شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر السودانية خديجة أمريكا تظهر بإطلالة ملفتة وتزعم أنها "هندية" الجنسية    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    البرهان : لن نضع السلاح إلا باستئصال التمرد والعدوان الغاشم    وفد عسكري أوغندي قرب جوبا    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    مجاعة تهدد آلاف السودانيين في الفاشر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    لدى مخاطبته حفل تكريم رجل الاعمال شكينيبة بادي يشيد بجامعة النيل الازرق في دعم الاستقرار    شغل مؤسس    عثمان ميرغني يكتب: لا وقت للدموع..    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    الشان لا ترحم الأخطاء    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكري الرحيل المر: الاتحاديون.. حطة وطنية وحزبية ولا أزاهرة لها (1) .. بقلم: محمد عصمت يحى


تحية معطونة بعرق وتضحيات أيامنا الخوالي
منذ رحيلك المر في مثل هذا اليوم من العام 2006 لم يتجرأ قلمي علي سكب مداده عنك وعن رحيلك، صدقني وكما كنت دائما ً كذلك .. ما للقلم من ذنب وما لمداده من جفاف .. فقط هي اليد التي ترتجف والنفس التي تهتز ... كنت ُأمنيهما باستطالة الأيام ودوران الساعات علهما تشفيان .. منذ رحيلك المر ظللت أحاصر يدي ونفسي وُأسائلهما بأي آلاء ربهما يكذبان ؟؟؟ ولكنهما لا يجيبان فتتمدد ِصحار الأسي المنقوع أمامنا دون رواحل تقلنا،، ظللت لستٍ من الأعوام انصرمت لم أقرب القلم لأكتب لك وعن فكرة جمعتنا لسنوات طوال، ظللت ُمكتفيا ً بتسقط أفعالك تجاه الأحداث وما أجُلهًا قبل رحيلك وبعده، وما عساك فاعل لو كنت خطوا ً بيننا كما يخطو العريس في يوم عرسه، كما تعودت فلا ُأخف عليك سرا ً فحتما ً ما دعانى للكتابة أن شيئا ً دفينا ً لم أتبين كنهه يصاحب رغبة ً هائجة عسى أن ينكشف سترهما للأيام القادمات، غير أن دافعى الذى يمور بدواخلى وأنا أستشرف مدارج هذه الذكري هو ما ينتاشنى من هواجس ووساوس بشأن ما ُنشئنا عليه يا سمح السجايا وأنت أعلم بها دون غيرك من عامة الاتحاديين وخاصتهم، يقينا ً ما يدفعني هو عودة سؤالي لنفسي وأنا أتذكر أبى رحمه الله يعود ليلاً من ضواحى المدينة ( أم روابة ) أو كما كانت تسمى - دائرة شرق كردفان – أو وهو يودع أمى صباحا ً محملا ً بأوراقه وأحلامه فى أن تظل تلك الدائرة حكرا ً أبديا ً أزهري الملامح و القسمات، كان الوالد يحيى فى حله و ترحاله ذاك لا يملك من زخرف الدنيا غير زوجة صابرة على أذى الفراق وثمن التفرغ للشأن الوطنى والهم الحزبى بجانب إبنين وبنت فى ذلك الزمان الذى لم يولد فيه بعد بقيتهم، ثم وظيفة فى سوق المحاصيل- العامر وقتها بشتى الخيرات – وماهية يذهب ربعها لمكتبة عبد الله مجاور والباقى تقتسمه إلتزامات الحزب والبيت والنادى الثقافى ثم نادى الهلال ولوج محجوز بكامله يومى الأحد والجمعة بسينما محمد الحسن شاع الدين.
