Abdel moumin Ibrahim [[email protected]] المعرفة الأولى - منظور ديني جديد لعله كان في الأصل أن يتعرف البشر على الله بصورة طبيعية ومباشرة دون الحاجة لوسيط، نحن هنا نتحدث عن حالة الأصالة التي كان يعيش فيها البشر في الجنة. ولكن بعد خروجهم منها فقدوا تلك الخاصية وصاروا في حاجة لوسطاء يعرفونهم بالله وهم الأنبياء والصالحين. بعمل عناية الله في العقل الأصيل خرج من بين البشر مقامات النبوة الطامحة نحو الكمالات وتنزلت درجات السلم من السماء إلى الأرض لكي يعرج عليها السالكون من البشر. تعرف البشر على الله عن طريق العقل الأصيل وعن طريق الدين. إن علم الإنسان في طور التكوين علم اوليات تتطور وتتحسن عبر مطابقة هذه الأوليات الروحية مع الحسيات المادية، أي مطابقة اوليات الوجود الغيبي مع حسيات الوجود الظاهر فيما يعرف في المصطلح الديني بتعليم آدم الأسماء، ولعل هذا هو جوهر عملية التسوية بين عالم الغيب وعالم الشهادة الذي إلتقى في نوع الإنسان. وهي عملية ذهنية تتطابق فيها الأوليات الفكرية مع الحسيات عبر اللغة. فهناك علاقة قوية بين الرموز وعقل الإنسان واللغة. فاللغة عبارة عن رموز لمعاني قريبة او بعيدة وقد تبعد هذه المعاني حتى لا تستطيع مواعين اللغة تحملها بسبب غياب المصطلح، فيلجأ النص للرموز والأمثال. والتصور هو لغة العقول وهو لا يتم إلا في إطار اللغة (الأسماء – الصفات – البيان) ولذلك اوضح القرءان ان تعليم آدم الأسماء كان بعد خلقه مباشرة وكذلك اوضح أن الله "خلق الإنسان علمه البيان". بعد أن تملصت العلوم واحدة تلو الأخرى من عباءة الفلسفة أعلن فلاسفة الوضعية المنطقية من أنه لم يبق للفلسفة مسألة تناقشها غير اللغة باعتبار ان العلوم قد اجابت على جميع الأسئلة التي كانت تطرحها الفلسفة. ويقول جاك دريدا "لا يوجد شيء خارج النص". لأن فهم الوجود كله عنده مسألة لغة. المسألة المهمة في المعرفة الروحية هي انها لا تتم فقط بنزول المطلق للقيد وانما كذلك بصعود المقيد للمطلق. فالواصل يقرأ في اللوح الأعلى ويقرأ بالأدوات المتاحة عنده وقد يقرأ معارف على هيئة رموز لأنه لا يراها الا كذلك. وقد قرأ الغزالي في اللوح الأعلى فقعَد لعلوم التصوف والروح بينما قرأ ديكارت في اللوح الأدنى فقعد لعلوم الطبيعة والجسد. وعقل الإنسان في مستوى اللغة والمعاني عرف فنون البلاغة المختلفة وهذا دليل على ان اللغة ليست المعاني الحسية المباشرة فقط. فضروب الأدب كذلك تشيع فيها الرمزية لأنها متعلقة بالشعور والحب والجمال وهي كلها فيها طرف من المتافيزيقيا. عرفت الأديان الله تعالى عن طريق خلقه وعمله في تاريخ إصلاح الإنسان. واليوم وقبل ان نمارس هذه المعرفة علينا ان نجددها عبر إعمال العقل وإدخال التجربة والممارسة في عملية الفهم. والخيال مجال اساسي من مجالات العقل لدى الإنسان وفهم النص يشكل مسألة جوهرية في تحقيق التجديد في الفهم الديني والفهم الكلي يتطلب نوع من الخيال السليم الذي يشكل مساحة إفتراضية ينشر فيها العقل الأفكار ثم يرتبها في منطق صحيح. لا بد من فهم النص في جزئياته وفي كلياته وفي سياقه وفي ظرف نزوله. فربما ما نظنه فقه عام اليوم كان فقه ضرورة في ذلك الزمان وربما ما نظنه اليوم فقه ضرورة كان هو الفقه العام الأصيل في زمن النزول. ان مشكلة المعرفة تتعلق بالمفاهيم والتصورات والكلمات والأشياء، اي علاقة الذات بالموضوع. والذات لا تعرف او تعرف عالم الباطن الا بالأدوات التي الفتها في عالم الموضوع والظاهر. النماذج الأولية، والقديمة المكتسبة واحدة، وجذور الوعي واحدة وهذا