عندما عصفت ثورة 25 يناير بنظام حسني مبارك في مصر توقع أهل السودان أن تتغير نبرة الإعلام المصري تجاه السودان بعد أن اتسمت طوال سني العهد البائد بالتجني والاستعلاء على السودان. لكننا أخطأنا برفع سقف آمالنا, فقد أعاد إعلاميو مصر ذات السيرة غير المقبولة حين قابلوا منحة البشير لأشقائه المصرين, والبالغة 20 ألف رأس من الأغنام و5 آلاف عجل بمناسبة ثورة يناير المجيدة والتي تسلمتها مصر بالكامل وتم طرح لحومها بأسعار مخفضة في المجمعات الاستهلاكية, بالاستخفاف والتعالي على دولة السودان بطريقة لم تجد من يردعها من مسئولي العهد الجديد, ولا من يعلق عليها من مسئولي حكومة البشير المجني عليها في المقام الأول, والتي دوماً ما تنتهج نهج الإمام الشافعي في الإعراض عن السفيه وعدم مجاراته في قوله: يُخَاطِبني السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا يزيدُ سفاهة ً فأزيدُ حلماً كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا لقد ضج المداد على الأوراق البيضاء كبياض سريرة أهل السودان رداً على الحملة المسيئة للسودان عبر الفضائيات المصرية عقب مباراة مصر والجزائر باستاد المريخ بأمدرمان والتي بدأها رويبضات الإعلام المصري أمثال إبراهيم حجازي, الذي أقام الدنيا ولم يقعدها على ما أسماه (الاعتداء الوحشي على مشجعي مصر في السودان), هذا الاعتداء المزعوم والذي لم يسفر عن (قتيل واحد) رغم دخول مشجعي الجزائر المحشودين من السجون والمشحونين في طائرات عسكرية والذين أدخلهم الأمن السوداني بدون جوازات ولا تأشيرات كما أدعى الحجازي ومن شابهه!!! كيف لم تجد هذه المزاعم الساذجة من يوثقها ولو بكاميرا هاتف نقال؟؟ بل تعدى ذلك إلى إيهام الناس بصورة لجزائريين يلوحون بالسكاكين على أنها أخذت في أمدرمان الخالية تماماً من السحب في الثامن عشر من نوفمبر, وهو فصل الشتاء الذي لا يعرف الأمطار ولا السحب الظاهرة في خلفية المقطع. لماذا يكذب إبراهيم حجازي وأمثاله؟ لماذا يزيفون الحقائق؟ على الرغم من كل هذا التجني المتعمد على قدرات شعب السودان الذي غُمِطَ حقه ولم يذكروا أن شعبه (الطيب) قد أسكن إخوانه القادمين من شمال الوادي مجاناً لوجه الله بلا منٍّ ولا أذى في بيوته وفنادقه فكان جزاؤه كجزاء سنمار, حيث رموه بسهم باطل أطلقه أمثال هالة صدقي وأحمد بدير ومحمد فؤاد الذي ما زالت مخازيه تلوث اليوتيوب راسماً صورة سيئة للرجل المصري الذي يهرب ويترك النساء خلفه ويختبئ تحت كراسي الحافلات. فقد قال في برنامج البيت بيتك على الفضائية المصرية: "الأمن السوداني اتخان من الجزائريين خيانة عظمى" وقال أيضاً: "الأمن السوداني جري مننا في اللحظة اللي إنت محتاجهم فيها لأنهم حيموتوا" ... "الليلة كبيرة ما تعرفش عليهم بأى؟!" .. إذا سلمنا بكل هذه الإدعاءات الساذجة, فإن قوانين المنطق تحتم وجود ضحايا يفوق عددهم أعداد (رجال الأمن السوداني الغائبين عمداً). وهذا ما عجز كل المرجفون عن إثباته ولو بصورة فوتوغرافية واحدة لهذه (الاعتداءات الوحشية)؟! نحن ندين ونستنكر بشدة أحداث مباراة الأهلي والمصري ببورسعيد والتي راح ضحيتها 73 مشجعاً ونترحم على أرواحهم. تلك الأحداث التي جانبت الروح الرياضية بل تحولت إلى جريمة تستحق العقاب الرادع لمرتكبيها. ولكن من باب المقارنة فقط لا غير, كان من المفترض أن يكون حجم ضحايا (موقعة أمدرمان) كما وُصِفَتْ في حينها, أضعاف ضحايا مباراة بورسعيد في ظل توفر أسلحة (تباع في الشوارع) وأمن (غائب) وشرطة (جريت خوفاً على روحها)!! لقد غاب الأمن في بورسعيد فحضر الغوغاء من الناس والسفلة المتسرعين إلى الشر فعاثوا في الأرض فساداً وأوقعوا القتلى في مشهد غوغائي قطيعي بلغ عدد ضحاياه 73 قتيلاً ومئات المصابين غالبيتهم من مشجعي النادي الأهلي, وقد حملت لجنة برلمانية بحسب صحيفة الأهرام المسؤولية الأكبر لجهاز الأمن وبعده الاتحاد المصري لكرة القدم ثم النادي المصري وأخيرا هيئة استاد بورسعيد. الوجه الآخر للصورة: حضر الأمن في السودان الذي أدار دخول وخروج أكثر من خمسة عشر ألف مشجع جزائري ومصري حضروا وغادروا في 48 ساعة وبكفاءة عالية, وتوفر التنظيم في استاد الخرطوم الذي لبس حلة بهية في ليلة مباراة مصر والجزائر الخالية من السحب المفترى بها علينا, فلم ينزل مشجعوا الجزائر لأرضية ملعب المريخ كما حدث في بورسعيد. حضر الأمن السوداني فغابت صور الاعتداءات المزعومة على الجماهير المصرية. فقد كانت خيالات مريضة أرادت النيل من قدر السودان ولم تفلح. غاب الأمن في بورسعيد فملأت صور الضحايا الأثير,, فقد كانت حقيقة أثارت غضب واستنكار العالم أجمع, وكنا أولهم. فقد استضاف الهلال أول أمس على ملعبه حرس الحدود المصري في مباراة ودية يذهب ريعها لضحايا حادثة بورسعيد, فيما رفض الزمالك الحضور بسبب 100 ألف دولار!! على الرغم من التجني غير المبرر على السودان وشعبه, والذي يتطلب اعتذاراً رسمياً لم يحدث حتى الآن, فقد تقدم السودان الجميع من خلال مبادرة نادي الهلال الإنسانية. مازال الإعلام المصري يخلط بين الطيبة والسذاجة, نعم نحن طيبين ولكننا لسنا سذج. نحن نحترم الآخرين, لكننا نحترم أنفسنا أكثر وندافع عن بلدنا ضد الهوام التي تحاول النيل منها.