الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    محسن سيد: اعدادنا يسير بصورة جيدة للقاء انتر نواكشوط    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسهامات مطلوبة قبل اليوم الموعود (6) .. بقلم: أم سلمة الصادق
نشر في سودانيل يوم 19 - 04 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
كسب الديمقراطية الثالثة في مجال الهموم اليومية:التموين والمعيشة
نهنيء الاخوة المسيحين بعيد الفصح المجيد وأعياد شم النسيم بمناسبة حلولها.
وعلى الصعيد الوطني بخلفية (الإعتداء؟)على هجليج ندين كل اعتداء على أرض الوطن وكل اعتداء على السيادة السودانية. وإذ نتمنى على الله أن لا يرينا فيهما مكروها أبدا ، ندرك أن نيل الأماني ليس بالتمني وأنه في ظل المنهج المعوج وفي (الزمن المكندك والحزن الإضافي) أو كما ورد في مقطع من رائعة عبقري زمانه محجوب شريف التي تتغنى بها فرقة عقد الجلاد لا يمكن للأسف في مثل هذا الزمن وتحت ظل ذلكم المنهج أن تسلم سيادة الوطن أو أرضه من الإعتداءات ولا أن تكون مواقفنا خالصة لوجه الوطن-الا من رحم ربي لأننا غير واثقون : كيف حدث ما حدث ولماذا حدث .ولن تكون مواقفنا خالصة للوطن طالما كان الوطن مرتهن الإرادة والمصير،و جل شعبه رعايا و ليسو مواطنون: لأنهم مبعدون من الشراكة ومن اتخاذ القرار ومحرومون من الحريات والحقوق .
فإن كان ضياع هجليج اليوم يؤلمنا فيجب أن نقف مع ذواتنا لنسأل :وهل حافظنا على العهود ومع ذلك اعتدى علينا المعتدون؟ وهل كان التفريط في هجليج هو الأول في دفاترنا؟ ألم نتسبب قبل ذلك في ضياع الجنوب بكامل أرضه وشعبه وموارده بمثل تلك السياسات المفرطة والمفّرطة الرعناء التي أضاعت اليوم هجليج والتي لا تستطيع أن ترى إلا ما هو تحت القدمين.فكيف أضعنا الجنوب مقابل السلام وجنينا الحرب؟ ونحن هنا نحمل المسئولية بدرجات متفاوتة للجميع : الحكومة أول من نرمي بسهامنا وكل الآخرين الذين سمحوا لها بالمضي قِدما في العبث بالسودان .كما نطالب بمحاسبة كل من تسبب بمسئولية مباشرة عن ذلكم التفريط .وندعو الله لُيري القيادة في البلدين المتجاورين أن يتقوا الله فيمن تولوا أمرهم (كرها وعنوة)ويُعلو صوت العقل والحكمة فالحرب دماء ودمار مثلما قال الامام الصادق بالأمس في منتدى السياسة والصحافة 17 ابريل 2012 .
وخطورة أن يكون شعب في بلده من الرعايا تعلفنا اليوم حصادها المر فالوطنية والولاء للوطن كلها قيم تأخذ بعدها ومداها حينما يكون الوطن هو السكن وعندما نرى في مرآته وجوهنا بتنوعها الإثني والديني والعمري والنوعي ،لا أن تقف قبالة الوطن لترى وجهك فتطالعك أشجار المؤتمر الوطني الزقوم ، ووجوه رموزه البائسة :ساعتها لن يكون خيار سوى المهارب أو الغربة داخل الوطن إن تعذر الهروب وساعتها تختل المقاييس التي تقيس درجات الوطنية لأن الاحساس بالوطن نفسه يكون عَدم.