عدد من الأسئلة تقافزت فى عبثٍ بائن إلى ذهنى المرهق تمحورت حول أي فكرة عظيمة تسربت من أصلابه وترائبه إلي وجداني فنزعت وبقوة إلي البقاء فيه ؟؟
الشقيق العزيز محمد أزهري
كم أرجو أن تتفضل علي بالولوغ في شأن الإتحاديين من بعد رحيلك المر !! فلقد صبرنا عليهم صبرا ً أعجب الصبر ذاته من صبرنا فهم ما يزالون في غيهم بعمهون رغم ما لحق بوطن الآباء والأجداد من ضياع وهوان، فلئن أشكو بثي إليك وكما ألفتني فليس ذلك من قنوط ولكنها صيحة صحو ٍ في ساحة ُسكر .. طبت وطابت بك مراتع الجنان، فدعني لهم وأنا لها..
لا أدري لمه القرار بأن أبدأ بالعام 2005 وما عايشته وشاهدته في أيامه من مواقف البعض ممن يحسبهم عامة الإتحاديين في عداد الصف الإتحادي.
أحد هذه المواقف هو وصول دعوة رسمية لنا في الحزب الإتحادي الديموقراطي الموحد لحضور ليلة سياسية للحزب الإتحادي الديموقراطي (الأصل) تحمل في ديباجتها صورة وحيدة لزعيمه الذي لا زال حيا ً ُيرزق إستتبعها إعلانات خاصة بالتسجيل الإنتخابي وتحمل أيضاً ذات الصورة، الموقف الآخر في إفتتاح أحد دور الحزب الإتحادي الديموقراطي (المسجل) بالخرطوم وأمين إعلامه يتحدث بأن حزبه لا يعرف شخصا ً إسمه إسماعيل الأزهري، أما ثالثهما فهو ما نشرته بعض الصحف السودانية خلال تلك الأيام من عدة مقالات لكتاب أعمدة وأصحاب رأي في معرض تصديهم لحديث الضابط المصري أمين شاكر في أحد برامج قناة دريم الفضائية المختصة بالتوثيق والذي تناول فيه سيرة مؤسس دولتنا السودانية الحديثة وزعيم معارك إستقلالنا بأوصاف قلما تجدها في أي أحد سوداني المولد والنشأة دعك من أحد فى قامة الرئيس الشهيد سيدى الأزهري إسماعيل، بقراءة متأنية لتلك المقالات والأعمدة ألخصها لك عزيزي القارىء ولأغراض هذه الحلقة في الآتي :
1. الحديث الهتافي عن الدور الزعامي للرئيس إسماعيل الأزهري عند الشعب السوداني و(الرفض الخجول ) لما ورد في حديث الضابط أمين شاكر وإعتباره حديثا ملفقا ً وباطلاً .
2. أهمية دعم ومساندة الأستاذ محمد إسماعيل الأزهري (العام 2005 أي قبل عام الرحيل المر) في سعيه العائلى لمقاضاة قناة دريم الفضائية وضيفها المتحدث الضابط أمين شاكر.
3. ضرورة مراعاة الفصل بينه و بين مصر بحكومتها ومؤسساتها وشعبها وتحقير شأن المتحدث الضابط أمين شاكر وحث القراء على تسفيه حديثه .
