و هي تمثل مجال اختلاف سياسي بين القوي السياسية و المؤتمر الوطني و في ظل الصراعات المسلحة و النزاعات التي تصبح الدولة طرف فيها تغيب الخطوط الحمراء لآن العمل المسلح لا يتم إلا إذا كان مدعوما خارجيا لأنه يحتاج لأرض ينطلق منها و دعم لوجستي و معنوي و بالتالي لا تستطيع الدولة أن تفرض خطوطا حمراء لآن خطوطها غير مقبولة للمعارضين و الأجدى أن تقتنع عقليات العمل المسلح في الجانبين أن طريق الحوار هو طريق الحل و أيضا في غياب الدستور و القانون القائم علي التراضي السياسي يصعب الحل و الوصول لمائدة الحوار الوطني و هذا الإشكال لا يتم حله إلا بصياغة الدستور بمشاركة القوي السياسية جميعها و أية تجاوز للقوي السياسية سيظل هو دستور المؤتمر الوطني و يفقد الدولة صفة الدولة الديمقراطية و هذه تمثل إشكالية لفهم طبيعة الدولة الديمقراطية و الدستور الذي يحكمها و بالتالي يظل الفريق محمد عطا متمسكا في رؤيته بدولة الحزب الواحد الذي يحدد الخطوط الحمراء و غيرها و هذا الفهم لا اعتقد يساعد علي تقارب وجهات النظر و يؤدي إلي تعثر عملية الحوار الوطني و لا يساعد علي وقف كل بؤر التوتر في البلاد. ما تزال الأغلبية في المؤتمر الوطني تؤمن بدولة الحزب الواحد و علي رأسهم الفريق محمد عطا رئيس جهاز الأمن و المخابرات لذلك يعتقدون أن كل شيء يجب أن يحسم عسكريا و يضعون شروطا لعملية الحرية و التحول للدولة الديمقراطية و هي الإشكالية التي تعيق الحوار و عدم مشاركة القوي السياسية في حسم العديد من النزاعات أيضا يعد سببا في استمرار النزاعات إلي جانب هناك بعض القيادات في المؤتمر الوطني لها فهمها الخاص لطبيعة الدولة حيث ترغب أن تكون دولة قائمة علي الوصايا الحزبية و هو سبب التوترات و النزاعات في السودان و الذي لا يؤدي إلي السلام و الاستقرار الاجتماعي لذلك يجب علي سعادة الفريق محمد عطا أن يراجع مرجعياته الفكرية لكي يستطيع أن يؤسس لعملية الوفاق و التراضي الوطني الذي يؤسس للتربية الوطنية مستقبلا و التي نحن في أمس الحاجة إليها. كما كنت أعتقد أن الفريق محمد عطا بحكم موقعه الوظيفي مدرك لطبيعة التحولات في المنطقة و الإقليم من الناحيتين السياسية و الإستراتيجية و تأثير ذلك علي عملية السلام في السودان و يعيد ترتيب أوراقه وفقا للمعطيات الجديدة لكي يستطيع السودان أن يواجه التحديات المفروضة عليه داخليا و خارجيا من خلال تراص الصفوف و حشد القوة الوطنية في جهة داخلية متماسكة تقوم علي التراضي الوطني و هذه لا تتم إلا إذا غيرت بعض القيادات السياسية و العسكرية الحاكمة منهجها و ذهنيتها التي لم تستطيع لأكثر من عقدين أن تحقق السلام و الاستقرار و عليه هي تحتاج فعلا لوقفة مع النفس و مراجعة للذات بمنهج نقدي و ليس تبريري الذي اعتمدت عليه كل القوي السياسية و لم يجعلها تستطيع أن تتجاوز محطات فشلها و أية خطوة للمراجعة بمنهج نقدي يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح للحل و لكن لغة الوعيد و التهديد لا تجلب سلاما و استقرارا بل مزيدا من التمزق و هي التي تدخل الأجندة الأجنبية. حول التحولات السياسية في الإقليم و التي حتما سوف توثر في مستقبل العمل السياسي في السودان لم يشير إليها الفريق محمد عطا و لم يتحدث عنا بلسان العالم في الشؤون الإستراتيجية حول مستقبل السودان و علاقته بالمحيط و هذا يؤكد أن سعادة الفريق غير مشغول بهذه القضية تماما و هي ليس تأخذ جزءا من تفكيره رغم أنها تؤثر في عملية الأمن السوداني ليس بالضرورة وقتيا ولكن في المستقبل و لكن السيد حسب الله قد أشار إليها إشارة تحمل رؤية المؤتمر الوطني أي رؤية حزبية و ليست رؤية تقوم علي استنتاجات عبر تحليل منطقي للمقدمات و المعلومات المتوفرة و يقول اللواء حسب الله عمر عن الربيع العربي ( الربيع العربي في أصل أطروحته ينبغي أن يكون داعما لتطوير التجربة السياسية في السودان و لا ينبغي أن يحسب عليها و أنما لصالحها من باب أنه صيغة لتمليك الشعوب شأنها و إرادتها و ليست هناك أطروحة سياسية في السودان مناقضة لذلك و أنا أتحدث عن الأطروحات السياسية و ليس المواقف السياسية و إن كان ثمة مواقف سياسية مناقضة لذلك أو فهم أنها مناقضة لذلك فه قطعا مسؤولية أصحابها لكن السياق العام أن القوي الرئيسية التي تحكم في السودان تطرح أطروحة جوهرية هي أنها تود تملك الشعب السوداني كامل حريته و شأنه) أعتقد أن الخلاف مع اللواء حسب في رؤيته حول الربيع العربي أن الرجل في هذه الإشارة قد ناقض حديثه السابق حول إرساء دولة القانون و حل المظالم و إذا كانت النخبة الحاكمة مؤمنة بدولة القانون كانت قد اختصرت مشوارا كبيرا و أنقذت أروحا زهقت في سبيل دولة الحرية و الديمقراطية و ما تزال النخبة الحاكمة تصر علي دولة الحزب القائد و هذه الإشكالية التي تتعارض مع ما هو مطروح في تلك الثورات و ما هو غائب في السودان حتى مساحات الحرية المتوفرة الآن هي جاءت بنضال الناس و ليس اقتناع من النخبة الحاكمة لذلك تظل قضية الحرية و الديمقراطية الغائبة هي سببا في النزاعات و الحروب الدائرة في السودان و ألحظة التي تقتنع فيها النخبة الحاكمة أن تحول السودان من دولة الحزب إلي دولة التعددية تكون قد خطت أكبر خطوة تجاه حل النزاعات في السودان و في الختام مع تقديري لكل من الفريق محمد عطا و اللواء حسب الله عمر و نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه خير السودان. zainsalih abdelrahman [[email protected]]