الفرصة اليوم مواتية لننبه سادة المؤتمر الوطني ليدركوا كم هو خطِر:أن تطابق حزب بالوطن وكم هو خطِر أن تُضيع مصالح وطن مقابل مصالح أفراد وحزب : فساعتها سيكون نداء الوطن آذان في روما ،ولسان حال الناس يقول اذهبوا ومن معكم من المنتفعين فقاتلوا أما نحن فهاهنا قاعدون.ولن يكون لك حينئذ ،حق توزيع صكوك الوطنية :هذا صالح وطني وذاك متخاذل وطابور خامس مثلما يفعل سادة المؤتمر الوطني اليوم بعد هجليج .
ما يدور في ساحة الوطن يجب أن يستنهضنا كلنا للذود عنه ،فالوطن لنا جميعا ،لنقم بخطوات تستبق الحروب القادمات وتسد ثغراتها وتعمد لاستعادة الوطن المختطف وإعادته سيرته الأولى وذلك لن يكون في ظل نظام ثبتت عدم جدواه للقاصي والداني.
نعود لمواصلة ما انقطع من اسهامات قدمناها عبر سلسلة من خمس مقالات سابقة كنا قد قاطعناها بمقال عن إحداثيات الهيئة المركزية لحزب الأمة (6-7 ابريل 2012) التي شهدت نتائجها ومجرياتها بخلاصة اسهاماتنا التي تريد أن تؤكد أهمية و جدوى ضوابط الديمقراطية في كل أداء.
سبق لنا أن تناولنا في مقال :( الشموليون في عقبة الإقتصاد والتنمية) كيف تمت إدارة الاقتصاد والتنمية بنجاح في ظل الديمقراطية الثالثة مقارنة بما عاسه الشموليون في مايو والانقاذ. وقد كانت جزئية تتعلق باستراتيجية الدولة وخططها على المستوى الأكبر(الماكرو) ونتناول اليوم قضية التموين والمعيشة وهي من قضايا هموم الحياة اليومية التي تجابه المواطنيين والتي تُعنى بإدارة الاقتصاد على مستواه الأصغر( المايكرو).
جاء في كتاب الديمقراطية راجحة وعائدة الذي قلنا أننا نتتبع من خلاله أداء الديمقراطية الثالثة أن السودان لم يعاني من المشاكل التموينية قبل 1969م في الأحوال العادية لأن إنتاجنا المحلي كان كافيا لسد حاجة المواطنين وكنا نصدر أكثر مما نستورد. مما أتاح لنا رصيدا من العملات الصعبة، فمول به كل حاجتنا من الواردات، بنظام كان يسير بكفاءة وكانت الحكومة تحتكر بعض الواردات مثل السكر والبترول وتوزعه ميدانيا عبر قنوات محددة وكانت البنوك القائمة في البلاد تمول تجارة التصدير والإستيراد والتجارة الداخلية.
مثلما هو متوقع قامت مايو بتغيير هذا النظام لربط التوزيع الميداني بقنوات الإتحاد الإشتراكي، ليشتري بها الولاء السياسي من القاعدة الشعبية. و نشأت من جراء ذلك سبع مشاكل في مجال التموين في ظل مايو نستعرض فيما يلي كيف تمت مجابهتها وحلها في ظل الديمقراطية الثالثة:
الإضطراب السكاني، اللاجئون،النازحون، قنوات التوزيع، تدني الإنتاج المحلي، إضطراب الإستيراد،الفساد التجاري.
الثلاثة مشاكل الأولى(الاضطراب السكاني،النازحون واللاجئون) مشاكل مرتبطة بالكوارث الطبيعية مثل الجفاف الذي ضرب السودان في عامي 83-84 والكوارث من صنع الانسان مثل الحروب التي استعرت في السودان بين الجنوب والشمال عام 1983 بأشد مما كانت بعد خرق النميري لاتفاقية أديس أبابا التي كانت قد كبحت جماح تلك الحرب لعشر سنين خلون .وقد طال التشوه الديمغرافي المدن الكبيرة التي قصدها النازحون بسبب عوامل الطرد من الريف لنقص الخدمات وانعدام فرص العمل وعوامل الجذب في المدن ، حتى بلغت نسبة زيادة سكان المدن الكبيرة في السودان في الأعوام الأخيرة في عهد مايو 8 % في السنة.ورثت الديمقراطية هذه الأوضاع حتى قدرت معتمدية العاصمة سكانها في عام 1988م بعدد 7 مليون. مع أن تعدادها الذي قامت عليه المعادلة التموينية لا يزيد عن 3.5مليون.