يقود بالضرورة لوحدة الفكرة الدينية والتي تقود إلى القول بأن جمع المتعدد بسلام هو إرادة السماء، وهي رفع العداوة والرفض بين الأديان وتحقيق جمعها في مستوى الفكرة. فالأصل وتر واحد رأسي إنبثق عنه كل التعدد الأفقي. لابد للناس ان يعملوا في شتى ضروب الحياة لتقريب الشقة بين ما يتعارف عليه الناس. وهذا يؤدي لتقريب الشقة بين وعي البشر وضميرهم والحقيقة الأولى. لابد من الربط بين المنطق والأنطلوجيا ومقولات العقل الديني ومقولات الوجود الطبيعي. الأسماء والمصطلحات عبارة عن رموز نستخدمها للتمييز بين الإدراكات. لا بد من الجمع بين البيان والبرهان والعرفان كما شرحها دكتور محمد عابد الجابري. ينكر الكثير من الفلاسفة أي معرفة قبلية، مثل لوك ودي كوندياك، هما لا يعترفان بمعرفة أولى تلقاها آدم عند تعليمه الأسماء. فمثلاً لوك يرى ان الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء خالية من أي معرفة. فكأنه يقول بأن عالم الظاهر هو المعلم الوحيد، وهذا في ظننا قول ناقص. لقد علم الخالق آدم علماً اولياً (علم الأوليات). فصار آدم بذلك مشروع للكلمة الحية. وظل شيئاً من تلك المعرفة الأولى ينتقل بين أصلاب الرجال وأرحام النساء كابر عن كابر يتلقاها الأبناء عن الآباء. بهبوط آدم فقد الإنسان الكلمة، وصار لزاماً على العناية الإلهية ان ترسل الهداية في شكل كلمة مسموعة ومقروءة. وكذلك بفقدان آدم لجزء من المعرفة الأولى وقع في وعي الإنسان خسران ونقص ظللنا كذلك نتوارثه كابر عن كابر. اللغة قيد والفكر مطلق، فاللغة لا تستطيع ان تعبر بصورة كاملة عن الفكرة، الأمر الذي يستدعي الحاجة للتأويل والتفسير وضرب الأمثال والرموز في الكتب المقدسة. في كثير من الأحيان تخرج القدسية النص الديني من موضوعيته وتاريخيته فتجعل من الصعب التعامل معه. فالنص الديني في اعلاه متجاوز وما ورائي وفي ادناه لا متجاوز وواقعي وتاريخي. لذلك لكي نفهم النصوص الدينية بطريقة صحيحة وخصوصاً بعد مرور آلاف السنين، علينا ان نعيش الظروف الثقافية والإجتماعية والمصطلحات اللغوية في ايام ظهور النص، ثم بعد ذلك نأخذ التفسيرات التاريخية بحذر لأنها هي كذلك محكومة بأحوال الناس والثقافة السائدة ومصالح الناس المختلفة. الهدف الكلي للنص الديني هو خلق الإنسان الحقيقي والمجتمع الحقيقي والعالم الحقيقي، ولكن النص الديني ذاته في وقت ظهوره تحكمه ظروف الناس. نحن نحتاج لمنهج نحافظ به على القدسية وفي نفس الوقت نحلل به بطريقة علمية تاريخية. وهنا تصبح فلسفة التأويل والتفسير هي القدرة على طرح المسائل واثارتها وتقديم إجابات تغير وجه هذا العالم. يختلف النص الديني عن غيره في انه يوجب معرفة قصد صاحب النص زائداً فهمنا للنص ذاته. النص كشيء موجود في الزمان والمكان ولا يمكن ان يفهم إلا في اطارهما. ولكي يعبر النص الزمان والمكان يحتاج للكثير من التجريد في الفهم والتفسير والتأويل ومعرفة العلل والمقاصد وذلك لأن الزمان والمكان هما حالة الإنسان الوجودية. تكمن الحكمة في دمج المجردات بالمقيدات وهذا هو وضع النص الديني. والنص محتواه فكرة (النص هو فكرة أو معلومة قيدت في اللغة) وعليه يكون الفكر نصوص والتفكير لغة العقول. كل فكرة لها مقدمات وموضوع محمول وخواتيم مثل المبتدأ وخبره وهذه بالغة الظهور في حكمة النص القرءاني. وكل فكرة لها مسبقات مجردة تسبق المقيدات تنطلق منها واللغة ماعون الأفكار ووسيلة إنتقالها. كل الفكر الإنساني على مدار التاريخ له مقدمات تصنع نتائج. وكذلك نصوص الكتاب لها مقدمات ونتائج هي الخواتيم والخلاصة.