أولا ً يتوجب علي تثمين ما قام به الأستاذ محمد الأزهري آنذاك من رصد وتوثيق لهذا(الشأن الجلل) في قرص مدمج وتوزيعه على السادة كتاب الأعمدة وأصحاب الرأي وحملة الأقلام فهذا يعنى أن هناك أعين فى هذا البلد لا تنام، غير أنما أحسسته وتلمسته من بين تلك الأسطر المخطوطة آنذاك وإنفعال كتابها بتلك الأسطوانة أن الأنفاس والأقلام ما زالت محكومة بنفس نصوص وقيود الوهم السائدة فينا لخمس عقود وبفعل( البعض منا) قبل الآخرين، فالإخوة الكرام ممن تناولوا حديث الإفك الشاكرى، كان من المأمول أن يكون تناولهم أشد قمعا ً وعمقا ً، إذ ان المتحدث آنذاك ليس من سابلة القوم فى الدولة المصرية بل هو أحد أعضاء ووزراء ونافذى تنظيم ( الضباط الأحرار ) الذي إستورث ملكها وعرشها حتى يومنا هذا رغم أنف ثورة يناير، وهو تنظيم لا يخفى على أحد إلى أى مدى كانت مساهمته في تشكيل الوجدان الداخلي للدولة المصرية ومؤسساتها الرسمية والشعبية إلى جانب العوام من شعبها، كما أن شخصية الأزهري موضوع الهجوم والإغتيال بواسطة ذلك الضابط ليست هى تلك الشخصية التى يمكن أن يتعرض لها أى هبيب أو دبيب إنما هى شخصية لها موجبات نقدية من حيث مؤهلات الشخوص وقداسة الامكنة ، فالزعيم الأزهري هو طارد الإستعمار المصري من بلاده (هذه الحقيقة التاريخية التي يتوجب ترسيخها لدى كافة السودانيين جنبا إلى جنب نظيرتها الإستعمار البريطاني) وهو رافع العلم السوداني بديلا للعلمين المصري/البريطاني وهو مؤسس للدولة السودانية المتحضرة بدستورها و إنتخاباتها وبرلمانها وأحزابها..إلخ مما جعلها بلدا ً نقيضا ً لجيرانها وضريباتها من دول (الشعارات القومية والثورية والتقدمية الزائفة)، لذا فمن الأوجب علينا جميعا إطالة الوقوف أمام ذاك الحديث والنظر إليه بعقول باحثة وأعين فاحصة دون إسقاط لعنصرى الزمان والمكان وما يموجان به من أحداث كادت فى أمسنا وتكاد فى حاضرنا أن تعصف بوطن يكفيه فخرا ً أنه أنجب الأزهري (سلطان العرب وعمدة إفريقيا)، ولكن ُكتابنا وحَملة أقلامنا ونخالهم جميعا من الأزاهرة ، قد شاءوا وبمحض إرادتهم المرور علي ذلك الحديث (الحدث) وكأنه أمر يوجب فقط وضوء الثورة وكفارة الغضب ودعم الشقيق محمد أزهري.
صدقا ً مع النفس وحتى تكتمل صورتي لدى ذهن القارئ، بدءا أقر بأنني عضو بالحزب الإتحادي الديمقراطي الموحد، ملتزم لجانبه يافعا ً وحتى بلوغي مرحلة الوعي بالسياسة وأشجانها، أى قبل أكثر من ثلاث عقود زمانية لعبت فيها الأبوة المفعمة بالولاء للوطن والحزب والأزهري دورها المقدر في تركيب مزاجي وتنشئتي سياسيا ً، ثم تدرج إلتزامي في مدارجه حتى ِبت من أشقاء اليوم، شريكا ً في إعادة الحضور والألق له بعدما لحق به ما لحق بفضل الأعداء واللاأوفياء فى الخارج والداخل، لذا فان التطرق لموقفي الحزبين (الأصل والمسجل) المتزامنين مع حادثة الضابط ( أمين شاكر) وعلى نسق ما جرت به أسطر حملة أقلامنا وكتابنا فى مواجهته يظل حسب تقييمى موقفا ً خديجا ً إن لم نمسك بعصم الحقائق البيًنة والسعى لتبيانها بإعتبارها واجبا ً حزبيا ً وحقا ً وطنيا ً يتوجب أداؤهما فى إطار معادل لإطار الزعم والإتهام المطروحين من قبل الحزبين (الأصل