الخطوات التي اتبعتها الديمقراطية لمعالجة الوضع المشوه :
1- لقد شرع في إجراء تعداد جديد لسكان السودان .ومن ثم تقرر وضع سياسة سكانية قومية، تحدد ماهو الوضع الأمثل بالنسبة للنمو السكاني، ولنسبة الحضر للريف، وما هو الهرم السكاني الأمثل، ماهو الكم والنوع الذي ينبغي أن يكون عليه سكان السودان.لقد وجهت تساؤلات محددة في هذا الصدد للمؤتمر السكاني الثالث الذي عقد في الخرطوم في تشرين الأول أكتوبر 1987م، وكونت لجنة قومية انبثقت في المؤتمر لوضع مشروع سياسة قومية مثلى للسكان في السودان.
2- لجأ إلى السودان عدد كبير من جيرانه من أثيوبيا ومن تشاد ويوغندا حتى بلغ العدد مليوني نسمة. هذا العدد الكبير انتشر في السودان في شرقه وغربه ووسطه وجنوبه دون وجود برنامج سوداني واضح نحوهم سوى كرم الضيافة المعهود في أهل السودان.
ومنذ أن اتضح غياب سياسة محددة نحو اللاجئين تم تعيين لجنة قومية برئاسة البروفسير مدثر عبدالرحيم لدراسة المشكلة من كل أبعادها وآثارها السلبية على السودان.وما ينبغي عمله لمصلحة اللاجئين ولحماية مصالح السودان.عكفت اللجنة على دراسة الموقف ثم رفعت تقريرها تجد تفاصيله في الكتاب).
زاد من وقع تلك المشاكل المتعلقة بزيادة عدد السكان ما تبقى من مشاكل(تدني الانتاج المحلي، قنوات التوزيع،اضطراب الاستيراد والفساد التجاري) .فكان ما ينتج على قلته يضيع بسبب قنوات التوزيع وأولويات الاستيراد الخاطئة والفساد.
تدني الإنتاج:
فيما يختص بالانتاج المحلي فقد كانت المواد التموينية الضرورية وهي السكر- الخبز-الوقود- الذرة-زيت الطعام-والسلع المصنعة(الصابون-الأقمشة الشعبية-الكبريت-حجارة البطارية-الأحذية)تنتج غالبا في السودان والباقي يتم إستيراده.
المدخلات اللازمة للصناعة السودانية كيما ترتفع نسبة إنتاجيتها إلى المستوى المطلوب تبلغ قيمتها 300مليون دولار في السنة.تدنى الإنتاج الصناعي في عهد مايو لعدم تمكن توفير المبلغ المذكور إلى متوسط 25% من الطاقة الإنتاجية للمصانع.
وفي عهد الحكومة الديمقراطية أمكن توفير حوالي 50% إلى 60%من المبلغ المطلوب مما رفع الإنتاج ولكن ليس للحجم الذي يغطي الحاجة تماما،إلا في بعض السلع.يستطيع القاريء الكريم الاضطلاع على التفاصيل في الكتاب المبذول في موقع حزب الأمة ويلاحظ المتفحص أن توفير السلع المذكورة كان يتم وفق جهود مدروسة يشترك فيها المختصون لذلك ترى فيها كثيرا من الحلول المبدعة مثلا بالنسبة لتوفير الرغيف :تجربة خلطه بالذرة المتوفر محليا والبترول تم الاتفاق مع دول عديدة لتزودنا بالبترول مقايضة برميل ببرميل بعد بدء انتاج البترول السوداني الذي كان قد تم اكتشافه .
