حدثني بعض الإخوة العرب عن النكات التي أطلقت في الفريق محمد مصطفى الدابي رئيس بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية للتحقق في مدى إلتزام سوريا بتنفيذ خطة السلام العربية . الدابي لم يستمر في موقعه طويلا , فحلت لجنته مؤخرا بعد أن تبين إنحيازه إلى جانب الحكومة السورية و تعديله في تقارير المراقبين عن العنف و التقتيل الذي تمارسه السلطة الحاكمة في سوريا ضد شعبها . لقد صار امر الدابي مثارا للسخرية و الضحك عند الإخوة العرب فقالوا : ( إن الدابي قد تحول من مناصرة الجنجويد إلى مناصرة الشبيحة ) ! في إشارة إلى فترة عمله في دارفور و إنحيازه دائما إلى المليشيات الحكومية , ثم قالوا بعد أن إزداد الفتك بالشعب السوري و إبادته بالمئات من قبل الجيش و أمن النظام : ( إن من علامات الساعة ظهور ( الدابة ) في بلاد الشام ) ! بين النظامين السوداني و السوري توجد علاقات خاصة أظنها قد نبتت في ظل المقاطعة التي فرضتها الدول الغربية على النظامين , ثم تمددت على مدى أكثر من عقدين رغم الفارق الإيدولوجي الكبير بينهما , فالنظام السوري نظام علماني إشتراكي يقوده حزب البعث العربي الإشتراكي – القيادة القطرية , بينما النظام السوداني نظام إنقاذي إسلامي يقوده حزب المؤتمر الوطني ذو الأصول المنقولة من الجبهة الإسلامية القومية . رغم ذلك نجد أن أوجه التقارب بين النظامين تكمن في كونهما قد تأسسا نتيجة لإستيلائهما على السلطة بواسطة إنقلابين عسكريين , و قد أوجدت المقاطعة أرضا للتبادل التجاري و للإستثمار بينهما , ففتحت الحدود للتنقل بدون تأشيرة . حتى في حالة المؤتمرات السياسية في كل من البلدين نجد ممثلي الحزب الحاكم في البلد الآخر يشاركون مشاركات فعالة رغم الإختلاف الإيديولوجي بين النظامين . في هذه الأيام إزدادت دموية ثورة الربيع العربي في كل من سوريا و مصر . في سوريا إزدادت خسائر الشعب في الأرواح , فإنه و برغم سلمية مظاهراته ,كان مصيره القتل بدم بارد من جيش و امن و شبيحة النظام كالذي يحدث خاصة في حمص , و في تطور جديد إنحاز جزء من الجيش للشعب المغلوب على أمره و أطلق على نفسه الجيش السوري الحر , و ظهرت المقاومة المسلحة و المناطق المحررة كالزبداني في ضواحي دمشق , و صار الأمر يقترب إلى ما كان عليه في ليبيا بعد إحتلال الثوار لبنغازي و الزاوية . في سوريا إزدادت الان معاناة الثوار من ضربات طيران النظام السوري و لذلك فلن يحققوا نصرا إلا بعد حظر الطيران داخل سوريا أو تدخل طيران خارجي من دون إذن مجلس الأمن الذي رفعت فيه كل من روسيا و الصين حق النقض ( الفيتو ) ضد إقرار عقوبات ضد سوريا . ربما يأتي الطيران الخارجي من تركيا , أو من القواعد الأمريكية في المنطقة , بإيعاز من جامعة الدول العربية . أما في مصر فقد إزدادت دموية ثورة الربيع العربي حتى بعد عام من عمر الثورة , و هذه المرة بفعل الصراعات الطائفية و الدينية و الرياضية , و كأن هنالك أيادي خفية تحرك كل تلك الفتن في سبيل إشعال الفوضى الخلاقة . لكن من المستفيد من كل ذلك ؟ إن أصابع الإتهام تشير إلى فلول النظام البائد الذين لا زالوا على مواقعهم و لا زالوا طلقاء بين الناس , و الذين يلقون الدعم من المجلس العسكري الحاكم , ربما في مسعى لإطالة مدته القانونية إذا ما أعلن قانون الطواريء , و بذلك سوف تنتهي محاكمات قادة النظام البائد إلى إخلاء سبيلهم بسبب عدم كفاية الأدلة ضدهم ! في السودان و نتيجة للضائقة الإقتصادية التي تزداد يوما بعد يوم , و لا أدري إلى أي مدى ستصل في نهاية هذه السنة الكبيسة التي أعلن أنها ستكون الأصعب , أحس تململ الشعب الذي شارف على الغليان . ترى , الى أين تقود قراءة مستجدات الأحداث في الساحة ؟ أمام ناظري المذكرات الإصلاحية الخمس التي صدرت من أعضاء حزب المؤتمر الوطني و أيضا مذكرة قادة الجيش . هذه المذكرات تدعو إلى التغيير عن طريق الإصلاحات الداخلية في بنية الحزب الحاكم و في توجهاته , و تحذر من إستفحال مشاكل السودان إذا سارت الأمور كما هي . إذن , أي الحالتين أقرب إذا ما زار الربيع العربي السودان , الحالة المصرية أم الحالة السورية الراهنة ؟ الإجابة ترجح كفة الحالة المصرية . لقد صارت حكومة المؤتمر الوطني مهيأة لحركة تصحيحية قبل أو بعد قيام الإنتفاضة المرتقبة , ربما تعيد دور المشير سوار الدهب لإنقاذ الإسلاميين و قطع الطريق على تسونامي التغيير الجذري . أخيرا , الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك أفريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأسمى المثل , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى و في الوجوه المحفوظة التي ملها الناس ! omar baday [[email protected]] //////////////