والمسجل) والضابط أمين شاكر، وملخص تلك الحقائق البيًنة هو ما يمكن تسميته ب (العقلية المصرية الساعية أبدا ً لإستتباع السودان وإلحاقه بمصر بواسطة أربابها في الداخل وأذنابها في الخارج)، إذاً فان الفعل الايجابى الناجز لكبح جماح هذه العقلية لن يكون بمثل ما يرى كتُابنا وحملة أقلامنا (نستثنى هنا مقال الأستاذ سعد الدين إبراهيم فى عموده – النشوف آخرتا حول موضع الضابط شاكربجريدة الصحافة (، إنما الرد العملياتى هو إعادة فتح هذا الملف (ملف العلائق السودانية المصرية) وتقليب صفحاته بغرض دراسة كل ما هو مسكوتٌ عنه ومتحفظ ٌعليه طي هذا الملف، ومعرفة الأدوار المصرية وتأثيراتها الموجبة والسالبة على الوطن والحزب منذ الغزو التركى مرورا ً بالإستعمار الثنائى، ثم العهد اليوليوي وإلى آخر حلقة من حلقات تاريخنا الحديث المنتهية بإحتلال حلايب وسقوط مبارك، إذ لابد من التأمل والمذاكرة في صفحات هذا الملف صفحة صفحة بعقلانية مرجوحة على ما عداها من هكذا شعارات ( أزلية وتاريخية العلاقات ووحدة وادي النيل..إلخ)،
إن أوجب واجبات مرحلة البناء الحزبي القائمة الآن والتي يضطلع بها جيلنا فى عصرنا هذا تفرض علينا وبإلحاح وطني مسؤول أن نعكف على تشريح هذه العلائق بشقيها القومي والحزبي، كما أن إجالة البصر وبصبر جميل خلال منعرجات التاريخ المصري الحديث مع الإتحاديين فى كل مراحل تخلقاتهم وتحولاتهم يبقيان من فرائض العين الواجبة علنا نجد تفسيراً منطقياً لكل ما حفل به ذلك التاريخ (غير الناصع) من أحداث وخطوب ومعرفة نصيب الصدفة أو التدبير فيها، كيما نتمكن - إن كان ذلك سهلا ً و ميسوراً - من إزالة كل ما علق بجُدر الحزب من خربشات ( هيروغلوفية) ظلت تشوه صورة تلك الجُدر على الرغم مما ُيلصق بحزبنا من شبهات الولاء والموالاة لمصر والتي يحسبها بعض المغالين من متشيعى ومنسوبي المنظومات السياسية الأخرى بل ومن بعض مفكريهم ومنظريهم وبعض عديمى الإلمام بالتاريخ إلى وصمه بالتبعية والعمالة.
إننا وغير ُ كثيرٍ سوانا يعلم أن السمت المخابراتى ظل بائنا ً وجليا ً في منهج الدولة المصرية لإدارة الملف السوداني لأكثر من ستين عاما ً، الأمر الذى رسخ صورة هذه العلائق في المخَيلة العامة لدى السودانيين والمصريين كحالة َتقلُبية لا تعرف السكينة أو الإستقرار، حالة رهينة بقيود الأقبية المظلمة والأضابير من شاكلة ( سرى جداً أو للغاية) - لا بإعتبارها حالة أو علاقة طبيعية بين دولتين جارتين منشود لها الإستقرار المستدام خضوعا ً لمعايير المصالح المتبادلة ولغة الحوار المفتوح وفق القواسم المشتركة بينهما، إن الخروج بهذه العلاقة إلى فضاءات التميز والفرادة يكاد يبدو أمراً عصياً إن لم يكن مستحيلاً طالما ظل الشأن السوداني ملفاً مخابراتياً لدى الذهنية المصرية المفَكرة (بتشديد وكسر الكاف) ومراكز إتخاذ القرار فيها على الرغم من المحاولات الفطيرة بإيجاد واجهات سياسية ووزارية يحسبها بعض الغافلين هنا وهناك أنها من أهل الحل والعقد فى شأن هذه العلاقة أمثال الدكتور يوسف والى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الزراعة حتى عهد قريب وقبل إقالته في عهد المخلوع مبارك.