قنوات التوزيع:
المشاكل الأخرى مثل قنوات التوزيع التي حاول النظام في الديكتاتورية الثانية الربط بين التموين والولاء السياسي وضعت الحكومة الديمقراطية ضبطا لذلك: (توحيد قناة توزيع المواد التموينية،ضبط التوزيع عن طريق بطاقات تموينية توزع على المواطنين ويدون فيها ما يشترون،إعادة تحديد حصص العاصمة والأقاليم على أساس واقعي،قيام لجان شعبية للرقابة،الإسراع بتكوين المجالس المحلية على أساس ديمقراطي لتشرف على سير التموين،إقامة جهاز مباحث تموين لضبط التوزيع ومراقبة الأسعار ومحاصرة السوق الأسود).كما تم تكوين لجنة قومية برئاسة د.الجزولي دفع الله تم تكليفها بدراسة الأمر وتقديم توصيات بشأنه، بما في ذلك مشروع قانون للحكم المحلي الديمقراطي.وقد أنجزت اللجنة مهامها بتقديم دراسة جيدة ومشروع قانون للحكم المحلي .حيث استعرضت الحكومة ذلك التقرير وأدخلت عليه بعض التعديلات ولكنها أجازته في جوهره.
إضطراب الإستيراد
إن العجز في الميزان الخارجي معناه أن السودان لا يستطيع -كما كان الحال قبل 1969م أن يغطي ما قيمته 500مليون دولار.
لقد استطاعت الحكومة المنتخبة عبر الأعوام الثلاثة أن تسد الفجوة بالقروض والمنح وموارد المغتربين. واستطاعت ترشيد إستيراد السلع الكمالية والتركيز على إستيراد السلع الضرورية.
ورغم الحاجة الماسة فإن الحكومة الديمقراطية استطاعت أن تفي بحاجة البلاد التموينية بنسبة عالية (70%) أكثر مما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة في عهد مايو. وطبعا أكثر كثيرا مما صار إليه الحال في عهد الديكتاتورية العسكرية الثالثة.
الفساد التجاري
لقد تطور جهاز متعدد القنوات، كثير المنتفعين، هو جهاز السوق الأسود.وصار له قنوات تمويل داخل وخارج السودان( استخدمة وسائله الجبهة الاسلامية كذلك). واكتسب خبرات ومهارات وزبائن.ووجد السبيل للتعامل مع شركات أجنبية وقوى عديدة حتى صار مافيا شرقية(مقابل مافيا الغرب إيطالية الأصل).هذا الكيان هو أحد آثار مايو الخطيرة جدا على السودان وقام إلى جانب ذلك المارد التجاري كيان آخر يعمل بالتهريب.فتم تهريب الصمغ العربي والسكر إلى أثيوبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وتهريب الشاي والبن والخمور من زائير وأثيوبيا.وتهريب الجمال إلى مصر وأثيوبيا وليبيا بالإضافة إلى تهريب الضأن إلى السعودية وتهريب السجائر منها.تم وضع برنامج لمحاربة السوق الأسود والتهريب.مع أن ذلك البرنامج لم يحقق النجاح المطلوب بسبب خلافات سياسية لكنه حقق بعض النجاح الذي كان يرجى له التقدم خاصة ونظم الديمقراطية لا توفر حماية لتلك الأنشطة بطبيعتها بينما في الشموليات يتمدد الفساد ليكون بنيويا مرعيا بالسلطة ومحاسيبها.
غني عن القول أن تلك المشاكل في التموين والمعيشة والتي ورثها النظام الديمقراطي وقد رأينا كيف مضى برشاد وتوفيق وفي زمن وجيز في علاجها بصورة ملحوظة، هذه المشاكل كلها تضاعفت أضعافا كثيرة في عهد الديكتاتورية الثالثة فقد رأينا كيف تشوهت الخريطة الديمغرافية وصار الريف طاردا لدرجة أن د.جعفر ميرغني قد كتب في مقال له عن (مدينة رحلت مكانها)مشيرا فيه لظاهرة ترييف العاصمة وزاد عدد سكان الخرطوم تلك التي أسست خدماتها لنحو 3.5مليون لتبلغ ما يزيد عن ال9 مليون نسمة !
