إطلعت على لقاء مع الأستاذ علاء سنهوري بجريدة الأحداث 28/06/1120. و الأستاذ علاء سنهوري مغن و ملحن و شاعر و عازف على أكثر من آلة موسيقية. و هو فنان مجتهد يسعي بتؤدة لترسيخ تجربته الغنائية التي جوهرها تقديم أغاني ملتزمة بالشعب و الناس و همومهم و محملة بمضامين اجتماعية و سياسية واضحة. هذه الطريقة بالقطع ليست جديدة لا عالمياً و لا في السودان، لكن المهم أن علاء يؤمن بأن هذه الطريقة القديمة المتجددة يجب أن لا تموت و لذا فقد نذر نفسه لمواصلة هذا الدرب و هو درب وضع بصماتهم عليه مبدعون كثر كبرتولد برخت الألماني و الشيلي بابلو نيرودا الشاعرين العظيمين بمقياس الشعر و الفن و بمقاييس الإلتزام النبيل، و في الغناء أمثلة كبوب مارلي و مارسيل خليفة و مصطفى سيد احمد و تريسي جابمان و غيرهم كثر، و في هذا الشأن كنت قد سمعت الأستاذ علاء يقول أنه يعتبر نفسه مواصلة لتيار يشمل وردي و أبو عركي و مصطفى سيد احمد و عقد الجلاد و آخرين و قد كان هذا خلال لقاء بث عبر قناة النيل الأزرق. لعل هذه المقدمة توضح أين يقف علاء من حيث الفكرة و الموقف ، و بقي ان ننظر لمشروعه الأساس و هو الغناء. أغاني علاء و هي كثيرة جداً (بلغت 82 حسب لقاء الأحداث المشار إليه) تتكون من قصائد ملحنة تصاحب بالعزف الموسيقي كشأن الغناء لكن المختلف أن كل غناء علاء أو كل الشعر في غنائه هو شعر موجه يحمل رسالة تتضمن ما ذكرناه سابقاً و تود إيصال رسالتها بالغناء و عند التمعن و الاستماع لهذا الغناء تجد التركيز و الاهتمام الأعظم منصب على الكلام أو الشعر و هذا ما يجعل علاء يبدو و كأنه سياسي أو شاعر يتوسل الغناء لإيصال فكرة ما و من بين ما يدعو لهذا الإعتقاد أن ما يؤثر في المتلقي عند الاستماع لغناء علاء هو الكلمات أكثر من كونها الموسيقى أو اللحن، و هذا ليس قدحاً في ألحان و موسيقى علاء سنهوري لكنه محصلتي الشخصية من الإستماع لغناءه و نتيجة آراء عدد من الأشخاص إستمعوا لأغنياته و يجدون تجربته جديرة بالإحتفاء لكنهم مثلي يجدونه يجحف في حق الموسيقى بتحيزه أو بتركيزه على المفردات حتى و إن كان على حساب سلاسة الغناء. لعلاء فلسفته الخاصة حول الأمر فهو يصنف الغناء لراقص و آخر غير ذلك، و الغناء الراقص حسب تصنيفه هذا، هو غناء مصنوع للترفيه و لحمل الناس على الرقص و هذا هو هدف هذا النوع، أما الغناء الآخر فهو غناء ذو أهداف تختلف عن ذاك فغناؤه هو - على سبيل المثال - كما يرى هو غناءٌ يهدف لخدمة قضايا أكبر من مجرد الترويح الوقتي و هو غناء ذو رسالة تحملها كلمات الأغاني و هذا باختصار عرض لرأيه في الأمر كنت قد استمعت له منه مباشرة خلال بضع حوارات دارت بيننا خلال العام 2005 في القاهرة التي كان يقيم بها وقتها، وأرجو ألاّ يكون عرضي هذا مخلاً. و وفقاً لهذا التصنيف فهو يضع نفسه و أغنياته في خانة الغناء الموجه لغايات غير الرقص. و في هذا الإتجاه ورد سؤال كذلك من المحاور ياسر فائز الذي أجرى الحوار المعني مع سنهوري سائلاً: " الجمهور السوداني الذي يطرب لإيقاع النقارة والتمتم.. كيف له أن يكون معزولاً - بقدر- عن تجربة مثل تجربة علاء الدين سنهوري أو مثل تجربة علي الزين؟" و هو ما يجيب عليه علاء بقوله: "هذه العزلة مردّها إلى نوع ما نقدمه أستاذي علي الزين والأصدقاء في ساورا وعقد الجلاد وأسماء أخرى بالإضافة لشخصي إذ نحاول أن نُعقلن أو نُفكرن أو نجعل من الموسيقى والنص الشعري خياراً للروح قبل الجسد وخياراً للعقل والفكر قبل القلب ولكن بدون إلغاء ونحن بذلك لا نعزل أنفسنا ولكننا ندفع الثمن سعيدين رغم الفداحة . .. زائداً ما يُمكن أن يقال أن هذا النوع من الغناء والموسيقى تتجه كما قلت لك نحو الوعي مباشرةً" أعتقد أن الفكرة التي يعبر عنها علاء سنهوري رغم ثوريتها اللفظية المتخطية لأطر المألوف و المستعدة للتضحية رغم (فداحتها)، هي فكرة و اندفاعة مفعمة بالرومانسية و هذا القول " نجعل من الموسيقى خياراً للروح قبل الجسد" يذكر بما يعرف في الأدب بالحب العذري. ثم ما بال الرقص يُذَم و يتم التبرؤ منه؟ و لماذا يظن علاء أن الموسيقى الراقصة و المصنوعة لمحض وجه الترفيه هي شرٌ و رجسٌ ينبغي اجتنابه!؟ كما يقول علاء في اللقاء المشار إليه "جزء من مؤشرات تقول عن وعينا أنه مازال يربط إحتياجه للغناء فقط بالطقوس الإجتماعية المناسبات والأفراح وغيرها هذه المؤشرات تفيد أننا وبالرغم من تمدد المدن إلا أننا مازلنا مرتبطين بثقافة الريف والمرعى والتي لم يتمدّن فيها المجتمع لينتقل بوعيه إلى إحتياجات الروح". لا أدري ما هي تلك المؤشرات التي يعنيها الأستاذ علاء لكن المؤشرات التي ندركها بالملاحظة فقط تشير إلى أن الغالبية منا تستمع للغناء في المركبات العامة و الخاصة و في الأسواق و المكاتب و المحلات التجارية. و بوسائل عدة إبتداءً من الوسائل القديمة و التقليدية مروراً بأجهزة MP3 و البلوتوث و شرائح الذاكرة الصغيرة و الهواتف النقالة و أجهزة الكومبيوتر بالمنازل و أماكن العمل و غير ذلك و كل هذا يشير لشعورنا بحوجتنا للغناء كل أو أغلب الوقت. لكننا فوق ذلك نجعل له وضعاً خاصاً و احتفاءاً يليق به في مناسباتنا السعيدة مع ملاحظة مهمة هي أننا في مناسباتٍ كهذي لا نحتفي إلا بالغناء الراقص الحافل بالنغم و الإيقاع. طريقة علاء تشبه طريقة الراحل مصطفى سيد احمد من بعض الوجوه و تتأسى بها، لكن الفارق أن مصطفى كان مغنياً يحتفي بالنغم و الإيقاع و بدأ بالغناء السوداني المعتاد فأدى أغنيات السيرة و التمتم و غيرها ثم تحول في مرحلة لاحقة من حياته لغناء الكلمة الملتزمة بقضيته التي يود إرسالها و لكنه ظل محتفياً باللحن و الإيقاع. بينما علاء بدأ مشروعه كرسالة اجتماعية مركزاً على ما تقوله و تؤديه هذه الرسالة و هذا ما قد يكون المسؤول عن إنحيازه للكلام على حساب بقية مكونات الأغنية. عوداً على عنوان المقال، فعلاء سنهوري، حسب تحليلي و فهمي لما يقوله عن تجربته يود تقديم غناء يخاطب العقل من جهة و من جهة أخرى هو يود عقلنة الغناء نفسه و توجيهه حسب الرسالة المرجوة من الكلام حتى و أن أدى ذلك للتضحية بالموسيقى و الإيقاع و هو بالطبع لا يقصد ذلك لكن هذا ما ينتج في المحصلة و ما سيستمر بالضرورة ما لم ينتبه علاء لأهمية تكامل عناصر الغناء و المهم في الأمر أن علاء يستطيع ذلك لو غير نظرته للأمر فهو يملك المقدرة على التلحين لكنه يتجنب الإيقاعات لا سيما الراقص منها، متناسياً أن الإيقاع هو لب ما يجذبنا كسودانيين للغناء مع اهتمامنا الأكيد بالكلمة و هذا يبدو واضحاً فيما نعرفه من غناء سوداني مختلف و ما تسنى لنا الإطلاع عليه من نماذج من مناطق مختلفة من السودان و كما قال شاعرنا العظيم جيلي عبد الرحمن: نحن أسارى الشعر و الدوبيت ألقانا سكارى فالشعر يأسرنا لكن التنغيم و التطريب و الإيقاع هو ما يشجينا و يطربنا. و علاء دارس للموسيقى و لم يدخل هذا المجال معتمداً على صوته وحده و هو صوت قوي و جميل بلا شك و هو يستطيع إن أراد و ليس كنقص القادرين على التمام. و أذكر أن علاء قد قال لي ذات مرة خلال نفس الفترة التي ذكرتها سابقاً أنه قد أتم تلحين عمل عل إيقاع المردوم لكنه لم يسمعني إياه، و أتمنى ليس سماعه فقط لكن أن أسمع له عشرات الألحان الأخرى على المردوم و الكرنق و إيقاعات النوبة العذبة و غيرها مع الاحتفاظ بالرسالة عبر الكلمة و حينها سيلقينا سكارى و لن يضطر لدفع أي ثمن فادح أو غير فادح. دافعي المباشر لكتابة هذا المقال كان هو الحوار المشار إليه بصحيفة الأحداث نهاية يونيو 2011 ثم توقفت عن مواصلته بسبب الشدائد القوية، و ثمة دوافع أخرى أهمها أن حواراً شبيهاً كان قد بدأ بيني و علاء حول تجربته و بيني و آخرين حول نفس الأمر و لم ينته و هو حوار مفتوح النهايات و الاهتمامات يتطرق للتجارب الشبيهة في الغناء و فنون أخرى أتمنى أن يجد حظه من المهتمين و المتابعين. Hisham Hanafi [[email protected]]