في هذا السياق يبقى المطلوب - وليس المرجو- من الإتحاديين مراجعة هذا الملف مراجعة دقيقة ففيه من الأحداث والمواقف ما هو جدير بإعمال مناهج البحث فيها لهثا ً وراء الحقائق المجردة ورصداً علمياً لحركة التاريخ بغرض إستذكار الدروس والإعتبار بما حوته من أحداث ومواقف ثم السعي المشترك مع القوي اللبرالية الحية داخل الدولة المصرية لوضع هذه العلائق في مسارها الطبيعي حسب مفردات ومفاهيم عصرنا هذا والتى حدثنا بها الأزهري إسماعيل مذ أبريل 1954 وكأنه يهتك أستار الغيب حينما ُسئل من قبل الصحافيين فى باندونغ عن سبب المواجهة مع الوفد المصرى (بقيادة عبد الناصر) وسبب إصرار الزعيم الأزهري على مشاركة السودان كدولة مستقلة فأجاب أن طبيعة العلاقة بين السودان ومصر(إنها علاقة الند للند)، لقد كان الزعيم الأزهري يري بثاقب بصيرته وفي ذلك الزمان الذي لم تتشكل ملامح عالمه بعد أن مستقبله في تبادل المنافع والخيرات أما العواطف والغزليات فهى من الأمور التى لن َتجمع أو ُتوحد بين الدول والشعوب.
إن السودانيين والإتحاديين يتناسون وعن عمد ُموغل في البلاهة أحيانا ً الدور المصري في أحداث مارس 1953 والتي كادت أن ُتودي بأحلام السودانيين في إستقرار حكومة الأزهري الأولى وذلك بتأجيج صراع حزبي ُينتج إنهياراً دستورياً يمنح بريطانيا سانحة النكوص عن إتفاقية الحكم الذاتي وتتبخر بالتالي أحلام كل السودانيين فى الإستقلال ولكن فطنة وحكمة الأزهري كانت حاضرة وراصدة لما يدور، فجاء إحتواؤه بيانا ً صاعقا ً لُنذرعبقرية قادمة ستتربع علي دست الحكم فى بلد كالسودان بكل ما إستودع المولى جلا وعلا أرضه من موارد وكنوز، إن الإتحاديين يتجاهلون وبصورة تدعو للعجب دور النخب المصرية الحاكمة في إسقاط حكومة الزعيم إسماعيل الأزهري الأولى من داخل البرلمان (المستقل) وهو يودع آخر جندي بريطاني بمحطة السكة حديد بالخرطوم ولكن خاب الفأل تحت الضغط الشعبي للسودانيين الذى حاصر نواب التخذيل حتى ُأجيزت الميزانية وعاد الزعيم الأزهري رئيساً للوزارة. إن الإتحاديين الباحثين عن وحدة الإتحاديين حتى يومنا هذا، يجب أن يبحثوا عن حجم الجهد المبذول من قبل الجانب المصرى ( لمه ؟؟ وفيم ُبذل ؟؟) في تأسيس حزب الشعب الديمقراطي المنشق عن الحزب الوطني الإتحادي (حزب الحركة الوطنية آنذاك) والذى كانت ثمرته قيام حاجز نفسي بين الطائفة الختمية من جهة والإتحاديين من جهة أخرى، وهو حاجز ما نفتأ نعاني من تأثيراته حتى يومنا هذا وسنظل كذلك إلى زمان ليس بقريب، إن الإتحاديين يبذلون جهداً خرافياً في تناسى الدعم والإسناد المصري للإنقلاب المايوى المشئوم ووزره المعلوم للكافة في الإغتيال السريرى والمعنوي للزعيم الشهيد إسماعيل الأزهري مؤسس الدولة السودانية بعد تحريرها من إستعمار الدولتين (مصر وبريطانيا) الشيْ الذي أدى إلى توقف وإنقطاع حلقات بناء الدولة السودانية ومؤسساتها وفقا لقيم كانت الجارة مصر تفتقدها كالحرية والعدالة والديمقراطية وبالتالي تأخرت عمليات إتمام بناء الأمة السودانية فإستفحل الصراع جنوبا ً وتمدد شرقاً وغرباً تحت رايات الإستعلاء والتهميش التى إستقطبت عددا ً غالباً من أبنائنا وإستقطعت جنوبا ً غاليا ً من