الاتفاق الأمني بين دولتي السودان وجنوب السودان ينبغي أن يبعد فكرة العودة لمربع الحرب من الأذهان لأنها فكرة غير منطقية لحل المسائل العالقة بين الدولتيين ، ومليئة بالغدر بالشعب السوداني في شماله وجنوبه من قبل المسؤوليين في الدولتين، لأن فاتورة انفصال الجنوب كانت وقف أصوات البنادق وتوقف دوعي المدافع التي حصدت أعداد ليست بالقليلة من أنباء الشعب السوداني حينما حمى وطيس الحرب اللعينة. الشعب السوداني أرهقته المعاناة من كثرة الحروب التي دارت في مناطق مختلفة حيث لم يسلم الشرق والغرب والجنوب من ويلاتها، التصعيد الإعلامي بين دولتي السودان وجنوب السودان ،وتوجيه سلفاكير ميارديت رئيس دولة الجنوب بإنتشار الجيش الشعبي على طول المناطق الحدودية على أن تكون منطقة جودة هي بؤرة الحرب ، لغة قاسية وتعبير عن جاهزية للجنوب بيد انها خطوة لم تخرج من رحم العقلانية لأنه ليس من مصلحة الجنوب أن يصب جهوده في الحرب بل ينبغي أن تنصب في بناء الدولة الوليدة، والبحث عن آليات لإخراج بعض مناطق الجنوب من الجوع الذي يهدد مواطنيها خاصة في ولايتي جونقلي، وواراب، بعد تحذيرات الأممالمتحدة من مجاعة واسعة في الجنوب، وتحدثت أرقام الأممالمتحدة عن أن (2) مليون بالجنوب يعانون من المجاعة، وتمسك الاتحاد الأفريقي بوقف التصعيد والتوتر بين الدولتين خطوة بإمكانها أن توقف الصراع لو وجدت قيادة مسئولة في الدولتين تدرك مصالح الشعب . لا شك في أن تقرير منظمة برنامج الغذاء العالمي (الفاو) عن أزمة الغذاء في السودان تجعل خيار الحرب من أصعب الخيارات في هذه المرحلة ، بل يعني قيادة الشعب السوداني إلى محرقة الهلاك، فالحرب والجوع ستخرج صومال أخر كلنا على يقين بأن خطر أزمة الغذاء لم يهدد الجنوب فحسب بل مناطق الشمال أيضاً وتقرير (الفاو)أكد أن إنتاج الحبوب سيقل في السودان للموسم الزراعي 2011-2012 إلى ما دون المتوسط مما يهدد الأمن الغذائي في كل أنحاء البلاد، وحثت (الفاو) الدول المانحة والوكالات والحكومة على العمل معاً لمنع وقوع أزمة غذائية محتملة في البلاد.إذاً ما لم يتدارك السودان والمجتمع الدولي الأزمة لا شك في أن أزمة الغذاء ستكون أمراً واقعاً بيد أن الدخول النزلاق في الحروبات لن يفتح المجال للتفكير في قضية الغذاء. لا مجال للمزايدة في أن السودان يواجه مخاطر إذ أن تقرير (الفاو) قدر مجمل حصاد الحبوب في السودان بحوالي 2.77 مليون طن وتشمل 2.08 مليون طن من الذرة ، 0.36 مليون طن من الدخن وكميات قليلة من القمح والذرة الشامية والأرز،وتوقع أن يكون محصول الدخن فقيراً خاصة في الأجزاء الشمالية من ولايات شمال دارفور وشمال كردفان، مؤكدا أن هناك حاجة لزيادة الواردات من الحبوب في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوداني من ضعف عائدات النقد الأجنبي، والصعوبات المالية، مشيرا الى ضرورة استيراد 0.98 مليون من الذرة حتى تصل إلى 200 الف طن إذا سمح المخزون الإستراتيجي. وقدر التقرير متطلبات القمح والأرز التي يجب تلبيتها بالمستويات العادية للواردات التجارية بحوالي 1.55 مليون طن و49 الف طن على التوالي. واوضح التقرير إن سعر أرخص نوع من الذرة (الفتريتة)، بلغ 300 دولار أميركي للطن في نوفمبر عام 2011 في معظم أسواق الجملة، مرتفعا من حوالي 220 دولارا في أغسطس 2011، بينما تراوح سعر الدخن بين 550-600 دولار للطن في نوفمبر، مرتفعاً من 400-450 دولارا للطن في اغسطس، وتوقع تواصل إرتفاع السلع الأساسية على حد سواء خلال موسم الجفاف الطويل حتى موعد وناشدت لتوفير 41.6 مليون دولار لتقديم المساعدات الطارئة للأشخاص المعرضين للخطر في السودان من أجل تعزيز قدراتهم على إنتاج الغذاء. مادام الأمر كذلك فعلى الدولتين التفكير بعمق في مسألة التصعيد الإعلامي ولغة الحرب ولا مصلحة للسودان أو دولة الجنوب الوليدة في خلق أزمات جديدة يصعب تدارك اثارها فما خلفته أزمة الجنوب من دمار لم تحرر منه بعد، ومازالت دارفور تدفع فاتورة الحرب وجنوب كردفان والنيل الأزرق، تجاوز الخلافات بين الدولتين يحتاج إلى قرارات سياسية راشدة تضع مصلحة الشعب في قائمة المصالح العليا للدولة وتظل فكرة العودة إلى الحرب فكرة غبية. الجريدة fatima gazali [[email protected]]