أما تدني الإنتاج فقد شهدت به ميزانية 2012 التي لا تدعم الزراعة ولا الصناعة ولا الموارد البشرية( ونرى اليوم وزير المالية يقر بوجوب مراجعة الميزانية المعتمدة على موارد افتراضية لا يمكن تحصيلها بعد الحرب مع الجنوب! مما يعدنا بمزيد من التشوه وشح الصرف على الانتاج والخدمات )ويشهد به المزارعون المعسرون في السجون ويشهد به أصحاب المصانع الذين يقولون أن المصانع توقفت عن العمل بنسبة 75%.
وعن الأولويات الخاطئة في الاستيراد يحدثنا د.التجاني الطيب :(بلغت فاتورة الإستيراد 2.5 مليار دولار سنويا وصادراتنا لاتصل الى مليار دولار)(التجاني الطيب،ندوةغلاء المعيشة ،الأسباب،التداعيات والحلول).
بالنسبة لقنوات التوزيع فإعطاء الحقوق على أساس الولاء للمؤتمر الوطني سيرة يتحدث بها الركبان ولكل منا في تجربته مع دولة الانقاذ قد تكون واجهته عقبات الحصول على الحقوق (وظيفة أو خدمة أو غيرها)من الحكومة إن لم يظهر الولاء للمؤتمر الوطني وفي أحيان كثيرة يكون عليه مقايضة الحصول على الخدمة المطلوبة مقابل بطاقة عضوية المؤتمر الوطني.
أما الفساد التجاري والرخص التي تعطى للمحاسيب والاقتصاد الذي صار خصوصي ويمتلك أكثر من 1500 شركة لا تعمل بقوانين الاقتصاد المعروفة مما أزكمت رائحته الأنوف وطفحت به الصحف اليومية والسايبيرية فغني عن الأقوال.
ونستطيع هنا الاستشهاد بما كتبه أ.جمال عدوي في : (قراءة جديدة لملفات الديمقراطية الثالثة) المنشور في الوطن 26 مارس 2012 "عموما لا بد من تقرير حقيقة جوهرية ناصعة وهي ان تجربة الديمقراطية الثالثة في السودان قد كانت ايجابياتها اكبر من سلبياتها ومثل ما ظل مفكرون كثر يرددون بأن « أخطاء الديمقراطية تعالج بالمزيد من الديمقراطية»ويستمر أ.جمال عدوي ليقرر:( بأنه حقا، لم يكن لاي طرف او قوى الحق في الإطاحة بالنظام الحزبي التعددي، الذي ظل يمثل خيارا اساسيا ارتضاه الشعب السوداني.. لذلك لا بد من التأكيد وفي زمن انتصار ثورات الربيع العربي بأن قطار السياسة بالسودان لا بد له من العودة الى سكة الديمقراطية التي تؤمن حقوق جميع القوى الحزبية في العمل والتنافس بحرية لنيل ثقة الناخبين عبر خيار الانتخابات الحرة. ونقول بأن الإخلال بمسار التداول السلمي للسلطة دائما ما يكون هو السبب المباشر لتولد الأزمات وتفاقم المشكلات السياسية مما يخلق واقعا سيئا يدفع ثمنه الشعب بكافة فئاته). انتهى
وتصح تلك الشهادة على جميع المستويات سواء في مجال الاستراتيجي أو على مستوى ما نناقشه اليوم بخصوص التموين والمعيشة فالأمور يتم تدبيرها وإنجازها بصورة أفضل في ظل النظم الديمقراطية والأسباب واضحة:إشراك الناس في إدارة شأنهم،شورة ذوي الاختصاص والخبرة في المجال المعين ،الشفافية والخوف من المحاسبية كلها أشياء تجعلنا نقول باطمئنان أن الفلاح والانجاز ديمقراطي.
وسلمتم
umsalama alsadig [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.