أرضنا فى غياب العقل السياسى الراشد دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث في من أو في ما وراء الاسباب، إذا إدعينا البراءة فإن الدولة المصرية لم تكتف بدورها الداعم والمساند لنظام مايو المشئوم بل تحول إلى دور تحالفى إتسم بطابع إستراتيجي إستدعى كل أنواع التدخلات دعما وحماية وتأمينا للنظام المايوى ( أحداث الجزيرة أبا مارس 1970، إنقلاب يوليو1971، ثورة يوليو 1976) ، ثم من منا لا يذكر عبارة الشربينى الشهيرة فى يونيو 1989 ( ديل أولادنا ) الواردة فى رسالة إبتعثها لحكومته مبشراً بزوال عهد وحكم الديمقراطية الثالثة فى ميقات شهد إنتصاب قامات الإتحاديين وتنامى إسهاماتهم السياسية وتمدد نفوذهم السياسى والجماهيرى شاهدنا فى ذلك الفوز فى انتخابات إتحاد مزارعى السودان، إتحاد نقابات عمال السودان، نقابة السكة حديد، نقابة المحامين مما أنعش الآمال فى إكتساحهم لأى إنتخابات قادمة. إن حلقات الغفلة عند الإتحاديين تتشابك منذ ذلك الزمان وحتى تاريخنا القريب، ولعل أصدق الأدلة إن أردتم هو إستضافة القاهرة لمؤتمر المرجعيات في مايو 2004 ، إن إحتضان الدولة المصرية لهذا المؤتمر الضرار وتوفير كل أسباب الدعم المادي واللوجستى لانعقاده هو أيضاً أمر لا يمكن تفسيره وتبيانه إلا في سياق ما تم سرده من مواقف تاريخية، فهو لا يعنى غير الوقوف أمام الإرادة الإتحادية الوطنية ودم تمكينها من القيام بدورها الوطنى فى عملية بناء الدولة والأمة بل هو محاولة إغتيال متعمد لضميرها الحي الكامن في أحشائها والمنتج لهرمونات بقائها السرمدي وذلك بإستنساخ حزب شعب ديمقراطي آخر على غرار ما حدث في يونيو 1956 بزعامة البيت الميرغنى، يجدر أن أشير أن لا أحد من الإتحاديين ينكر بل ولا يحق له أن يستنكر عمق العلائق التي تربط البيت الميرغنى بالدولة المصرية وتفاصيلها بما فيها من واجبات وعطايا ومنح وهبات إمتدت لأكثر من ثلاثة عشر عقدا ً ن الزمان فهي علائق تجد منا نحن الإتحاديون ما يمكن تسميته ب (القبول المشروط) أي عندما تقف هذه العلائق بعيداً عن الخطوط الإتحادية الوطنية الحمراء بإعتبار أن جوارها وما حولها هي محارم وطنية مقدسة لا يمكن التفريط فيها .. لكن إرادة المنهج والمزاج الحاكم في مصر شاءت أن تصبح علائق البيت الميرغنى وإستحقاقاته للدولة المصرية أداة تحجيم وتقصير للهامة الإتحادية بكل ما تحمل من شمم وطني وإباء حزبي وهو حتما ً ما يدخل في دائرة المرفوضات الوطنية والحزبية. الغريب أن كل ما سردناه وما لم نسرده وما تستبطنه صدور أبناء السودان من أسرار يحدث أمام بصرنا وبغفلة بعض منا على الرغم مما قدمه الزعيم الأزهري لمصر وقائدها المهزوم آنذاك المرحوم جمال عبد الناصر من خلال مؤتمر القمة العربي ( بعد هزيمة 1967) الأمر الذى أعاد التوازن النفسي لمصر الناصرية والأمة العربية بأسرها أثرالاستقبال العظيم للقائد المهزوم والمصالحة التى لم تكن تخطر على قلوب العرب والعجم بين الملك فيصل وعبد الناصر في شوارع الخرطوم والتى وفرت دعماً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً له ولغيره من دول المواجهة ما أعانهم على الخروج الكريم من بئر الهزيمة فى ( يونيو 1967) .
هنالك حقائق ُمعطاة من خلال هذا الحديث والحدث يجب أن نسوقها كما هي وكما أراد لها أصحاب و ُكتاب المقالات والأعمدة حتي لا يتوهم البعض أن هذا الحديث الذي نسوقه لم يكن إستثمارا ً لحدث الضابط المذكور وموقفي الحزبين الإتحاديين (الأصل والمسجل) لماذا ؟؟
أولا ً: إن الرجل ناثر هذا الحديث لم يكن أحد نكرات تنظيم الضباط الأحرار في المؤسسة العسكرية المصرية بل كان من قيادييها وجزءاً من مكونات دماغها السياسي فهو أمين لمجلس قيادة ثورة يوليو 1952، ورئيس للمخابرات المصرية ثم هو أحد وزراء حكومة عبد الناصر.
ثانياً : هذه الحقائق تشير وبوضوح إلي تمدد مساحة الشبهات حول الدور المصري وإرتباطه بالأحداث الوطنية (لا ننسى أرقين وحلايب هنا) وكذلك الشوؤن الحزبية لعدد من الأحزاب والتنظيمات السودانية.
ثالثا ً: هذه الحقائق تتطلب ضرورة التناول العميق لحديث هذا الضابط (أمين شاكر) والإهتمام به بإعتبار أن قائله ليس شخصاً لا يعرف مكانة الزعيم إسماعيل الأزهري وقدره عند الشعب السوداني كما كتب بعض حملة الأقلام عندنا آنذاك، إنما هو أحد المؤسسين لعقلية المؤسسة الحاكمة في مصر حتى يومنا هذا حسب شهادة حشود ميدان التحرير التي تخرج كل جمعة منادية بتسليم السلطة وإعتزال العسكر.
رابعا ً: أهمية هذه الحقائق في تحرير الذهنية العامة لدى الشعب السوداني من أوهام الشعارات علي شاكلة أزلية وتاريخية العلاقات وخطلها الذي عشعش في دواخله لعقود خلت لم يجن من ورائها إلا السراب والعدم وإلا فما بالك بأقوام يسعون بيننا في هذه الأيام يرددون فحيحا ً حول ضرورة وحدة النيل.
خامساً: إن هذا الحديث الحدث عن الزعيم الأزهري يؤكد بجلاء أن الهجوم آنذاك قد إستهدف مركز توليد وتخزين قوى الدفع الذاتى التى يمكن أن ُتزود الوطن والحزب بمكونات البقاء الأزلى فى منظومة الدول الأرقى والشعوب المتحضرة.
يقينا ً لا ُأخفى رغبتي في ضرورة عكوف بعض الباحثين من الأشقاء والأزاهرة بمختلف أحزابهم وعقائدهم السياسية على دراسة هذا الملف الغريب (العلائق السودانية المصرية ) علهم يخرجون علينا بما يحيل هواجسنا وشكوكنا تجاه جيراننا في مصر إلى يقين يسكن دواخل البعض منا ُملخصه فقط هم جيراننا ولكنهم يسكنون شمال الوادي لا غير.
سنواصل ..
Mohamed Ismat Elmobashr [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.